إلزام الخصوم بتقديم المستندات

رغم أن الأصل أن كل شخص يحق له الاحتفاظ بما لديه من أوراق ومستندات أو دفاتر خاصة به، بحيث لا يمكن أن يجبر أحد على تقديم وثيقة لاستخدامها كدليل ضده، أو مفيد لمصلحة غيره.

لكن هذا الأصل المعروف في قواعد الإثبات المدني لا يستقيم مع ظروف الدعوى الإدارية عموما ودعوى الإلغاء خصوصا، التي تتسم بوقوف الفرد أعزلا في مواجهة امتيازات الإدارة، وعلى رأسها حيازتها للأوراق والمستندات مقابل افتقاره لها مع أنه المكلف بعبء الإثبات.

ولهذا فقد حرص المشرع الجزائري من خلال قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجزائري على التخفيف من صعوبات الإثبات التي يعاني منها المدعي من خلال تخويل المستشار المقرر حسب نص المادة 844 الحق في أن يطلب من الخصوم المستندات والوثائق التي يراها مفيدة لفض النزاع .

ولقد كانت هذه السلطة التي منحها المشرع للمستشار المقرر محل جدل فقهي من حيث ادعاء بعض الفقه مساساها بمبدأ الفصل بين السلطات، ومبدأ حظر توجيه أوامر للإدارة من طرف القاضي.

ورغم الجدل الفقهي حول هذه السلطة فهي غالبا ما تؤدي نتائج حاسمة في صالح المدعي المفتقر للوثائق والمستندات، ففي حالة استجابة الإدارة في الآجال المحددة يتمكن القاضي من الاطلاع على المستندات والعناصر التي لم يكن في وسع المدعي الاطلاع عليها دون تدخل من جانبه ويصدر حكمه في ضوئها.

وفي حالة عدم استجابة الإدارة أو إذا قدمتها ناقصة أو التزمت الصمت، فإن هذا يعوق القاضي عن أداء دوره في رقابة المشروعية، وينم عن إهمال وعدم تعاون، وفي هذه الحالات فإن القاضي يعتدّ في الإثبات بالوقائع التي لم تذكرها أوراق الملف ويعتبرها صحيحة طالما أن الإدارة لم تفندها؛ فإهمالها وعدم تعاونها يعد دليلا على صحة الوقائع والادعاءات التي لم تقدم ما يدحضها ولم تقدم الوثائق التي تثبت عكسها؛ حتى ولو كان ذلك يرجع إلى أسباب خارجة عن إرادتها كتلف الملف المطلوب أو ضياعه، لأنها بذلك -ولو كانت حسنة- النية تجعل القاضي في وضع تستحيل معه رقابة المشروعية. والحال نفسه في حالة تقديم الإدارة المستندات غير كافية أو غير منتجة.

خامسا: تكريس مبدأ المواجهة في إجراءات تحضير الدعوى الإدارية.

يعتبر مبدأ الوجاهية في الإجراءات Le caractère contradictoire من أهم ضمانات المحاكمة العادلة، ومبدأ من مبادئ العدالة التي نصت عليها اتفاقيات وعهود حقوق الإنسان والقوانين الإجرائية الداخلية لمختلف الدول ويصنفه الفقه في عداد المقاييس العالمية المهيمنة والمسيطرة على الإجراءات.

وللأهمية التي يحظى بها هذا المبدأ وتعلقه بالنظام العام، فإنه فرض نفسه حتى في غياب النص عليه صراحة. ولكن تأكيدا عليه نص قانون الإجراءات المدنية والإدارية ضمن الأحكام التمهيدية، في مادته الثالثة على ما يلي: “…يلتزم الخصوم والقاضي بمبدأ الوجاهية…”.

وتعني الوجاهية أن تسير كافة إجراءات الدعوي في مواجهة جميع الأطراف، كما أن القاضي لا يستطيع الفصل في الدعوى على أساس مستند لم يتيسر لأحد الطرفين الاطلاع عليه ومناقشته وتقديم الملاحظات بشأنه، فكل وثيقة أو دليل يقدمه أحد الأطراف يجب أن يتاح للطرف الآخر الاطلاع عليه ومناقشته.

وعليه يلتزم المستشار المقرر بإخطار أصحاب الشأن بوجود الدعوى القضائية سواء كانوا أطرافا أو مدخلين فيها، وينصرف التزام الإخطار الملقى على عائق القاضي إلى جميع إجراءات الدعوى في جميع مراحلها، وكذلك إلى الأمر بوسائل الإثبات والنتائج التي توصلت إليها، كما يشمل الالتزام بالإخطار الوقائع الجديدة والعناصر المستجدة والمنتجة في الدعوى، ووسائل التحضير البسيطة.

ويظهر هذا الالتزام في قانون الإجراءات المدنية من خلال الأحكام التالية:

  • التبليغ الرسمي لعريضة افتتاح الدعوى والمذكرات والوثائق المرفقة:

يتم تبليغ عريضة افتتاح الدعوى عن طريق محضر قضائي، بينما يتم تبليغ المذكرات ومذكرات الرد مع الوثائق المرفقة إلى الخصوم عن طريق أمانة الضبط وتحت إشراف القاضي المقرر وهو ما نصت عليه المادة 838 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

غير أن هذا الالتزام لا يشمل الوثائق غير المنتجة في الدعوى، ولا تلك الواردة بعد اختتام التحقيق؛ فلا إلزام بتبليغ المذكرات الواردة بعد اختتام التحقيق، ويصرف عنها النظر من طرف تشكيلة الحكم، وهذا ما نصت عليه المادة 854 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

كما نصت المادة 841 من نفس القانون على أنه عندما يحول عدد الوثائق أو حجمها أو خصائصها دون استخراج نسخ عنها يبلغ جرد مفصل عنها إلى الخصوم أو إلى ممثليهم للاطلاع عليها بأمانة الضبط وأخذ نسخ عنها على نفقتهم.

  • التبليغ بالإجراءات والآجال:

ألزم قانون الإجراءات المدنية والإدارية القاضي المقرر بتبليغ الخصوم بكل الإجراءات المتخذة وبالآجال الممنوحة لهم للرد على بعض الأوجه المثارة، وكذا التصحيح العرائض مستوجبة التصحيح ( المادة 849).

حيث ألزمت المادة 843 رئيس تشكيلة الحكم إذا رأى أن الحكم يمكن أن سكون مؤسسا على وجه مثار تلقائيا بإعلام الخصوم بهذا الوجه وتحديد الأجل الذي مكنهم الرد فيه على هذا الوجه.

كما ألزمت المادة 844 بإعلام الخصوم بالتاريخ الذي يختتم فيه التحقيق عن طريق أمانة الضبط إذا اقتضت ظروف القضية أن يحدد تاريخ اختتام التحقيق فور تسجيل العريضة، وفي الحالات الأخرى فإنه عندما تكون القضية مهيأة للفصل، يحدد رئيس تشكيلة الحكم تاريخ اختتام التحقيق، ويبلغ هذا الأمر حسب المادة 852 إلى جميع الخصوم برسالة مضمنة مع إشعار بالاستلام أو بأي وسيلة أخرى، في أجل لا يقل عن 15 يوما قبل التاريخ المحدد في الأمر. كما أن يلتزم القاضي المقرر أيضا بتبليغ الأمر بإعادة السير في التحقيق بنفس الشروط (المادة 855) ويلتزم أيضا بتبليغ المذكرات المقدمة إلى الخصوم خلال المرحلة الفاصلة بين اختتام التحقيق واعادة السير فيه (المادة 857).

ولقد أوضحت المادة 840 أشكال هذه التبليغات الإلزامية بقولها:” تبلغ كل الإجراءات المتخذة وتدابير التحقيق إلى الخصوم برسالة مضمنة مع الإشعار بالاستلام، أو عن طريق محضر قضائي عند الاقتضاء

ويتم أيضا تبليغ طلبات التسوية والإعذارات وأوامر الاختتام وتاريخ الجلسة بنفس الأشكال، ويشار في تبليغ العرائض والمذكرات إلى أنه في حالة عدم مراعاة الأجل المحدد من طرف القاضي لتقديم مذكرات الرد، يمكن اختتام التحقيق دون إشعار مسبق”.

وفي هذا الصدد نص قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أنه يجوز لرئيس تشكيلة الحكم أن يوجه إعذارا برسالة مضمنة مع الإشعار بالاستلام إلى الخصم الذي لم يحترم الأجل الممنوح له لتقديم مذكرة أو ملاحظات، ، كما يجوز منح أجل جديد وأخير في حالة القوة القاهرة أو الحادث الفجائي (المادة 849).