القضاء التجاري / المكتبة القانونية تصفّح المكتبة
دور المشرع في التخفيف من عبء الإثبات من خلال تنظيمه لإجراء المعاينة
تعرف المعاينة بأنها: “وسيلة اختيارية في الإثبات يلجأ إليها القاضي من تلقاء نفسه أو بناء على طلب الخصوم، وفيها تنتقل المحكمة بكامل هيئتها أو ينتقل من تنتدبه لذلك من أعضائها لمشاهدة محل النزاع على الطبيعة”.
وتعد المعاينة من أهم الأدلة في المسائل المادية، وقد تكون في بعض الأحوال الدليل القاطع الذي لا يغني عنه دليل سواه، فالمشاهدة على الطبيعة هي التي قد توفر أحيانا الدليل الحاسم على صحة ادعاءات الخصوم أو كذبهم.
ويبدو دور المشرع في مساندة المدعي في دعوى الإلغاء وتخفيف عبء الإثبات الملقى على عاتقه من خلال تنظيمه لإجراء المعاينة من خلال أن قاضي الإلغاء يبدو وكأنه يتكفل وحده بالبحث عن الدليل؛ مع الاعتماد بشكل ثانوي على أقوال الخصوم ومن يرى سماعه من الحاضرين، وفي هذا الصدد نصت المادة 148 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أنه يمكن للقاضي أثناء تنقله، سماع أي شخص من تلقاء نفسه أو بناء على طلب الخصوم إذا رأى ضرورة ذلك، كما يجوز له في نفس الظروف سماع الخصوم”.
كما أنه إذا تطلب موضوع الانتقال معارف فنية، جاز للقاضي أن يأمر في نفس الحكم بتعبين من يختاره من التقنيين لمساعدته وهو ما نصت عليه المادة 147 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
ثالثا: دور المشرع في التخفيف من عبء الإثبات
من خلال تنظيمه لإجراء الاستجواب.
الاستجواب هو استدعاء أحد الخصوم أمام القضاء لسؤاله عن وقائع معينة بغية الحصول على اعترافه وإقراره إزاءها وربما تمكين القاضي من استخلاص قرائن الإثبات، ولهذا فهو أحد أهم طرق التحقيق لفعاليته.
والاستجواب وثيق الصلة بالإقرار، إذ غالبا ما يؤدي الاستجواب بعد مناقشة الخصم في مجلس القضاء، ومجابهته بالحقائق الواضحة إلى التخلي عن أفكاره، ثم إقراره بالواقعة محل النزاع كلا أو جزءا.
ولقد رأى بعض الفقه في الاستجواب ما يتنافى مع طبيعة الدعوى الإدارية، ويحمل نوعا من المساس بهيبة الإدارة، لكن المشرع الجزائري اعتمد هذا الإجراء أمام جهات القضاء الإداري رغم أنه أغفل الإشارة إليه ضمن المواد المتعلق بوسائل التحقيق ضمن الكتاب الرابع المتضمن الإجراءات المتبعة أمام الجهات القضائية الإدارية، وهو ما يعطي انطباعا أن المشرع الجزائري ساير ما استقرّ عليه العمل في القضاء الإداري الفرنسي الذي لم يلجأ إلى وسيلة الاستجواب.
إن التمعن في نصوص قانون الإجراءات المدنية والإدارية يبين خلاف ذلك، بل يدعو إلى القول بأن المشرع الجزائري، تبنى صراحة وسيلة الاستجواب أمام القضاء الإداري.
ويظهر ذلك من خلال النص عليه في المواضع التالية من قانون الإجراءات المدنية والإدارية:
1) في الكتاب الأول المتعلق بالأحكام المشتركة لجميع الجهات القضائية أشارت إليه ثلاثة مواضع هي:
المادة 27 الواردة ضمن الباب الثاني من هذا الكتاب والتي جاء فيها: ” يمكن للقاضي أن يأمر في الجلسة بحضور الخصوم شخصيا لتقديم توضيحات يراها ضرورية لحل النزاع…”
وكما أشرنا فإن هذه المادة واردة ضمن الكتاب الأول من القانون والمتعلق بالأحكام المشتركة لجميع الجهات القضائية ومن بينها جهات القضاء الإداري.
وكذلك في القسم الخامس من الفصل الثاني من الباب الرابع من نفس الكتاب والمعنون: ” في حضور الخصوم واستجوابهم“.
حيث نصت المادة 98 على أنه: ” يمكن للقاضي في جميع المواد أن يأمر الخصوم أو أحدهم بالحضور شخصيا أمامه…”.
ويلاحظ أن صيغة في جميع المواد مزيلة لأي ليس بحيث تندرج مادة المنازعات الإدارية تحتها.
وأخيرا فإن المادة 107، لم تترك مجالا للشك في هذا الشأن من خلال نص فقرتها الأخيرة والتي جاء فيها: يمكن أن يأمر بمثول الممثل القانوني للشخص المعنوي، سواء كان خاضعا للقانون العام أو الخاص“.
2) في الكتاب الرابع المتعلق بالإجراءات المتبعة أمام الإجراءات القضائية الإدارية، عندما أحال في أحكام الشهادة أمام جهات القضاء الإداري على أحكامها أمام جهات القضاء العادي، بموجب المادة 859، أضاف بموجب المادة 860/2 أنه يجوز سماع أعوان الإدارة، أو طلب حضورهم لتقديم الإيضاحات، وحتى وان لم تفصل المادة في إجراءاته فإن يخضع للأحكام الواردة ضمن الكتاب المتعلق بالأحكام المشتركة أمام جميع الجهات القضائية، كل ما في الأمر أن على القاضي أن يقرر بحنكته كيفية التعامل مع الإدارة كخصم مراعيا اختلافها عن الخصوم العاديين.
وعلى هذا الأساس يمكننا القول أن للقاضي الإداري الجزائري الأمر بإجراء الاستجواب، وفق إجراءات تراعي طبيعة الدعوى الإدارية، وتحترم استقلالية الإدارة عن القضاء.
وهو من خلال هذا الإجراء يساهم بفاعلية في الحد من صعوبات الإثبات التي تعترض المدعي في دعوى الإلغاء، من خلال مساعدته في إثبات ما يدعيه، ويظهر ذلك فيما يلي:
1- إمكانية استخراج الإقرارات من ممثل الإدارة، حيث يمكن للخصوم ومحاميهم طرح الأسئلة بواسطة القاضي بعد انتهاء الاستجواب، كما تتم المواجهة بينهم إذا طلب أحد الأطراف ذلك، وهذا ما نصت عليه المادتين 104 و100 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
إضافة إلى ذلك فإن المادة 102 ألزمت الخصوم بأن يجيبوا بأنفسهم على الأسئلة المطروحة عليهم دون قراءة لأي نص مكتوب، وهو ما يتيح للمدعي في ظل
حقه في توجيه أسئلة بواسطة القاضي الحصول على الكثير من المعلومات التي يبني عليها ادعاءاته، أما إذا التزم ممثل الإدارة الصمت فإن ذلك يكون قرينة ضدها.
2- إمكانية إلزام ممثل الإدارة بالحضور، وعدم التزام الصمت، فقد نصت على إلزامية حضور ممثل الإدارة الفقرة الثانية من المادة 107 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية بقولها: “يمكن أيضا أن يأمر بمثول الممثل القانوني للشخص المعنوي، سواء كان خاضعا للقانون العام أو القانون الخاص.
وأشارت المادة 105 إلى تدوين تصريحات الخصوم في محضر ويشار فيه عند الاقتضاء إلى غيابهم أو رفضهم الإدلاء بالتصريحات، وما ذلك ألا تمهيدا لترتيب ما يقتضيه المنطق على التزام الممثل القانوني للإدارة للصمت، أو غيابه.