القضاء التجاري / المكتبة القانونية تصفّح المكتبة
دور قاضي الإلغاء في تقدير الأدلة
إن دور قاضي الإلغاء في الإثبات على مستوى الإجراءات لا يقتصر على حريته في الأمر بوسائل الإثبات مما يعني مساهمته في إنتاج الدليل، ولكنه بعد كل ذلك له حرية واسعة في تقدير الأدلة التي يتقدم بها الخصوم والأقوال التي يدلون بها أو يدلي بها الشهود.
إن الأمر يتعلق بسلطات قاضي الإلغاء في التحقق من صحة المستندات المقدمة كأدلة للإثبات (المطلب الأول) وسلطاته في تقدير أقوال الشهود (المطلب الثاني)، وسلطاته في تقدير أقوال الخصوم (المطلب الثالث).
المطلب الأول: سلطات قاضي الإلغاء في التحقق من صحة المستندات.
للوثائق المرفقة بملف الدعوى أو التي يطلبها القاضي أو أحد الخصوم دور مهم في الإثبات، وحتى يمكن اعتمادها يجب أن يكون القاضي والأطراف مطمئنين إلى صحتها ومتى ثار الشك بشأنها سواء من طرف القاضي أو الأطراف وجب التحقق من صحتها، وبعدها يمكن الاستناد إلى حجيتها.
ولكن قبل التطرق إلى دور القاضي في التحقق من صحة الوثائق يحسن التطرق أولا إلى حجية الوثائق أمام قاضي الإلغاء، هل لها نفس الحجية وبنفس الترتيب الذي نعرفه أمام القاضي المدني أم أن الأمر يختلف لاختلاف طبيعة الدعوى الإدارية عن طبيعة الدعوى المدنية؟
الفرع الأول: أنواع الوثائق المودعة أمام قاضي الإلغاء وحجيتها.
إن تمتع الإدارة بالشخصية المعنوية، أدى إلى استقلال شخصيتها عن شخصية ممثليها، وهذا استوجب أن تكون لها شخصيتها الخاصة وذمتها المالية الخاصة وذاكرتها الخاصة، وبالتالي فهي تعتمد كليا على الوثائق، ولا تعتمد على ذاكرة موظفيها لأنهم معرضون للفناء أو الانتقال عنها، بينما تتسم شخصيتها بالديمومة، وهذا يؤدي إلى اعتمادها كأصل عام على الوثائق الإدارية، وتعتبر هذه الأخيرة الوسيلة الرئيسية للإثبات أمام قاضي الإلغاء، بل هي أهم الأدلة التي يعتد بها أمام قاضي الإلغاء.
لكن قد يستعاض عنها بأحد الطرق الجائز قبولها أمام قاضي الإلغاء، إلاّ في الحالات التي ينص فيها المشرع صراحة على ضرورة التقيد بالكتابة وفي صورة معينة كوسيلة للإثبات، كضرورة إثبات الجنسية بالشهادات الرسمية الصادرة من السلطة المختصة. وضرورة إثبات الملكية العقارية بموجب سندات رسمية وهي العقود التوثيقية والعقود الإدارية المشهرة بالمحافظة العقارية، أو اشتراط محضر استلام الأشغال أو فاتورة مؤشر عليها قانونا من طرف الإدارة المستفيدة من الخدمة كدليل إثبات على أداء هذه الخدمة.
وتعتبر الوثائق الإدارية حجة بما تضمنته من وقائع فيما لا يتعلق بالموظفين المحررين لها، أما الوثائق الإدارية الصادرة عن الأفراد والمؤشر عليها من طرف الإدارة، فما ورد فيها على لسان أصحابها لا يعتد به كحجة، ولا تكتسب هذه الوثائق حجية إلا بالنسبة لما يدونه ويؤشر به الموظف المختص من بيانات ووقائع عند ورودها إليه مثل تاريخ الورود ورقمه والموافقة عليها أو رفضها.
وليس للأدلة الكتابية قوة واحدة في الإثبات، حيث تختلف تلك القوة بحسب نوع الدليل المقدم، ويمكن تقسيم الوثائق التي يودعها الأطراف من تلقاء أنفسهم أو بطلب من قاضي الإلغاء إلى الوثائق الخاصة، والمحاضر الإدارية، والوثائق الإدارية.