القضاء التجاري / تصفّح المكتبة
بسم الله الرحمن الرحيم
(إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا).
صدق الله العظيم
إهداء
إلى جميع من تلقَّيتُ منهم النصح والدعم إلى من علَّمني كيف أقف بكل ثبات فوق الأرض أبي المحترم إلى نبع المحبة والإيثار والكرم أمي من علَّمتني العطاء وغمرتني بحنانها وكرمها إلي أستاذي الذي علمني وبادر بتقديم العلم والقيم والمبادئ دون أنتظار مقابل إلى أقرب الناس إلى نفسي و إلى كل من دعا لي بالخير أهديكم ذلك العمل المتواضع.
شكر وتقدير
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمَّد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد..
فإني أشكر الله تعالى على فضله حيث أتاح لي إنجاز هذا العمل بفضله، فله الحمد أولاً وآخرًا، ثم أشكر كل من مد لي يدَ المساعدة، خلال هذه الفترة، وفي مقدمتهم أستاذي المشرف على البحث.
مـقـدمــــة
للعقود أهمية كبيرة في حياتنا، بحيث تكون العقود ناتجة عن الاتفاق بين أطراف العقد، وقد يتم التعاقد بشكل يومي سواء عقد بسيط كالتنقل بسيارة عمومية، أو عقود يشترط بها الكتابة والتوثيق كضمان لحقوق الأطراف ولحل النزاعات حال وجدت بين المتعاقدين، وسنعرض في هذا البحث: لأركان العقد.
فالعقد هو عبارة عن اتحاد إرادتين أو أكثر اتحادًا يبرز أثره في المعقود عليه، فلا بد لانعقاده من توافر تراضي الأطراف، كما ويجب أن يكون هذا التراضي على محل قابل لترتيب أثر العقد عليه، وبالتالي فإن التراضي يكون تعبيرًا عن إرادة أطراف العقد، وهذه الإرادة لا تصدر إلا عن شخص عاقل ومدرك، ولا بدّ من أن تتجه هذه الإرادة إلى إحداث أمر محدد ومعين بذاته[1].
ولهذا فإن أركان العقد في القانون هي: التراضي، وهو الإرادة، والسبب، وهو الغاية المشروعة للعقد، والمحل، وهو ما يحدده طرفا العقد، والذي يجب أن يكون مستوفيًا لجميع الشروط المنصوص عليها في القانون[2].
وهذه الأركان الثلاثة التي ينعقد بها العقد قانونًا، كانت محل اختلاف على مستوى فقهاء القانون المدني، أما على مستوى التشريعات المدنية فهي من حيث الأساس كانت واحدة، ولكن يختلف كل قانون عن آخر في بعض الجزيئات البسيطة.
وعلي هدي ذلك فقد أرتأينا تقسم هذا البحث علي النحو التالي:
الفصل الأول
الرضـــا
المبحث الأول
وجود وصحة الرضا
يعد ركن الرضا في العقد أول ركن من أركانه، ويتوافر متى ما توافرت إرادتان أو أكثر متوافقتين، فإذا كان وجود الإرادة يكفي لنشوء العقد، فإنه لا يكفي لصحته، بل لكي يكون العقد صحيحًا لا بدَّ من أن يكون رضا كل من المتعاقدين لا تشوبه أي شائبة صحيحًا[3].
فالتراضي هو: “تطابق إرادتي الإيجاب والقبول لإحداث أثر قانوني، سواء كان هذا الأثر إنشاء التزام أو تعديله أو نقله أو إنهائه”، لذلك يعد التراضي الركن الأساسي الذي يقوم عليه العقد، وعليه يجب أن تصدر هذه الإرادة من شخص حائز للأهلية، ولا يعتد القانون بتصرفات الأشخاص، إذ ما شاب تصرفاتهم عيب من عيوب الرضا، كما هو الحال بالطفل غير المميز أو المجنون، ولا يعتد بالإرادة التي لا تتجه إلى إحداث أثر قانوني معين[4].
وجود الرضا:
التراضي لغة هو: “اتحاد إرادتين أو أكثر على إحداث أمر معين”، وقانونًا هو: “اتحاد إرادتين أو أكثر على أحداث أثر قانوني محدد”، لذلك يجب لوجود التراضي أن تتوجد الإرادة، وهذه الإرادة تكون متجهة إلى إحداث أثر قانوني معين، كما ويجب أن تكون هنالك إرادة أخرى مطابقة لها بحيث يحصل التوافق بينهم، حتى ينشأ العقد صحيحًا قانونًا، وقد لا يصل المتعاقدان إلى مرحلة العقد النهائي إلا بعد المرور بأكثر من مرحلة، مرحلة تمهديه وهي مرحلة الاتفاق الابتدائي، أو العربون، كما وقد ينعقد العقد بإرادة صادرة عن النائب في التعاقد عن المتعاقد الأصيل[5].
صحة الرضا:
أن وجود هذا التراضي لا يكفي لتكوين العقد، بل لا بدَّ من صحة التراضي، لكي ينعقد العقد بشكل صحيح، وأن يكون صادرًا من شخصين أو أكثر يتمتعان بالأهلية اللازمة للتعاقد، وأن يكون رضاهم سليمًا، أي خال من العيوب التي من الممكن أن تشوب الرضا في بعض الحالات[6].
المبحث الثاني
عيوب الرضا
كلّ عيب من الممكن أن يطرأ على المتعاقد نفسه، ويجعل رضائه مَعيبًا، وبدوره يؤدّي إلى انعدام الأثر القانونيّ للعقد المبرم، فالعيب نتج عن اختلال في رضا أحد المتعاقدين أدّى إلى أن يكون رضاؤه معيبًا، ومن الممكن أن يؤدّي هذا إلى انعدام أيّ أثر قانوني للعقد، ويشترط في الرضا لكي يكون صحيحًا أن يكون قد صدَر من شخص ذي أهلية قانونية كاملة وإرادة سليمة لا يشوبها أيّ عيب من عيوب الرضا، لذا قررت العديد من التشريعات القانونية مجموعة من العيوب وأوردتها على سبيل الحصر؛ رغبةً منها في عدم التوسّع فيها؛ حتى لا يتضرر أحد المعاقين ، وهذه العيوب هي:
وهو أن يقوم أحد أطراف العقد بخداع الطرف الآخر بوسيلةاحتيالية قولًا أو فعلًا تدفعه على الموافقة على إبرام العقد، ولولا هذا النوع من الخداع الذي تعرض إليه لما لجأ إلى التعاقد، وعليه يشترط لحدوث مثل هذا الأمر، أن يتم استخدام وسائل احتيال، وهي قد تكون إما بالأفعال أو بالأقوال، ولا بد في هذه الحالة أن يؤدّي التغرير إلى وقوع غبن فاحش على الطّرف الذي تمّ التغرير به، يكون هو الدافع الرّئيس إلى التّعاقد، يتّصل بإرادة أحد المتعاقدين، وعلى هذا الأساس فإنّ حكم التغرير يجعل من العقد قابلًا للفسخ؛ لوقوع الضرر[7].
ويُقصد به توهّم في نفس الشخص يحمله على اعتقاد شيء ما مخالف للواقع والحقيقة يدفعه إلى إبرام العقد.
فالغلط بهذا المعنى هوىالوهم الذي تقع فيه الإرادة بتصورها غير الواقع، سواء كان الغلط في القانون أم في الواقع، والغلط إذا شاب الإرادة يجعل التصرف قابلًا لإبطال مصلحة من وقع فيه، ولقد حاول المشرع القانوني في معالجته لمفهوم الغلط أن يتوافق مع مفهوم الغلط في الفقه الإسلامي الذي ذهب هو الآخر إلى القول إن الغلط ما هو إلا أمر كاذب يتولد في ذهن الشخص، وعليه يشترط في الغلط أن يكون كالآتي[8]:
غلطًا جَوْهَرِيًّا: بمعنى أن الغلط وقع على صفة أساسية في الشيء أو أنه حصل في شخص المتعاقد ذاته أو في إحدى صفاته الأصلية، كإبرام عقد شراكة مع شخص يتبين فيما بعد أنه ليس ذات الشخص المقصود بشخصه، والذي تم إبرام العقد من أجله·
غلطًا متّصلًا: بعلم المتعاقد الآخر أي أن الغلط في هذه الحالة يكون مشترك بين الطرفين أو كان من السهل عليه معرفته.
وهنالك غلط يمنع انعقاد العقد ابتداءً وهو ذلك الغلط، الذي يقع في ماهية العقد ذاته أو في شرط من شروط الانعقاد أو الغلط الذي يعيب رضا أحد الأطراف.
وهو إجبار المتعاقد أو التّهديد (مادي، أو معنوي) دون وجه حقّ بخطر يحيط به أو بآخرين غيره ممّا يدفعه بموجب هذا التّهديد إلى إبرام العقد، وهنا يميّز فقهاء القانون بين الإكراه الملجئ الذي يقضي بإيقاع خطر جسيم على الجسم أو المال مثل التهديد بالقتل أو بإتلاف المال، ومثل هذا النوع من الإكراه يجعل العقد باطلًا لأنه يفسد الاختيار والإرادة، وبين الإكراه غير الملجئ الذي هو دون ذلك بمعنى لا يصل إلى حدّ التهديد بالقتل أو إتلاف المال كما أَسْلَفَ ومثله التهديد بالحبس أو الاعتداء بالأقوال والألفاظ وهذا لا يؤثّر إلا على التصرفات القوليّة دون الفعلية، أمّا حكم الإكراه كونه ملجئًا أم غير ملجئ فإنّه يجعل العقد الذي تم إبرامه مشوبًا بعيب من عيوب الرضا موقوفًا إلا إذا أجازه المكره نفسه[9].
الفصل الثاني
السبـب
المبحث الأول
نظرية السبب في القانون الحديث
السبب هو الركن الثاني من أركان العقد، وهو وثيق الصلة بالإرادة لذلك لا يتصور أبدًا بأي حال من الأحوال أن تتحرك الإرادة دون أن يكون هنالك سبب ما، فالسبب هو: “الواقعة القانونية التي أنشأت الالتزام”، ونتيجة لذلك يترتب على عدم مشروعية السبب بطلان العقد، كبطلان عقد الإيجار لعدم مشروعية السبب الذي بُني عليه هذا العقد، كأن يكون الهدف من الاستئجار ممارسة أعمال منافية للآداب العامة.
ونظرية السبب في القانون هي النظرية التي سعى القضاء إلى ترسيخها، والتي تقوم على أساس الأخذ بفكرة الباعث الدافع للتعاقد، واشترطت هذه النظرية شرطين مهمين فيما يتعلق بسبب العقد في القانون، وهما[10]:
المبحث الثاني
أنواع واثبات السبب
أولاً: أنواع السبب:
يميز الفقه بين نوعين من أنواع السبب[12]:
ثانياً: إثبات السبب:
إذا ذكر السبب في العقد أعتبر أنه هو السبب الحقيقي، حتى يقوم الدليل على عكس ذلك، إما في حالة لم يذكر السبب في العقد يفترض القانون وجوده حكمًا، والقرينة هنا بسيطة وقابلة لإثبات العكس، كما ويجوز إثبات العكس بكافة طرق الإثبات التي نص عليها القانون، كالبينة والقرائن، لأن إخفاء عدم المشروعية في العقد الذي تم إبرامه، غش يجوز إثباته بجميع الطرق الإثبات المنصوص عليها في القانون[13].
الفصل الثالث
المحل
المبحث الأول
الفرق بين محل العقد ومحل الالتزام
محل العقد هو الركن الثالث من أركان العقد، وهو: “عبارة عن الأداء الذي يجب على المدين أن يقوم به لمصلحة الدائن”، والمحل إما أن يكون نقل حق عيني، أو القيام بعمل، أو الامتناع عن القيام بعمل، ولكل التزام محل أيا كان مصدره، مثال محل عقد البيع: التزام البائع بنقل ملكية الشيء المباع، ومحل التزام المشتري هو دفع الثمن.
مما سبق يمكن القول بأن محل العقد هو ما توافقت عليه إرادة الأطراف المتعاقدة على تحقيقه من العقد وهي إما إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إنهائه.
أما محل الالتزام هو ما التزم به الأطراف المتعاقدة كالتزام المدين اتجاه الدائن علما أن العقد مصدر من مصادر الالتزام الإرادي وقد يكون محل الالتزام ناشئا عن مصدر آخر من مصادر الالتزام كالإرادة المنفردة مثلا.
المبحث الثاني
شروط المحل
ويشترط في المحل أن تتوافر فيه ثلاثة شروط هي[14]:
أولاً: أن يكون المحل موجودا أو ممكنًا:
لما كان محل الالتزام نقل حق عيني أو القيام بعمل يتعلق بشيء معين، فإنه في هذه الحالة إذا كان محل الالتزام نقل حق عيني؛ كنقل ملكية شيء معين، أو القيام بعمل يتعلق بشيء معين، مثال: التزام المؤجر من تمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة، يجب في هذه الحالة أن يكون موضوع الحق، والذي تم التعاقد عليه موجودًا وقت إبرام العقد، فإذا لم يكن موجودا فيعتبر العقد باطلًا، وإذا كان الشيء موجودا وقت التعاقد، ولكنه هلك بعد إبرام العقد فإننا نكون أمام استحالة تنفيذ للعقد.
ثانياً: أن يكون المحل معينًا أو قابلًا للتعيين:
إذا كان محل الالتزام نقل حق عيني فهنا يجب التميز بين الأشياء القيمية والأشياء المثلية، فإذا كان محل الالتزام من الأشياء القيميات، فيجب أن تكون معينة تعيينًا كافيًا، مثال: لو أن محل الالتزام بيع أرض للغير فيجب هنا أن تٌعين هذه الأرض بالموقع والمساحة والحدود على وجه لا لبس فيه، إما إذا كان محل الالتزام من المثليات “المقدرات” فيجب أن يتم تعين نوعها ومقدارها كبيع طن واحد من الحنطة الوطنية.
ثالثاُ: أن يكون المحل مشروعًا وغير مخالف للنظام العام:
لا بد من أن يكون محل العقد من الأشياء القابلة للتعامل فيها أي مشروعة، والأصل إن جميع الأشياء صالحة لأن تكون محلا للحقوق المالية، إن لم تخرج من التعامل بطبيعتها أو بحكم القانون، فالأشياء التي تخرج عن التعامل بطبيعتها كماء البحار والهواء وأشعة الشمس، لا يمكن تملكها أو نقل ملكيتها، إلا في حالة حصرها وإفرازها وفق الشروط التي ينص عليها القانون، وإلا جاز الطعن بالعقد لعدم مشروعية محل العقد.
إما فيما يتعلق بالأشياء التي تخرج عن دائرة التعامل بحكم القانون، مثل الأملاك العامة، فلا يجوز التصرف فيها بالبيع أو بالتقادم، أو بأي تصرف قانوني آخر، وكذلك الاتجار بالبشر والمخدرات والنقود المزيفة والأسلحة غير المرخصة، أو بكل ما يخالف النظام العام والآداب العامة، فمثل هذه الأشياء تعد من قبيل مبطلات العقد لأنها بالأصل أشياء لا يجوز التعامل بها.
خاتمــــــة
نظرًا لأهميّة العقود في حياة الإنسان فقد تولّت التّشريعات القانونيّة على مختلف أنواعها تنظيمها ووضع الشروط الّلازمة لانعقادها وصحّتها، وعليه كان من الضروريّ التعريف بأركان العقد، فتناول هذا البحث الرضا، من حيث وجود وصحة الرضا، وعيوب الرضا، ونظرية السبب في القانون الحديث ،وأنواع واثبات السبب، وتعريف محل الالتزام ومحل العقد، وشروط محل الالتزام، حيث أن الرضا والمحل والسبب هي الثلاث أركان الأساسية لأي عقد، وأنتهينا إلي بعض التوصيات:
قائمة المراجع
1- حسن علي الذنون (1970)، شرح القانون المدني اصول الالتزام، بغداد:مطبعة المعارف.
2- عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني نظرية الالتزام بوجه عام، بيروت:دار إحياء التراث العربي.
3- عبد المجيد الحكيم و عبد الباقي البكري ومحمد طه البشير (1980)، الوجيز في نظرية الالتزام في القانون المدني العراقي، بغداد:وزارة التعليم العالي والبحث العلمي جزء 1.
أنور سلطان (1998)، الموجز في النظرية العامة للالتزام (الطبعة 1)، الإسكندرية:دار المطبوعات الجامعية.
5- عبد الباسط جاسم محمد، المفيد في شرح القانون المدني العراقي، العراق:كلية القانون جامعة الانبار.
6- علي فيلالي (2007)، الالتزامات النظرية العامة للعقد (الطبعة 2)، الجزائر:موفم للنشر والتوزيع.
7- سامي عدنان (2013)، نظرية العقد لدى الشيخ مصطفى الزرقا دراسة فقهية مقارنة، فلسطين:جامعة الازهر غزة