القضاء التجاري / المكتبة القانونية تصفّح المكتبة
سابعا: دور المشرع في التخفيف من عبء الإثبات
من خلال تنظيمه لدور محافظ الدولة:
نظم قانون الإجراءات المدنية والإدارية دور محافظ الدولة في المواد من 897 إلى 900، ويبدأ دور محافظ الدولة عندما يسلمه المستشار المقرر الملف الذي يحتوي عرائض ومذكرات الأطراف والوثائق المرفقة بها، وتقرير القاضي المقرر الذي يكون قد درس الملف، والذي يتولى دراسة الملف ثانية، ليقدم التماساته في شكل تقرير مكتوب وفي أجل شهر من استلام الملف من القاضي المقرر.
ويجب على محافظ الدولة إعادة الملف والوثائق المرفقة به إلى القاضي المقرر بمجرد انقضاء الأجل المذكور، وهذا ما نصت عليه المادة 897 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
إن الدور الإيجابي لمحافظ الدولة في الإجراءات يتجسد في مضمون هذا التقرير، الذي حرص المشرع على تحديد عناصره ومواصفاته، بحيث لا يجوز له أن يختزل طلباته في عبارات موجزة كتفويض الرأي إلى المحكمة، أو طلب تطبيق القانون، بل ألزمه المشرع بأن يتضمن الوقائع والقانون والأوجه المثارة ورأيه حول كل مسألة مطروحة والحلول المقترحة، للفصل في النزاع مع اختتامه بطلبات محددة.
كما يقدم محافظ الدولة ملاحظاته الشفوية خلال الجلسة حول كل قضية قبل غلق باب المرافعة (المادة 899)، ويجب أخيرا الإشارة في الأحكام الإدارية بإيجاز إلى طلبات محافظ الدولة وملاحظاته والرد عليها (المادة (900)
إن دور مفوض الدولة فعال جدا وذلك من خلال تقريره المكتوب الذي يقدمه، فأغلب التقارير التي كان مفوضو الحكومة في مجلس الدولة الفرنسي ولا زالوا يعدونها تتضمن مبادئ قانونية هامة يتبناها مجلس الدولة في العديد من أحكامه، ويتولاها الفقه بالتحليل والشرح والنقد.
ومما ينبئ عن المكانة العظيمة لدور مفوضي الدولة في فرنسا أن تقاريرهم كثيرا ما تنشر في مجموعات الأحكام، وفي المجلات العلمية، بل إن تقاريرهم أقوى أثرا من الأحكام ذاتها في تطوير القانون الإداري.
لقد كان هذا الدور محلا للنقاش أمام المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان في قضية السيدة KRESS إذ اشتكت السيدة KRESS من عدم تمكينها من الاطلاع قبل الجلسة على استنتاجات مفوض الحكومة، ومن عدم تمكينها من الرد عليها، كما أنها نازعت في أن مفوض الحكومة الذي كان قد استنتج رفض دعواها حضر في مداولة المحكمة، وهذا مناقض لمقتضيات المحاكمة العادلة وفقا لأحكام المادة 6 من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان.
وقد استبعدت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان بالإجماع الحجة المستندة إلى الاعتبارات الأولى، بينما أدانت مشاركة مفوض الحكومة في المداولة؛ استنادا لنظرية المظاهر والتي ترجع في الأصل إلى قول القانوني البريطاني الشهير لورد هيوارت: “لا يكفي فقط وجوب تحقيق العدالة، بل الواجب أيضا رؤية العدالة وهي تتحقق”.
Justice not only be done; it must also be seen to be done.
لقد واصلت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان أحكامها في هذا الاتجاه، وأصدرت حكما بنفس المضمون فيما يخص مشاركة مفوض الحكومة في مداولات المحاكم الإدارية الابتدائية ومحاكم الاستئناف الإدارية، بمناسبة حكمها في قضية MmeLoyen الذي أزالت فيه كل غموض بشأن التفرقة الدقيقة بين حضور مفوض الحكومة وبين مشاركته في المداولات.
وفي سنة 2006 وبموجب مرسوم 1 أوت 2006 عدل قانون القضاء الإداري الفرنسي، وأصبح حضور مفوض الحكومة لمداولات المحاكم الإدارية الابتدائية ومحاكم الاستئناف الإدارية محظورا.
أما عن حضوره لمداولات مجلس الدولة فقد أضحى ذلك مرتبطا بمدى اعتراض أحد الأطراف على ذلك من عدمه، وهو ما نصت عليه المادة R733 من قانون القضاء الإداري التي تنص: “يحضر مفوض الحكومة المداولة أمام مجلس الدولة مالم يطلب أحد الأطراف عكس ذلك، وهو لا يشارك فيها”.