القضاء التجاري / تصفّح المكتبة
المقصود بعلم الإجرام ونطاقه
تعريف علم الاجرام:
تتفق اغلب التشريعات على تعريف علم الاجرام بأنه هو ( العلم الذي يعكف علي تفسير الظاهرة الاجرامية التي تشتمل الجريمة والمجرم وسبب الدافع المجرم لارتكابها[1])، فعلم الاجرام هو مجموعة المعارف التجريبية عن الجريمة والمجرم والسلوك الاجتماعي السلبي ووسائل ضبط هذا السلوك ، ويعتبر الباحث هذا التعريف غير كاف نظرا للنقاش الدائر حول مجالات الدراسات في علم الاجرام ، وهل تتضمن المراحل السابقة على ارتكاب الجريمة ، أو المراحل التالية لارتكابها ، وهناك تعريف موسع لعلم الاجرام وتعريف مضيق .. والأول يعتبر علم الاجرام المعرفة العلمية التجريبية للتغيرات الطارئة على الجريمة « عملية التجريم ، وعمليات ضبط الاشكال المختلفة للانحراف ، وكذلك البحث عن أوليات الضبط القضائي والشرطي .. اما التعريف المضيق فيتناول الدراسة التجريبية للجريمة وشخصية الجاني .
ويحبذ الباحث التعريف الموسع وهو لا يخرج عما ذكره سندرلند في علم الاجرام ، الذي حاول التوفيق بين التعريف القانوني والتعريف الاجتماعي في دراسة السلوك الاجرامي ، والذي دعا بنا الى القول بانه من الضروري في كل تعريف من وجود عناصر ثلاثة « الغاية ، المحل ، المنهج » وبذلك يمكن قبول تعريف علم الاجرام على أساس أنه « تلك المعارف التي تعمل على تفسير السلوك الانحرافي عن طريق المنهج العلمي بغية أقلمة الجاني على الحياة الاجتماعية »
. وتعرض الباحث لذاتية علم الاجرام ، حيث ما يزال الباحثون يشككون في استقلاله وخاصة في نطاق الطب العقلي وعلم الاجتماع ، ويؤكد الجميع ان علم الاجرام علم تجريبي Emperico يعتمد على الملاحظة والتجربة المنطلقة من الوقائع لا الآراء النظرية والأفكار النظرية . ومشكلة علم الاجرام ترتبط بمشكلة الجريمة والتجريم ، الأمر الذي أدى الى ظهور نظريات حديثة الى جوار تلك النظريات التقليدية المعروفة .
ان تحديد ماهية الجريمة يعتبر شرطاً مبدئيا لاي دراسة في علم الاجرام باعتبارها الاطار الذي تنحصر في داخله ابحاث علم الاجرام.
والجريمة بمعناها الواسع هل كل مخالفة لقاعدة من القواعد التي تنظم سلوك الانسان في الجماعة ، فهي في مجتمع الاحوال سلوك فردي يتمثل في عمل او تصرف مخالف لامر او نهي فرضته قاعدة.
وفي الفقه الاسلامي لانكاد نجد تعريفاً دقيق للجـريـمـة سـوي ذلك الذي نص عليه الماوردي في احكامه السلطانيه حيث عرفها (الجرائم محظورات شرعية زجر الله تعالي عنها بحد أو تعزيز) ويمكن تستنبط تعريف للجريمة من مجموع ما اوردع الفقهاء من تفصيلات فتعرف الجريمة بأنها ( اتيان فعل مجرم او ترك فعل مجرم تركه او هي فعل أو ترك نصت الشريعة علي تحريمه أو العقاب عليه[2] واذا كنت الجريمة في جوهرها لا تتغير فان صورها تتعدد بحسب القاعدة التي وضعت الأمر أو النهي على عاتق المخاطبين بها ، فقد جريمة قانونية او اخلاقية او جريمة دينية أو اجتماعية[3]
اما في الشريعة الاسلامية وكما ذكرنا لا نكاد نجد تعريفاً دقيقاً للجريمة سوي الذي نص عليه الماوردي في الترك معاقب علي تركه[4] في الشريعة الاسلامية تنقسم الجرائم الي حدود .. وقصاص .. وتعاذير .
وجرائم الحدود في الجرائم المعاقب عليها بحد .. والحد هو العقوبة المقدرة حقا لله تعالي .
ومعني العقوبة المقدرة انها محددة معينة فليس لها حد ادني ولا حد اعلي ومعني انها حق الله تعالي لانها لا تقبل الاسقاط لا من فرد ولا من جماعة .
وجرائم الحدود معينة ومحددة العدد في سبع جرائم :
ويسميها الفقهاء الحدود دون اضافة لفظ جرائم اليها .. وعقوبتها تسمي الحدود ايضاً ولكنها تميز بالجريمة التي فرضت عليها فيقال حد السرقة وحد الشرب وحد الزنا ويقصد من ذلك عقوية السرقة والشرب والزنا .
اما جرائم القصاص والدية في الجرائم التي يعاقب عليها بقصاص أو دية وكل من القصاص والدية عقوبة مقدرة حقاً للافراد ومعني انها مقدرة انها ذات حد واحد فليس لها حد علي وحد ادني تتراوح بينهما ومعني انها حق للافراد ان المجني عليه او ورثته لهم ان يعفو عنها اذا ما شاءوا فاذا تم العفو سقطت العقوبة . وجرائم القصاص والدية خمس هي :
ومعني الجناية علي ما دون النفس العتداء الذي لا يؤدي للموت كالجراح والضرب .
اما جرائم التعازيز هي الجرائم التي يعاقب عليها بعقوبة أو أكثر من العقوبات التعزيرية ومعني التعزير التأديب وقد جرت الشريعة علي عدم تحديد عقوبة كل جريمة تعزيرية واكتفت بتقدير مجموعة من العقويات لهذه الجرئم تبدأ بأخفف وتنتهي بالاشد وتركت للقاضي أن يختار العقوية التي تلائم ظروف الجريمة وظروف المجرم ، فالعقوبات في جرائم التعازير غير مقدرة ، وجرائم التعازير غير محددة وترك الاولي الامر الذي النص عليها بحسب ما تقتضيه مصلحة الجماعة ونظامها العام بشرط ان لا تخالف المباديء العامة للشريعة الاسلامية.
– نطاق علم الإجرام
نطاق علم الاجرام هل يشمل الجرائم جميعاً ان انه ينحصر في بعضها فقط؟؟
الواقع ان هذه المشكلة يتنازعها اتجاهان الاول يري ان فكرة الجريمة في القانون الجنائي وفي علم الاجرام تتطابق ولا تختلف بينما اتجه البعض الآخر الي القول ان نطاق الجريمة يقتصر في موضوعات علم الاجرام علي الجرائم التي تكشف عن شخصية اجرامية او عن تكوين اجرامي لدي فاعلها وغير ذلك لا يصلح للدراسة العملية اللازمة لتفسير الظاهرة الاجرامية[5]
لقد خلصنا فيما سبق ذكره الي ان الاجرام هو العلم الذي يعكف علي تفسير الظاهرة الاجرامية والتي تشمل الجريمة والمجرم وسبب يدفع المجرم الي ارتكابها .. وعلي هذا الاساس يخرج من مجال دراسات علم الاجرام سائر الجرائم التي تقع مخالفة لقواعد جنائية غير معبرة عن ارادة الامة مثل القوانين التي تفرضها سلطات الاحتلال استناداً الى ارداتها هي دون الارادة العامة للامة[6]
نلخص الي ان نطاق علم الاجرام يقتصر علي الجرائم التي تكشف عن شخصية اجرامية أو عن تكوين اجرامي لدي فاعلها عدا ذلك لا يدخل في نطاق علم الاجرام ..
اما الاشريعة الاسلامية فمنالقواعد الاساسية فيها انه لا حكم لافعال العقل قبل ورود النص ، أي أن افعل المكلف المسئول لا يمكن وضعها بأنها محرمة ما دام لم يرد نص بتحريمها ولا حرج علي المكلف ان فعلها او يتركها حتي ينص علي تحريمها والاصل في الافعال الاباحة قال تعالي « ما كنا معذبين حتي تبعث رسولاً ، الاسراء آية 15
وقوله تعالي ، وما كان ربك مهلك القري حتي يبعث في أهلها رسولاً يتلو عليهم آياتناء القصص ايه ٥٩
وقوله سبحانه وتعالي ( لئلا يكون الله علي الله حجة بعد الرسل) النساء 16 وقوله تعالى – لا يكلف الله نفسا الا وسعها ، البقرة ايه ٢٨٦ وهذه النصوص قاطعة في ان لا جريمة الا بعد بيان ولا عقوبة الا بعد نذار وان الله لا يأخذ الناس الا بعد أن يبين لهم وينذرهم علي لسان رسله .
ونخلص الي ان نطاق علم الاجرام في الشريعة الاسلامية يقتصر على جرائم الحدود والقصاص والدية وجرائم التعازير التي تكشف عن شخصية اجرامية او عن تكوين اجرامي لدي فاعلها وما عدا ذلك لا يدخل في نطاق علم الاجرام مع ملاحظة أن الشريعة الاسلامية على خلاف القانون الوضعي يتقيد التشريع فيها بمصالح معينة يجب أن تلقي الضؤ عليها في فقرة منفصلة وهي المصالح التي تحميها الشريعة الإسلامية بنصوص التجريمية يقول الفقهاء بأن المقاصد التي يراد حفظها بالشريعة تنحصر في ثلاثة أنواع[7]
اولا: المقاصد الضرورية هي التي تتوقف عليها حياة الناس في الدنيا والآخرة في المحافظة علي أمور خمسة هي:
ثانيا: المقاصد الحاجيه:
هي التي يحتاجها الناس لدفع المشقة أو دفع الحرج ولاتباع اهميتها للانسان ومصيره درجه الضروريات ، ومثال الحاجيات الضرورية فرض الدية علي العاقلة ودرء الحدود بالشبهات واباحة الطلاق دفعاً لضرر الزواج الفاسد.
ثالثا المقاصد التحسينية:
هذه المقاصد التحسينية مبينة أحكامها في كتابة المستصفي حيث ورد فيه : « أن جلب المنفعة ودفع المفسدة
مقاصد الخالق ، وصلاح الخلق وتحصيل مقاصدهم ، لكنا نعني المصلحة المحافظة علي مقصود الشرع من الخلق خمسة وهو ان يحفظ عليهم دينهم وانفسهم وعقولهم ونسلهم ومالهم فكل ما يتضمن حفظ هذه الاصول الخمسة فهو مصلحة وهذه الاصول الخمسة حفظها واقع في ومرتبة الضروريات فهي أقوي مرتبة في المصالح[8] ومن ذلك يتبين ان اعتبار الفعل أو الترك جريمة مرده الي الاعتداء علي هذه المصالح الخمسة حيث كفلت الشريعة بحمايتها المحافظة عليها .. هذا وقد وردت المقاصد متربة حسب أولوية حمايتها في الشريعة فالضروريات تحتل المرتبة الاولي والحاجيات تأتي في المرتبة الثانية والتحسينات ترد في المرتبة الأخيرة ، ولهذا قرر الفقهاء بأنه لا يعتد بأمر تحسين الي حد ابطال امر ضروري او حاجة ولا يعتد بأمر ضروري الي حد أبطال أمر ضروري آخر الا اذا كان الاول اهم من الثاني ولهذا ابيح اتلاف مال الغير اذا اكره المتلف علي ذلك لان حفظ النفس أولي من المال ولهذا قبل الضروريات تبيح من الحاجيات والحاجيات تبيح المحظورات من التحسينات[9]
[1] انظر رمسيس بهنام الاجرام والعقاب ۱۹۷۸ – ص ۱۱.
[2] عبد القادر عودة التشريع الجنائي الاسلامي المرجع السابق من 30 وما بعدها.
[3] د . حسن صادق المرصفاوي الجرام والعقاب في ص 9 وما بعدها.
[4] عبد القادر عودة التشريع الجنائي الإسلامي المرجع السابق ص ٣١ وما بعدها.
[5] د . عبد الفتاح الصيفي / علم الاجرام دراسة حول ذاتية ومنهجية ونظرياته ص ۹۱ و مامون سلامة / اصول علم الاجرام ص 69
[6] د . عبد المنعم العوض / مقدمة في أصول الدراسة المنهجية للاجرام ص 73
[7] على حسب الله اصول التشريع الإسلامي ص297.
[8] الامام محمد ابو زهرة / الجريمة من ٣٧
[9] المرجع السابق علي حسب الله / أصول التشريع الاسلامي من ۲۹۹