دور قاضي الإلغاء في إنتاج الأدلة

إن الفصل في النزاع الإداري يفترض من القاضي تشكيل وتكوين اقتناع لا يكفي لاكتماله في الغالب الاعتماد على ما قدمه الخصوم من مذكرات واستدلالات ووثائق، ووجهات نظر.

نحاول في هذا المبحث التعرف على الدور الذي يلعبه القاضي في البحث عن عناصر جديدة مستقلة عما قدمه الخصوم، وتساهم في تكوين اقتناع مكتمل للقاضي من أجل الفصل في النزاع على أساس دراية كاملة. إن أهم مظاهر دور قاضي الإلغاء في إنتاج الأدلة تتمثل في سلطته في الأمر بتقديم مستندات وأمره بوسائل التحقيق التالية: الخبرة، المعاينة، والاستجواب.

وتعتبر هذه الوسائل أبرز ما يتضح فيه الدور الإيجابي الكبير للقاضي الإداري، فهي تنطوي على إيجابية محسوسة من جانب قاضي الإلغاء وهيمنة كاملة عليها ابتغاء تحقيق التوازن العادل بين الطرفين، وبذلك تتضح فيها بصورة ملموسة الصفة الإيجابية لإجراءات التقاضي الإدارية.

إن قاضي الإلغاء يمكنه بناء على طلب الخصوم أو من تلقاء نفسه أن يأمر شفاهة أو كتابة بأي إجراء من إجراءات التحقيق التي يسمح بها القانون، وفي أي مرحلة كانت عليها الدعوى، بل وحتى قبل مباشرتها بناء على طلب كل ذي مصلحة إذا كان القصد منها إقامة الدليل والاحتفاظ به الإثبات الوقائع التي تحدد مآل النزاع.

إن الأحكام الفاصلة في جزء من موضوع النزاع أو التي تأمر بالقيام بإجراء تحقيق لا تكون قابلة للاستئناف إلا مع الحكم الفاصل في أصل الدعوى برمتها، طبقا لنص المادة 334 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وذلك تبسيطا للأوضاع ومنعا لتقطيع أوصال القضية.

وفي فرنسا يتم اللجوء إلى وسائل التحقيق أكثر على مستوى المحاكم الإدارية الابتدائية ومحاكم الاستئناف عكس مجلس الدولة، ومرد ذلك إلى طبيعة اختصاصات هذا الأخير التي تتعلق بالقانون وليس بالواقع، لكن الأمر في الجزائر يختلف فمجلس الدولة في الحقيقة درجة استئناف والقضايا المعروضة أمامه متعلقة بالواقع أكثر من القانون، بل إن اختصاصه بالنقض مجرد اختصاص رمزي كما يشير أستاذنا الدكتور مسعود شيهوب، ولهذا فإنه كثيرا ما يلجأ إلى وسائل التحقيق لإثبات الدعوى، وإن كان في بعض المنازعات خاصة المتعلقة بالأشغال العمومية والتي تتطلب الاستعانة بوسيلة المعاينة فإنه يحيل القضية للنظر فيها من جديد إلى محكمة الموضوع؛ لأنها الأقرب إلى موقع المعاينة.