انتفاء الأعذار الشرعية المسقطة للتقادم

رقم القضية ٧١٧/ ١ / ق لعام ١٤١٥هـ

رقم الحكم الابتدائي ١٣ /د/ف / ٣ لعام ١٤١٦ هـ

رقم حكم هيئة التدقيق ٢٤٤ /ت /٢ لعام ١٤١٦هـ

تاريخ الجلسة 26/12/١٤١٦ هـ

الموضوعات

دعوى – شروط قبول الدعوى – فوات مدد التظلم – انتفاء الأعذار الشرعية المسقطة للتقادم – اتفاقية دولية – تعريف التعويض – القياس الأولوي – النص الخاص يقيد النص العام.

مطالبة المدعي إلزام المدعى عليهما متضامنين أو أحدهما برد الشحنة محل الدعوى أو رد قيمتها، وتعويضه عن الأضرار التي لحقته نتيجة فقدان الشحنة – أساس محل النزاع هو عقد الشحن المبرم بين المدعي بوصفه شاحنا والخطوط الجوية العربية السعودية بوصفها ناقلا – الثابت خضوع النزاع لأحكام اتفاقية (وارسو) للنقل الجوي الموقعة عليها من قبل المملكة، والتي نصت على سقوط حق المطالبة في التعويض بعد مضي سنتين من تاريخ نشوء الحق، ما يعد هذا نصا خاصا مقيدا لنص المادة الرابعة من قواعد المرافعات والإجراءات أمام ديوان المظالم الخاصة بإجراءات التظلم من منازعات العقود – عدم سماع الدعوى تعبير موافق لتعبيرات فقهاء الإسلام فالتقادم عندهم يسقط الدعوى دون الحق – انتفاء الأعذار الشرعية المسقطة للتقادم بحق المدعي – أثر ذلك: عدم قبول الدعوى شكلا.

الأنظمة واللوائح

المادة (٢٩) من اتفاقية وارسو للنقل الجوي المبرمة بتاريخ 12/10/١٩٢٩ م.

المادة (٢٤) من قواعد المرافعات والإجراءات أمام ديوان المظالم الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم (١٩٠) وتاريخ 16/11/١٤٠٩هـ.

الوقائع

تتلخص وقائع الدعوى في تقدم وكيل المدعي بلائحة ادعاء تضمنت أنه بتاريخ ١٦/ ٧/ ١٩٩٢ م قام موكله بشحن أدوات إلكترونية قيمتها (36.800) ريال من دولة الإمارات العربية المتحدة (أبوظبي) وذلك بموجب بوليصة شحن رقم (38449736/٦٥) على رحلة الخطوط الجوية العربية السعودية رقم (٦١٧/21) لتسلم له في مطار الملك خالد الدولي بالرياض، وبتاريخ 22/1/١٤١٣ هـ أرسلت له الخطوط الجوية العربية السعودية إشعارا عن وصول الشحنة لاستلامها فتقدم موكله للخطوط واتخذ إجراءات استلام الشحنة وسدد رسوم الاستلام إلا أنه فوجئ عند تقدمه للجمارك بفقد الشحنة بزعم تسليمها لشخص آخر لا يعلم عنه شيئا ثم تقدم موكله بشكوى تلكسيه بتاريخ 20/6/١٤١٣ هـ ورقم (20/6 خ) لوزير الدفاع والطيران وأردفها بشكوى خطية تفصيلية أخرى، كما تقدم بشكوى لمصلحة الجمارك وأخرى لمدير خدمات الشحن الجوي بالرياض ولم يحسم الامر حتى الآن ولم ترد للمدعي الشحنة ولم يعوض عن فقدها وعن الأضرار التي لحقته ولا يزال الموضوع محل بحث لدى المدعى عليهما ولكن كل طرف يلقي المسؤولية على الطرف الأخر. وخلص وكيل المدعي إلى المطالبة بطلبين: الأول: إلزام المدعى عليهما أو أحدهما بصفة عاجلة برد الشحنة المتقدم ذكرها بحالة جيدة للمدعي، أو رد قيمتها والبالغ قدرها (٣٦.800) ريال. الثاني: تعويض المدعي عن الأضرار التي لحقته نتيجة فقد الشحنة ومرور أكثر من عامين من التاريخ الواجب تسليم الشحنة فيه. هذا وقد عقدت الدائرة عدة جلسات لنظر هذه الدعوى حضرها وكيل المدعي وممثل الخطوط الجوية العربية السعودية وممثل مصلحة الجمارك قدم خلالها ممثلا الجهتين وجهة نظر من يمثلانه، أما وجهة نظر الخطوط الجوية العربية السعودية فملخصها كالتالي: تفيد سجلات المؤسسة العامة للخطوط أن المدعي (…) قام بمراجعة أحد مكاتب وكلاء السعودية في أبو ظبي بالإمارات العربية المتحدة بقصد إرسال شحنة خاصة به إلى الرياض بالمملكة العربية السعودية، وقد قام وكيل السعودية في أبو ظبي بإصدار بوليصة شحن دولية بتاريخ ١٦/ ٧/ ١٩٩٢ م طبقا لشروط الآياتا والاتفاقيات الدولية الصادرة في هذا الخصوص، ورقم البوليصة هو (6538449736) وتم تدوين كافة المعلومات اللازمة عن الشحنة المراد إرسالها وذلك في الخانات المحددة ببوليصة الشحن، وقام المدعي بالتوقيع على البوليصة واستلام نسخة منها بصفته مالكا للشحنة ومرسلا لها في نفس الوقت، وتتكون الشحنة من طرد واحد فقط وزنه اثنان وثلاثون كيلو جرام، وهو عبارة عن أجهزة وأدوات استقبال قنوات البث الفضائي (ريسيفرات) وقد وصلت الشحنة المذكورة إلى الرياض قادمة من محطة أبوظبي على رحلة السعودية رقم (٢١٧) بتاريخ21/1/1413هـ مرفق بها بوليصة الشحن، فقامت السعودية بتاريخ 22/1/١٤١٣ هـ بإبلاغ المرسل إليه (…) بوصول الشحنة المشار إليها وأن عليه مراجعة السعودية لاستلام مستندات الشحنة وإنهاء اجراءات فسخها، فقام المدعي بمراجعة السعودية قسم خدمات العملاء بإدارة خدمات الشحن الجوي بالرياض بتاريخ 25/2/١٤١٣هـ واستلم إذن التسليم الجمركي المكون من ثلاث نسخ، وكذلك النسخ المتبقية من بوليصة الشحن (المانيفستو) بذات التاريخ المشار إليه بعد التأكد من أنه هو المالك للشحنة، بعد ذلك قام المدعي بمراجعة قسم المنافست بالجمارك الذي قام بالختم على إذن التسليم الجمركي بعد تأكده من مطابقة الايضاحات الواردة به مع ما هو مدون لديهم بالمنافست ثم توجه المدعي إلى قسم المعاينة في الجمارك حيث تم فيه تدقيق الأوراق والمستندات المتعلقة بالشحنة المذكورة ومالكها وعندما وجدت الشحنة مستوفية لكافة الشروط تم طلب تحضيرها وذلك بالختم على أصل إذن التسليم الجمركي في ٢٥/٢/1٤١٣هـ بعبارة تحضر، ثم توجه المدعي إلى مستودع الشحن بالسعودية الذي توجد به الشحنة حيث قام موظف السعودية بمستودع الشحن بالتأكد من أصل المستندات التي بحوزة المدعي ثم طلب موظف السعودية بمستودع الشحن من المدعي حامل الأوراق تسليمه نسخة من أوراق البوليصة التي بحوزته ليقوم بالختم عليها بختم التسليم الخاص بالمستودع تمهيدا لتسليمه الشحنة ثم قام الموظف المذكور بعد ذلك بتسليم المدعي الشحنة وأخذ توقيعه بالاستلام على نسخة البوليصة والاحتفاظ بها ضمن سجلات المستودع ثم توجه المدعي بعد استلامه للشحنة إلى إدارة الجمارك قسم المعاينة لإجراء المعاينة اللازمة عليها، ومن ثم إنهاء إجراءات تسليمها، وخلص ممثل المؤسسة العامة للخطوط إلى المطالبة بطلبين: الأول: أصليا، وهو عدم قبول الدعوى شكلا؛ لسقوط الحق في المطالبة بمضي المدة المقررة بأحكام اتفاقية وارسو: وذلك أن عقد الشحن (بوليصة الشحن) المبرم بين المدعي بوصفه شاحنا والخطوط السعودية بوصفها ناقلا هو عقد نقل جوي يخضع لأحكام اتفاقية وارسو للنقل الجوي، وبانضمام المملكة إلى اتفاقية وارسو الموقعة بتاريخ 12/10/١٩٢٩ م تصبح أحكامها جزءا من نظام المملكة، ولما كانت المادة (٢٩) من اتفاقية وارسو بشأن النقل الجوي بانقضاء الحق في التعويض إذا لم تقام دعوى التعويض خلال سنتين اعتبارا من تاريخ الوصول إلى الجهة المقصودة، ولما كانت الشحنة المذكورة قد وصلت بتاريخ 21/1/١٤١٣هـ والمدعي قد قام بتحريك دعواه القضائية بتاريخ 19/4/١٤١٥هـ أمام ديوان المظالم لذلك فالمدعي قد تجاوز المدة النظامية المنصوص عليها في اتفاقية وارسو لتحريك دعواه القضائية مما يسقط حقه بالتقادم المنصوص عليه في الاتفاقية المذكورة وذلك لمضي أكثر من عامين ما بين تاريخ وصول الشحنة وتاريخ تحريك الدعوى القضائية حيث إن المدة المنصوص عليها هي مدة سقوط لا يرد عليها وقف أو انقطاع إلا بتحريك الدعوى القضائية. الثاني: احتياطيا، وهو رفض الدعوى وإلزام المدعي بمصروفاتها وذلك أنه حسب سرد الوقائع المتقدم ذكره يتضح بشكل ثابت خروج الشحنة المذكورة من عهدة السعودية إلى منطقة المعاينة الجمركية، وهذا ما يؤكده قول المدعي في لائحة دعواه بأنه فوجئ عند تقدمه للجمارك بفقد الشحنة، وتعد منطقة المعاينة بالجمارك منطقة جمركية تدخل ضمن مسؤوليات إدارة الجمارك. هذا وقدم ممثل مصلحة الجمارك وجهة نظرها على الوجه التالي: الإرسالية مدار البحث لم يتم تحضيرها إلى صالة المعاينة من قبل السعودية حيث لم يوافق الجمرك على طلب التحضير للشخص المسلم له الطرد من قبل السعودية المدعو (…) وإنما تمت الموافقة على طلب تحضير الطرد من قبل الجمرك لصاحب الطرد المدعو (…) الذي راجع السعودية لتحضير الطرد حيث تم الإفادة من قبل الموظف المختص بمستودع السعودية بأن الطرد سلم المدعو (…) وهو ما يؤكده المدعي في خطابه المرفوع لوزير الدفاع والطيران رقم (20/6) في 2/8/١٤١٣هـ المتضمن أنه عند مراجعة قسم الشحن لتخليص الإرسالية والتابع للخطوط السعودية تبين تسليمها لشخص آخر وذلك قبل تحضيرها إلى ساحة المعاينة بالجمرك. ولأن بوليصة الشحن والمرسلة من قبل الشاحن بدولة الإمارات العربية المتحدة واردة باسم المالك الحقيقي (…). وإذن التسليم الذي أصدر من قبل السعودية أصدر باسم (…) ثم شطب عليه من قبل مصدره الخطوط السعودية وكتب (…) ووقع أمام التعديل وهذا التعديل مدعاة للشك بأن السعودية أصدرت أصلين لإذن التسليم الأول سلمته لـ (…) والآخر لصاحب الشأن بعد تعديله. ومما يجدر ذكره أن إذن التسليم تم إصداره والبضاعة في مخازن السعودية وقبل اتخاذ أي إجراء عليها ولأن الإرسالية لم تحضر ولم تتخذ بشأنها الإجراءات الجمركية المقررة نظاما فإن الجمارك ليست مسؤولة عن فقدان هذا الطرد، وبالتالي تخرج من دائرة المطالبة من قبل صاحب الشأن. وخلص ممثل مصلحة الجمارك إلى المطالبة بإحالة القضية إلى اللجنة الجمركية بمصلحة الجمارك لنظرها وتكييفها والبت فيها واستحصال الغرامات المقررة عند الموجب لها وذلك استنادا إلى المادتين (٥١.٥٣) من نظام الجمارك لاشتمال الواقعة على شبهة التهريب الجمركي؛ إذ الإرسالية المذكورة أخرجت بطريقة غير مشروعة، واستنادا إلى المواد (٤٥ ,50،٥١,٥٢) من نظام الجمارك، والمادتين (٢٥٥، ٢٦٥) من اللائحة التنفيذية لنظام الجمارك لاشتمال الواقعة على إدخال مواد ممنوعة إلى المملكة العربية السعودية بطريقة غير مشروعة بموجب المادة (٣٨) من نظام الجمارك حيث تم منع إدخال هذه الأجهزة بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (١٢٨) في 25/9/1414هـ، وكل هذا يدل على عدم اختصاص ديوان المظالم بنظر مثل هذه القضايا استنادا للمادة (٨) من نظامه. هذا وقد رد وكيل المدعي على الدفع الشكلي الذي دفعت به الخطوط الجوية العربية السعودية بقوله: إن المادة (٢٩) من اتفاقية وارسو خاصة بالتعويض وهذه الدعوى ليست دعوى مطالبة بتعويض لكنها دعوى مطالبة للمدعى عليه بتسليم الشحنة للمدعي تنفيذا للالتزام المتولد عن عقد النقل، وحتى لو سلمنا جدلا وافتراضا بأن هذه الدعوى تخضع للسقوط فإن هذه الدعوى لم تسقط حتى الآن وذلك لأن المدعي عندما تقدم للمدعى عليه لاستلام الشحنة وفوجئ بعدم وجودها تقدم بشكوى إلى المدعى عليه وكان رد المدعى عليه إيجابيا بأن شكواه تلقى الاهتمام والبحث والتحقيق وأنه سيوافيه بالنتيجة ولكن لم يتلق المدعي أي رد بما أسفر عنه ذلك التحقيق في شكواه ولم طالب تأخر المدعى عليه اضطر المدعي إلى اللجوء للقضاء بموجب هذه الدعوى لاستلام شحنته أو قيمتها وما تكبده، ثم إن التقادم مقرر لحماية الناقل حسن النية الذي ينفذ التزامه بحرص وأمانة وإخلاص، ومن ثم فلا يتمتع به الناقل سيء النية، مع العلم أن التقادم ينقطع بأسباب الانقطاع المقررة في القواعد العامة فينقطع برفع الدعوى وبإقرار الناقل الصريح أو الضمني بحق الشاحن وفقد البضاعة والوعد ببحث الشكوى وتحري حقيقة الأمر فيها. علما بأن الشريعة الإسلامية تقرر أن الحق لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء ولذلك فإن الدفع الشكلي جدير بالرفض. هذا وبجلسة يوم الاثنين الموافق 30/12/١٤١٥هـ أصدرت الدائرة الفرعية الثالثة حكمها رقم (٢٠/د/ف / ٣) لعام 1٤١٥هـ وقد قضت فيه بعدم اختصاص ديوان المظالم ولائيا بنظر الدعوى، وقد أقامت الدائرة قضاءها على أن الشحنة محل النزاع هي من الأجهزة والأدوات الممنوع دخولها إلى المملكة العربية السعودية لذلك فهي تنطوي شبهة التهريب الجمركي المنصوص عليها في المادة (٣٨) من نظام الجمارك الصادر بالمرسوم الملكي رقم (٤٢٥) وتاريخ 5/3/١٣٧٣ هـ وقضايا التهريب من اختصاص اللجان الجمركية حسب المادة (٥٢) من نظام الجمارك السابق ذكره. هذا وقد قدم وكيل المدعي اعتراضا على هذا الحكم خلال الميعاد النظامي. وبإحالة هذا الاعتراض إلى هيئة التدقيق الإداري (الدائرة الثانية) أصدرت بشأنه الحكم رقم (٧٢/ ت / ٢) لعام ١٤١٦هـ بجلسة يوم الأربعاء الموافق 25/4/١٤١٦ هـ وقضت فيه بنقض الحكم محل التدقيق وإعادة الدعوى إلى الدائرة لعاودة نظرها والفصل فيها مجددا. وقد أقامت هيئة التدقيق الموقرة نقضها على أن طلبات المدعي حسبما جاء باستدعائه من أنه يطالب برد البضاعة التي قام بشحنها أو رد قيمتها والتعويض عن الأضرار التي لحقت به جراء عدم استلامها تدخل ضمن دعاوى العقود والتعويض المنصوص عليها في المادة (٨/ج، د) من نظام ديوان المظالم، ثم إن إدخالى تلك الشحنة إلى المملكة كان سابقا لصدور قرار مجلس الوزراء رقم (١٢٨) وتاريخ 25/99/1414هـ مما ينفي عنها صفة التهريب الجمركي.

الأسباب

وحيث إن وقائع الدعوى تتلخص على النحو السابق الإشارة إليه، وهي تتعلق بمنازعة عقدية أحد أطرافها جهة حكومية؛ فمن ثم يختص الديوان بنظرها طبقا لأحكام المادة (٨/ج، د) من نظامه الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م / ٥١) وتاريخ 17/7/1402هـ. وحيث إن موضوع الشكل من المسائل الأولية التي يتعين على الدائرة نظره والتأكد منه سواء أكان ذلك يطلب من الخصوم أو أن تتصدى له الدائرة من تلقاء نفسها باعتبار أن موضوع الشكل من النظام العام. وحيث بحث فقهاء الإسلام المدة التي إذا مضت لا تسمع بعدها الدعوى إلا لعذر واختلفوا في تحديدها اختلافا كبيرا، فبعضهم حددها بثلاثين عاما، وبعضهم بعشرين عاما، وبعضهم بخمسة عشر عاما، وبعضهم بعشر سنوات، وبعضهم بخمس سنوات، وبعضهم بسنتين إلى غير ذلك من الأقوال. وحيث إن المسألة اجتهادية فإن لولي الأمر أن يحسمها بما يراه محققا للمصلحة العامة فيقيد القاضي بمدة معينة إذا مضت لا تسمع الدعوى بعدها إلا لعذر. وحيث ألزم ولي الأمر القضاة بذلك فوجب عليهم اتباعه؛ لأنهم بمقتضاه معزولون عن سماع دعوى مضى عليها مدة معينة بدون عذر. والقاضي وكيل ولي الأمر والوكيل يستمد التصرف من موكله فإذا خصص له تخصص وإذا عم تعمم، كما نص على ذلك فقهاء الإسلام. وحيث إن محل النزاع أساسه عقد الشحن- بوليصة الشحن – المبرم بين كل من المدعي بوصفه شاحنا والخطوط الجوية العربية السعودية بوصفها ناقلا. وعقد النقل الجوي يخضع لأحكام اتفاقية وارسو للنقل الجوي والتي أصبحت جزءا من نظام المملكة بعد مصادقتها عليها. وحيث إن المادة (٢٩) من اتفاقية ووارسو للنقل الجوي تنص على أنه يسقط الحق في التعويض إذا لم ترفع الدعوى خلال مدة سنتين اعتبارا من تاريخ الوصول إلى المقصود النهائي أو من التاريخ الذي كان يتعين وصول الطائرة فيه أو من التاريخ الذي توقفت فيه عملية النقل. وحيث إن الشحنة محل النزاع قد وصلت إلى الرياض بتاريخ 21/1/١٤١٣ هـ على رحلة السعودية رقم (٢١٧) والقادمة من محطة أبو ظبي، ووكيل المدعي قد قام بتحريك دعواه القضائية بتاريخ ١٩/٤/١٤١٥هـ أمام ديوان المظالم؛ فإن الدعوى لا تسمع للتقادم المنصوص عليه في الاتفاقية المذكورة فقد مضى أكثر من عامين ما بين تاريخ وصول الشحنة وتاريخ تحريك الدعوى القضائية. ولا يؤثر على هذا ما قد يقال أن المادة (٢٩) من اتفاقية وارسو للنقل الجوي خاصة بالتعويض وهذه الدعوى ليست مطالبة بتعويض بل مطالبة بتسليم الشحنة محل النزاع للمدعي تنفيذا للالتزام المتولد عن عقد النقل: ذلك أن وكيل المدعي قد طالب في لائحة ادعائه بإلزام المدعى عليهما أو أحدهما برد الشحنة للمدعي أو رد قيمتها ورد القيمة تعويض؛ ذلك أن التعويض في اصطلاح الفقهاء هو دفع ما وجب من بدل مالي بسبب إلحاق ضرر بالغير. كما لا يؤثر على هذا ما قد يقال أن المادة (٢٩) من اتفاقية وارسو للنقل الجوي تنص على سقوط الحق في التعويض بينما الدائرة نصت على عدم سماع الدعوى؛ ذلك أن عدم سماع الدعوى لا يخالف نص المادة، فاذا كانت المادة قضت بسقوط الحق للتقادم فمن باب أولى قضائها بعد سماع الدعوى للتقادم نفسه غير أن الدائرة آثرت التعبير الآخر؛ لأنه الموافق لتعبيرات فقهاء الإسلام، فالتقادم عندهم يسقط الدعوى دون الحق، فالدائرة عملت بنص المادة الذي لا يتصادم مع عبارات فقهاء الإسلام. كما لا يؤثر على هذا ما قد يقال: إن المادة (الرابعة) من قواعد المرافعات والإجراءات أمام ديوان المظالم نصت على أن دعاوى العقود والتعويض لا تسمع بعد مضي خمس سنوات من تاريخ نشوء الحق المدعى به، ومحل النزاع في الدعوى الماثلة لم يمض عليه هذه المدة؛ ذلك أن المادة (الرابعة) من قواعد المرافعات والإجراءات أمام ديوان المظالم قالت فيما لم يرد به نص خاص لا تسمع الدعوى… إلخ. ومحل النزاع قد ورد به نص خاص وهو اتفاقية وارسو للنقل الجوي فتكون الاتفاقية مقيدة لاطلاع نص المادة (الرابعة) من قواعد المرافعات والإجراءات أمام ديوان المظالم. وحيث إنه لا يمكن البت في هذا إلا بحد إنعام النظر في الأعذار التي ذكرها وكيل المدعي مبررا لتأخره في رفع الدعوى وتلك الأعذار هي: أولا: أن المدعى عليه يقر بحق الشاحن وفقد البضاعة والإقرار يقطع التقادم. ثانيا: إن رد المدعى عليه كان إيجابيا فعندما تقدم المدعي بشكوى إليه أشعره بأن شكواه تلقى الاهتمام والبحث والتحقيق وأنه سيوافيه بالنتيجة ولما تأخر الرد اضطر المدعي إلى رفع دعواه. وحيث إن الخطوط الجوية العربية السعودية المدعى عليها تفيد بأن الشحنة قد سلمت للمدعي، كما أن مصلحة الجمارك المدعى عليها الأخرى لا تقر بأن سلمت الشحنة لغير المدعي ولذلك فليس هناك إقرار من المدعى عليها بأحقية الشاحن فيما يطالب به حتى يقال أن الإقرار يقطع التقادم. وحيث إن وعد المدعى عليه ببحث الشكوى والتحقيق في موضوعها لا يعد عذرا شرعيا يحول بين المدعي ورفع الدعوى، وتستند الدائرة في هذا إلى عاملين: الأول: أن فقهاء الإسلام نصوا على الأعذار الشرعية المسقطة للتقادم فذكروا منها السفر والسفه والإكراه والخوف والصغر والجنون والعتمة ولم يذكروا من بينها ما ذكره المدعي. الثاني: أن هيئة التدقيق الإداري (الدائرة الأولى) نصت في حكمها رقم (٢٣٥/ ت / ١) لعام ١٤١٥هـ على أن تكرار التظلمات إلى الجهة الإدارية، وقيام هذه الجهة بدراسة الموضوع لا يعد عذرا شرعيا يحول دون رفع الدعوى في الميعاد المحدد نظاما.

لذلك حكمت الدائرة: بعدم قبول الدعوى شكلا: لرفعها بعد الميعاد المحدد نظاما.

والله الموفق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

هيئه التدقيق

حكمت الهيئة بتأييد الحكم فيما انتهى إليه من قضاء، وأضافت في أسبابها: أن مدد السقوط في اتفاقية (وارسو) تنطبق على دعوى المسؤولية عن الشحنة عموما، ويستوي في ذلك المطالبة بالشحنة ذاتها أو قيمتها أو التعويض عنها، وهذا هو مفهوم التنفيذ في العقود عموما وهو التنفيذ العيني أو التنفيذ بمقابل، أي التعويض عن الشيء محل العقد في حالة استحالة التنفيذ العيني.