صلاحيات قاضي شؤون الأسرة

المقدمة

يتمتع القاضي بالعديد من السلطات التي تتماشى و طبيعة وظيفته، بين إصدار أحكام قضائية أو تدابير مؤقتة، و إصدار أوامر ولائية.

أما العمل القضائي أو السلطة القضائية فتمارس لإزالة العوارض التي تجابه التطبيق التلقائي للقانون في المجتمع([1]). و ذلك عن طريق التمحيص و التحقيق في الأدلة المقدمة من طرف الخصوم، ليصل إلى الحقيقة التي تتكون على أساسها قناعته التي تصدر في شكل حكم قضائي يحوز قوة الشيء المقضي فيه، حيث يستنفذ فيه القاضي ولايته فلا يمكنه سحبه أو التراجع عنه([2]). أو في صورة أوامر استعجاليه و ذلك باتخاذ تدابير مؤقتة لا تمس بأصل الحق، و لا يفصل بها في موضوع النزاع و هذه التدابير تتخلل العمل القضائي المنهي للنزاع، هذا من جهة و من جهة أخرى، فالعمل الولائي يجسد سلطة القاضي في إصدار أوامر للأفراد بغرض المحافظة على وضع معين دون أن يكون هناك نزاع قائم([3]). مثل أمر بالكفالة، فلا يحتاج القاضي إلى بدل جهد و وقت في الموافقة على إصدار أمر ما([4]). كما أنه يجوز له سحبه و إصدار قرار جديد إذا ما تغيرت الظروف. و الملاحظ أن المشرع و لضمان حسن سير الخصومة قرر للقاضي اتخاذ أوامر استعجاليه و أخرى ولائية أثناء النظر في النزاع، إلى جانب اتخاذ أوامر ولائية في حالات لا يكون النزاع قائما بشأنها كما سيرد لاحقا.

إن القاضي لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يمارس هذه السلطات إلا بعد أن يمارس الشخص الحق المخول له دستوريا بموجب المادة 139 من الدستور والمتمثل في حرية اللجوء إلى القضاء و ذلك بموجب قواعد إجرائية تمكنه من تفعيل القواعد الموضوعية المقررة لحقوقه حتى تتحقق الحماية القضائية لها.

و نظرا لأن القانون مرآة المجتمع وهذا الأخير يتغير بتغير الظروف الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية، ارتأى للمشرع ضرورة استحداث قانون شكلي يتماشى و هذه الظروف ويحمل آليات تضمن حسن سير الجهات القضائية و بالتالي الخصومة القضائية.

فقانون الإجراءات المدنية و الإدارية رقم 08/09 الصادر بتاريخ 25/02/2008 يعد قفزة نوعية في خضم مسعى إصلاح العدالة لما له من وزن بالنظر إلى ما احتواه من حلول إجرائية تسمح بحسن سير الدعوى و توجيهها، من خلال استحداث قواعد و ضوابط جديدة تكفل حماية الحقوق و تسهل للمتقاضى المطالبة بها([5]).

و الجدير بالملاحظة أن قانون الإجراءات المدنية والإدارية تضمن أحكام خاصة بكل جهة قضائية في المواد من 423 إلى 583 تضبط الأجواء المتبعة أمام المحاكم من بينها استحداث قسم مكلف بشؤون الأسرة على مستوى المحاكم قصد ترسيخ فكرة تخصص القضاة و الاستجابة للمطالب الراهنة المستجدة نتيجة التعقيد المتزايد للنزاعات المطروحة([6]). و إسناد النزاعات التي تعد من صميم قانون الأسرة التي تخضع أصلا لقاضي شؤون الأسرة و لم يكن معمول بها كذلك و يقصد بها منازعات التركة و عليه فإن لهذا الموضوع أهمية عملية من خلال الإطلاع على دور القاضي في تفعيل السلطات المخولة له بموجب هذا القانون، و الحالات التي يتخذ فيها الإجراءات المنصوص عليها، و الإشكالات التي تعترض تطبيقه، والحلول المقترحة لها، باعتبار أن هذا القانون حديث العهد بصدوره و بدخوله حيز النفاذ، و عليه ارتأيت أن تكون دراستي لهذا الموضوع دراسة استقرائية و تحليلية للمواد القانونية الإجرائية و ربط ما يجب ربطه بالنصوص الموضوعية التي يتضمنها قانون الأسرة، مع الإشارة في بعض الأحيان إلى ملاحظات تخص الشكل الذي وردت به المواد أو من حيث تكرار البعض منها، مدعمة هذه الدراسة ببعض الأحكام القضائية التي صدرت بعد دخول ق أ م أ حيز النفاذ، و عليه كيف يجسد القاضي الصلاحيات المخولة له ضمن قانون الإجراءات المدنية و الإدارية؟

و للإلمام بالموضوع سأحاول الإجابة على الإشكاليات الجزئة التالية:

كيف يتصرف القاضي لتفعيل الآليات المخولة له في فك الرابطة الزوجية؟.

كيف تبرز سلطة القاضي في إثبات النسب، و ما سلطته في الفصل في منازعات التركة بعد أن كان ينظر فيها القاضي المدني؟.

ما دور القاضي في الإجراءات الولاية و كيف يتصرف في إصدار الأوامر الولائية؟ و ما هي الإشكالات التي تواجهه في كل هذا؟.

كل هذه الإشكالات سأحاول الإجابة عليها من خلال خطة تتضمن فصلين: يتضمن الفصل الأول عنوان: العمل القضائي لقاضي شؤون الأسرة والذي يتضمن بدوره مبحثين، المبحث الأول يتعلق بدور القاضي في فك الرابطة الزوجية، من خلال إجراء الصلح وتعيين الحكمين، و التحقيق و ما يشمله من إجراءات، و في المبحث الثاني فأتناول دور القاضي في النظر في منازعات النسب و التركة. أما في الفصل الثاني فيحمل عنوان العمل الولائي لقاضي شؤون الأسرة أتطرق من خلاله في المبحث الأول إلى دور القاضي في الولاية على القاصر، و حماية البالغين ناقصي الأهلية، أما في المبحث الثاني فادرس دور القاضي في الأمر بالكفالة.

الفصل الأول: العمل القضائي لقاضي شؤون الأسرة

يختص القضاء بصفة عامة نوعيا و محليا بنظر الدعوى و قد جاء قانون الإجراءات المدنية و الإدارية بأحكام جديدة تتعلق بهذا الاختصاص، و باستقرائي للمواد المتعلق بالإجراءات الخاصة بقسم شؤون الأسرة أدرجت بعض الملاحظات كالتالي:

فيما يخص الاختصاص النوعي:

تضمنته المواد من 423 إلى 425 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية و الملاحظ على نص المادة 423 أنها لم تحدد حالات اختصاص النوعي على سبيل الحصر، و إنما نصت على أنه” ينظر قسم شؤون الأسرة على الخصوص” و ذكرت خمس حالات دون أن تذكر حالة واحدة هي الاختصاص في نظر دعاوى أو منازعات التركة، رغم أن المشرع قد حدد الاختصاص الإقليمي لها في نص المادة 498 ق إ م ا و عليه حبذا لو تضمنتها المادة 423 ضمن الاختصاص النوعي.

فيما يخص القضاء الإستعجالي:

يختص هذا القضاء باتخاذ تدابير مؤقتة إلى حين الفصل في النزاع القائم بعد التحقيق فيه أو البحث في الإجراء الوقتي المطلوب منه اتخاذه لمنع الضرر أو الخطر الذي يهدد حق من لجأ إليه لإسباغ حمايته عليه، حيث يكفي وجود مظاهر و بوادر الخطر و الضرر أمام القضاء المستعجل، أما صفة الحماية فتكون باتخاذ إجراء مؤقت لا يمس بأصل الحق، و لا يفصل في موضوع النزاع، و العبرة في توافر ركن الاستعجال هي بوقت الحكم في الدعوى لا وقت رفعها فإذا توفر الاستعجال وقت رفع الدعوى ثم زال أثناء السير فيها تعين القضاء بعدم الاختصاص، أما إذا لم يتوفر عنصر الاستعجال وقت رفع الدعوى ثم توفر أثناء السير فيها، انعقد الاختصاص للقضاء المستعجل([7]).

و قد أسند ق إ م إ إلى قاضي شؤون الأسرة الصلاحية المخولة لقاضي الاستعجال طبقا لنص المادة 425 منه، بعد أن كان رئيس المحكمة يختص بإصدار أوامر استعجاليه تطبيقا لنص المادة 57 مكرر من قانون الأسرة، و لعل السبب في إسناد هذا الاختصاص إلى قاضي شؤون الأسرة يرجع إلى كون أن النزاع من طبيعة واحدة و هي منازعات الأسرة، فلماذا ينظر القاضي و يفصل في موضوع النزاع و لا يتصرف عندما يتعلق الأمر باتخاذ تدابير مؤقتة.

أما عمليا فيتمسك رئيس المحكمة في النظر في الأوامر الإستعجالية و إصدار الأوامر الولائية إذا ما عرضت عليه، و له الخيار في إحالته على قاضي شؤون الأسرة، ذلك أنه ليس هناك نص قانوني يمنعه من ذلك، و هذا بالرجوع إلى قانون التنظيم القضائي في المادة 16 من الأمر رقم 05-11 التي تنص على:

” يحدد رئيس المحكمة بموجب أمر، وبعد استطلاع رأي وكيل الجمهورية، توزيع قضاة الحكم في بداية كل سنة قضائية على الأقسام أو الفروع عند الاقتضاء.

ويجوز له أن يرأس أي قسم يمكن تعيين نفس القاضي في أكثر من قسم أو فرع… “.

بالإضافة إلى هذا فما رأيته عمليا هو إصدار قضاة شؤون الأسرة لأحكام استعجاليه وفق المادة 425 من ق إ م إ مثل الحكم الصادر عن محكمة القل، دائرة اختصاص مجلس قضاء سكيكدة، الذي قضى بإلزام المدعى عليه بتسليم البنتين إلى أمهما في إطار ممارسة الحضانة([8]). أو الحكم الصادر عن محكمة أدرار دائرة اختصاص مجلس قضاء أدرار و القاضي ب: أمر المدعي عليه بإنفاق على زوجته و ابنه([9]). أما الحالات التي ينظر فيها القاضي استعجاليا فذكرتها المواد 453/460/ 467/472/474/499.

فيما يخص الاختصاص المحلي:

تضمنته المادة 426 من ق إ م إ، حيث حددت موضوع الدعوى و الاختصاص الإقليمي لها، و الملاحظ على هذا النص أنه لم يتضمن أو لم يشمل كل الدعاوى بالاختصاص الإقليمي و إنما ترك البعض منها خاضعة لنصوص متفرقة و يتعلق الأمر بمايلي: النسب – الكفالة – التركة.

النسب: تضمنته المادة 490 و حددت الاختصاص الإقليمي له بموطن المدعى عليه.

الكفالة: تضمنتها المادة 492 و حددت الاختصاص الإقليمي له بمقر موطن طالب الكفالة.

التركة: تضمنتها المادة 498 و حددت الاختصاص الإقليمي بمقر المحكمة التي يقع فيها موطن المتوفي.

و عليه فالمستحسن إدراج هذه المواد في المادة 426 كفقرات إلى جانب الفقرات الأخرى المحددة لاختصاص الإقليمي، أما الأقسام التي وردت ضمنها هذه المواد، فنتناول الإجراءات المتعلقة بفض النزاع.

المبحث الأول: دور القاضي في فك الرابطة الزوجية

 بالرجوع إلى أحكام قانون الأسرة المعدل الأمر 05/02 في الباب الثاني من الفصل الخامس نجد أن المادة 47 منه حددت كيفية انحلال الرابطة الزوجية بنصها على “تنحل الرابطة الزوجية بالطلاق أو الوفاة” أي بواقعة قانونية أو واقعة مادية، وقد بينت المادة 48 أنواع الطلاق الذي يحل عقد النكاح بنصها على عدم حل عقد الزواج إلا بإرادة الزوج أو بتراضي الزوجين أو بطلب من الزوجة في حدود ما ورد في نص المادتين 53 و54 من هذا القانون، أي بالطلاق و التطليق والخلع كما سيأتي.

بالنسبة للطلاق:

الأصل في الطلاق أنه حق إرادي للزوج فما هو إلا عبارة عن إرادة الزوج المنفردة لجعل حد للحياة الزوجية. وفقد قيد المشرع بنصه في المادة 49 من قانون الأسرة حصول الطلاق بصدور حكم بعد عدة محاولات صلح، وهنا يتضح دور القاضي في فك الرابطة الزوجية، فعلى الزوج الذي يرغب في الطلاق أن يرفع أمره إلى القاضي ليقوم باستدعاء الزوجين لإجراء محاولة أو محاولات الصلح، وإن رأى أن مسعى الصلح غير منتج يتلقى القاضي في إحدى جلسات الصلح إعلان الزوج عن إرادته في الطلاق وتوثيقها فليس للقاضي ولا الزوجة الاعتراض على هذا الحق([10]).

وقد نص المشرع في قانون الإجراءات المدنية والإدارية على الطلاق في المادة 450 التي منحت للقاضي سلطة كبيرة من حيث التأكد من إرادة الزوج في طلب الطلاق أي إرادة حرة لا تشوبها شائبة، ذلك أن الطلاق تصرف إرادي يترتب عليه أثار قانونية، وعليه يجب أن يكون صادر عن إرادة حرة ويتبين هذا للقاضي من خلال التحدت إلى الزوج و الاستفسار عن السبب الذي يدفعه للطلاق وقد لا يظهر هذا في الجلسة الأولى وعليه نص القانون في المادة 49 بقوله:”بعد عدة محاولات صلح”.

بالنسبة للتطليق:

أولا أُريد أن أضمن هذه الفقرة بعض الملاحظات الشكلية على النحو التالي:

الملاحظة 1:

 تخص تكرار نص المادة 428 من مضمون المادة 436 كالتالي:

المادة 428: في حالة الطلاق بالتراضي يقدم طلب مشترك في شكل عريضة وحيدة موقعة من الزوجين تودع بأمانة الضبط.

المادة436: ترفع دعوى الطلاق من احد الزوجين أمام قسم شؤون الآسرة بتقديم عريضة وفقا للشكل المقرر لرفع الدعوى.

 وعليه كان من المستحسن إدراج عبارة قسم شؤون الأسرة في المادة 428 ليصبح نصها كالتالي:

” في حالة الطلاق بالتراضي يقدم طلب مشترك في شكل عريضة وحيدة موقعة من الزوجين وفق الأشكال المقررة لرفع الدعوى، تودع بأمانة الضبط قسم شؤون الأسرة”.

الملاحظة 2:

و تخص المادة 432 والمادة 437 فالمتمعن في هذه النصوص يلاحظ أن نص المادة 437 مكمل لنص المادة 432، إلا أنه تخللت هذين النصين المواد المتعلقة بالطعن بالاستئناف والطعن بالنقض.

فالمادة 432 تنص على: “لا يجوز تقديم طلب الطلاق بالتراضي إذا كان أحد الزوجين تحت وضع التقديم أو إذا ظهر عليه اختلال في قدراته الذهنية من قبل طبيب مختص”.

المادة 437: “عندما يكون الزوج ناقص الأهلية يقدم الطلب باسمه من قبل وليه أو مقدمه حسب الحالة”، و عليه فالملاحظ أن الترتيب التسلسلي للمواد حسب مضمونها له أهمية كبيرة من حيث الربط بينها وفهمها بطريقة تسهل العمل بها، وعليه يصبح ترتيب المواد كالتالي: المادة 432- 437- 438 المتعلقة بالتبليغ، ثم المواد 433 -434- 435 وهذا من حيث المضمون.

و التطليق تضمنته المادة 451 من قانون الإجراءات المدني والإدارية التي تحيل على أحكام قانون الأسرة فيما يتعلق بتأسيس الأسباب المدعمة لطلب التطليق، حيث يبرز دور القاضي في التأكد من توافر أحد الأسباب المذكورة في المادة 53 من قانون الأسرة، وذلك بإثباتها من طرف المدعية وبناءا على هذا النص فتح المشرع الباب للقاضي و أوسع من سلطته التقديرية، حيث أصبح له أن يكيف الوقائع المعتمد عليها في تأسيس الأسباب المدعمة لطلب التطليق، و أضرب مثلا على ذلك حالة ما إذا تقدمت الزوجة بطلب التطليق لكن لم تثبت أحد الأسباب الواردة بالمادة 53 من قانون الأسرة، ويظهر عليها أنها متضررة أو تثبت سبب ولكن تدعي سبب آخر فإذا ارتأى القاضي ما يثبت بالملف أحد الأسباب الواردة في المادة 53 فيكيف طلبها على تلك الواقعة، كأن تدعي الهجر في المضجع فوق أربعة أشهر ولا يقدم في الملف ما يثبته، وإنما تقدم حكم قضائي قضى بإلزام الزوج بالنفقة عليها، هنا يتأكد القاضي من عدم تنفيذ الزوج لهذا الإلزام، فإذا تبين له ذلك حكم لها بالتطليق -بعد محاولة الصلح- على أساس عدم الإنفاق طبقا لنص المادة 53- 1 وليس على أساس الهجر في المضجع هذا من جهة، ومن جهة أخرى للقاضي في إطار التأكد من الأسباب التي تدعيها الزوجة وإنصافا لها، أجاز له القانون اللجوء إلى الأمر بالتحقيق، ومثاله إدعاء الزوجة غياب الزوج بعد سنة دون عذر ولا نفقة، ويكون التحقيق بسماع الشهود أو إحالة الأمر إلى النيابة باعتبارها طرفا أصليا في قضايا شؤون الأسرة طبقا لنص المادة 03 مكرر من قانون الأسرة.

للقاضي كذلك الأمر بخبرة طبية لإثبات مثلا أحد العيوب التي تحول دون تحقيق الهدف من الزواج، أو الانتقال إلى المعاينة، وهنا نتساءل عن الحالة التي يمكن للقاضي فيها أن ينتقل إلى المعاينة، فإن كان للقاضي اللجوء إلى هذا الإجراء عندما يتعلق الأمر برغبة الزوج في الطلاق مدعيا ترك الزوجة للمنزل الزوجي وإهمالها له و ذلك بإصداره أمرا إلى المحضر القضائي بالانتقال إلى مسكن الزوجية لإثبات هذه الحالة في تواريخ متفرقة، وذلك بتحرير محضر يثبت فيه تواجد الزوجة في بيت الزوجية من عدمه، مع سماع الجيران مثلا إن اقتضى الأمر، فانه من الصعب تجسيد هذا الإجراء في إثبات ما تدعيه الزوجة لأن الغيبة مثلا لابد من صدور حكم قضائي يثبتها ولا تكفي المعاينة .

بهذا يكون قانون الإجراءات المدنية والإدارية قد خفف من عبء الإثبات على المدعي والمدعى عليه من خلال منحه للقاضي سلطة التحقيق واتخاذ التدابير المؤقتة والأوامر الولائية لحسن سير الخصومة القضائية وضمان النزاع بأحكام عادلة.

بالنسبة للخلع :

هو إجراء تضمنته المادة 451 الفقرة الأخيرة من قانون الإجراءات المدنية والإدارية بنصها على: “يعاين القاضي أيضا و يكيف الوقائع المعتمد عليها في طلب الخلع طبقا لأحكام قانون الأسرة” حيث تحيل هذه المادة إلى الأحكام الموضوعية طبقا إلى الأحكام الموضوعية لقانون الأسرة، و يقصد بها المادة 54 منه التي تنص على جواز مخالعة الزوجة لنفسها بمقابل مالي حتى دون موافقة زوج، و عليه هو حق إداري للزوجة تمارسه وقت ما شاءت، و يكفي في ذلك أن تدعي تضررها من مواصلة الحياة الزوجية، فالزوجة لا تحتاج إلى إثبات هذا الضرر بأحكام قضائية مثل الأسباب الواردة بالمادة 53 و المتعلقة بالتطبيق، لأنه غالبا ما يكون الخلع لسبب معنوي و هذا الأخير يصعب إثباته.

أما دور القاضي في هذا الإجراء فلا يختلف كثيرا عن الطلاق، حيث يخضع كذلك إلى إجراء صلح، إلا أن الملاحظة عمليا أن القاضي لا يطيل أو لا يعقد عدة محاولات صلح، حيث تكفي محاولتين، لأنه غالبا ما تكون الزوجة مصرة على فك الرابطة الزوجية.

أما بالنسبة للسلطة القاضي في تكييف الوقائع المعتمد عليها في طلب الخلع، فيقصد به مثلا، أن تقدم الزوجة طلب الخلع على أساس عدم إنفاق الزوج لها، و يكون لديها حكم قضائي يلزمه بالنفقة طبقا لنص المادة 53 و مراعاة لأحكام المادة 80 من قانون الأسرة، و الثابت أن المقابل التي تقدمه الزوجة يخضع أولا لاتفاق الطرفين و في حالة عدم اتفاقهما يحكم القاضي بما لا يتجاوز قيمة صداق المثل وقت صدور الحكم، فإذا كان مهر الزوجة: 80.000 دج – ثمانون ألف دينار- و طلبت الخلع مقابل20.000 دج –عشرون ألف دينار- و لم يقبل الزوج بذلك و كان لها ما يثبت الضرر كما سبق ذكره طبقا لنص المادة 53 من قانون الأسرة، فعلى القاضي هنا إعادة تكييف طلب الزوجة من الخلع إلى التطبيق، حيث تعفى من تقديم المبلغ المالي المرهق لذمتها، كونها الطرف الضعيف في النزاع.

المطلب الأول: سلطة القاضي في إجراء الصلح و تعيين الحكمين.

لم يستحدث قانون الإجراءات المدنية و الإدارية منذرين الإجراءين، بل هو منصوص عنها في ضمن أحكام قانون الأسرة في المادة: 49 المتعلقة بالصلح و المادة 56 المتعلقة بتعيين حكمين و عليه فالمشروع أورد هذه القواعد الموضوعية إجراءات تبين عينية العمل بها و التي سنتناولها على الترتيب التالي:

الفرع الأول: دور القاضي في إجراء الصلح

لم يضع المشرع تعريفا للصلح لكن يفهم المعنى من اللفظ حين يعد إجراء يسمى من خلاله القاضي أو الحكمين إلى إيجاد حل ودي بين الطرفين و وضع حد للنزاع القائم بينهما من أجل استمرار الحياة الزوجية، فهو إذن إجراء وقائي يقوم به القاضي وجوبا تحت طائلة بطلان الحكم، للحيلولة دون وقوع فك الرابطة الزوجية و عملا بمبدأ “الصلح خير” و وجوبيه الإجراء يستشف من قراءة المادة 49 من قانون الأسرة و بصراحة المادة 439 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية التي تنص على أن محاولات الصلح و حيوية و تتم في جلسة سرية.

الهدف الأسمى لهذه الإجراءات هو المحافظة على الرابطة الأسرية نظرا لما للعلاقة الزوجية من قداسة تجعلها تتميز بالديمومة و ما انحلالها إلا استثناء و عليه سنتناول هذا الإجراء في العناصر التالية:

دور القاضي في إدارة جلسة الصلح

القيمة القانونية لمحضر الصلح

هذه العناصر تتخللها الإشكالات العملية التي تطرح على المستوى العلمي.

أولا: دور القاضي في تسيير جلسة الصلح:

إجراءات الصلح تبنتها المواد من 439 إلى 449، عمليا و بعد تحديد تاريخ الجلسة و إبلاغ الأطراف بها، ينادي القاضي على الأطراف في الجلسة المحددة ليتأكد من حضورهما، فإذا تغيب أحدهم، أجل القضية إلى جلسة لاحقة عملا بنص المادة 441 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية و هذا من أجل منحه فرصة للحضور و تقديم طلباته أو دفعاته أما إذا حصل له دافع فللقاضي كذلك منحه أجل آخر أو اللجوء إلى الإنابة القضائية التي ستتناولها لاحقا.

و تنعقد جلسة الصلح بمكتب القاضي بحضوره و حضورا بين الضبط فقط، و الأطراف المعنية كل على حدا تجسيدا لمبدأ سرية جلسة الصلح فلا يجوز لأي أحد من محامي الأطراف حضورها، إلا من سمح أو أذن له القانون بذلك مثل أولياء الأطراف إن هما أو أحدهما طلب ذلك طبقا لنص المادة 440 و هذا الإجراء يستل كل من الطلاق – بإرادة منفردة – التطليق و الخلع فكها طرق لفك الرابطة الزوجية.

و تجسيدا لنص المادة 440 فال جاري به العمل هو استقبال المدعي أولا بالمكتب و بعد تأكد القاضي من هويته يستمع إليه على إنفراد حيث يستفسر عن السبب الذي دفعه إلى الطلاق و يقوم من خلال المناقشة لمحاولة التهدئة و التوفيق بين الطرفين بأسلوب لين يتضمن الحظ و الوعظ على المحافظة على الروابط الأسرية لما للزواج من قداسة، و تحدد تصريحات الزوج في محضر يمضي عليه كل من القاضي أمين الضبط الذي حرره أما الزوج أو الزوجة إلى جانب الإمضاء يقوم بالبصم على المحضر[11].

ثم يتم سماع الطرف الثاني – المدعى عليها – و يستفسر القاضي معها عن السبب الحقيقي الذي جعل الزوج يطلب الطلاق، حيث يتقصى نيتها و رغبتها في الطلاق أو تمسكها بالعودة إلى منزل الزوجية، و تدون كل طلباتها على المحضر الذي توقع و تبصم عليه إلى جانب إمضاء الرئيس و أمين الضبط.

ثم ينادي القاضي على الزوج أو الطرف الذي تم سماعه أولا أين يتقصى القاضي عن بعض الأمور الغمضة أو التصريحات المتناقضة دون إجراء مواجهة بينهما لأنها تناقش و الهدف من الإجراء الذي استحدثه المشرع و المتمثل في سماع كل طرف على إنفراد كما أنه يزيد نفورا بينهما بدلا من السعي للإصلاح بينهما، و إنما يستعلم القاضي عن ذلك بذكاء ففرضا إذا ادعت الزوجة أن الزوج لم يقدم الاسم العائلي للطفل أو السجل العائلي يسأل القاضي الزوج إذا كان استخرج دفتر عائلي أم لا فإذا أجاب بنعم و قدمه و ثبت أن الابن مسجل باسمه فهذا يوضح وجود سوء تفاهم بين الزوجين دون أن يبن القاضي للزوجة صراحة أنها ادعت خلاف ذلك.

و كذلك بالنسبة للزوج إذا ادعى أن زوجته تخرج دون إذنه، يسألها القاضي بحضور الزوج إذا كانت تخرج بإذن زوجها أم لا، فإذا أجابت بنعم و أضافت أنها تخرج مع أقاربه مثلا و لم يفنذ هو ذلك، يكون ذلك حجة عليه ([12]).

أما بالنسبة لعدد جلسات الصلح فتنص الفقرة الأولى من المادة 442 على أن لا تتجاوز محاولات الصلح في كل الحالات 03 أشهر من تاريخ رفع دعوى الطلاق فالمشرع لم يحدد عدد الجلسات و إنما اكتفى بتقييدها بثلاثة أشهر و أخضع تحديدها إلى السلطة التقديرية للقاضي، و بما أن صياغة النص القانوني جاء بالتحديد، فهذا يعني عدم اكتفاء القاضي بجلسة صلح واحدة، و إنما تتعدى الجلستين فالقاضي يستشف من خلال مناقشته مع الطرفين، إرادتهما و رغبتهما و إصرارهما على فك الرابطة الزوجية دون أن يبدي أحدهما أية نية في الصلح خاصة إذا كان الطلاق بالتراضي فهنا يكتفي القاضي بجلسة صلح واحدة و يحدد تاريخ النطق بالحكم و يعلمه للطرفين.

أما إذا لمس وجود تردد أو خجل أو ما شابه ذلك منحهما فرصة أخرى للتفكير ويحدد لهما جلسة صلح أخرى بتاريخ لاحق هذا في حالة حضور الزوجين إلى الجلسة أما إذا تغيب احدهما رغم تبليغه شخصيا ورغم تأجيل القضية حرر القاضي محضر عدم الحضور رغم التبليغ([13]). طبقا لنص المادة 442/2 وهذا إجراء استحدثه قانون الإجراءات المدنية والإدارية قبل دخوله حيز التنفيذ فكان القاضي قبل ذلك يسمع الطرف على محضر ويرفق بالملف، ثم يشرع في مناقشة موضوع الدعوى، أي يعتبر محاولة الصلح كأنها لم تنجح([14]).

ثانيا: التدابير المؤقتة المتخذة من طرف القاضي أثناء الصلح:

بالإضافة إلى أجراء الإنابة القضائية للقاضي اتخاذ كل التدابير المؤقتة بموجب أمر غير قابل لأي طعن وهذا ما تنص عليه المادة 442 وهذه التدابير وان كانت تدخل في إطار الأعمال الولائية للقاضي إلا أنها إنها ضرورية لحسن سير الخصومة أو العمل القضائي ومثال هذه التدابير اذكر: حق الزيارة حيث يسمح اهو بإذن القاضي للزوج بزيارة أبناءه وهذا يلزم الزوجة بالسماح لزوجها برؤية أبنائه.

إسناد الحضانة مؤقتا لجاحد الأبوين عملا بنص المادة 460/2 النفقة الغذائية.

تعيين حكمين كما سنراه لاحقا للاستماع إلى الشهود أن اقتضى الأمر إصدار أمر أو إذن إلى المحضر القضائي بالانتقال إلى المعاينة أي معاينة وجود الزوجة ببيت الزوجية أو تركها له وهذه المعاينة تكون عدة مرات بصفة مفاجئة إثباتا لادعاء الزوج بترك الزوجة لمنزل الزوجية([15]).

كما تتجسد سلطة القاضي التقديرية في تعديل أو إتمام التدابير التي أمر بها بموجب أمر غير قابل لأي طعن مثل التعديل في مقدار النفقة.

أما الإشكال الذي يطرح بشأن الصلح يكمن في إمكانية الصلح بالوكالة عندما يتعلق الأمر بالطلاق بإرادة منفردة لأن التطليق يجوز أن يكون بحضور وكلاء طبقا لنص المادة 431 حيث يحضر الوكلاء المفوضون لمحكمة الصلح بدلا من الزوجين، و هذا ما وضح على مستوى محكمة سكيكدة، حيث أراد زوجين مقيمان بالخارج فك الرابطة الزوجية بالطلاق إلا أنه تقدر عليهما الحضور أمام القضاء الجزائري شخصيا حيث تم الاستفسار عن إمكانية حضور أوليائهما بموجب وكالة خاصة، أو أي شخص مفوض له بالحضور ففي هذه الحالة لا يوجد نص قانوني يجيز هذا الإجراء أو يمنع في ظل قانون الإجراءات المدنية و الإدارية و قانون الأسرة، و نظرا لطبيعية و خصوصية مادة الأحوال الشخصية كان الرد بعدم قبول هذا الإجراء لما يترتب على الطلاق من آثار فعلى الأطراف الحضور شخصيا أمام القاضي ليتلقى تصريحاتهما بصفة صريحة و مباشرة، بأنهما هما المعنيان بفك الرابطة الزوجية ففرضا وقع طلاق بالوكالة، في ظل غياب الزوجين أو أحدهما ثم طعن أحدهما في الوكالة بالتزوير و كانت الزوجة المطلقة مثلا قد تزوجت بزوج آخر فكيف يمكن تدارك هذا الإشكال؟.

و عليه و بما أن الإشكال قد طرح ضمن المستحسن صياغة نص قانوني يوضح أو يحسم هذا الإشكال بوضوح، كأن يستثني الطلاق و إجراءاته من المبادئ العامة المتعلقة بالوكالة، رغم أن بعض التشريعات كالمشرع المصري يجيز الصلح بالوكالة، حيث يكون حضور الخصوم أما مكاتب التسوية بأنفسهم أو وكلائهم المفوضين في الصلح أو في التسوية أو الموافقة على الصلح لا تتم إلا من طرف الخصم أو وكيله المفوض في الصلح فحسب([16]).

ثالثا: القيمة القانونية لمحضر الصلح:

نصت المادة 443/2 على أن محضر الصلح يوقع من طرف القاضي و أمين الضبط و الزوجين و يودع بأمانة الضبط و يعد محضر الصلح سندا تنفيذيا بالإضافة إلى نص المادة 600- 9 الواردة في الباب الرابع تحت عنوان أحكام عامة في التنفيذ الجبري للسندات التنفيذية، و هدا يعين أنه يمكن تنفيذ محضر الصلح بعد مهره بالصيغة التنفيذية دون صدور حكم قضائي لكن عمليا ليزال القضاة يحرزون أحكاما بالإشهاد و على الصلح، على أساس أنه يمكن اعتبار محضر الصلح سند تنفيذي: فهل إيداع محضر الصلح لدى أمانة ضبط المحكمة و اعتباره سندا تنفيذيا يعني عن إصدار حكم بالإشهاد عليه؟ و في هذا الإطار أدرج ملاحظتين بخصوص الحكم الصادر بالإشهاد على الصلح:

الملاحظة الأولى:

في حالة اتفاق الزوجين على استئناف الحياة الزوجية و وضع بعض الشروط التي على أساسها بوضع حد للنزاع القائم بينهما كاشتراط الزوجة على زوجها قبول عملها أو توفير مسكن زوجي منفرد أو التنقل للعيش معها، فإن كل هذا الاتفاق يحرر محضر الصلح فقط فلا يحبذ القاضي إدراج مضمون المحضر وما اتفق عليه الزوجان بالحكم، حيث يكتفي بالقول: حيث أن الطرفان اتفقا على استئناف الحياة الزوجية، وعليه إذا استخرجت الزوجة الحكم وأرادت تنفيذه فماذا تنفذ ؟ أي كيف يعد الإشهاد على غرار محضر الصلح الذي يتضمن كل الشروط بالتفصيل.

-على غرار محضر الصلح الذي يتضمن بوضوح ما اتفق عليه الطرفان وبهذا يصلح أن يكون محل التنفيذ، فالهدف من اعتباره سند تنفيذي هو تبسيط الإجراءات حيث تنتهي الخصومة بصلح دون استصدار حكم قضائي.

الملاحظة الثانية:

– بما أن الدعوى ترفع بموجب عريضة وتسجل ويكون ملف ويعرض على القاضي الذي ينظر فيه في عدة جلسات فعلى القاضي بيان مصير هذا الملف. أي ما فصل فيه ولا يعد منكر للعدالة وعليه الحكم الصادر بالإشهاد على الصلح ما هو الإثبات مصير الدعوى القائمة أما تنفيذ الالتزامات المتضمنة في محضر الصلح فيكون باستصدار نسخة من المحضر ممهورة بالصبغة التنفيذية، وهذا لحد الآن لم يحصل إجراؤه لحد الآن على الأقل في محكمة سكيكدة، وعليه يبقى التساؤل مطروح بالنسبة لنا: فهل على القاضي استصدار حكم بالمصادقة أو الإشهار على الصلح إلى جانب تحرير المحضر وإيداعه لدى أمانة الضبط؟، أم هذا المحضر وحده كاف؟ وإن كان كذلك فهل توضع نسخة منه في الأرشيف بدلا من الحكم باعتباره عملا قضائيا صادر عن القاضي مثل الحكم ؟

– والإشكال الذي يطرح بخصوص محضر الصلح كذلك يتعلق بمدى إمكانية الطعن فيه من قبل أحد الأطراف، هذا الأمر لم ينص عليه المشرع، لكن باعتبار الصلح سند تنفيذي مع أنه لا يحوز حجية الشيء المقضي به كالحكم القضائي أي يمكن الأطراف عرض النزاع من جديد أمام القضاء بنفس الموضوع و الأطراف فهو يعد سند رسميا صادر عن موظف عمومي وهو القاضي، وعليه وطبقا للقواعد العامة للمحررات الرسمية فله حجية مطلقة في الإثبات إلى أن يطعن فيه بالتزوير.

لكن عندما يتعلق الأمر بالطلاق بالتراضي فالقاضي يصدر حكم يتضمن المصادقة على الاتفاق النهائي ويصرح بالطلاق، لأنه لا وجود لإجراء الصلح وبالتالي لا وجود لمحضر صلح.

الفرع الثاني: دور القاضي في تعيين الحكمين

أولا: حالة اللجوء إلى تعيين حكمين:

نص على هذا الإجراء قانون الإجراءات المدنية و الإدارية بموجب المادة 446 التي أحالت على قانون أحكام الأسرة، المادة 56 منه التي تنص على: “في حالة اشتداد الخصام بين الزوجين و لم يثبت الضرر وجب تعيين حكمين للتوفيق بينهما، يعين القاضي الحكمين حكما من أهل الزوج و حكما من أهل الزوجة وعلى هذين الحكمين أن يقدما تقريرا عن مهمتهما في أجل شهرين”.

و هنا نلاحظ أن المشرع لم ينص على إجراء تعيين الحكمين و إنما أحال على قانون الأسرة، فرغم تخصيص كل فرع بإجراءات معينة إلا أنه مازالت بعض النصوص المتعلقة بموضوع واحد متناثرة، و عليه كان من المستحسن ذكر كل الإجراءات المتعلقة بتعيين الحكمين و مهامهما في قانون الإجراءات المدنية و الإدارية، حيث تغني القاضي و توفر عنه عناء الرجوع إلى القواعد الموضوعية بحثا عن قواعد إجرائية.

وقد نصت المادة 446 على أنه إذا لم يثبت أي ضرر أثناء الخصومة، و يقصد بها دعوى الطلاق أو التطليق، و لم يثبت الضرر مثاله إذا طلبت الزوجة التطليق للضرر و لم تقدم ما يثبت ذلك، فالمعمول به هو رفض الدعوى لعدم تأسيس لكن عملا بقانون الإجراءات المدنية و الإدارية و في ظل غياب ما يوضح المقصود بالضرر الذي يجب أن يثبت، يمكن أن تدرج هذه الحالة في هذا المفهوم، ففي حالة إذا لم تستطع الزوجة إثبات الضرر و لم يتمكن القاضي من معرفة ماهيته، يعين حكمين اثنين طبقا لنص المادة 56 من قانون الأسرة، فما هي الشروط الواجب توافرها في هذين الحكمين؟.

لم يبين المشرع في قانون الأسرة باعتباره يتضمن القواعد الموضوعية هذه الشروط التي يجب على القاضي مراعاتها، حيث لا يمكنه إسناد هذه المهمة إلى أي كان، ما عدا شرط واحد ووحيد هو أن يكونا من أهل الزوجين و عليه نضيف الشروط التالية:

– أن يكونا الحكمين عدلين رشيدين، مسلمين، أهلا للقيام بالمهمة المسندة إليهما([17]). فأثناء جلسة الصلح سيستفسر القاضي عن شخص حكيم بالعائلة، حيث يكون له صوت مسموع و رأي مأخوذ فإذا كان هناك من هو أهل لذلك عينه، أما إذا استحال وجود شخص من العائلة فما هو الحل؟ هل يعين شخص أجنبي عن العائلة تتوافر فيه الصفات المذكورة آنفا؟

 إن المفهوم من نص المادة 56 من قانون الأسرة أن الحكمة التي قصدها المشرع بتعيين حكمين حكم من أهل الزوجة وحكم من أهل الزوج، هي العلم بحال الطرفين وظروف الزوجين المتخاصمين، فهما الأقرب لهما والأعلم بخلفيات النزاع، وعلى هذا الأساس يمكنهما التدخل لتهدئة الزوجين بعكس ما إذا كان الشخص أجنبي عنهما، أما بالنسبة لطريقة تعيين الحكمين، فلم يبين المشرع ذلك، أي إن كان كتابة بواسطة أمر أم شفاهة ولم يتطرق المشرع إلى حالة رد أحد الحكمين من طرف أحد الزوجين أثناء قيامهما بالمهمة المسندة لهما، أي لم ينص على قبول الزوجين المتخاصمين للحكمين، لكن ضمانا لحسن سير العمل القضائي وحتى تكون لأعمال القاضي مصداقية عليه أن يصدر أمر كتابي يدخل ضمن الأعمال الولائية للقاضي يذكر فيه: هوية الحكمين و عنوانهما والمهام المسندة إليهما والمدة التي عليهما إيداع تقريرهم بها والإشارة إلى العودة إليه في حالة وجود إشكال في التنفيذ طبقا لنص المادة 447، وهذا بعد عرض الأمر على الزوجين وقبولهما له، على اعتبار أنهما المعنيان بالصلح من جهة و من جهة أخرى تفاديا لرفض أحد الحكمين بعد تعينهما.

وتثور بهذا الصدد نقطة جدّ مهمة تتعلق بأداء الحكمين لليمين القانونية أم لا ؟ أي حتى يؤديان المهمة المسندة لهما بأمانة وعلى أساس أنهما سيحرران محضر في حالة الصلح بين الزوجين ويصادق عليه القاضي أفلا تعد اليمين القانونية في هذه الحالة ضرورية أم لا؟

حالة مواجهة الحكمين لإشكالات في التنفيذ :

نصت المادة 447 على انه في حالة اعتراض الحكمين إشكالات أتناء تنفيذ المهمة يطلعها القاضي بذلك ونصت المادة 449 على انه في حالة صعوبة تنفيذ المهمة ينهي القاضي تلقائي، ومن بين إشكالات التنفيذ التي قد تحصل بمناسبة قيا الحكمين بالمهام المسندة إليهما.

ثانيا: النتائج المتوصل إليها من قبل الحكمين

هنا نميز بين نتيجتين :

النتيجة الأولى: افترضنا سابقا أن الزوجة ترفع دعوى تطليق للضر ولم تثبت ذلك، ويعين القاضي حكمين يخلصان في تقريرهما إلى أن الزوجة وبعد أن كانت تدعي الضرر هي المتسببة فيه لا المدعي عليه (الزوج)، هنا كيف يتصرف القاضي في ظل هذه الحالة ([18]).

المشرع لم يتبين ولم يوضح بالتفصيل مهمة الحكمين وعليه تتار إشكالات عملية لكن بما أن الضرر الذي ادعته الزوجة لم يثبت، فعلى القاضي رفض الدعوى لعدم التأسيس، و كتحصيل حاصل إذا ثبت أن الزوج هو الذي يلحق فعلا ضررا بالزوجة سواءًا بتصرفاته أو بأي شكل يثبته الحكمان في المحضر، فيكون طلب التطليق مؤسس قانونًا يتعين على القاضي قبوله.

أما إذا كان الزوج هو الذي رفع الدعوى وتبين من خلال محضر الحكمين أن هوا لذي سبب الضرر للزوجة، فيكون ذلك حجة عليه تستفيد الزوجة منه في تكييف القاضي للطلاق واعتباره تعسفيًا، وتستفيد من التعويض عن الضرر الحال بها أو اللاحق بها، أي يحكم القاضي بفك الرابطة الزوجية بالطلاق بتظليم الزوج مع الحكم بتعويض لها.

النتيجة الثانية :

 قد يتمكن الحكمين من الإصلاح بين الزوجين،في هذه الحالة يحرران محضر يثبت فيه ذلك ويصادق عليه القاضي بموجب أمر غير قابل للطعن طبقا لنص المادة 448، وهنا كذلك لم يبين المشرع للحكمين طريقة تحرير المحضر وضرورة إمضائه من قبلهما ومن قبل الزوجين حتى يكون ما ورد بالمحضر حجة على أطرافه ويكون الزوجين بمثابة شاهدين، ورغم عدم النص على هذا فأرى أن مثل هذه الإجراءات تتم تلقائيا.

ثالثا: القيمة القانونية لمحضر الصلح المحرر من قبل الحكمين :

يتضمن محضر الصلح اتفاق الأطراف على حل ودي مُرضٍ لهما يمكنهما من مواصلة الحياة الزوجية، إلا أنه يختلف عن محضر الصلح الذي يحرره أمين الضبط تحت إشراف القاضي وسعيا منه و بحضور الأطراف، فهذا المحضر يودع مباشرة لدى أمانة الضبط و يصبح سندا تنفيذيا و يمهر بالصبغة التنفيذية، لكن هذا لا يعني أن ما حرره الحكمان ليس سندا تنفيذيا، وإنما يعد كذلك طبقا لنص المادة 600- 2 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية والتي تضمنت السندات التنفيذية حيت يندرج تحت طائلة الاتفاقات المؤشر عليها من طرف القضاة والمودعة لدى أمانة الضبط، كمصادقة القاضي على محضر الصلح بموجب أمر بعد تأشيره عليه، ويودع لدى أمانة الضبط رغم أن القانون لم ينص على ذلك صراحة، لكنه المآل المنطقي لكل أعمال القاضي.

أما عمليا، فلم أعثر على مثل هذه المحاضر لأنه لم يعمل بعد بإجراءات تعيين الحكمين رغم أن قانون الأسرة كانت له الأسبقية في النص على هذا الإجراء.

و يرى البعض أن مثل هذا الإجراء يستغرق وقتا طويلا (شهرين) و عليه يوقف الفصل في القضية إلى حين قيام الحكمين بمهامهما.

المطلب الثاني: سلطة القاضي في اللجوء إلى التحقيق

لما كان دور القاضي مند الأزل هو تحقيق العدل والإنصاف بين المتخاصمين كان له أن يبحث ويتقصى عن الحقيقة وفقا لآليات رسمها له القانون والتي ليس له الحق في الحياد عنها لان ذلك يمس بمبدأ حياد القاضي مؤديا إلى التعسف الذي يخلق نوع من التوتر الاجتماعي بدل من استقراره، فكان للقاضي في إطار التحقيق اللجوء إلى الخبرة أو سماع الشهود لكن ارتئ المشرع في ظل قانون الإجراءات المدنية والإدارية رق 08-09 المؤرخ في 22/04/2003 أن يوسع من نطاق التحقيق مستحدثا بذلك إجراءات تعيين مساعدة اجتماعية واللجوء إلى الاستشارة طبقا لنص المادة 425 والإنابة القضائية بموجب نص المادة 44 وقد تضمنت قانون الإجراءات المدنية والإدارية في الباب الرابع.الفصل الثاني : إجراءات التحقيق وعليه سأتناول هذه الإجراءات بالدراسة وفق التقسيم التالي

الفرع الأول: الخبرة الطبية، المساعدة الاجتماعية، والاستشارة

أولا: الخبرة الطبية

إن القضاة لدى تصديهم للفصل في القضايا المعروضة عليهم إذا اعتبروا أنهم يحتاجون إلى من ينورهم فما يخص النوازل والمسائل المرفوعة إليهم والتي ليس لهم بها دراية يعملون تلقائيا أو نزولا عند رغبة الخصوم إلى أمر المعرفة فيكلفونهم بتقديم المعلومات الضرورية للفصل في النزاعات المرفوعة إليهم([19])، ففي مادة الأحوال الشخصية غالبا ما يلجا القاضي إلى تعين طبيب خبير مختص عندما تعرض عليه الحجر لإثبات أن الشخص ناقص الأهلية لعته أو سفه أو جنون طبقا لنص المادة 101 من قانون الأسرة([20])، كما يلجا إلى تعيين خبير لحصر التركة أو إعداد مشروع قسمة للعقارات المشاعة.

ويلجأ في دعاوى النسب إلى الطرق العلمية في إثباته أو نفيه، والتي من خلالها تتضح واقعة مادية تقنية أو علمية محضة طبقا لنص المادة 125، وقد حدد القانون إجراءات تعيين الخبير واستبداله وأتعابه في القسم الثامن من الفصل الثاني في الباب الرابع تحت عنوان:في الخبرة.

فالخبير الذي يعينه القاضي يجب أن يكون اسمه مدرج في قائمة الخبراء المودعة لدى أمانة ضبط المحكمة وان لم يكن كذلك تعين عليه أداء اليمين القانونية أمام القاضي المعين في الحكم الآمر بالخبرة طبقا لنص المادة 131.

ما يجب أن يحترمه القاضي في الحكم بتعيين الخبير:

نصت المادة 128 على وجوب تضمين الحكم ما يلي:

أ/ عرض الأسباب لتي بررت اللجوء إلى الخبرة وعند الاقتضاء تبرير اللجوء إلى عدة خبراء : حيث تتباين الأسباب نفهم أن المسالة التي لجاء من اجلها القاضي للخبرة هي مسالة تقنية وعلمية محضة طبقا لنص المادة 125.

ب/ بيان اسم ولقب وعنوان الخبير أو الخبراء المعنيين مع تحديد التخصص وهذا حتى يسهل تنفيذ الحكم دون أي إشكال.

ج/ تحديد مهمة الخبير تحديدا دقيقا: حتى لا يوسع الخبير البحث فيما لم يطلب منه، وبالتالي عدم تحديد المسالة التقنية العارضة عليه الذي يؤدي إلى رفض الخبرة أو الطعن فيها من قبل الخصم.

د/ تحديد أجال إيداع الخبرة بأمانة الضبط وذلك من اجل الإسراع بالقيام بمهمة الفصل في القضية حتى لا تتعطل مصالح المتخاصمين كما يتضمن منطوق الحكم طبقا لنفس المادة 129.

ه/ مبلغ التسبيق: الذي يكون مقاربا قدر الإمكان لمبلغ النهائي المحتمل لإتعاب ومصاريف الخبير ويعين القاضي الخصم أو الخصوم الذين يتعين عليهم إيداع مبلغ التسبيق لدى أمانة الضبط لأجل يحدده، وإلا اعتبر تعيين الخبير لاغيا.

وهذا الإجراء لم يكن معمول به سابقا، كما لم يكن معمول بتقديم طلب تمديد الأجل من طرف الخصم الذي لم يودع مبلغ التسبيق أو رفع إلغاء تعيين الخبير بموجب أمر على عريضة إذا أثبت أنه حسن النية طبقا لنص المادة 130 وهذا يترك للسلطة التقديرية للقاضي.

2- السلطة التقديرية للقاضي في تحقيق موضوع الخبرة :

بعد إتمام الخبير للمهمة الموكلة إليه يودع تقريره لدى أمانة ضبط المحكمة، ليرفع من يهمه الأمر عريضة إعادة السير في الدعوى أو رجوع بعد خبرة مطالبا بذلك المصادقة على تقرير الخبرة المنجز إفراغا للحكم التمهيدي الذي أمر بتعيين الخبير([21]) أو مطالباً برفض الخبرة وتعيين خبير ثاني لأسباب يضنها المرجع قانونية.

ففي الحالة الأولى أي إذا التمس المُرجع المصادقة على نتائج الخبرة ينظر القاضي فيما إذا كان الخبير قد قام بالأعمال المسندة إليه كاملة أم لا، أي قام بالبعض منها دون البعض الآخر، أو تجاوز ما طلب منه حيث تنص المادة 144 على أنه يمكن للقاضي أن يؤسس حكمه على نتائج الخبرة فهو عندئذ غير ملزم برأي الخبير، لكن في حالة استبعاده لنتائج الخبرة عليه أن يسبب ذلك فهذا بهدف تجنيب القاضي التعسف في حكمه.

ثانيا: المساعدة الاجتماعية

لم يكن هذا الإجراء معمول به سابقا، إلا أمام قضاء الأحداث، أي في المواد الجزائية حيث تتشكل المحكمة من مساعدين اجتماعيين إلى جانب الرئيس والنيابة العامة وأمين الضبط، ونجد أن المادة 425 تنص على أن هذا الإجراء جوازي للقاضي، ولم تحدد عدد المساعدين الاجتماعيين وإنما نصت على: “تعيين مساعدة -بفتح العين- اجتماعية. فلو قلنا مساعدة بكسر العين لأصبح معناها يدل على مساعدة امرأة، لكن لم تبين ولا مادة الإجراءات التي يعين بها المساعد الاجتماعي إلا المهام التي يقوم بها فقط، تنص المادة 425/2 على أن ينتهي التحقيق بتحرير تقرير يتضمن المعاينات التي قام بها المساعد والحلول المقترحة، و يطلع القاضي الأطراف على التقرير ويحدد لهم أجلا لتقديم طلب إجراء تحقيق مضاد حيث تركت المادة تحديد الأجل متروكا للسلطة التقديرية للقاضي كما أنها لم تتناول بالتحديد المدة التي يجب عليه أن يقوم بمهامه فيها، فعلى فرض أن القاضي لجأ إلى هذا الإجراء في إطار عملية الصلح بين الزوجين المتخاصمين فالمساعد الاجتماعي يصبح مفصلي، حيث يعد كوسيط مكلف بالتواصل المباشر مع الزوجين، ومحاولة إقناع كل واحد منهما بتحمل الآخر وقبوله بايجابياته وسلبياته، و نظرا لأن المشرع لم يبين كيف يؤدي المساعد الاجتماعي مهامه، نفترض أن تكون في مكتبه حيث يستدعي الأطراف للحضور إليه في يوم وساعة محددة، أو ينتقل هو إليهم و في هذه الحالة نتساءل على من تقع المصاريف القضائية، كما يمكن أن تفترض أنه سينتقل إلى المحكمة في يوم وساعة يحددها القاضي، مع تكليف الأطراف بالحضور من طرف المحكمة.

و يعد المساعدين الاجتماعيين أكثر دراية بالأسباب الاجتماعية التي تحرض النزاع بين الزوجين كالبطالة مثلا، و عليه فهم أدرى بعلاجها أو حلها.

و نلاحظ كذلك أن المشرع أوزع أسباب الخصام إلى عوامل اجتماعية أكثر من عوامل نفسية، و عليه إذا رأى القاضي أن الأمر بحاجة إلى تعيين طبيب نفسي، فهذا يدخل ضمن سلطته التقديرية في اللجوء إلى تعيينه طبقا للمبادئ العامة في التحقيق، لأن المشرع لم يخص هذه الحالة بنص قانوني و في الأخير، أقول أنه يتعين العمل بالتنسيق مع مكتب المساعدة الاجتماعية الذي يشرف على المساعدين الاجتماعين و الذي يقدم قائمة بأسمائهم أو تعيين أحد منهم في إطار تقديم مساعدتهم، في توضيح ملابسات الوضعية التي يعينها المعني بالإجراء حتى يتسنى للقاضي التحكم في موضوع النزاع و الفصل فيه بإحكام.

ثالثا: الاستشارة

مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه و سلم: “ما خاب من استخار و ما نذم من استشار”.

وطبقا لنص المادة 425 فإن للقاضي اللجوء إلى أية مصلحة مختصة في الموضوع بغرض الاستشارة، و أضافت أنه يمكن اللجوء إلى الاستشارة في أي وقت و حتى أثناء إجراءات الصلح، فما نوع الاستشارة التي قصد بها المشرع؟ و كيف تتم شفاهة أو كتابة؟.

إجابة على هذا أقول أن القاضي يعتمد في كل أعماله التي يتلقى بشأنها صعوبات استشارة أهل العلم و ذوي الرأي، حيث لا يصدر حكمه إلا بناءا على يقين و تكون هذه الاستشارة شفاهة، لأنه لو استعصى عليه الأمر إلى درجة استصدار أمر كتابي فيلجأ إلى طريق آخر من طرق التحقيق كالخبرة مثلا، و لكن الاستشارة يلجأ إليها عندما لا تكون المسألة المعروضة عليه معقدة أو فنية إلى درجة أنه لا يستطيع الفصل فيها إلا بالتحقيق المعمق، و عليه فهذه الفقرة جاءت تزيد فقط،لأنه حتى و لو لم يذكرها المشرع فالقاضي دائما يستشير زملاءه القضاة أو الأطباء.

الفرع الثاني: الإنابة القضائية.

الأصل أن تقوم المحكمة المختصة بنظر الدعوى التي ترفع إليها مع اتخاذ كافة الإجراءات بشأنها إلى حين صدور حكم فيها، إلا أنه قد تتوافر ظروف تفرض الخروج عن هذا الأصل، كأن يتطلب التحقيق القيام ببعض الإجراءات خارج نطاق اختصاصها حيث يجد القاضي نفسه أمام استحالة قانونية لإجراء تحقيق مما يؤدي إلى عرقلة العمل القضائي، لذلك قرر المشرع استعمال الإنابة القضائية للحصول على إجراء أو أكثر من إجراءات التحقيق الضرورية للفصل في الدعوى ذلك أن الإنابة القضائية استشار عن الأصل الذي مفاده قيام المحكمة بنفسها بإجراء التحقيق([22]).

و نلاحظ أن المشرع اقتصر على ذكر هذا الإجراء هذا الإجراء في نص المادة 441 المتعلقة بالصلح حيث للقاضي ندب قاضي آخر في إطار الإنابة القضائية لسماع أحد لزوجين الذي تعذر عليه الحضور لمانع ما، حيث لم يدخل في توصيل نوع الإنابة و إجراءاتها و شروطها و طريقة تنفيذها أو شكلها، لكن تناول بالتفصيل هذا الإجراء في الفصل الخاص بالتحقيق من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية، و عليه نستنتج في حالة ما إذا احتاج القاضي للجوء إلى الإنابة القضائية حفي غير ما أتت المادة 441 على ذكره يعمد إلى القواعد العامة في الإجراءات، و مفاد هذا أن الإنابة القضائية في مادة الأحوال الشخصية لا تقتصر فقط على سماع الأطراف و إنما تعدها إلى أي إجراء منتج في الدعوى، و يرجع في ذلك إلى الفصل الثاني من الباب الرابع المتعلق بإجراءات التحقيق، و هذا الإجراء نتناوله في النقاط التالية:

خصائص الإنابة القضائية.

شروط الإنابة القضائية.

البيانات الواجب توافرها في الإنابة القضائية.

أنواع الإنابة القضائية.

أولا: خصائص الإنابة القضائية

الإنابة القضائية ذات طبيعة اختيارية وفق ما تنص عليه المادة 108 و المادة 441 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية حيث تخضع للسلطة التقديرية للقاضي، فإذا ارتأى له ضرورة اللجوء إليها نظرا لأنها ستعود على الدعوى بفائدة، و تسهل عملية الفصل فيها، فإنه يعمد إليها، أما إذا رأى أنها ستؤدي إلى طول الإجراءات و تأخير صدور الحكم فلا يعمد إليها ([23]).

ثانيا : شروط الإنابة القضائية

1- استحالة حضور احد الزوجين في التاريخ المحدد لجلسة الصلح لوجود عذر مقبول طبقا لنص المادة 442 إلا أن المادة لم تذكر أن كانت الاستحالة مادية أو معنوية.

2- أن تكون محل إقامة الشخص المراد سماعه خارج دائرة اختصاص المحكمة المدنية.

3- أن يتعذر على القاضي أن يتنقل الخارج دائرة اختصاصه بسبب بعد المسافة أو نقص المصاريف.

-4- أن تكون الواقعة المراد أتباتها بمقتضى الإنابة القضائية متعلقة بالدعوى([24]).

-5- أن تكون الواقعة المراد أتباتها بمقتضى الإنابة القضائية محددة وغير مجهولة.

-6- أن تكون الواقعة المراد أتباتها بمقتضى الإنابة القضائية ممكنة أي غير مستحيلة كادعاء شخص بنوته إلى من يصغره سنا.

-7- أن تكون الواقعة المراد أتباتها بموجب الإنابة القضائية متنازع فيها

-8- أن تكون الواقعة المراد أتباتها بمقتضى الإنابة القضائية نتيجة في الدعوى

ثالثا : البيانات الواجب توافره في الإنابة القضائية.

لم يتطرق قانون الإجراءات المدنية والإدارية إلى البيانات الشكلية الواجب توافرها في الإنابة القضائية بينما تطرقت إليها الاتفاقات الدولية الموجودة بين الجزائر وعدة دول أجنبية فيما تخص الأحوال الشخصية والعائلية كما هو مذكور في بعض الاتفاقات المرفقة[25] .

ومن بين هذه البيانات التي نجدها متكررة في العديد من الاتفاقيات ما جاءت به المادة 11 من الاتفاقية الجمهورية الجزائرية الجمهورية الاشتراكية الاتحادية اليوغوسلافية بموجب المرسوم رقم: 83 -453 الموقعة بتاريخ 31/03/82. و كذا المادة 16 من المرسوم الرئاسي رقم 01/47 المؤرخ في 11/02/2001 المتضمن التصديق على الاتفاقية مكر الرياض العربية للتعاون القضائي و تعديل المادة 69 من الاتفاقية، الموافق عليها في 26/11/1997 من طرف مجلي وزراء عدل العرب.

بالإضافة إلى المادة 13 من المرسوم رقم 84/178 المتضمن المصادقة على اتفاقية التعاون القضائي و القانوني في المواد المدنية و العائلية و الجزائية بين الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية و الجمهورية الاشتراكية الرومانية الموقعة بتاريخ 28/06/1979.

و هذه البيانات أذكرها كالتالي:

1- تسمية الهيئة التي تقدم الطلب – الصادر عنها الطلب– مع تسمية الهيئة الطالبة – الجهة المطلوب إليها- إن أمكن.

2- يجب أن يكون مؤرخا موقعا عليه و مختوما بختم الجهة الطالبة هو وسائر الأوراق المرفقة به، دون حاجة للتصديق عليه أو على هذه الأوراق.

3- اسم و لقب الأطراف المتنازعين و مهنتهم و محل إقامتهم أو موطنهم.

4- اسم و لقب و عنوان من يمثل الأطراف إن كانوا معلومين.

5- أسماء الشهود و محل إقامتهم ز الأسئلة المطلوب طرحها عليهم و إذا كان العنوان غير محدد بدقة فعلى الهيئة القضائية المطلوبة قانون أن تثبت بقدر الإمكان العنوان الصحيح.

6- أن يتضمن الطلب نوع القضية.

7- أن يتضمن الطلب موضوع الطلب.

8- أن يتضمن البيانات التفصيلية المتعلقة بواقع القضية و المهمة المطلوب تنظيمها و أبعاد و أنواع الإنابة القضائية و إجراءات تنفيذها:

تنقسمن الإنابة القضائية حسب قانون الإجراءات المدنية و الإدارية إلى:

إنابة قضائية داخلية و إنابة قضائية دولية. هذه الأخيرة يعمد فيها القاضي إلى الاتفاقيات الدولية المبرمة بين الجزائر و الدول المرسل إليها أما الإنابة الداخلية فلا تثير أي إشكال، حيث يكفي الرجوع إلى النصوص القانونية.

رابعا: أنواع الإنابة القضائية

الإنابة القضائية الداخلية:

مددتها أو ذكرتها المواد من 108 إلى 111 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية، حيث تنص المادة 108 على جواز إصدار إنابة قضائية للجهة القضائية المختصة من نفس الدرجة أو درجة أدنى للقيام بالإجراءات المأمور بها فما المقصود بالدرجات في هذه المادة؟ إجابة على هذا التساؤل تقودنا إلى افتراض مايلي:

أن يطرح أمام القاضي شؤون الأسرة بمحكمة سكيكدة إشكال أو إجراء ما استلزم اللجوء إلى الإنابة القضائية كأن يكون الشخص المراد سماعه في جلسة الصلح مقيم ببشار و تعذر عليه لسوء الأحوال الجوية مثلا أو ظروف صعبة مع تقديم ما يبرر ذلك، الحضور أمام المحكمة هنا يصدر القاضي إنابة قضائية إلى قاضي شؤون الأسرة بمحكمة بشار ليقوم باستدعاء الشخص و سماعه على محضر، و هنا تكون أمام جهة قضائية مختصة من نفس الدرجة.

أما جهة قضائية من درجة أدنى فيقصد بها مثلا أن ترفض قسم شؤون الأسرة الدعوى مثلا لعدم التأسيس أو لأي سبب آخر و يقوم أحد الخصوم باستئناف الحكم، و يقبل المجلس استئنافه و أثناء تصديه يتعين عليه إجراء صلح أو أي إجراء يقتضي إصدار إنابة قضائية هنا نتساءل هل يرسل هذه الإنابة إلى قاضي شؤون الأسرة بمحكمة مقر مجلس المراد تنفيذ الإنابة على مستواه، أم يرسلها إلى غرفة الأحوال الشخصية بالمجلس القضائي، مقر تنفيذ الإنابة القضائية، فإذا قلنا أنه يرسلها إلى قاضي شؤون الأسرة بالمحكمة فهنا تتحقق عبارة: جهة قضائية من درجة أدنى.

الإجراءات الخاصة بالإنابة القضائية الداخلية:

على مستوى الجهة المنيبة:

تنص المادة 109 على أن تقوم هذه الجهة بإرسال الإنابة القضائية مرفقة بالمستندات الضرورية لمعرفة أمانة ضبط الجهة القضائية المنيبة إلى الجهة القضائية المنابة، فإذا أراد القاضي بعد سماعه للزوجة – مدعى عليها في دعوى الطلاق – على محضر وفقا لإجراءات الصلح، يتعين عليه كذلك سماع الزوج(المدعي)، فإذا تعذر على هذا الأخير الحضور أمامه و ارتأى للقاضي إصدار إنابة قضائية بشأنه، فإنه يحرر وثيقة الإنابة القضائية[26] و يرفقها بنسخة من الملف المعروض عليه و المتضمن كذلك نسخة من محضر سماع الزوجة، و نسخة من الحكم القضائي الذي أصدره.

على مستوى الجهة القضائية المنابة:

طبقا لنص المادة 109/2 تقوم هذه الجهة بمجرد استلام الملف في الإجراءات المأمور بها من قبل الجهة القضائية المنابة أو من قبل القاضي الذي يعينه رئيس هذه الجهة القضائية، و يفهم زمن وهذا أنه لا يستوجب أن يقوم القاضي المختص بشؤون الأسرة بالإجراء المنوه عنه بالإنابة و إنما يقوم به أي قاضي يعينه رئيس الجهة القضائية الذي هو رئيس المحكمة بما أنه لا توجه محاكم مختصة بشؤون الأسرة كما هو عليه الحال لدى بعض الدول.

و تقوم الجهة المنابة بتنفيذ الإنابة كما لو أن الإجراء تخصها هي أو صار عنها حيث تستدعي مباشرة الخصوم أو أي شخص معين في الإنابة القضائية و تقوم بسماعه على محضر سواء أتعلق بسماع أحد الزوجين أو شهود مثلا أو إجراء خبرة.

ج- الانتهاء من تنفيذ الإنابة القضائية:

طبقا لنص المادة 111 فإن الجهة المنابة ترسل ملف مرفقا بالمستندات و الأشياء الملحقة بها أو المودعة إلى أمانة ضبط الجهة القضائية المنيبة بمجرد الانتهاء من إنجاز المهمة.

الإنابة القضائية الدولية:

يتضمن هذا الإجراء الإنابة القضائية الصادرة و الإنابة القضائية الواردة و إجراء تنفيذها، و أشير إلى أن هذه الإنابة تحكمها الاتفاقيات الدولية المبرمة بين الجزائر و مختلف الدول العربية و الأجنبية في إطار التعاون القانوني و القضائي المرفقة بالملحق و التي استنبطت منها البيانات الواجب توافرها فيها و طرق تنفيذها و حالات رفضها.

الإنابة القضائية الصادرة:

تضمنتها المواد من 112 إلى 114، و قد نصت المادة 112 على جواز اللجوء إلى الإنابة القضائية([27]) للقيام بأي إجراء من إجراءات التحقيق، أو أي إجراء قضائي من تلقاء نفسه أو بطلب من الخصوم، و الجهة المنابة قد تكون السلطة القضائية المختصة للدولة المعينة أو السلطات الدبلوماسية أو القنصلية الجزائرية و من هذا نفهم أنه ليست فقط الجهات القضائية المختصة أو المعنية بتنفيذ الإنبات القضائية.

أما إجراءات الإرسال المنيبة بإرسال الحكم القضائي فقد نصت عليها 113– 114، حيث يقوم أمين الضبط بالجهة القضائية المنيبة بإرسال الحكم القضائي بإجراء الإنابة القضائية إلى النائب العام مصحوبة بترجمة رسمية يتكفل بها الخصوم، حيث نفهم من هذا أن الإنابة القضائية تصدر في شكل حكم قضائي في حين أن المتعارف عليه هو صدورها في شكل معين يتضمن البيانات التي سبق ذكرها و عليه فهي تختلف عن الحكم القضائي، و عليه فإن القاضي يصدر حكم قضائي يسبب فيه لجوءه إلى هذا الإجراء و كذلك أمر بإنابة قضائية و يرفقهما بالملف.

أما الترجمة فيقصد بها اللغة التي تصدر بها الإنابة هي اللغة السارية ببلد الجهة المنيبة، و تترجم إلى اللغة المتفق عليها في الاتفاقية القضائية الدولية فإذا كانت الجهة المنيبة جزائرية تصدر الإنابة باللغة العربية و تترجم إلى اللغة الفرنسية و إذا كانت الدولة المنابة من الدول الناطقة باللغة الفرنسية أو تم الاتفاق على ذلك مثل الاتفاقية الدولية المبرمة بين الجزائر و الجمهورية الاشتراكية الرومانية بموجب المرسوم 84/178 المادة 12 منه التي نصت على إذا كانت الوثائق المرسلة محررة بلغة المرسل إليه تقوم الهيئة القضائية المطلوبة قانونا بتبليغها طبقا للأحكام القانونية الجاري بها العمل في دولتها و يجب أن تكون هذه الوثائق مرفقة بترجمة باللغة الفرنسية.

أما النائب العام فقوم بدوره بإرسال الإجابة القضائية الأجنبية و يفهم من هذا أنه يرسلها إلى وزير العدل بالجهة المرسل إليها ما لم توجد اتفاقية تقضي بأن يتم إرسال الإنابة مباشرة إلى السلطة القضائية الأجنبية مثل ما نصت عليه المادة 20 من الاتفاقية الدولية المبرمة بين الجزائر و بين دول إتحاد المغرب العربي بموجب المرسوم الرئاسي رقم 94/181 التي تنص على:

” ترسل طلبات الإنابة القضائية في القضايا المدنية و التجارية و الإدارية و قضايا الأحوال الشخصية مباشرة من الجهة المختصة لدى طرف المتعاقد – الطالب- إلى الجهة المطلوب إليها تنفيذ الإنابة لدى أي طرف متعاقد آخر”.

 فإذا تبين عدم اختصاصها، تحيل الطلب من تلقاء نفسها إلى الجهة المختصة، و إذا تعذر عليها ذلك تحيلها إلى وزارة أو أمانة العدل، و تعلم فورا الجهة الطالبة بما تم في الحالتين.

هذا إلى جانب المادة 10/2 من المرسوم الرئاسي رقم 03- 114 المتضمن التصديق على اتفاق التعاون القضائي و القانوني بين الحكومة الجزائرية الديمقراطية الشعبية و حكومة الجمهورية اليمنية الموقعة بتاريخ 03/02/2002 و التي تنص على:

“و ترسل طلبات الإنابة القضائية مباشرة إلى الجهة المختصة، و إذا كانت السلطة المقدم إليها الطلب غير مختصة فعليها أن توجه الإنابة القضائية من تلقاء نفسها إلى الجهة المختصة، و إذا تعذر عليها ذلك تحيلها إلى وزارة العدل وتخبر السلطة الطالبة بذلك فورا”.

الإنابة القضائية الواردة:

و هذا في إطار التبادل و التعاون القضائي الدولي، و تضمنتها المواد 115/116 حيث ترد الإنابة القضائية الدولية إلى وزير العدل الذي يقوم بإرسالها إلى النائب العام لدى المجلس القضائي المختص إقليميا بتنفيذها، و هو بدورها يرسلها إلى الجهة القضائية المختصة، فإذا كان المجلس المختص هو مجلس قضاء سكيكدة و المحكمة المختصة هي محكمة عزابة فيقوم النائب العام بإرسالها إلى محكمة عزابة لا إلى محكمة مقر المجلس – محكمة سكيكدة – كما يقع على عاتق القاضي المناب طبقا للمادة 120 التزام إشعار الجهة القضائية المنيبة بمكان و تاريخ و ساعة تنفيذ الإنابة القضائية إذا طلب منه ذلك كما يجوز للقاضي الأجنبي المنيب أن تحضروا إجراءات تنفيذ الإنابة القضائية إذا وجدت اتفاقيات قضائية دولية تقضي بذلك لكن لم أجد بالاتفاقيات المرفقة بالملحق ما يشير إلى ذلك.

خامسا: رفض إجراءات الإنابة القضائية:

طبقا لنص المادة 121 هناك حالتين لرفض تنفيذ الإنابة القضائية:

الحالة 1: إذا كانت الإنابة القضائية لا تدخل ضمن صلاحياته.

الحالة 2: إذا كانت من شأنها المساس بالسيادة أو بأمن الدولة أو بالنظام العام و سلطة القاضي في تنفيذ الإنابة القضائية تكمن في مراقبته لهذين العنصرين حيث له رفض إجرائها تلقائيا لأنها تعد من النظام العام أو بطلب من أي شخص يهمه تنفيذ الإنابة القضائية، كما له أن يتراجع عن أي إجراء اتخذه أو أي عقد أبطله و في هذه الأحوال عليه تسيب الحكم الذي يصدره، و هذا الحكم يستأنفه الخصوم و النيابة خلال 15 يوما دون أن يمدد، و هذا يعني و بما أن تنفذ الإنبات القضائية وفق الإجراءات السارية في البلد المناب فيعني أن الجلسة تنعقد بصفة عادية، و يستدعي الأطراف التي حددها البلد المنيب و بعد سماعهم و إصدار حكم بشأنهم لهم أن يستأنفوا أمام قضاء البلد الذي أصدر الحكم و للنيابة نفس الحق.

و الحكم الصادر بالرفض يجب أن يبلغ إلى الدولة المنيبة حيث تعاد إليها أوراق و تخبر بأسباب الرفض و هذا ما تضمنته عدة اتفاقيات من المرسوم رقم 03 – 453. المبرم بين الجزائر و يوغسلافيا في المادة 15 منه و المرسوم الرئاسي رقم 01/47. المادة 17 منه.

المصاريف القضائية للإنابة القضائية:

يكون تنفيذ الإنبات القضائية دون مصاريف و لا رسوم و هذا ما تنص عليه المادة 124 بالإضافة إلى الاتفاقيات المبرمة بين الجزائر و رومانيا الموقعة بتاريخ 28/06/1973 و الصادرة بموجب المرسوم رقم 84 – 178، المادة 17 منه و المرسوم الرئاسي رقم 03/114 بين الجزائر و اليمن، المادة 14 منه و تستثني من هذا الأعضاء المصاريف أو المبالغ المستحقة للشهود و الخبراء و المترجمين و لأي شخص ساهم في إنجاز الإنابة القضائية التي تكون على عاتق السلطة الأجنبية حيث تخبر الهيئة القضائية الطالبة قانونا عقد المصاريف و نوعيتها.

المبحث الثاني: دور القاضي في منازعات النسب و التركة.

يعد النظر في قضايا النسب والتركة من الأعمال القضائية التي يصدر بشأنها القاضي أحكام قضائية قابلة لطرق الطعن، والذي له أن يتخذ أثناء تفحصه لها بعض التدابير كتعيين خبير، و عليه سنتناول بالمناقشة الإجراءات التي جاء بها قانون الإجراءات المدنية و الإدارية كل على حداً.

المطلب الأول: دور القاضي في منازعات النسب

لقد خصت علاقة الزواج باعتبارها من أنبل وأقدس الروابط بعناية بالغة في الشريعة الإسلامية، لأنها السبيل الوحيد لتكوين أسرة، أساسها المودة و الرحمة، و هدفها المحافظة على الأنساب.

و النسب لغة هو القرابة و الالتحاق.

أما شرعا: فهو علاقة الدم أو رباط السلالة أو النوع الذي يربط الإنسان بأصوله و فروعه وحواشيه، فالنسب الشرعي يترتب عليه الميراث، موانع الزواج إلى جانب حقوق أبوية و نبوية، أما غير شرعي فلا يترتب شيء من هذا.

الفرع الأول: إجراءات دعاوى النسب

إجراءات دعاوى النسب فقد تناولها المشرع في القسم الخامس من الفصل الأول المتعلق بقسم شؤون الأسرة، وذلك في مادتين فقط المادة 490 و المادة 491 و تجدر الملاحظة بهذا الصدد إلى أن قانون الإجراءات المدنية و الإدارية لم يبين دور القاضي في إثبات النسب، و إنما بين الاختصاص المحلي فقط على نص المادة 490، و سبق أن أرت أنه يستحسن إدراج هذه المادة في القسم الثاني المتعلق بالاختصاص الإقليمي، حيث ترفع دعوى الاعتراف بالنسب بالأبوة أو بالأخوة أو بالأمومة لشخص مجهول النسب، أو إنكار الأبوة أما المحاكم موطن المدعى عليه، و نفهم من هذا أن منازعات النسب تتمثل في الاعتراف بالنسب أو إنكاره.

أما إجراءات النظر في الدعوى، فتنعقد بشأنها جلسة سرية الحضور ممثل النيابة العامة و هنا نتساءل عن المقصود بسرية والجلسة، فهل يقصد بها أن ينظر القاضي في الدعوى بحضور ممثل النيابة العامة وأمين الضبط و سماع الأطراف في مكتبه و ينطق بالحكم كذلك في مكتبه؟ أم تنعقد الجلسة في مكتب القاضي وينطق بالحكم في جلسة علنية؟.

و إن كنا نتحدث عن الدور الإيجابي للقاضي في إثبات النسب، فإن قانون الإجراءات المدنية و الإدارية لهاتين المادتين، لم يبرز دور القاضي وعليه ترجع لأحكام قانون الأسرة 05/02 في المواد من 40 إلى 50 التي نستشف من خلالها أن القاضي السلطة التقديرية في الأخذ بالطرق لإثبات النسب سواء عن طريق الزواج الصحيح و ذلك باللجوء إلى التحقيق كسماح الشهود، و كذا مدى الأخذ بالإقرار، بالإضافة إلى إمكانية القاضي في اللجوء إلى الطرق العلمية لإثبات النسب طبقا لنص المادة 40 من قانون الأسرة و التي تنص على أنه يجوز للقاضي اللجوء إلى الطرق العلمية لإثبات النسب، هذا الإجراء الذي طرح إشكال على المستوى العملي من حيث عدم تحديد هذه الطرق أو حصرها، الأمر الذي فتح المجال للقاضي في استنباط استعمال الطرق العلمية في مسألة إثبات النسب نتيجة عدم تحديد و حصر المشرع لها.

الفرع الثاني: حجية الطرق العلمية في إثبات النسب

فقد اختلفت البعض حول حجية الطرق العلمية فمنهم من يرى أنها فرصة قطعية بنسبة 100%، و منهم من يرى أنها قرينة ظنية لا تتفوق على الأدلة الشرعية، فالرأي أو الفريق الأول يرى أن البصمة الوراثية قرينة قطعية استدلوا على ذلك إلى كتاب القرآن و الواقع العلمي([28]).

1- الدليل من الكتاب: قوله تعالى: «ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين و مواليكم و ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به و لكن ما تعمدت قلوبكم و كان الله غفوراً رحيماً» سورة الأحزاب(آية:05).

ووجه الدلالة أنقوله تعالى :«ادعوهم لآبائهم» هو أمر من الله بأن ينسب الولد لأبيه الحقيقي “الأب البيولوجي” فهو الصواب و الحقيقة، أما قوله :« فإن لم تعلموا آباءهم» معناه أنه تعلم تحث على البحث و التحري عن الأب الحقيقي، و البحث يكون بمختلف الوسائل والقرائن و قد كشف الله سر الوسيلة “البصمة الوراثية” التي يمكن من خلالها التعرف على الأب الحقيقي و تنفيذ ما أمر الله به «ادعوهم لآبائهم».

2- الدليل من الواقع العلمي:

إن قوة الدليل في هذه التحاليل تصل إلى نسب القطيعة في النفي أو الإثبات للبنوة أو النسب، و أن هذه التطورات التقنية الحديثة في مجال الفحوص المخبرية تقطع الشك باليقين في كثير من الحالات ، والخطأ فيها أصبح مستحيلا بدليل أن المحاكم الأوروبية و الأمريكية تأخذ بالبصمة الوراثية ليس على أنها دليل و إنما هي قرينة نفي و إثبات،فما المناع من الأخذ بها خاصة و أن فيها مزيدا من الضمانات للمتهمين و تقليل السلطة التقديرية في يد القضاة ([29]).

أما الرأي الثاني: يرى أن البصمة الوراثية قرينة ظنية لا تزف للقرائن القطعية لأنها عرضة للخطأ، فهي ليست من البيان المقرة بإثبات النسب، فهل هي تخضع لتقدير المحكمة و أولتهم في ذلك كالتالي:

1- أن البصمة الوراثية أو تحليل الدم ليس دليلا شرعيا في الإقرار –شهادة الشهود- الزوجية القائمة و أنه يستفاد من تحليل الدم في نقي الأبوة و ليس إثباتها كما أن البصمة الوراثية لا تخلو من التزوير والطمع.

2- رفض تحاليل الحمض النووي يأتي بأنه غير معترف به شرعا إضافة إلى أن القائمين على التحاليل ذلتها لم يصلوا فيها إلى درجة اليقين. لكنه يقع الرد على هذا الرأي بأنه لا يوجد نص قرآني يمنع أو يحرم من استخدام هذه الطرق التي أصبحت يقينية و صارت أدلة معترف بها عالميا،فهي تتشابه مع أساليب القيافة التي اعتمدها الإسلام وعمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة بعده.

المعطيات العلمية و العملية للبصمة الوراثية:

نظرا للتطورات العملية و الطرق المستخدمة في شتى الميادين أصبح القضاء الآن له سلطة اللجوء إلى نظام الحمض النووي ADN لإثبات النسب أو نفيه سواء من تلقاء نفسه أو بطلب واحد و وحيد على المستوى الوطني ،ونظرا للتكاليف الباهظة التي يتطلبها فإن الأطراف غالبا ما تحجمون على اللجوء إليها، إلى جانب هذا النظام هناك أنظمة أخرى مثل AHL و نظام MNS.

المطلب الثاني: دور القاضي في منازعات التركة

تعريف التركة:

لغة: مشتقة من الترك، يقال ترك فلان الشيء أي خلاه، و ترك الميت أي تراثه المتروك.

اصطلاحا: هي ما يتركه الشخص بعد موته من أموال و حقوق، و عرفها مصطفى شلبي بقوله: التركة كل ما تخلفه الميت من أموال أعيانا كانت أو منافع أو حقوق مالية تنقل بالإرث، و من ثم فالتركة تشمل كل ما تركه المالك ما لم يكن شخصيا، سواء تعلق بها حق الغير أو لم يتعلق، فإن تعلق بها حق الغير أخرج قبل الميراث، و إن لم يتلق بها حق انقلبت كلها ميراثا([30]).

الفرع الأول: الإجراءات اللازمة لفض النزاعات المتعلقة بالتركة:

الجهة القضائية المختصة:

الاختصاص النوعي: بعد أن كان هذا النوع من القضايا يرفع أمام القاضي المدني، في ظل قانون الإجراءات المدنية – أفرد قانون الإجراءات المدنية و الإدارية أو خص هذا النوع بقاضي شؤون الأسرة حيث لو رفعت الدعوى أمام القاضي المدني يقوم بإحالته على قسم شؤون الأسرة بعد استطلاع رأي رئيس المحكمة.

الاختصاص المحلي: نصت عليه المادة 498 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية، حيث ترفع الدعوى إلى المحكمة التي يقع فيها مواطن المتوفى، حتى و إن وجدت بعض أملاك التركة خارج إدارة الاختصاص الإقليمي لهذه المحكمة ما لم ينص قانون على خلاف ذلك و قد تم إدراج الملاحظة التشكيلية حول هذه المادة بخصوص إدراجها ضمن المادة 426 التي تضمنت الاختصاص الإقليمي.

الأشخاص المؤهلون لرفع دعاوى التركات:

لم يبين قانون الإجراءات المدنية و الإدارية هؤلاء الأشخاص و عليه نرجع فيها إلى القواعد العامة، حيث يجب أن نرفع الدعوى من ذي صفة و مصلحة طبقا لنص المادة 13، فيرجع الطلب المتعلق بتقسيم التركة أو جردها و حصرها و تصفيتها إما من الوارث أو من له مصلحة كالدائن أو الموصى له و الملاحظ أن المادتين 498 – 499 لم تذكره النيابة العامة على غرار المواد المتعلقة بمنازعات النسب رغم أنها تمس كذلك أو تخضع للنظام العام و عليه نرجع للنص الخاص الوارد في قانون الأسرة، المادة 03 مكرر منه التي تعتبر النيابة طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية لتطبيق هذا القانون.

الفرع الثاني: دور القاضي في إجراءات فض النزاع

تضمنت لمادة 499 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية بالنص على أنه: ” يجوز لقاضي شؤون الأسرة و عن طريق الاستعجال، أن يتخذ جميع التدابير التحفظية لاسيما الأمر بوضع الأختام أو تعيين حارس قضائي لإدارة أموال المتوفى إلى غاية تصفية التركة.

فإذا رفع الدائن أو الموصى له أو الخزينة دعوى يدعي فيها أن له حقا في التركة بعين القاضي حارسا قضائيا على هذه التركة يقوم بين الحين والآخر بتقديم حساب عن كيفية إدارته لهذه الأموال وما أنفقه عليها أو ما كان من عائداتها ويكون مسئول عما لحق هذه الأموال من أضرار حسب تقصيره وتستمر هذه الحراسة حتى يتم حصر التركة وجردها وتقسيمها كلية([31])، حسب ما هو منصوص عليه في قانون الأسرة طبقا لقانون الأسرة 180-183، حيث يتم الرجوع فيما لم يرد بشأنه نص في قانون الإجراءات المدنية والإدارية بخصوص مادة الأحوال الشخصية إلى قانون الأسرة، أي يتضمن إلى جانب القواعد الموضوعية قواعد إجرائية و حبذا لو جمعها المشرع كلها في كتاب أو تقنين واحد هو قانون الإجراءات المدنية والإدارية حتى تكون دراسة جامعة مانعة، والملاحظ حسب نص المادة 183 من قانون الأسرة أن مادة التركة لها طبيعة استعجالية وذلك لتعلقها ببعض الحقوق الخاصة بالمورث كمصاريف تجهيز الدفن أو بالغير، كالديون الثابتة في ذمة المتوفى أو الوصية، أما عمليا فالملاحظ هو لجوء القاضي إلى تعيين خبير سواء محاسبي أو عقاري عندما تتعلق التركة بعقارات و ذلك لحصر التركة([32])، والمفهوم من هذا الإجراء الذي استحدثه أن قسمة التركة أصبحت تؤول إلى قاضي شؤون الأسرة بعد أن يقوم بها الموثق أن إعداد الفريضة، حيث يفترض في القاضي أن يكون على دراية بأحكام المواريث وله في هذا الصدد اللجوء طبقا لنص المادة 423/03 أن يلجا إلى الاستشارة كمستشار الموثقين والأساتذة الذين هم على دراية بذلك، وعلى أساس أنه كانت لهم أسبقية في إعداد الفريضة.

الفصل الثاني: العمل الولائي لقاضي شؤون الأسرة

سبق و أن تطرقت في المقدمة إلى التمييز بين العمل القضائي والعمل الولائي و أشرت أن العمل الولائي لا يتضمن نزاع قائم بين شخصين أو أكثر، و عليه فهذا الفصل يتضمن دور القاضي في إجراءات الولاية على القاصر نفسا و مالا، إلى جانب الأوامر الولائية التي يصدرها القاضي بخصوص الترخيص و الترشيد و حماية البالغين ناقصي الأهلية، وكذا إجراءات الكفالة و بعض التراخيص التي يصدرها القاضي بموجب أوامر ولائية و التي لم يأت قانون الإجراءات المدنية و الإدارية على ذكرها، مع الإشارة إلى ما تضمنه قانون الأسرة من قواعد موضوعية.

المبحث الأول : دور القاضي في إجراءات الولاية

تعريف الولاية:

الولاية لغة يقصد بها النصرة و قيام الشخص بأمر غيره، يقال ولى فلان فلانا و ولي عليه إذا نصره و قام بأمره فهو وليه، أي ناصره و قائم بأمره([33]). فالولاية في اللغة ترد بفتح الواو و كسرها، قال ابن الأثير و كأن الولاية تشعر بالتدبير و القدرة والفعل وما لم يجتمع فيها لم ينطبق عليه اسم الوالي([34]).

أما اصطلاحا فهي سلطة شرعية تجعل لمن تثبت له القدرة على إنشاء العقود و التصرفات ناقدة سواء ينشئها لنفسه أم لغيره.([35])

2-أنواع الولاية:

تنقسم الولاية إلى ولاية قاصرة و ولاية متعدية.

1-ولاية قاصرة:

 يقصد بها ولاية الشخص على نفسه و ماله، و تثبت هذه الولاية للشخص إذا كان كامل الأهلية بالحرية و البلوغ و العقل، كما يشترط أن لا يكون محجور عليه في الولاية على المال([36]). و سميت هذه الولاية بالقاصرة أو الذاتية لأنها تتعلق بشؤون صاحبها و لا تتعداه إلى غيره و أصل هذه الولاية ما قرره الشرع من إلزام الملتزم بما التزم به في أمر نفسه قال سبحانه و تعالى في سورة المائدة :«يأيّها الذين آمنوا أوفوا بالعقود» وفي سورة الإسراء « وأوفوا بالعهد إنّ العهد كان مسؤولا»،إن ولاية الإنسان على نفسه ولاية ذاتية تكون إذا كملت لديه أهلية الأداء إذ بها تكتمل ولايته التامة في شؤون ماله أو غير ماله في بيع عقوده و تصرفاته تكون نافدة في حق نفسه ألا إذا كان يترتب عليها ضرر بحق الغير فيحد منها بقدر ما يدفع الضرر، إذن سبب الولاية الذاتية أو القاصرة هو البلوغ و الرشد معا فإذا تحققا معا كانت له الولاية التامة على جميع شؤونه و أمواله دون التدخل من أحد وهي قاصرة عليه لا تتعداه إلى احد غيره([37]).

2-الولاية المتعدية:

 يقصد بها ولاية الشخص على غيره حيث لا تثبت للشخص إلا إذا ثبتت له الولاية على نفسه، وهذه الولاية تنقسم إلى ثلاثة أقسام هي: ولاية على النفس، ولاية على المال و ولاية على النفس و المال معا.[38] و هذه الولاية متعددة الفروع كالولاية في الزواج، و الحضانة، ضم الصغير الذي لم يبلغ سنا معينة و القيام على شؤونه و ترتيبه و تأديبه، وقد تكون ولاية على مال المولى عليه، أي يخص التصرفات المتعلقة بشؤون مال من ثبتت عليه هذه الولاية[39].

وهذين النوعين سنتطرق إلى إجراءاتهما لاحقا لأنهما موضوع الدراسة إلا أن إثراء لهذا الموضوع ارتأيت أن أضمنه الأنواع الأخرى من الولاية المتعدية و هي كالتالي:[40]

أ- الولاية الأصلية:

هي التي تثبت تلقائيا على الصغير بسبب الأبوة كولاية الأب على ابنه القاصر وولاية الجد والد الأب هذه الولاية لم تثبت لأب أو الجد إلا بسبب عارض هو ولاية المولى عليه لهما، وهذه الولاية ولاية أصلية، فإذا باشر الأب أو الجد -وفي القانون الجزائري الأم- أمورا فإنما يباشرها بأهليتها و ولايتها بانتسابه عن غيرهما فهذه الولاية تقوم بمجرد الولادة.

ب- ولاية نيابية:

 وهي التي يستمدها شخص من شخص آخر أي عن طريق النيابة عن ولاية الوصي و القيم و الوكيل.

وولاية الوصي قد تصدر من صاحب الولاية الأصلية الأب أو من القاضي و لذلك تختلف ولايته تبعا لاختلاف ولاية من استمد منه الولاية. و قد تكون الولاية اتفاقية كما الحال في الوكالة، إذ يستمد الوكيل وكالته من موكله.

و قد يبدو لنا أن من البديهي أن تنسب الولاية إلى الأب دون أن تخطر ببالنا لماذا؟ هذا السؤال أجاب عليه الأئمة الأربعة الذين اتفقوا على أن الولاية تثبت للأب:

– لشفقته على ابنه و إصابة رأيه بالنسبة لمصالح هذا الابن، ولذا هو مدفوع بعوامل العطف و الرحمة إلى إحسان التصرف في مال ولده القاصر.

– الصغير جزء من أبيه وفي محافظة الأب على مال صغيره محافظة على مال نفسه.

ج – الولاية الخاصة:

باعتبار أن الصغير عاجز عن التصرف بنفسه كان القصد من الولاية عليه حماية مصالحه، و مراعاة لأمر الصغير جعل المشرع الولاية إلى أشخاص يكونون مدفوعين بعوامل العطف و الرحمة والشفقة إلى إحسان التصرف في شؤون القاصر كالأب، الأم و الوصي… وغيرهم، إذا عهد إليهم بالولاية كانوا أصحاب ولاية خاصتها فيتقدم الأب على غيره من الأوصياء، و بعده تكون الولاية لمن يختاره وصيا على أولاده.

د- الولاية العامة:

تثبت للقاضي، فالقاضي ولي لمن لا والي له، وليس لصاحب الولاية العامة التصرف في شؤون القاصر مع وجود صاحب الولاية الخاصة. مادام هذا الأخير أهلا للتصرف، إلا إذا كان عاضلا في الزواج مثلا، فمن واجب القاضي رفع الظلم فيجوز له أن يزوج الصغيرة رفعا للظلم عنها.

المطلب الأول: سلطة القاضي في الولاية على القاصر

ونقصد بها ولاية القاضي على نفس القاصر و على ماله.

الفرع الأول: إجراءات الولاية على نفس القاصر

إن الولاية على النفس تكون في الأمور المتعلقة بشخص المولى عليه كولاية الحضانة، التعليم، التربية، وولاية التزويج و تثبت هذه الولاية لمن له القدرة على التصرف في شؤون المولى عليه غير المالية كإنشاء عقد زواج المولى عليه كولاية الأخ الشقيق على أخته فاقدة الأهلية أو ناقصتها في تزويجها إذا لم يوجد الأب أو وجد ولم يكن أهلا للولاية.[41]

فالإجراءات تضمنتها المواد من 453 إلى 463 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية، و ما يلاحظ على هذه المواد أنها تضمنت النص على إنهاء ممارسة الولاية على القاصر أو سحبها مؤقتا طبقا لنص المادة 455 و كذلك حضانة القاصر و كل ما يتضمن حمايته طبقا لنص المادة 460 /3 و إجراءات ذلك، أما قانون الأسرة فلم ينص إلا على الولاية على مال القاصر و عليه فكل ما لم يتعلق بمال القاصر يرجع أو يتعلق بنفسه من رعايته و تربيته و تعليمه حفظ صحته.

إن الرعاية تمنح بقوة القانون للأب على أولاده القصر و بعد وفاته تحل الأم محله قانونا طبقا لما تنص عليه المادة 87 من قانون الأسرة فلا تحتاج إلى إجراء لطلبها و إنما تحتاج إلى إجراءات لإنهائها أو سحبها مؤقتا كما جاء به قانون الولي في مهامه طبقا لما تنص عليه المادة 473 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية أو نقص أهلية الأب مثلا حيث تقدم الأم طلب لإنهاء ممارسة الولاية على القاصر و ذلك بدعوى إستعجالية، أما نص المادة 453 المتعلق بكل من يهمه الأمر فيقصد به مثلا :

-الجد أو الجدة أو أحد الفروع لكن هذا مقتضاه تواطؤ أسباب جدية و موضوعية تحقق أن أهلية أحد الوالدين أو اختلال أحد الشروط الأخرى التي تقوم عليها ممارسة الولاية. و رغم إجراءات الإنهاء أو السحب يعم توجيه دعوى استعجالية فإن القانون لم يبين من يتم تعيينه في هذه الحالة و كيف ذلك؟ لعل هذا السؤال نجد له جوابا في نص المادة 430/3 التي تنص على أنه يمكن للقاضي و مراعاة لمصلحة القاصر يأمر بكل تدبير مؤقت له علاقة كممارسة الولاية أي في حالة سحب أو إنهاء الولاية من الأب يسندها مؤقتا إلى الحاكم إلى حين ثبوت كفاءتها مثلا أو إلى حيث الفصل في موضوع النزاع المعروض عليه.

أما المادة 454 فتضمنت الإجراءات التي تمكن للقاضي إتحادها في إطار التحقيق حتى يتمكن من سحب الولاية أو إنهائها و إسنادها إلى شخص معين و هذه الإجراءات لم تكن تخول له قبل صدور هذا القانون فللقاضي أن يقوم تلقائيا أو بطلب من أحد الوالدين أو كل شخص يرى فائدة في سماعه، و كذا سماع القاصر إلا إذا كانت سنه أو حالته لا تسمح بذلك، كأن يكون صاحب3 سنوات أو مريضا وكذا له أن تأمر بإجراء تحقيق اجتماعي أو فحص طبي أو نفساني أو عقلي لكن لم يبين المشرع بوضوح كيف يتم الإجراء الأخير و لمن يصدر الأمر و على من يتم التحقيق هل على الولد القاصر أم على من يريد إسناد الولاية له ؟

أما سماع الأب و الحكم أو أي شخص يرى فائدة في سماعه فهدفه هو التأكد من أهلية الشخص المراد إسناد الولاية له و كفاءته الخلقية و المادية أو التأكد من أن أحد الوالدين غير أهل للمواصلة في الولاية على أبنائه القصر مما يستدعي إنهائها عنه، و يمكن أن تدرج تحت طائفة هذه الإجراءات ما تنص عليه المادة 459 بخصوص جمع القاضي المعلومات التي يراها مفيدة حول أوضاع عائلة القاصر و سلوك الأبوين.

-و للقاضي بمقتضى نص المادة 460 و مراعاة لمصلحة القاصر أن يأمر بكل تدبير مؤقت له علاقة بممارسة الولاية، فإذا كان بين الزوجين خصومة موضوعها الطلا و كان النزاع في مرحلة الصلح، و ثبت للقاضي من خلال سماع شهود مثلا أو تحقيق تجريه أن الأب غير أهل لأن يكون وليا على ابنه القاصر، فهنا للقاضي سواء من تلقاء نفسه أو بطلب من النيابة أو أحد الأطراف أن يسند الولاية بموجب أمر إلى الأم مثلا إلى حين صدور حكم بالطلاق، و هنا تسند الولاية لمن أسندت له حضانة الأولاد طبقا لنص المادة 87 و64 من قانون الأسرة.

-أما بالنسبة للحضانة فإلى حين الفصل في موضوع دعوى الطلاق يسند القاضي مؤقتا حضانة القاصر إلى أحد الأبوين، و إذا تعذر ذلك تسند إلى أحد الأشخاص المبينين في قانون الأسرة طبقا لنص المادة 87 و هم : الجدة الأم –الجدة الأب –الخالة –العمة ثم الأقربون طبقا لنص المادة 65.

بل و ذهب المشرع إلى أبعد من ذلك في نصه في الفقرة الثالثة من نص المادة 460 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية على إمكانية تعديل هذا الإجراء إذا تطلبت مصلحة القاصر ذلك، حتى و لو كان ذلك بطلب من القاصر المميز، و هنا نطرح السؤال: هل القاصر تمنح له الأهلية لممارسة الدعوى القضائية استثناءا عن القاعدة العامة ؟ و إن لم يكن هذا الطلب بموجب دعوى فكيف يكون شكله إذن و قد يكون الطلب مقدم من النيابة العامة التي تكون طرفا أصليا عندما يتعلق الأمر بحالة الأشخاص و هذا يلاحظ في القسم الرابع المتعلق بإجراءات الولاية فالنيابة العامة لم نجد لها دور بنص صريح بخصوص فك الرابطة الزوجية أو الصلح أو تعيين الحكمين و المساعدة الاجتماعية.

و كما للقاضي إنهاء و سحب الولاية له كذلك إلغاء هذه الإجراءات و ذلك بإعادة إسنادها و ذلك بطلب من والد القاصر المسقطة عنه الولاية طبقا لنص المادة 461 و مراعاة دائما مصلحة القاصر منح المشرع للقاضي إمكانية إعفائه من حضور الجلسة لتلقي تصريحاته و الفصل في الطلب يكون في غرفة المشورة بعد تقديم ممثل النيابي العامة لطلباته. فهل يقصد بهذا أن تكون الجلسة سرية ؟

الفرع الثاني : إجراءات الولاية على مال القاصر

تنحصر الولاية على المال في المسائل المالية الخاصة بأموال المولى عليه و هي التي تجعل لمن تثبت له القدرة على إنشاء العقود و التصريحات المتعلقة بالأموال و تنفيذها كولاية الوصي على الموصى عليه[42]. و يستحسن الإشارة أولا و قبل التطرق إلى الإجراءات إلى شروط ثبوت الولاية للولي على أموال القاصر[43]:

الشرط الأول: أن يكون الولي كامل الأهلية أي بالغا، عاقلا، لديه الصلاحية لكسب الحق و هي أهلية الوجوب التي تدور وجودا و عدما مع حياة الشخص وتحمل الالتزام و هي أهلية الأداء فبواسطة هذين العنصرين يمكن اكتساب الحق وتحمل الواجب عن طريق إبرام التصرف القانوني.

 الشرط الثاني: ألا يكون سفيها يخشى على مال القاصر منه، حيث يقول المالكية: الولي الأب الرشيد، لأن السفيه محجور عليه للسفه الذي به، الذي أدى إلى تبذير المال.

الشرط الثالث: أن يكون الولي متحدا مع الصغير في الدين،فإذا كان الأب مسلم و أولاده مسلمون بإسلام أمهم وهم صغار وبقي الأب على دينه لا تثبت الولاية عليهم، و الملاحظ أن اتحاد الدين شرط في الولاية الخاصة بحسب أما الولاية العامة أي ولاية القاضي فلا يشترط ثبوتها بإتحاد الدين و الأساس في اشتراط الدين في الولي قوله تعالى:« و لن تجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا» وهذا النص عام يدخل فيه الولاية.

قبل التطرق إلى هذه الإجراءات أشير إلى أن الولاية على أموال القاصر على غرار الولاية على نفسه حظيت بالنص عليها ضمن قانون الأسرة في المواد من 88 إلى 91 حيث يتصرف الولي في أموال القاصر تصرف الرجل الحريص و لم يقل المشرع الجل العادي لأن الأمر يتعلق بمال القاصر و عليه لابد أن تحظى بعناية بالغة و يكون مسؤولا على ذلك و عليه أن شهادة القاضي في بعض التصرفات المذكورة بالمادة 88 كبيع العقار –قسمته –دهنه – إجراء مصالحة.

و هذا نضرا لما هذه التصرفات من آثار خطيرة من حيث انتقال الملكية أو الحق العيني إلى الغير مما قد يشكل إنقاذا لذمة القاصر و بهذا تدخل ضمن دائرة الأعمال الضارة به ضررا محضا.

كما قيد القانون القاضي في نص المادة 89 بمراعاة حالة الضرورة و المصلحة في منح الإذن حيث لا يمنح لمجرد طلبه، كما يباع العقار بالمزاد العلني يوفر أعلى ثمن له أي يرسو أعلى ثمن تحقيقا لمصلحة القاصر دائما.

و من خلال إدارة الولي لأموال القاصر يبسط القاضي مراقبته على ذلك إما تلقائيا و أما بناءا على طلب ممثل النيابة العامة أو بطلب من أي شخص تهمه مصلحة من وضع تحت الولاية و هذه الرقابة كما سبق ذكره يتجسد جزء منها في منح الإذن للتصرف في أموال القاصر مثلا و له في إطار هذا أن يستدعي أي شخص لسماعه طبقا لنص المادة 466 و كذا في الأمر باتخاذ تدابير مؤقتة كحماية مصالح القاصر.

دور القاضي في منازعات الولاية على أموال القاصر

تخص قاضي شؤون الأسرة في المنازعات المتعلقة بحسابات الولاية و إدارتها طبقا لنص المادة 476 و هي تكرار لنص المادة 423-5 كما تخص كذلك بالنضر في المنازعات المتعلقة بتصرفات القاصر بعد بلوغه سن التمييز.

في المنازعات المتعلقة بحسابات الولاية تتمثل في المنازعة في التقارير الدورية التي يقدمها الولي أو الوصي أو المقدم عن إدارة أموال القاصر إلى القاضي الذي يمكنه من خلالها بسط رقابته على إدارة الأموال ، فيكون للأم مثلا المنازعة في الحسابات المعقدة نتيجة إدارة أموال ابنها القاصر متى قيل الأب على أساس أنها خاطئة أو غير حقيقية.

حكم تصرف الولي في مال المولى عليه:

ليس كل الآباء على المستوى واحد من الرشد وحسن التصرف فمنهم أب مسرف متلف للمال، وأبا سيء الرأي و فاسد التبذير وأب عدل أو مستور الحال ومن بين التصرفات التي قد يقوم بها الولي.

 أما تصرفه في مال القاصر بالبيع والشراء فعلى قول المالكية أن للأب بيع مال ولده الحجور مطلقا عقارا أو غيره وإن لم يذكر سبب البيع بل وإن لم يكن بسبب، و بسبب ذلك هو حمل الأب على السداد بالنسبة لمال ولده و هذا إذا كان البيع للغير أما إذا كان البيع لنفسه فعلى الأب أن يثبت أن البيع لمصلحة ولده عند ابن الرشد الذي حمل بيع الأب على غير السداد و النظر. أما إذا كان البيع للغير فهو طبقا للقاعدة السابقة محمول على السداد و النظر ذكر سبب البيع أم لم يذكر[44]. أما في القانون الجزائري كما سبق قوله فإن المشرع طبقا لنص المادة 88 من قانون الأسرة ألزم الولي أن يتصرف في أموال القاصر تصرف الرجل الحريص ويكون مسؤولا طبقا لمقتضيات القانون العام.

المطلب الثاني: دور القاضي في تعيين المقدم و الوصي، إجراء الترخيص و الترشيد

الفرع الأول: دور القاضي في تعيين المقدم و الوصي

سأتناول بالدراسة في هذا الصدد كل من : تعريف المقدم ،شروطه، إجراءاته و دور القاضي في تعيينه و التزامات المقدم.

أولا: تعيين المقدم

نصت عليه المادة 99 و المادة 100 من قانون الأسرة و المواد من 469 إلى 471 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية.

1-تعريف المقدم:

عرفته المادة 99 من قانون الأسرة بنصها على أنه هذا من تعينه المحكمة في حالة عدم وجود ولي أو وصي على من كان فاقد الأهلية أو ناقصها بناءا على طلب أحد أقاربه أو ممن له مصلحة أو من النيابة العامة، فالمادة 469 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية أحالت في تعيين المقدم إلى أحكام قانون الأسرة، فالقاضي من يختار من بين أقارب القاصر و في حالة تضرر ذلك لعدم توفر أحد الشروط يعين شخصا آخر تختاره و يفهم من هذا أنه يمكن أن يكون هذا الشخص من الغير، و تعيينه يكون بموجب أمر ولائي.

-بعد التأكد من إرضائه، أي يمكن له أن يرفض و هنا يبحث أو يعين القاضي شخصا آخر.

2-شروط المقدم:

تضمنها المادة 469/2 و هي :

-الأهلية للقيام بشؤون القاصر.

-القدرة على حماية مصالحه.

3-التزامات المقدم:

ذكرتها المادة 472: على المقدم أن يقدم دوريا و طبقا لما يحدده القاضي عرضا عن إدارة أموال القاصر و عن أي إشكال أو طارئ له علاقة بهذه الإدارة.

في حالة التقصير في أداء مهامه يتخذ القاضي جميع الإجراءات التحفظية المؤقتة لحماية مصالح القاصر بموجب أمر ولائي طبقا لنص المادة 473.

ثانيا: إجراءات تعيين الوصي و إنهاء مهامه :

يعرف الوصي بأنه نائب قانوني للقاصر يختاره الأب أو يعينه القاضي[45]، و إلى جانب هذا التعريف سأتناول تحت هذا العنوان: – صور الوصاية – شروط الوصي و واجباته – تعيين الوصي – سلطة القاضي في تثبيت الوصاية و المنازعات المثارة بشأنها كالتالي:[46]

1/صور الوصاية :

يستمد الوصي سلطاته إما بالاختيار و يسمى الوصي المختار – و إما بالتعيين و يسمى الوصي المعين، و قد يكون الوصي عاما أو خاصا، أو وصي خصومة من حيث مدى السلطات التي تعطى له، و قد يكون مؤقت أو دائما، و دلك من حيث الامتداد الزمني لسلطاته ، كما يكون الوصي واحدا أو أكثر.

2/شروط الوصي:

تضمنت هذه الشروط المادة 93 من قانون الأسرة بنصها على الشروط التالية :

– أن يكون الوصي مسلما.

– أن يكون الوصي عاقلا و بالغا.

– أن يكون الوصي أمينا حسن التصرف.

فالمحكوم عليه في جريمة من الجرائم المخلة بالآداب و الماسة بالشرف أو النزاهة و من حكم عليه بجريمة كانت تقتضي قانونا سلب ولايته على نفس القاصر لو كان في ولايته لا يكون أهلا لأن يكون وصيا، بالإضافة إلى من كان مشهورا بسوء السيرة أو من لم يكن له وسيلة مشروعة للعيش – و هذا يتحقق منه القاضي من خلال السلطات المخولة له في التحقيق كسماع شهود و المحكوم بإفلاسه إلى أن يحكم له برد اعتباره-، و من سبق أن سلبت ولايته أو عزل عن الوصاية على قاصر آخر، بالإضافة إلى من قرر الأب قبل وفاته حرمانه من التعيين[47].

3- دور القاضي في الإجراءات:

  لم يبين قانون الإجراءات المدنية والإدارية الطريقة التي نعين بها الوصي هل لموجب أمر أم لموجب حكم، وبطلب من؟ وإنما اكتفى بالنص على تثبيت الوصاية أو رفضها بعد وفاة الأب طبقا للفقرة الأولى من نص المادة 472 أما الفقرة الثالثة فتنص على أنه يجوز للقاضي وضع القاصر تحت وصاية الوصي المختار عندما تتوفر فيه الشروط المقررة قانونا، أو عليه يراقب القاضي مدة توافر هذه الشروط، حتى يقبل أو يرفض الوصاية، وبما أن تعيين الوصي لا يتضمن منازعة مثل تعيين المقدم فإنه يتم طبقا لعمل ولائي وليس قضائي و إن عدم نص المشروع على هذا يعد سهوا منه فقط، خاصة عندما نص في الفقرة الثانية من المادة 472 على أنه في حالة رفض الوصاية يعين القاضي مقدما طبقا لنص المادة 471، والذي سيكون بموجب أمر ولائي، كما تظهر سلطة القاضي في تعيين الوصي كذلك من خلال نص المادة 92 من قانون الأسرة حيث له في حالة تعدد الأوصياء أن تختار الأصلح منهم مع مراعاة الشروط المذكورة.

4- حالة تقصير الوصي في أداء مهامه:

  يتصرف القاضي بموجب أوامر ولائية في حالة تقصير الوصي في أداء مهامه حيث يتخذ القاضي جميع الإجراءات المؤقتة الضرورية لحماية مصالح القاصر بموجب أمر ولائي، كأن يعين القاضي متصرفا خاصا قياسيا على ما هو وارد في نص المادة 90 من قانون الأسرة.

وبالرجوع إلى قانون الأسرة، فأن سلطة القاضي تكمن في مراقبة الحساب الذي يقدمه الوصي عند انتهاء مهمته حيث يتبين من خلاله تقصير الوصي في مهامه من عدمه، ولهذا كان بجدر بالمشرع أن يلزم الوصي بأن يعرض دوريا كشفا يتضمن كل ما يقوم به خلال توليه إدارة أموال القاصر، حيث لا يكتفي بالنص في المادة 97 على أن يقدم الوصي حسابا بالمستندات عند انتهاء مهمته فالقاضي يبسط رقابته بشكل منتظم وجدي عندما يعرض عليه تقارير دورية وليس الحساب النهائي، ليبين له التجاوزات المرتكبة من قبل الوصي إضرارا لمصلحة القاصر، قيامه بالتبرع بماله أو بجزء منه، إقراضه، هبته دون إذن من القاضي أو تجاوز الحد المأذون به، طبقا لنص المادة 88 من قانون الأسرة.

5- سلطة القاضي في إنهاء مهمة الوصي:

  للقاضي إنهاء مهمة الوصي وذلك بعزله طبقا لنص المادة 96-5 من قانون الأسرة، إذا ثبت من تصرفاته ما يهدد مصلحة القاصر، ولم يبين المشرع كذاك في هذه الحالة الطريقة التي يتم بها عزل الوصي. هل بموجب أمر ولائي؟.

  إن دور القاضي في هذه الإجراءات لم يتناولها بالذكر قانون الإجراءات المدنية والإدارية فحسب وإنما هناك بعض القواعد الإجرائية واردة ضمن قانون الأسرة والتي يرجع القاضي إليها عند الحاجة، والتي تعد مكملة للقواعد الواردة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية وليست مجرد تكرار لها.

الفرع الثاني: دور القاضي وسلطته في إجراء الترخيص والترشيد.

  تضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية هذا الإجراء تحت عنوان الفرع الثاني المتعلق بالولاية على أموال القاصر.

أولا: سلطة القاضي في منح الترخيص:

  نصت عليه المادة 479 ويقصد به الترخيص المتعلق ببعض تصرفات الولي ويكون هذا الترخيص من طرف قاضي شؤون الأسرة بناء على أمر على عريضة، ومن بين التصرفات التي تخضع إلى ترخيص ما نصت عليه المادة 88 من قانون الأسرة التي أوجبت استئذان الولي للقاضي، فإن ارتأى القاضي أن يمنح الإذن فيكون ذلك بأمر على عريضة وذلك بخصوص التصرفات التالية:

بيع العقار وقسمته، ورهنه وإجراء المصالحة.

بيع المنقولات ذات الأهمية الخاصة.

استثمار أموال القاصر بأي إقراض أو الاقتراض أو المساهمة في الشركة.

انجاز عقار القاصر لمدة تزيد على ثلاثة سنوات أو تمتد لأكثر من سنة بعد بلوغه سن الرشد.

أما نص المشرع على أن يتم هذا الإجراء بموجب أمر على عريضة، فقد يرجع إلى احتمال نشوء نزاع حوله. لأنه يتضمن احتمالين، فقد يأتي هذا التصرف بفائدة على القاصر كما قد يأتي بخسارة أو ضرر به مما يدفع من له مصلحة في ذلك إلى المنازعة فيه.

و الملاحظ أن مصطلح الترخيص له معنى واسع فقانون الإجراءات المدنية و الإدارية لم ينص صراحة على بعض الأوامر الولائية التي يختص رئيس المحكمة بإصدارها في شكل رخص، و التي تتعلق خاصة بمصلحة القصر، فهل في حالة غياب النص ستبقى خاضعة لاختصاص رئيس المحكمة أم يختص بها قاضي شؤون الأسرة كذلك ،بما أنها لها علاقة بالولاية على القاصر؟ و أقصد بهذه الرخص:

إعفاء أو ترخيص بالسن القانوني للزواج([48]).

إذن بالخروج من التراب الوطني.

أمر فتح حساب بريدي لقاصر.

رخصة لاستخراج سجل تجاري لممارسة نشاط تجاري لقاصر[49]، و كذا الترخيص لراشد بتكرار الزواج أي الزواج بامرأة ثانية.

و عليه بما أنها لا تتضمن نزاع فان طبيعة العمل التي تصدر بشأنه هو عمل ولائي. أما الجهة التي تصدره فالملاحظ عمليا أنه عندما يتعلق الأمر بمنح رخصة لاستخراج سجل تجاري مثلا. فهو يصدر عن قاضي شؤون الأسرة، و كذلك رخصة لإبرام عقد زواج قاصر.

أما باقي الرخص فتصدر عن رئيس المحكمة مبدئيا، إلى حين صدور نص تنظيمي بوضوح الأمر.

 حيث يتضمن كذلك الترخيص بالزواج من زوجه ثانية أو ثالثة أو رابعة، وكذا الإعفاء من السن القانوني للزواج يعد بمثابة ترخيص بالزواج والذي يتم بموجب أمر ولائي كذلك، والترخيص بفتح حساب بريدي للقاصر. وللقاضي منح الترخيص كما له أن يرفضه طبقا لسلطته التقديرية، إذا رأى أن الإجراء المطلوب يتعارض ومصلحة القاصر بالدرجة الأولى.

ثانيا: دور القاضي في ترشيد القاصر

  حيث يرشد القاضي القاصر بموجب أمر ولائي طبقا لنص المادة 480 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وهذا ليقوم القاصر بإدارة أمواله بنفسه، لكن لم يحدد القانون السن القانوني الواجب توفره في القاصر حتى يتم ترشيده.

ثالثا:انتهاء الولاية و الوصاية و التقديم:

بما أن الوصي يحل محل الولي،و المقدم يقوم مقام الوصي ويخضع لنفس الأحكام طبقا للمادة 100 فسأتناول طرق انتهائهم في عنوان واحد و الملاحظ أن المادة 91 من قانون الأسرة ذكر طرق انتهاء الولاية، و المادة 96 تناولت طرق انتهاء الوصاية إلا أن كلتا المادتين تناولتا أحكام لم ترد في الأخرى كانتهاء الولي ببلوغ القاصر سن الرشد وكمال أهليته فهذه الحالة ذكرتها المادة 96 و لم نذكرها المادة 91 وعليه تنتهي الولاية والوصاية والتقديم وفق الحالات التالية:

1-الأسباب التي تتعلق بالقاصر:

بلوغ القاصر سن الرشد ما لم يصدر حكم من القضاء بالحجر عليه فالولاية على المال تبقى ما بقى سببها و هو الصغير، فإذا أزال السبب انتهت الولاية أو الوصاية ([50]).

موت القاصر.

2 -أسباب تتعلق بالولي:

عجز الولي.

موت الولي.

إسقاط الولاية عنه.

 3 : أسباب تتعلق بالوصي:

انتهاء المهام التي أقيم الوصي من أجلها.

قبول عذره في التخلي عن مهمته.

عزله بناء على طلب من له مصلحة إذا نبت من تصرفاته الوصي ما لهذه مصلحة القاصر، وهذا ما نصت عليه المادة 473 من ت إ م إ. أما المقدم فتنتهي مهمته بمثل حالات الوصي باعتباره معين.

لمبحث الثاني: دور القاضي في حماية البالغين ناقصين الأهلية و الكفالة

يرد هذا الإجراء تحت عنوان الفرع الثالث من القسم الرابع المتعلق إجراءات الولاية ، ويتضح دور القاضي جليا في هذا الإجراء من خلال نص المواد : 481-486-487. وبما أن قانون الإجراءات المدنية والإدارية أتى بالقواعد التي تمكن القاضي من تفعيل القواعد الموضوعية الواردة في قانون الأسرة فإن الملاحظ بهذا الشأن أن المقصود بحماية البالغين ناقصين الأهلية يقصد به الحجر الوارد في الفصل الخامس من الكتاب الثاني من قانون الأسرة و الذي تناولته المواد من 101 إلى 108 الأمر الذي دفع البعض أول الأمر إلى القول في قانون الإجراءات المدنية والإدارية ! وعليه قبل التطرق إلى دور القاضي في إجراءات توقيع الحجز يتعين التطرف أولا إلى مفهوم الحجر و تحديد البالغ ناقص الأهلية.

المطلب الأول: دور القاضي في حماية البالغين ناقصين الأهلية

الفرع الأول: مفهوم الحجر و تحديد البالغ ناقص الأهلية

أولا: مفهوم الحجر

المقصود بالحجر:

الحجر مصدر حجر بمعنى حجر القاضي على الصغير و السفيه إذا منعهما من التصرف في مالها.

الحجر المنع، يقال حجر عليه يحجر حَجْرَََا و حُجرا وحِجرا و حَجرنا و حجّرنا: منع منه و يقال حجر الإنسان و حجره أي الفتح و الكسر حضنه قال تعالى في سورة النساء:« في حجوركم من نسائكم» وأحدها حجر بفتح الحاء يقال حجر المرأة وحِجرها أي حضنها.

أنواع الحجر: باعتبار الحجر منع الحجور من التصرف نوعان:

الحجر الطبيعي:

يقصد به حجر النفس في الذكر حتى البلوغ رشدا و في الأنثى حتى سقوط حضانتها بالبناء بها،ويعد حجر طبيعي لأن بسببه الصغير، وعدم البلوغ و الرشد ولذلك يكون الصغير(ة) محجورا دون صدور حكم من القاضي بالحجر، ولذلك يقال الصغير محجور لذاته هذا النوع من الحجر أحد فروعه الحضانة إذ يشمل تعهد الصغير في شخصه و تعهد ما له في وقت واحد.

حجر قضائي:

لا يكون هذا الحجر إلا بعد البلوغ و الرشد ثم يعتري الشخص بعد ذلك أحد العوارض في الطبيعة من جنون أو عته أو سفه أو غفلة أو أحد مواقع الأهلية من مرض وغيبة أو حبس([51]).

ثانيا: تحديد البالغ ناقص الأهلية

تعرفنا به المواد: 40-43 من القانون المدني والمادة 101 من قانون الأسرة، فالمادة 40 من القانون المدني اعتبرت كل شخص بلغ سن الرشد المجدد بـ 19سنة كاملة، متمتعا بقواه العقلية، ولم تحجر عليه، حيث يكون بهذه الحالة كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية.

إلا أن بلوغ هذا السن وكمال الأهلية قد تعتيره بعض العيوب التي تنقص منها والتي نصت عليها المادة43 من القانون المدني التي اعتبرت كل من بلغ سن الرشد وكان سفيها أو ذا غفلة يكون ناقص الأهلية وفقا لما يقرره القانون، وعليه ما مصير البالغ ناقص الأهلية في هذه الحالة؟ هذا ما وضحته المادة 101 من قانون الأسرة بنصها على: كل من بلغ سن الرشد وهو مجنون أو معتوه أو سفيه أو طرأت عليه إحدى هذه الصفات بعد رشده يحجر عليه.

وبما أن الأصل الظاهر في الإنسان هو سلامة عقله وأهليته من كل عارض فخلاف هذا الظاهر سيدعي إثباته.

قبل التطرق إلى الإجراءات التي يتبعها القاضي في توقيع الحجر أعرج على تبيان عوارض الأهلية و مواقعها و أسبابها وأسباب الحجر على ضوء الفقه:

عوارض الأهلية:

قد يكون العارض الذي يصيب الشخص طبيعيا أو جسمانيا يصيبه في عقله أو اتزانه فيذهب بالأهلية التي ثبتت له أو ينقضها. و كلا الحالتين تتأثر تصرفاته القانونية التي تصدر منه سواء في حقوقه أو التزاماته و قد يصيب العارض الشخص في تقديره و تدبيره فينقص من أهليته كما هو الحال في السفه و الغفلة و هذه العوارض يخضع تقديرها إلى سلطة القاضي و عليه تتخلص أسباب الحجر كالآتي:

1- الجنون: وهو اختلال في العقل يمنع الشخص من أن يجري الأقوال و الأفعال على النحو الذي تطلبه الشرع، و الجنون إما أن يكون مطلقا حيث لا يفيق صاحبه منه،وإما متقطعا يفيق منه صاحبه بعض الوقت و يجن أحيانا.و قد بين فقهاء المالكية أن المجنون محجور عليه من حيث جنونه ، فبالنسبة للبالغ أو الذي طرأ عليه الجنون بعد بلوغه يتم الحجر عليه بموجب حكم قضائي .

2- العته: يقصد به فقد أهل اللغة نقص عقل من غير جنون، وعند الفقهاء اختلال في العقل بحيث يختلط كلام من أصابه هذا الاختلال ، فيشبه مرة كلام العقلاء ومرة كلام المجانيين، وقيل هو قليل الفهم مختلط الكلام فاسد التدبير، غلا أنه لا يضرب و لا يشتم كما يفعل المجانيين.

3- السفه: السفه هو الخفة و البطش و الجهل بواقع الأمور، و يعرفه الفقهاء بأنه تبذير المال وتضييعه على خلاف مقتضى الشرع و العقل و قيل هو الثمل بخلاف بمقتضى الشرع، و هو إتباع الهوى و ترك ما يدل عليه العقل و يقول ابن جزي من فقهاء المالكية:« السفيه هو المبذر لماله، إما لإنفاقه بإتباعه الشهوات وإما لقلة معرفته بمصالحه، وإن صالحا في درته »

4-ذو الغفلة: يقصد بالغفلة عدم الاهتداء إلى سبل الربح أو تجنب الخسارة في المعاملات مع الغير بسبب ضعف في العقل أو قلة الخبرة وابن عابدين في رد المختار يعرف ذو الغفلة بأنه مفسد و لا يقصد الفساد لكنه لا يهتدي إلى التصرفات الرابحة ، فيغبن في المبايعات لسلامة قلبه[52].

إلا أن هذه الحالة وردت فقها فقط أما قانونا فلم يذكرها الشرع الجزائري إلى جانب الحالات الأخرى الواردة في المادة 101 من قانون الأسرة والمتمثلة في الجنون، العقه، السفه والتي تعد سببا من أسباب الحجر.

الفرع الثاني: دور القاضي في إجراء توقيع الحجر

 بعد أن يرفع أحد الأقارب أو من له مصلحة أو النيابة العامة طلب الحجر طبقا لنص المادة 102 من قانون الأسرة، يثبت القاضي من صحة ما يدعيه الأطراف، وذلك بإجراء خبرة عقلية طبقا لنص المادة 103 من قانون الأسرة على المعني بالحجر عليه وذلك بإجراء خبرة عقلية طبقا لنص المادة 103 من قانون الأسرة على المعني بالحجر عليه وذلك بإصدار أمر ولائي طبقا لنص المادة 486 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية يقضي بتعيين خبير وهذا خروجا عن ما هو معتاد العمل به، بخصوص الخبرات التي تتم بصدور حكم تمهيدي أو تحضيري قبل الفصل في الموضوع فما الغاية من استبدال إجراء صدور الخبرة بموجب حكم، بصدورها بموجب أمر ولائي؟

وبعد إيداع الخبير لتقرير خبرته وإعادة السير في الدعوى من قبل يمله الأمر، وثبت حقيقة ما يدعيه الأطراف أي ثبت جنون أو سفاهة المعني فهنا يصادق القاضي على تقرير الخبرة. وعليه الحجر عليه.

بموجب أمر بافتتاح التقديم طبقا لنص المادة 481 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية وعليه نتساءل عن طبيعة الإجراء الذي يوقع به الحجر، هل تتم بموجب أمر أم بموجب حكم. وماذا يقصد بالأمر الوارد في نص المادة 481.

إنه بتمعننا لأحكام قانون الأسرة وأحكام قانون الإجراءات المدنية والإدارية نجد أنفسنا أمام نصين إجراءين احدهما وارد في قانون الإجراءات المدنية والإدارية وأقصد به نص المادة 481 والآخر وارد في قانون الأسرة وأعني به نص المادة 103 التي تنص على أن يكون الحجر بحكم.

أقول بهذا الصدد انه بما أن المادة481 لم تحدد إن كان الأمر المقصود به ولائي أو على عريضة فإن اللفظ يدخل في مدلوله العام. طبقا لنص المادة 08 الفقرة الأخيرة من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية التي تنص على: يقصد بالأحكام القضائية في هذا القانون، الأوامر والأحكام والقرارات القضائية ولا يدخل في مفهومه أو مدلوله الخاص لأن المشرع لو أراد بهذا أن يكون أو يصدر الحجر بأمر ولائي لذكر ذلك كما ذكره في المادة 486 بخصوص تعيين خبير، ورغم هذا فالإشكال يبقى مطروح بين اعتباره عمل ولأني أم عمل قضائي فالبعض من القضاة الممارسين[53] فإن الأوامر الولائية كما سبق ذكره لا تستدعي وجود نزاع، أما الحجر فيتضمن نزاع، فبما أن الطلب يرفع من أحد الأطراف فقد يعارض أحد ممن له مصلحة حيث يتمسك بكمال أهلية الشخص البالغ أو حتى الشخص نفسه، قد يتمسك بالأصل الظاهر الذي هو سلامة أهليته، إلى جانب هذا ، بما أن نص المادة 103 من قانون الأسرة كذلك مادة إجرائية وردت في قانون خاص الذي هو قانون الأسرة، فإن الخاص يقيد العام حتى لو كانت نية المشرع أن يكون الحجز بموجب أمر ولائي.

– كما للقاضي دور إيجابي في هذه الخصومة كغيرها من خصومات الأحوال الشخصية حيث له أن يعين محاميا تلقائيا إذ تبين له من خلال العارضة الافتتاحية أن الشخص ليس له محامي وهذا ما تنص عليه المادة 483 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، والمادة 105 من قانون الأسرة.

– وفي إطار التحقيق والتأكد من واقعة نقص الأهلية حول قانون الإجراءات المدنية والإدارية بموجب المادة 484 للقاضي تلقي تصريحات الشخص المعني بإجراء تقديم، وذلك بحضور محاميه والأشخاص المعنيين أي الذين قدموا الطلب أو من له مصلحة في ذلك والنيابة العامة، وللقاضي كذلك إذا ارتأى له ضرورة حضور الطبيب المعالج يستدعيه.

– كما للقاضي طبقا لسلطته التقديرية أن إجراء السماع من شأنه أن يمس بصحته إذا ارتأى المعني، فله أن يصرف النظر عن ذلك عملا بالمادة 484 ومثاله أن يظهر على المعني عوارض الأهلية كالجنون: كدخوله قاعة الجلسات أو المكتب وهو يصرخ، فهذا الظاهر الذي عليه الشخص يعفى من سماعه.

– وللقاضي في إطار التحقيق دائما أن يتلقى أراء أعضاء العائلة قبل الفصل في الطلب طبقا للمادة 486.

فإذا تقدم بالطلب أب المعني لدى القاضي شك، له أن يأخذ رأي الأم أو الإخوة مثلا. وهذا دائما يبقى خاضعا لسلطته التقديرية.

– وبعد كل هذه الإجراءات، وبعد أن يصبح الملف جاهزا يفصل فيه القاضي في غرفة المشورة. فهل يقصد بهذا المشرع أن الجلسة تتم سرية وليست علنية ؟ وفصل القاضي يكون إما بقبول الطلب وعليه توقيع الحجر إما برفضه طبقا لنص المادة 488، أما بخصوص رفع التقديم فلم يبين القانون إجراءاته أو حالاته.

 أثار الحكم بالحجـــر:

1/ – تظهر سلطة القاضي ودوره كذلك في هذه الحالة، والتي نصت بشأنها المادة 104من قانون الأسرة : حيث يجب على القاضي – إذا لم يكن المحجور عليه ولي أو وصي أن يعين في نفس الحكم مقدما لرعاية المحجور عليه والقيام بشؤونه والذي له نفس مهام الوصي طبقا لنص المادة 100.

2/ – تصرفات المحجور عليه بعد الحكم بالحجر:

لا يكون البالغ ناقص الأهلية ممنوعا من التصرف في أمواله إلا بصدور حكم قضائي يقضي بالحجر عليه نصت المادة 107 من قانون الأسرة على أن التصرفات التي تقع أو تصدر من المحجور عليه بعد الحكم تكون باطلة، أما قبل الحكم نميز بين ما إذا ما كانت أيباب الحجر أو العنة أو السفه أو الجنون ظاهرة للغير، حيث لا يرد لدى المتعامل معه أي شك في أنه معلول فتكون التصرفات باطلة أما إذا كانت تصرفاته تظهر للعيان بأنها تصرفات شخص عاقل فتكون صحيحة ومنتجة لأثارها القانونية.

المطلب الثاني: دور القاضي في إجراءات الكفالة

وردت إجراءات الكفالة في القسم السادس من الفصل الأول المعلق بقسم شؤون الأسرة. أما دور القاضي فنستشفه من نص المواد :493 -495 – 497.

لكن قبل التطرق إلى إجراءات الكفالة نعرج أولا على تعريفها الوارد في المادة 116 من قانون الأسرة التي عرفته بأنه : التزام على وجه التبرع بالقيام بولد قاصر من نفقة وتربية، و رعاية قيام الأب بابنه وتتم بعقد شرعي، وأشير في هذا الصدد أن الكفالة قد تكون لولد معلوم النسب وقد يكون لولد مجهول النسب.

الفرع الأول: دور القاضي في الأمر بالكفالة

من التعريف أتفهم آن الكفالة تتم بمجرد عقد وليس حكم قضائي لغياب عنصر النزاع فيه، وبهذا نصت المادة 493 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على أن يفصل القاضي فيه بموجب أمر ولائي، بل ونصت المادة 117 من قانون الأسرة على أي إمكانية أن يتم أمام الموثق.

دور القاضي في مراقبة الشروط الواجب توافرها في الكافل

فحتى يوافق القاضي على إصدار أمر الكفالة عليه أن يتأكد من الشروط الشرعية المطلوبة في الكافل وهذا طبقا لنص المادة 495. وهذه الشروط ذكرتها أو حددتها المادة 118 من قانون الأسرة والتي هي :

1/- أن يكون الكافل عاقلا – مسلما – أهلا للقيام بشؤون المكفول، وقادرا على رعايته.

فإذا ثبت للقاضي عدم توفر إحدى هذه الشروط يرفض طلب الكفالة وله في إطار التأكد من توافر هذه الشروط،، القيان بسماع الكافل، وسماع شهود يحضرهما الكافل في غالب الأحيان، وهذا للتأكد من أخلاقه وقدرته على الإنفاق وذلك بسؤال الشاهدين عن مصدر رزقه الذي يثبته الكافل بالملف بموجب شهادة عمل وكشف الراتب وهذا التحقيق كغيره من إجراءات التحقيق يخضع دائما للسلطة التقديرية للقاضي.

– وقد يحدث وأن يكون الكافل أو طالب الكفالة شخص مغترب فيشك القاضي في إسلامه أو كفاءته أخلاقا، فيفتح في ذلك تحقيقا طبقا لنص المادة425 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية، حيث له اللجوء إلى أية مصلحة مختصة بغرض الاستشارة، والملاحظ كذلك أن المشرع خص إجراء الكفالة خص بجلسة سرية طبقا لنص المادة 496 ولم نعلم الغاية من ذلك مادام أن الكفالة عقد ويتم بمكتب القاضي.

فما هي الغاية من جعلها سرية كجلسة النسب؟

أما بخصوص الأدوات المتبعة في استصدار هذه الرخص و كذا الإجراءات التي يتبعها القاضي في ذلك تتمثل في:

بالنسبة للأطراف المعنية:

إذن بالتصرف في أموال قاصر بالبيع -قانون الأسرة-.

طلب من الولي و في حالة عدم وجوده، تقديم وكالة من عقد الموثق للأم أو العم.

وصل مصاريف

عقد الفريضة أو الهبة أو الوصية

شهادة وفاة المورث في حالة الميراث

شهادة ميلاد الوكيل

شهادة ميلاد القاصر أو القصر

بطاقة الحالة العائلية

نسخة من بطاقة التعريف الوطنية للوكيل و الشهود

وثائق تثبت العقار المنقول موضوع الإذن بالتصرف.

بالنسبة لرئيس المحكمة:

يتصرف في الملف كالتالي:

عرض الملف على وكيل الجمهورية لإبداء الرأي فيه عملا بنص المادة 479 من ق إ م إ

إرفاق الملف بالتماسات النيابة العامة

محضر سماع مقدم الطلب

إصدار أمر إما بالقبول أو الرفض أو الحفظ لعدم حضور الأطراف.

الترخيص بالزواج قبل السن القانوني طبقا للمادة 07 من قانون الأسرة و المادة 480 من ق إ م إ.

بالنسبة للأطراف:

تقديم طلب مرفق يوصل دفع المصاريف القضائية.

شهادة ميلاد المعني – القاصر

شهادة ميلاد الطرف الثاني – الزوج – مع نسخة من بطاقة التعريف الوطنية

شهادة ميلاد الولي مع نسخة عن بطاقة التعريف الوطنية.

شهادة طبية تثبت قدرة و كفالة القاصر على الزواج.

بالنسبة لرئيس المحكمة:

إصدار أمر بعرض الملف على وكيل الجمهورية.

التماسات النيابة العامة.

محضر سماع الأطراف.

إصدار أمر بالقبول أو بالرفض.

رخصة إبرام عقد زواج ثان: طبقا لنص المادة 08 من قانون الأسرة و المادة 426 – 7من ق إ م إ.

بالنسبة للأطراف:

عقد الزواج

شهادة ميلاد الزوج و الزوجة الأولى و الزوجة الثانية مع نسخ عن بطاقة التعريف الوطنية.

محضر إثبات حالة، و هذا ليس في كل الحالات، و إنما في الحالة التي لا تحضر فيها الزوجة إلى المحكمة مثلا: حيث يصدر أمر إلى المحضر القضائي للانتقال إلى مسكن الزوجية و سماع الأولى و التأكد من إبلاغ الزوج لها.

محضر سماع الأطراف

أمر عرض الوثائق على وكيل الجمهورية

التماسات وكيل الجمهورية أي النيابة العامة

أمر رئيس المحكمة

أمر إسناد حضانة قاصر مؤقتا:

طلب الأب أو الأم أو من يرغب في ممارسة الحضانة مع وصل دفع المصاريف.

الأحكام القضائية الصادرة في الموضوع كالحكم برجوع الزوجة إلى مسكن الزوجية.

عقد الزواج.

شهادة ميلاد المحضون أو المحضونين.

بطاقة الحالة العائلية.

محضر إثبات حالة.

محضر سماع الطرف الثاني مثلا الزوج.

بالنسبة لرئيس المحكمة:

يتبع نفس الإجراءات السابقة أما بالنسبة للأمر الذي يصره فقد يكون أمر بالرفض لعدم التأسيس إذا ثبت له أنه سبق و أن أصدر في حق الزوجة حكم بالرجوع إلا أنها لم تنفذه.

عقد الكفالة[54]: طبقا للمواد 116 – 122 من قانون الأسرة و المواد 492 – 497 من ق إ م إ.

بالنسبة للأطراف:

طلب مع وصل دفع المصاريف

شهادة ميلاد الكافلة مع نسخة من بطاقة التعريف الوطنية.

كشف الراتب.

شهادة عمل.

شهادة ميلاد المكفولة.

شهادة ميلاد أم المكفولة مع نسخة عن بطاقة التعريف الوطنية.

تصريح بالكفالة عن الموثق هذا إن سبق الأطراف اللجوء إليه إلا أنه غير ضروري.

نسخة عن بطاقة التعريف الوطنية للشاهدين.

بالنسبة للقاضي:

يجوز يحرر القاضي محضر سماع الكافلة، و أم المكفولة و هذا في حالة ما إذا كان المكفول من أبوين معلومين.

محضر سماع الشهود كتحقيق عن حسن السيرة و السلوك للكافلة.

أمر عرض الملف على وكيل الجمهورية مع إرفاق التماساته المكتوبة.

إصدار الرئيس للأمر.

شهادة كفالة حسب ما لاحظته عمليا لا تكون على القاصر فقط، و إنما حتى على البالغ ككفالة الابن لوالديه و إخوته، و كل الأوامر السابقة يمضي عليها القاضي مصدرها و أمين الضبط و الأطراف المعنية بها.

و الملاحظ كذلك أن القاضي يراقب مدى توافر الوثائق الضرورية بالملف، و ما إذا كان مختص بنظر الدعوى، ففي حالة ما إذا رأى أنه غير مختص محليا مثلا يصدر أمر بالرفض لعدم الاختصاص المحلي، دون عرض الأمر على وكيل الجمهورية لتقديم التماساته.

ويقضي أو يبت القاضي في طلب الكفالة بعد أخد رأي النيابة العامة في الموضوع والتي غالبا ما تكون طلباتها تطبيق قانون ترفقها مكتوبة بالملف. أما المهام المسندة للكافل فذكرت في قانون الأسرة.

الفرع الثاني: دور القاضي في حالة وفاة الكافل و حالة استرجاع الوالدين لابنهما المكفول

حالة وفاة الكافل

تنص المادة 497 على أنه في حالة وفاة الكافل يتعين على ورثته أن يخبروا –دون تأخير- قاضي شؤون الأسرة الذي أمر بالكفالة، وبما أن هذه الفقرة تتضمن إلزام إلى الورثة، فكان يستحسن أن يشير المشرع إلى وجوب ذكر هذا الالتزام في الأمر بالكفالة، وذلك بالتأشير إليه على هامش أو نيل الأمر بالكفالة.

وعليه في هذه الحالة تجمع القاضي الورثة أي يستدعيهم خلال شهر لسماعهم حول ما إذا كانوا يرغبون في الإبقاء عليها أي استمرارها، حيث تعين القاضي أحد الورثة كافلا أو الذي يعرب تبنيه للالتزام بها.

أما في حالة الرفض فقد نصت المادة 497 من الفقرة الأخيرة على أن يقوم القاضي بإنهائها حسب نفس الأشكال المقررة لها. لكن لم يتبين المشرع مصير المكفول في هذه الحالة؟ فلمن تسند مهمة الكفالة في الفترة ما بين وفاة الكافل إلى حين إصدار حكم بإنهائها؟

في هذه الحالة إلى أحكام قانون الأسرة لنص المادة 125 منه التي تنص على حالة التخلي عن الكفالة وحالة وفاة الكافل ورفض الورثة للكفالة، سيسند أمر القاصر إلى الجهة المختصة بالرعاية.

2- دور القاضي في حالة استرجاع الأبوان لابنهما المكفول

نكون في هذه الحالة أمام كفالة ابن معلوم النسب حيث يتنازل عنه والديه لأحد الأشخاص لأحد الأشخاص أو الأقرباء تحت ظرف من الظروف إلا أنه بعد مدة معينة يطلب عودته إلى ولايتهما طبقا لنص المادة 124 من قانون الأسرة، فالكفالة إذن عقد غير مؤبد، ففي هذه الحالة بين ما إذا كان الولد مميزا أو غير مميز، فإذا كان مميز يخير بين بقائه مع الكافل وبين عودته إلى والديه. أما إذا لم يكن مميز فلا خيار له وإنما يتدخل القاضي لتسليمه بموجب إذن منه مراعاة مصلحة المكفول أي إذا كانت مصلحة تقتضي بقاءه مع الكافل فيبقي عليه عنده هذا إذا ارتأى القاضي أن والديه غير أهل لولايته.

الخاتمة

أصل في نهاية هذا العمل، الذي حاولت من خلاله الوصول إلى الطريقة التي يتناول بها القضاة على مستوى المحاكم تنفيذ القواعد الإجرائية التي أتى بها قانون الإجراءات المدنية و الإدارية، فيما يتعلق بقسم شؤون الأسرة. و إن كان يبدو من القراءة الأولى للمواد أن التطبيق الفوري له سهل و بسيط، إلا أنه من الناحية العملية وجدته أمرا مستعصيا، و هذا هو الهدف من تناولي لهذا الموضوع بالدراسة، حيث قصدت من خلاله إبراز أهم الإشكاليات العملية التي تصادف القاضي بمناسبة تطبيقه للأحكام الإجرائية المستحدثة، التي غالبا ما يجتهد القضاة لإيجاد حل لها، مستعينين في ذلك بآراء رؤساء المحاكم و الزملاء القضاة

من محاكم مختلفة و لم يتوقف الإشكال عند القضاة فقط وإنما حتى المحامين يتقدمون باستشارات إلى القضاة بخصوص الإجراءات الجديدة لاسيما منها الأوامر الولائية التي أصبح للقاضي الحق في إصدارها بشأن تقديم الخصوم لبعض الوثائق أو المستندات الرسمية المنتجة في الدعوى طبقا لنص المادة73من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية، حيث يتساءل العديد من المحامين عن الشكل الذي يقدم فيه الطلب، هل بناءا على عريضة افتتاحية أم بناءا على أمر على عريضة، أم طلب عادي مكتوب أم يقدم في الجلسة شفاهة؟؟ و قد خلصت في نهاية الدراسة-التي كانت دراسة استقرائية- إلى الإلمام بالإشكاليات التي يطرحها تنفيذ قاضي شؤون الأسرة لمقتضيات قانون الإجراءات المدنية و الإدارية، و إن كان البعض منها يجد منفذا أو حلا يجعلها قابلة للتطبيق، إلا أن البعض الآخر ليزال مطروحا إلى حين صدور نص تنظيمي يوضحها، لكن الملاحظ أن الإشكاليات التي يطرحها العمل القضائي أكثر من تلك التي يطرحها العمل الولائي، ويمكن تلخيصها كالتالي:

هل يمكن أن يجري القاضي الصلح بوكالة يمنحها الأطراف إلى غيرهم بخصوص الطلاق بإرادة منفردة والخلع؟

هل يمكن الطعن في محضر الصلح من قبل أحد الأطراف أو النيابة العامة؟

هل يؤدي الحكمين اليمين القانونية قبل القيام بمهامهما؟ وما هي القيمة القانونية لمحضر الصلح الذي يحررانه؟

كيف يعين القاضي المساعد الاجتماعي، هل بموجب أمر ولائي و كيف تتحدد مهامه؟

ما هي الشروط و البيانات التي يتقيد بها القاضي في إصدار الإنابة القضائية سواء داخلية أو الدولية.

هل يتقيد القاضي بنتائج الخبرة المتعلقة بإثبات النسب بالطرق العلمية الحديثة نظرا لصحة نتائجها؟

هل القاضي مجبر بإعداد فريضة عندما تعرض عليه بمناسبة قيام نزاع حول التركة، بعد أن كان الموثق هو الذي يقوم بها، أم يمكن له الاستعانة بموثق لإعدادها؟

هل يمكن تصور قيام تنازع في الاختصاص بين رئيس المحكمة و قاضي شؤون الأسرة بخصوص العمل الولائي، و هذا فيما لو تمسك رئيس المحكمة بمقتضيات نص المادة 16 من الأمر رقم05-11؟، وفي هذه الحالة ما هو الحل؟

في هذه الدراسة ركزت على الأوامر التي ذكرها المشرع في الفصل المتعلق بالإجراءات أمام قسم شؤون الأسرة، إلا أن المشرع لم يحصرها في هذا الفصل فقط و إنما بالرجوع إلى المبادئ العامة في قانون الإجراءات المدنية و الإدارية، مثل الأمر بشطب القضية من الجدول مثلا طبقا لنص المادة 219 من نفس القانون.

كل هذه الإشكالات حاولت أن أجد للبعض منها أجوبة أو حلول أما البعض الأخر يبقى في انتظار صدور نص تنظيمي يبين بوضوح ما يشوب هذه الإجراءات من غموض خاصة عندما يتعلق بأمر القاضي الخصوم بإحضار بعض الوثائق، فهل يصدر أمر للزوجة المطلقة الحاضنة التي تتزوج بغير قريب محرم، أن تقدم عقد زواجها مع هذا الرجل حتى تسقط عنها الحضانة؟.

هذا بالإضافة إلى أن المادة 423 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية حددت ضمن الاختصاص النوعي لقاضي شؤون الأسرة حالة الغياب و الفقدان، إلا أنها لم تحدد إجراءاتها، كما أنه لم يسند الوقف إلى قاضي شؤون الأسرة كما فعل المشرع المصري.

أما النيابة العامة فقد حظيت باهتمام بليغ من قبل المشرع عندما يتعلق الأمر بالولاية على نفس و مال القاصر، والترخيص و الترشيد و الكفالة و في حماية البالغين ناقصي الأهلية و النسب، أي كل ما يتعلق بأهمية الأشخاص و النظام العام أين أسند لها المشرع مهمة تقديم طلباتها في هذا الشأن و حضور الجلسات سواء كانت علنية أم سرية، و كذا وجوب عرض الملف عليها لإبداء الرأي عندما يتعلق الأمر بإصدار أوامر ولائية. على غرار إجراءات فك الرابطة الزوجية التي لم يتطرق المشرع إلى ذكرها أو تبيان ذكرها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول ما إذا كانت نية المشرع بهذا الصدد تتجه إلى تفسير نص المادة 03 مكرر من قانون الأسرة، و القول أن النيابة طرف أصلي عندما ينص المشرع صراحة على ذلك؟أم تبقى المادة 03 مكرر النص العام.

تلخيصا للمهام المسندة للنيابة أذكر:

في الولاية على نفس القاصر طبقا لنص المادة 453، تخول للنيابة صلاحية طلب إنهائها أو سحبها، ويتم ذلك بدعوى استعجالية.

كما لها استئناف الأمر الصادر في هذه الدعوى خلال 15 يوم من يوم النطق بها طبقا لنص المادة 456، في الحضانة طبقا لنص المادة 460 للنيابة طلب تعديل إسناد الحضانة.

بالنسبة للولاية على مال القاصر طبقا لنص المادة 465 تقوم النيابة بمراقبة الولاية، إلا أن المشرع لم يبين إجراءات ذلك.

بالنسبة إلى تعيين المقدم طبقا لنص المادة 470 للنيابة تقديم طلب بذلك.

بالنسبة للتقديم طبقا لنص المادة 484 يتلقى القاضي تصريحات المعني بحضور النيابة، كما لها أن تأمر بالتأشير على هامش عقد ميلاد المعني بسجلات الحالة المدنية بمنطوق الأمر القاضي بافتتاح أو تعديل أو رفع التقديم.

بالنسبة لدعوى النسب طبقا لنص المادة 491 تحضر النيابة الجلسة السرية.

بالنسبة للكفالة طبقا لنص المادتين 494 و496 يتم أخذ رأي ممثل النيابة العامة بخصوص طلبات الكفالة و إلغائها و يكون ذلك في غرفة المشورة أي في جلسة سرية.

أشير بهذا الصدد أن المشرع لم يجعل للنيابة دور بخصوص منازعات التركة، رغم تعلقها كذلك بالنظام العام، خاصة إذا تنازع شخصان حول تركة إنسان حي، أفلا تتدخل النيابة، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل عن الأساس أو المعيار الذي على أساسه اعتبر المشرع النيابة طرفا في الدعوى؟

[1] نبيل إسماعيل عمر: الأوامر على عرائض و نظامها القانوني في قانون المرافعات المدنية و التجارية، كلية الحقوق 2007 جامعة الإسكندرية، ص: 15.

[2] نفس المرجع، ص: 10.

[3] نفس المرجع، ص: 28.

[4] أمينة مصطفى النمر: أوامر الأداء في مصر والدول العربية والأجنبية، دار المطبوعات الجامعية 1989، الإسكندرية، ص: 30.

[5]– نشرة القضاة: العدد 64 – الجزء الأول – مديرية الدراسات القانونية و الوثائق، ص: 299.

2- نشرة القضاة: نفس المرجع، ص: 252.

[7] المستشار: عبد الرحيم إسماعيل زيتون و الدكتور صلاح الدين جمال: الجديد في قضاء التنفيذ و قضاء الأمور المستعجلة و الإعلانات القضائية 2007، دار الكتب القانونية، مصر، ص 145، 146.

[8] أنظر الملحق رقم: 01.

[9] أنظر الملحق رقم: 02.

[10] زودة أعمر: طبيعة الأحكام بإنهاء الرابطة الزوجية و آثار الطعن فيها، الإيداع القانوني 2003- 1113، ص ص: 27 – 28.

[11] ملحق رقم: 03.

[12] محكمة سكيكدة، نص شؤون الأسرة، الفرع الأول: جلسة صلح.

[13] أنظر الملحق رقم :04.

[14] المجلس قضاء أدرار، محكمة أدرار، قسم شؤون الأسرة: فترة التربص ما بين شهر جانفي وأفريل من سنة 2008.

[15] مجلس قضاء أدرار، رئيس محكمة أدرار، فترة التربص: جانفي – أفريل 2009.

[16] د. محمد علي سويلم: شرح قانون محكمة الأسرة، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، ص ص: 49 – 50.

[17] معوض عبد التواب: المستحدث في قضاء الأحوال الشخصية، ص: 119.

[18]– محمد عوض عبد التواب، مرجع سابق، ص:121.

[19]– محمود توفيق اسكندر:الخبرة القضائية، دار هومه، سنة النشر غير مذكورة، الجزائر، ص:7.

[20] – ملحق رقم: 05.

[21] – ملحق رقم: 05.

[22] فضل آدم المسيري: الإنابة القضائية في المسائل المدنية و التجارية، ص: 24.

[23] – فضل آدم المسيري: مرجع سابق، ص: 99.

[24] فضل آدم المسيري: مرجع سابق، ص: 99.

[25] ملحق رقم: 06.

[26] ملحق رقم: 07.

[27] ملحق رقم: 08.

[28]– خليفة علي الكعبي: البصمة الوراثية وأثرها على الأحكام الفقهية، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، ص: 198.

[29]– نفس المرجع السابق ص: 201-202.

[30] – د/ محمد محدة: التركات و المواريث، دراسة مدعمة بالقرارات و الأحكام القضائية، دار الفجر للنشر و التوزيع، 2004، القاهرة، ص: 10.

[31] محمد محده: مرجع سابق، ص: 55.

[32] ملحق رقم:09.

[33] د.محمد علي سويلم: شرح قانون محكمة الأسرة، 2006 ، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية- مصر، ص:118.

[34] أحمد نصر الجندي: النفقات و الحضانة و الولاية على المال في الفقه المالكي، 2006، دار الكتب القانونية، مصر، ص:201.

[35] د.محمد علي سويلم، المرجع السابق، ص:118.

[36] نفس المرجع السابق، ص:189.

[37]– أحمد نصر الجندي: المرجع السابق، ص:204.

[38]– د.محمد علي سويلم: المرجع السابق، ص:189.

[39]– أحمد نصر الجندي: المرجع السابق، ص:213.

[40]– نفس المرجع السابق، ص ص:213-116.

[41]– د.محمد علي سويلم: مرجع سابق، ص:189.

[42] – د.محمد علي سويلم: مرجع سابق، ص:189.

[43] – أحمد نصر الجندي: مرجع سابق، ص ص:230،229،227.

[44] أحمد نصر الجندي: نفس المرجع، ص ص: 236، 237.

[45]– ماجدة مصطفى شبانه: النيابة القانونية دراسة في القانون المدني و قانون الولاية على المال مع التركيز على تطبيقات الشهر العقاري في ضوء أحدث أحداث النقض، 2004، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية-مصر، ص ص: 103، 104.

[46] المرجع نفسه، ص:103.

[47] – المرجع نفسه، ص ص: 116، 118.

[48] ملحق رقم:10.

[49] ملحق رقم: 11.

[50]– أحمد نصر الجندي: نفس المرجع ،ص:253.

[51] أحمد نصر الجندي: نفس المرجع، ص: 203.

[52] أحمد نصر الجندي: نفس المرجع، ص ص:256- 277.

[53] – مقدم مبروك: رئيس محكمة سكيكدة.

[54] ملحق رقم: 12.