القضاء التجاري / المكتبة القانونية تصفّح المكتبة
تمثل قاعدة الاطلاع على الملف حسب الأستاذ R.Chapus أهم عناصر حقوق الدّفاع، وتبدو أهمية الاطلاع على الملف وضرورته في أن الحالة الوظيفية للموظف المؤدب تدخل إيجابا أو سلبا في تقرير الجزاء وتوقيعه، فالعقوبة تكون أشد في حالة تكرار المخالفة، وانما سند ذلك الملف الوظيفي.
ولقد نصت في الجزائر على هذا الحق المادة 167 المذكورة أعلاه من الأمر رقم 06-03 مؤرخ في 19 جمادى الثانية عام 1427 الموافق 15 يوليو سنة 2006، يتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية ويستفاد من هذه المادة أن الإدارة ملزمة بالسماح للموظف بالاطلاع على الوثائق والتقارير الخاصة به اطّلاعا كاملا عند شروعها في الإجراءات التأديبية، والا كان قرارها قابلا للإلغاء.
والسؤال المطروح هو: كيف يمكن للموظف أن يعرف أنه اطلع على ملفه كاملا، ما دامت الإدارة هي المسيطرة على الملف وتستطيع أن تحذف منه العناصر التي قد تفيد المعني في الإثبات؟
إن الجواب يكمن في نص المادة 93 من نفس القانون التي ألزمت الإدارة بفتح ملف شخصي لكل موظف لديها بقولها: ” يتعين على الإدارة تكوين ملف إداري لكل موظف، يجب أن يتضمن الملف مجموع الوثائق المتعلقة بالشهادات والمؤهلات والحالة المدنية والوضعية الإدارية للموظف، وتسجل هذه الوثائق وترقم وتصنف باستمرار. يتم استغلال الملف الإداري لتسيير الحياة المهنية للموظف فقط، يجب ألا يتضمن الملف الإداري أي ملاحظة حول الآراء السياسية أو النقابية أو الدينية للمعني”.
فالمادة ألزمت الإدارة بمواصفات معينة لهذا الملف وهو أن يرقم ويصنف باستمرار، وقد كانت نظيرتها الملغاة في المرسوم 85/59 تنص على أن يكون الملف مرقما ومتسلسلا، وهذا يعني أن كل تحريف أو تلاعب بالملف سيكون مفضوحا لمساسه بتسلسل الوثائق وترتيبها. لكن وفي ظل سيطرة الإدارة على الملف وفي ظل الإمكانات الممنوحة لها، يبقى الاطلاع الكامل على الملف مرهونا بحسن نية الإدارة.
ومهما يكن فإن المواصفات التي اشترطتها المادة في الملف الشخصي للموظف والمتمثلة في التصنيف والترقيم يجعل استفادة الموظف المخاصم للقرار التأديبي استفادة فعالة، لأن أي تلاعب للإدارة بهذه الوثائق أو تهاون في حفظها، يكون مفضوحا في ظل هذه المواصفات التي اشترطها هذه المادة، ويفسّر في صالح الموظف المدعي.
وبينما نصت المادة 167 من القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية في الجزائر على حق الموظف في الاطلاع على الملف فإن نظيرتها في القانون الفرنسي المادة 01 من الأمر رقم 84/961 المؤرخ في 25 أكتوبر 1984 المتعلق بالإجراءات التأديبية المتعلقة بموظفي الدولة نصت على واجب الإدارة في إعلام الموظف بحقه في الاطلاع على ملفه التأديبي، وهكذا يمكنه المطالبة بإلغاء القرار في حالة عدم إعلام الإدارة له بحقه في ذلك، بينما لا يمكن للموظف المؤدب في الجزائر المطالبة بإلغاء القرار التأديبي إذا لم يبلغ من طرف الإدارة بهذا الحق.
وفي قضاء حديث له قضى مجلس الدولة الفرنسي بحق الموظف في طلب تدخل الوزير من أجل إلزام الإدارة بوضع ملف ذو مواصفات واضحة، ومرقم بشكل مستمر ومستقر يضمن تحقيق الأهداف المرجوة من تقرير حق الاطلاع على الملف، وحكم بإلغاء قرار تأديب الموظفة التي أهملت الإدارة ذلك في تكوين ملفها الشخصي.
وخلاصة القول أن المشرع بإلزامه الإدارة باحترام مبدأ الوجاهية بعناصره، قبل اتخاذ قرارات تأديبية يكون قد أتاح للمعني بالقرار مصدرا مهما لاستقاء الأدلة، كما أتاح له أوجها إضافية وسهلة الإثبات يستطيع أن يبني على أساسها طلباته بإلغاء القرار المطعون فيه لعدم شرعيته.