العوامل الداخلية للسلوك الإجرامي

تمهيد:

العوامل الداخلية هي مجموعة العوامل المتعلقة بالمجرم ذاته ، واعني بها العوامل التي يفضي تفاعلها كلا او جزءا مع الظروف الخارجه عن ذات المجرم الى تحقق السلوك الاجرامي، وبما ان هذه العوامل متعددة لذا فانني سأقصر هذه الورقة البحثية على اهم العوامل الداخلية المؤثرة في تكوين المجرم ذاته.

المطلب الأول

الوراثة

الوراثة هي الطبيعة الاصيلة للكائنات الحيه ، ويتنازع الانس شأنه في ذلك شأن اى كائن آخر ، قوتان متنافرتان تتجاذبانه في اتجاهين متضادين هما : قوة الوراثه او مشابهة الاصل وقوة التغير، فقوة الوراثة تعمل على التشابه بين الاباء الابناء اى انها تعمل علي ان تمييز الخلف بخصائص السلف ووظائفه ، في حين أن قوة التغيير تعمل على العكس من ذلك اذ تحرص على تحقيق الاختلاف في خصائص الخلف عن السلف.

وتنتقل الصفات الوراثية من الأصل إلى الفرع بواسطة الكروموسومات الموجودة في الخليـة ، ويتكون جسم الانسان ، من ملايين الخلايا ، و تحتوي كل خلية على 46 جزء من الكروموسومات فاذا تم الاخصاب عن طريق التقاء جين الرجل ببويضات المرأة نتج عن ذلك الجنين المتأثر بصفات الاب او بصفات الام ، أو بكليهما باعتبار ان هذه الخلية المزدوجة الجديدة تشتمل على 46 جزء من الكروموسومات ايضا يكون نصفهـا اتيا من الاب والنصف الاخر اتيا من الام[1].

وللوراته في علم الاجرام مدلول خاص يتلائم مع المبادى الانسانية لهذا العلم، وحينما يتحدث علماء الاجرام عن وراثه الاستعداد الاجرامي فانهم لا يقصدون بذلك السلوك المفضي الى الجريمة ، باعتبار أن الجريمة فكرة قانونية يتغير مدلولها بتغير الزمان والمكان ، لذا يصعب على قوانين الوراثة ان تحيط بالانظمة والمباديء القانونية .

المطلب الثاني

السلالة البشرية

يسود الاعتقاد في الولايات المتحدة الأمريكية بوجود علاقة وثيقة بين عدد الجرائم ونوعها من ناحية وبين الخصائص البيولوجية التي تميز الاجناس البشرية من ناحية أخرى .

فمثلا يعتقد أهالي الولايات الشمالية ان الزنوج جنس متأخر لديه ميل قوي للاجرام ، ويقوم هذا الاعتقاد على ان الزنوج بحكم تكوينهـم الطبيعي لا يستطيعون التحكم في غرائزهم او ضبط عواطفهم ولذلك فهم كثيرا ما يرتكبون جرائم الاعتداء على الاشخاص ، كا وانهم ينقصهم في ذات الوقت الاحساس الأدبي تجاه حقوق الملكية للأخرين الأمر الذي يجعلهم ميالين الى ارتكاب جرائم الاعتداء على المال .

وقد شملت الدراسات الأمريكية في هذا الشأن الجنس الزنجي والجنس الهندي والجنس الصيني والجنس الياباني والأمريكيين البيض واتضح ان نسبة الاجرام تتزايد لدى الزنوج ونقل نسبيا في الهنود ثم في الصينيين ثم بعد ذلك في الامريكيين البيض وان أقلهم نسبة في الاجرام هم اليابانيين ، وذلك بحسب احصاء عدد المقبوض عليهم في الجرائم من كل جنس من هذه الاجناس في مجموعات متاثلة العدد تضم مائة الف شخص من كل جنس أجريت عليهـم أبحاث علماء الاجرام في أمريكا . الا ان هذه المقارنات يجب ان ينظر اليها بحذر مع عدم المبالغة في تقييم نتائجها لأن المقارنة الدقيقة بين الاجناس المختلفة يجب ان تجري بين طوائف تمثل نسبة مئوية من أفراد كل جنس بجميع طوائفه ، ولكن تشكيل تلك الطوائف يعتبر عملا عسيرا . وحتى مع التسليم بارتفاع نسبة الاجرام لدى بعض الاجناس فان ذلك وحده ليس كافيا لاثبات العلاقة المزعومة بين ارتكاب الجريمة وبين الخصائص البيولوجية ( العضوية والنفسية ) ، والراجح ان ذلك يكون راجعـا الى عوامل او تفاعلات اجتماعية ويؤيد هذا الترجيح عدة حقائـق أثبتتهـا تلك الاحصائيات . ومن أهم هذه الحقائق ما يأتي :

اولا : ان نسبة اجرام الزنوج تختلف باختلاف الولايات الامريكية ، فتلك النسبة ترتفـع في الولايات الغربية وتنخفض في ولايات الجنسوب.

ثانيا : ان نسبة الاختلاف في الاجرام بين الرجل الزنجي والرجل الابيض أقل من نسبة الاختلاف بين المرأة الزنجية والمرأة البيضاء . اذ بلغت نسبة المقبوض عليهم من الرجال الزنـوج الى مجموع الشعب الزنجي في أمريكا ثلاثة أمثال المقبوض عليهم من الرجال البيض ، بينما زادت نسبة المقبوض عليهم من الزنجيات عن خدمة أمثال الامريكيات البيض .

ثالثا : ان نسبة اجرام الجنس الواحد تختلف اختلاف نوعية الجرائم.

المطلب الثالث

الجنس

خلق الله تعالى المرأة من نفس الرجل ، قال تعالى ( يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءا واتقوا الله الذي تسالون به والارحام ان الله كان رقيبا )[2] ، ومما لاريب فيه ان هذه الآية الكريمة دلت على ان المرأة مخلوقه من نفس الرجل وبناء على هذا فلا فرق بينهما إلا ما يتعلق بالتكوين العضوي الخاص بكل منهما و بالمكتسبات من الهيئة الاجتماعية ولذين السببين ثالت الأحصاءات الجنائية على الجرائم التي تقترفها النساء اقل بكثير من جرائم الرجال ، ولو شاركت المرأة في مختلف نواحي الحياة الاجتماعية مشاركة الرجل ذاته لازداد عدد الجرائم باطراد بقدر ما تزداد هذه المشاركه ، ولكن لحكم تكوينها ومما تتسم به من حياء جعلها في وضع اجتماعي ينسجم مع ذات تكوينها ، ولهذا تجد المراة كلما لعبت الدور الذي يلعبه الرجال اقترفت الجريمة كما يقترفها الرجال وفعلا فقد اجمع الباحثون في هذا الميدان ان اجرام النساء يختلف عن اجرام الرجال من ناحيتين كمية ونوعية.

المطلب الرابع

السـن

تعد حياة الفرد سلسلة متصلة الحلقات تبدأ بولادته وتنتهي بوفاته ، وبين هذه البداية وتلك النهاية يمر الفرد بمراحل عمر مختلفة يخضع فيها لتغيرات متعددة ينمو فيها تكوينه العضوي والنفسي كما وتتغير البيئة المحيطة به ، ويؤثر هذا النمو والتغير على سلوكه وتصرفاته[3]، لذا فان التغييرات التي يمر بها الفرد خلال مراحل حياته هي نوعان:

النوع الاول : التغيير الداخلي ويبدو جليا في مرحلتي الطفولة والشباب ، حين تزداد الطاقة البدنية وتنمو الغرائز المختلفة لاسيما الغريزة الجنسية.

النوع الثاني : التغيير الخارجي : ويقصد به التغيير الذي يطرأ على البيئة المحيطة بالفرد في مراحل عمره المختلفة والتي تتلائم مع التغيير الداخلي بالنسبة لراحل العمر المختلفة[4].

ولم يتفق المختصون[5] في علم الاجرام على مراحل النمو لدى الفرد، لذا  قسمها بعضهم إلى اربعة مراحل هي : (مرحلة الطفولة والمراهقة أو البلوغ والنضج والكهولة) . في حين أضاف البعض[6] الآخر مرحلة الشباب كمرحلة وسطية بين المراهقة والنضج.

اما في الفقه الاسلامي فقد قسمها الفقهاء[7] الى المراحل الاتية :

– الصغير : ويسمى بالغلام حتى البلوغ وهذه المرحلة تنقسم الى قسمين صغير غير ممين دون السابعة[8] وصغير مميز من السابعة حتـى البارغ ، والبلوغ يعرف بالمتغيرات الفسيولوجية التي تطرأ على الصغير والمتحققة باحتلام الصبي وبحيض البنت ، اي قدرة كل منهما على الزواج و الأنساب ، واذا تأخر تحقق هذه الظاهرة فان الفقهاء يلجأون إلى السن تحديدا لهذه المرحلة ، وقد ذهب فقهاء الشافعية إلى اعتبار مرحلة خمس عشر سنة مرحلة بلوغ لدى الجنسين سواء ظهرت علامات الرجولة والانوثة ام لم تظهر ، والى هذا ذهب صاحبا ابو حنيفة محمد وابو يوسف ، اما ابو حنيفة فقد احد بالاحتياط اذرفع مرحلة البلوغ الى ثماني عشرة سنة للذكر وسبع عشرة سنة للانثي.

– مرحلة الفتوة والشباب : وتبدأ من من التاسعة عشر إلى الثلاثين.

– مرحلة الكهولة : وتبدأ من من الثلاثين الى الخمسين.

– مرحلة الشيخوخة : وتبدأ من سن الخمسين الى نهاية العمر ولهذه المراحل المختلفة اثار شتي على الظاهرة الاجرامية ، اذا الظاهرة الاجرامية تزداد بتقدم المراحل التي يمر بها الانسان وتنحسر بل تكاد تختفي في المراحل الأولى في حين تتضاءل في مرحلة الشيخوخة غالبا.