القضاء التجاري / المكتبة القانونية تصفّح المكتبة
لقد اقتضت ظروف العمل الإداري ومقتضيات حفظ الوثائق والمستندات الإدارية تحت يد الإدارة أن يكون الطريق الرئيسي للإثبات أمام القاضي الإداري هو الإثبات بالكتابة؛ وعن طريق الوثائق الإدارية، ونزولا كذلك عند الصفة الكتابية لإجراءات التقاضي الإدارية، لكن الوثائق ذات الأثر الحاسم في الدعوى تكون في حوزة الإدارة، ولا يعلم الفرد مضمونها، ومدى مراعاة تصرفات الإدارة المتعلقة به للمشروعية، ومدى استيفائها للأوضاع الشكلية، والإجراءات التي يلزمها القانون باتباعها، وبالتالي يقف المدعي أعزلاً من الدليل المنتج في الدعوى والموجود في حيازة الطرف الآخر.
إن حيازة الإدارة لهذه الوثائق والتي تعتبر الطريق الرئيسي لإثبات الوقائع الإدارية، يؤدي إلى إضعاف موقف المدعي في الإثبات، ومما يزيد من تعقيد مركزه أنه في الكثير من الأحيان لا يرتبط بالإدارة بعلاقات سابقة على إصدار القرار المطعون فيه، فلا يسهم في إعداده وإصداره حتى ولو جاء بناء على طلبه، فالعناصر الوحيدة التي يمكن للطاعن جمعها وتقديمها للقضاء مستمدة ومستخلصة من نشاط الإدارة الخارجي، وعليه لا يمكن الكشف عن العناصر الداخلية والموضوعية للقرار المطعون فيه.
وفي ظل سيادة الصبغة الكتابية لإجراءات التقاضي الإدارية التي يعتمد فيها القاضي على هذه الوثائق والملفات بشكل أساسي، وكون القاضي الإداري قاضي أوراق قبل كل شيء؛ فإن موقف المدعي يكون كموقف من يدخل الهيجاء بلا سلاح.
ومراعاة لهذه الوضعية فإن القاضي الإداري وفي إطار دوره التدخلي مخول بموجب النصوص التشريعية والاجتهاد القضائي بأن يأمر الإدارة بإيداع المستندات المتعلقة بموضوع النزاع والتي يرى أنها تفيد في حله، وفي حالة امتناعها عن ذلك يستخلص النتائج المترتبة عن هذا الامتناع، وذلك في ضوء باقي الأدلة والقرائن المستفادة من ملف القضية.
غير أن هذا الدور قد تقف في وجهه مقتضيات السرية الإدارية التي يحميها القانون، وبذلك يكون المدعي أمام سبب آخر يحرمه من المعلومات الوثائق التي يستند إليه في تقديم الإثبات.