تعديل القواعد الدستورية

تعديل القواعد الدستورية

أولا: تعريف القواعد الدستورية:

لم يتفق الفقه على تعريف موحد للقواعد الدستورية فهناك اتجاه يعتمـد علـى المعيـار اللغوي في تعريفها واتجاه آخر ينطلق في تعريف هذه القواعد من الظروف التاريخيـة التـي ظهر فيها اصطلاح الدستور واتجاه ثالث يعتمد على معيار موضوعي فـي تعريف القواعد الدستورية انطلاقا من طبيعة هذه القواعد، ويعتمد اتجاه آخر في تحديد مضمون هذه القواعد على معيـار شكلي اعتمادا على نصوص الوثيقة الدستورية، ونبحث فيما يلي مفهـوم القواعـد الدستورية وفقا للمعايير السابق ذكرها:

أ- المعيار اللغوي:

أصل كلمة الدستور فارسي دخلت اللغة العربية حتي أصبحت الأصطلاح الشائع في البلاد العربية للتعبير عن القواعد العليا التي تحكم أساس التنظيم السياسي، والعلاقة بين السلطات.

وتعني هذه القاعدة الأذن أو الأساس أو القاعدة، وبالفرنسية تعني الأساس أو التنظيم أو التكوين.

ب- المعيار التاريخي:

ظهر أصطلاح القانون الدستوري لأول مرة في فرنسا عام 1834 عندما قرر وزير التعليم في عصر لويس فيليب تدريسه كمساق من مواد التدريس في كلية الحقوق بجامعة باريس وكان الهدف من ذلك هو الدعاية للنظام السياسي لكسب تأييد الشعب الفرنسي للحكم الملكي الجديد القائم علي النظام الملكي النيابي الحر.

وقد تأثر تعريف القواعد الدستورية بالظروف التي أحاطت بنشأة القانون الدستوري، ونظراً لأن الحكم القائم في عصر الملك لويس فيليب كان نظاماً نيابياً حراً فقد أنعكس ذلك علي تعريف القواعد الدستورية فقد عرفها بعض الفقهاء بأنها “مجموعة القواعد القانونية التي تحدد السلطات العامة وحقوق الأفراد في الدولة في نظام نيابي حر.

ج- المعيار الموضوعي:

وفقاً لهذا المعيار يتم تحديد تعريف القواعد الدستورية علي أساس مضمون أو جوهر أو موضوع القاعدة دون النظر إلي مصدرها أو شكلها.

ووفقاً لهذا المعيار تشمل القواعد الدستورية جميع القواعد الدستورية جميع القواعد التي تعد بطبيعتها دستورية سواء أكانت واردة في الوثيقة أم كانت مقررة بقانون عادي أو بمقتضي عرف دستوري.

د- المعيار الشكلي:

 طبقاً لهذا المعيار تعرف القواعد الدستورية بأنها مجموعة القواعد التي تتضمنها الوثيقة الدستورية بغض النظر عن طبيعتها يستوي أن تكون متعلقة بنظام الحكم أو بغير ذلك.فيكون المعول عليه في تحديد ماهية القواعد الدستورية هو الجهة التي صدرت عنها تلك القواعد وشكل صدورها والإجراءات التي تتبع في تعديلها، فهذه القواعد تضعها السلطة التأسيسية أو السلطة المؤسسة والتي ضمنتها في الوثيقة الدستورية.

ويتميز المعيار الشكلي بالوضوح والتحديد باعتباره يعول علي مصدر القواعد الدستورية وشكلها وطريقة وصفها وتعديلها، وعلي ذلك فإن هذا المعيار يعتبر وبحق أساس فكرة جمود الدساتير وسموها علي غيرها من القوانين العادية مما يترتب علي ذلك من نتائج أهمها عدم جواز مخالفة القوانين العادية لنصوص الدستور.

ثانياً: أنواع القواعد الدستورية من حيث تعديلها:

تقسم القواعد الدستورية إلي قواعد دستورية مرنة وقواعد دستورية جامدة ونبحث فيما يلي النوعين المتقدمين مع بيان السلطة المختصة بتعديل هذه القواعد وفقاً للتقسيم التالي:

  • القواعد الدستورية المرنة والجامدة:

تقسم الدساتير من حيث الإجراءات المطلوبة لتعديلها إلي دساتير مرنة وأخري جامدة، ويعتبر الدستور مرناً إذا كان يخضع في تعديله إلي نفس الإجراءات التي تعدل بها القوانين العادية، أما الدساتير التي تحتاج في تعديلها إلي إجراءات خاصة أكثر شدة وتعقيداً من إجراءات تعديل القوانين العادية فتعتبر دساتير جامدة.

ومصدر جمود الدستور هو الدستور نفسه فهو الذي يتضمن النص علـى إجـراءات تعديله، ويشدد من تلك الإجراءات، بهدف رغبة المشرع في اكتساب الدستور صـفة الثبـات والاستقرار، وعدم ترك تعديل أحكامه لأهواء الأغلبية الحزبية في البرلمان.

وهذه الخصوصية تتلاءم مع طبيعة القواعد الدستورية باعتبارها أعلى مرتبة من القوانين العادية ومقررة لنظام الحكم في الدولة ومنظمة الاختصاصات سلطات الدولـة وعلاقـة هـذه السلطات فيما بينها بحيث لا تتساوى في تعديلها مع إجراءات تعديل القوانين العادية مما يحقق لها طابع السمو الشكلي ويمنحها التمتع بالحصانة تجاه السلطة التشريعية التي لا تستطيع بعـد ذلك الاعتداء عليها بالتعديل أو.

واذا اتصف الدستور بصفة الجمود فإن هذه الصفة تسري على جميع النصوص الواردة في صلب الوثيقة الدستورية حتى ما كان منها متضمناً لقواعد غير دستوريه بطبيعتهـا، مثـل الأحكام المتعلقة بالجنسية أو الأمور المالية، ولكن بالمقابل فإن صفة الجمود لا تمتد إلى القواعد ذات الطبيعة الدستورية التي لا تتضمنها الوثيقة الدستورية والصادرة بقوانين عاديـة كـفـانون الانتخاب، فهذه القواعد يجوز تعديلها بقوانين عادية.

وإذا كانت الدساتير المرنة تمتاز بسهولة تعديلها بحيث يتيسر تطورها ومطابقتها لروح العصر ومسايرتها لتطور الحياة دون أن تتعرض البلاد لمشاكل أو أزمات، إلا أن هذه المرونة تنطوي بالمقابل على خطورة، إذ تجعل العبث بالدساتير أمرا ميسوراً وتضعها تحـت رحمـة الأهواء السياسية والمنازعات الحزبية، ولهذا فإن أغلبية الدول تلجأ إلى إحاطة تعديل دساتيرها بالإجراءات الخاصة التي يترتب عليها توفر صفة الجمود في هذه الدساتير.

وجمود الدستور لا يعني أن تعديله يكون محظورا بصورة مطلقة، فصفة الجمـود فـي الدساتير تتحقق بإحدى صورتين:

الـصورة الأولى : هي الدساتير التي تمنع التعديل زمنيا أو موضوعيا حيث يلجأ واضعوا الدساتير إلـى حظر تعديل مواده أو بعض أحكامه لمدة محددة تقدر بأنها كافية لثبات أحكام الدستور وهو مـا يسمى بالمنع الموضوعي لتعديل الدستور.

الصورة الثانية: تتمثل بالدساتير التي تجيز التعـديل ولكـن بشروط خاصة وإجراءات مشددة تختلف عن الإجراءات التي تتبع لتعديل القوانين العادية.

ويعتبر الدستور المصري الحالي لسنة 1971 من الدساتير الجامدة ومن أهـم مظـاهر جموده انه يشترط أغلبية خاصة لإقرار تعديل الدستور وهي أغلبية ثلثي أعضاء مجلس الشعب وعرض التعديل على الشعب لاستفتائه فيه (المادة 179 من الدستور المصري لسنة 1971).

كما يعتبر الدستور الأردني لسنة 1952 من الدساتير الجامدة ومن أهم مظاهر جمـوده انه اشترط موافقة ثلثي أعضاء كل من مجلس الأعيان والنواب ومصادقة جلالة الملـك علـى التعديل حيث لا يعتبر التعديل نافذا إلا إذا صادق عليه جلالة الملك (الماده 126 مـن الدسـتور الاردني لسنة 1952) حيث إن القوانين العادية يتم إقرارهـا بالأغلبية المطلقـة للأعـضاء الحاضرين (المادة 84 من الدستور الأردني لسنة 1952) وحق امتناع جلالة الملك عن تصديق القانون العادي هو حق اعتراض توقيفي بالنسبة للقانون العادي يمكن لمجلسي النواب والأعيان تجاوزه بإقرار القانون بأغلبية ثلثي الأعضاء الذي يتألف منهم المجلس (المادة 93 من الدستور الأردني لسنه 1952).

وكذلك فإن الدستور الكويتي الحالي لسنة 1963 قد ساير الاتجاه المتقدم بإضفاء صـفة الجمود على الدستور ومن أهم مظاهر هذا الجمود أنه قد شدد في إجراءات تعديل الدستور مـن النواحي التالية (حددت المادة 174 من الدستور الكويتي إجراءات تعديل الدستور) :

1.مرحلة اقتراح التعديل : نصت المادة 173 من الدستور على أن اقتراح تعديل الدستور هو من حـق الأميـر وعدد من أعضاء مجلس الأمة لا يقل عن ثلث الأعضاء الذين يتكون مـنهم مجلـس الأمـة بخلاف حق اقتراح تعديل القوانين العادية الذي يستطيع أن يمارسه أي عضو بمفرده حـسب نص المادة 109 من الدستور

  1. 2. الموافقة على مبدأ التعديل وموضوعه : تتم هذه المرحلة بموافقة أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس وموافقة الأمير الـذي يملك بهذا الشأن حق اعتراض مطلق بحيث لا يمكن الاستمرار في إجراءات التعديل الأخرى في حالة رفض الأمير لمبدأ التعديل أو موضوعه (مادة 174 من الدستور)
  2. إقرار التعديل : تكون الموافقة على تعديل الدستوري بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس حسب نص المادة 174 من الدستور في حين أن إقرار تعديل القوانين العادية يصدر بأغلبية الأعضاء الحاضرين حسب نص المادة 67 من الدستور.
  3. تصديق الأمير على قرار التعديل : وحق الأمير بالتصديق على تعديل الدستور هو حق مطلق حسب نص المـادة 174 مـن الدستور في حين ان حقه في التصديق على القوانين العادية هو حق اعتراض توقيفي يجـوز تجاوزه بموافقة المجلس على القانون بالأغلبية الخاصة المحددة بنص المادة 66 من الدستور.

ثالثاً: السلطة المختصة بالتعديل:

تباينت الاتجاهات الفقهية بشأن تحديد الجهة التي تملك حق تعديل الدستور إلى اتجاهات ثلاثة يذهب أولها إلى أن تعديل الدستور هو حق للشعب بينما يرى الاتجاه الثاني أن التعديل هو حق لممثلي الشعب ويرى اتجاه ثالث أن الدستور هو الذي يحدد الجهة المختصة بالتعديل.

الاتجاه الأول : سلطة تعديل الدستور مقررة للشعب:

يستند هذا الاتجاه إلى نظرية القانون الطبيعي وفكرة العقد الاجتماعي الذي وضع بعـد اجماع أعضاء الجماعة وموافقتهم على هذا العقد والذي بوساطته أنشأ الأفراد الجماعة السياسية والسلطة السياسية التي تحكم الجماعة وتأسيساً على ذلك فإن تعديل الدستور لا يجوز أن يتم إلا بعد موافقة الشعب بجميع أفراده.

الاتجاه الثاني : إسناد سلطة تعديل الدستور لممثلي الشعب:

يستند هذا الاتجاه إلى أن الأمة هي صاحبة السيادة وهي التي تملك حق تعديل الدستور، كما أصدرته من قبل دون التقيد بشكل محدد لإجراء هذا التعديل، كما يحق لها ان تنيب عنها من يمثلها لاتمام التعديل، وبناء على هذا الرأي فإن تعديل الدستور يمكن ان يتم بموافقة أغلبية الشعب مباشرة أو بوساطة ممثلي الشعب بالطريق النيـابي.

الاتجاه الثالث : إسناد تعديل الدستور للسلطة التأسيسية المنشأة التي يقررها الدستور ذاته:

يذهب الرأي الغالب في الفقه إلى أن الدستور هو الذي يقرر طريقة تعديله وبواسـاطة السلطة التي يحددها لهذه الغاية، حيث ذهب إلى أنه مما يتناقض مع طبيعة الأشياء في الجماعة أن تفرض الأمة علـى نفسها قوانين لا تستطيع سحبها أو تعديلها ولكن يتفق مع هذه الطبيعة ان الأمة تستطيع تعـديل هـذه القوانين طبقا للشكل الذي أصدرتها فيه.

ومن خلال هذا الاتجاه يمكن التمييز بين كل من السلطات التأسيسية الأصلية وهي التي وضعت الدستور والسلطة التأسيسية المنشأة وهي السلطة التي أسند إليها الدستور صلاحية تعديل أحكامه حيث يجب أن تلتزم السلطة المنشأة بما ترسمه لها السلطة الأصلية في الدستور من حدود تبين اختصاصاتها.

وقد أخذت النظم الدستورية في كل من مصر والأردن والكويت بهذا الاتجـاه فأسندت المادة (189) من الدستور المصري صلاحية تعديل الدستور إلى مجلـس الـشعب علـى أن يعرض على الشعب باستفتاء شعبي لاقراره، وأسند الدستور الأردني هذه الصلاحية لمجلـس الأمة شريطة مصادقة الملك على هذا التعديل بحسب ما نصت عليه المادة (126) من الدستور، وأخذت المادة (174) من الدستور الكويتي بنفس الاتجاه حيث أسندت صلاحية تعديل الدستور للمجلس التشريعي شريطة مصادقة الأمير.