القضاء التجاري / عقود مقاولات
رقم القضية: 175 / 1 / ق لعام 1409 هـ
رقم الحكم الابتدائي: 57 / د / تج / 3 لعام 1414 هـ
رقم حكم التدقيق: 3 / ت / 4 لعام 1416 هـ
تاريخ الجلسة: 9 / 1 / 1416 هـ
الموضوعات
عقد تجاري , عقد مقاولة إنشاء طرق, مقاولة من الباطن , التزامات عقدية , علاقة المقاول من الباطن بالمقاول الرئيس وصاحبة المشروع , مخالصة نهائية , إبراء , إبراء معلق على شرط , مفهوم المخالفة , إقرار جزئي, حكم غيابي
الملخص
مطالبة المدعية بصفتها مقاولاً من الباطن المدعى عليها بباقي مستحقاتها عن أعمال التخريم والتحفير الصخري في مشروع السفلتة المؤقتة لشوارع بلدية شمال الرياض، والذي رست مقاولته على المدعى عليها – أصدرت الدائرة حكماً غيابياً ضد المدعى عليها يقضي بإلزامها بدفع المبلغ محل المطالبة – اعتراض المدعى عليها أمام الدائرة على هذا الحكم في الميعاد المحدد نظاماً لقبول الاعتراض – أقرت المدعى عليها بصحة المبلغ الذي تطالب به المدعية، ودفعت بوجود مخالصة نهائية مع المدعية، نصت على أن الأعمال الإضافية التي قامت بها المدعية تصرف لها حال اعتمادها من صاحبة المشروع، وصرف مبالغها للمدعى عليها، كما دفعت بارتباط علاقة المقاول من الباطن عقدياً بعقد المقاول الرئيس مع صاحبة المشروع، وأن صاحبة المشروع لم تقم بصرف قيمة هذه الأعمال لها حتى الآن – عدم اعتداد الدائرة بالمخالصة النهائية بين الطرفين في امتناع المدعى عليها عن بذل حق المدعية – الحقوق والديون المتعلقة بذمة الشخص لا تنقضي إلا بالوفاء أو الإبراء، والتنازل عن الحقوق يجب أن يكون قاطعاً لا يحتمل غيره، صادراً ممن يملكه، خالٍ من عيوب الإدارة – عدم صحة الإبراء المعلق على شرط – المخالصة التي تحتج بها المدعى عليها ليست قاطعة في إبرائها، وجاءت معلقة على شرط الإبراء، والتنازل الوارد في المخالصة جاء بصيغة مفهوم المخالفة، وهو مفهوم لا يُحتج به إذا عارضه ما هو أرجح منه، وقد عُورض بالأدلة القاطعة على وجوب الوفاء بالحقوق – حقوق والتزامات المقاول من الباطن تحكمها نصوص العقد الموقَّع بينه وبين المقاول الرئيس، وليس نصوص العقود الموقَّعة بين المقاول الرئيس وصاحبة المشروع – أحقية المدعية في قيمة الأعمال التي نفَّذتها. مؤدى ذلك: إلزام المدعى عليها بدفع المتبقي من مستحقات المدعية.
الوقائع
تتلخص وقائع هذه القضية في أنه بتاريخ 7/2/1409هـ أقامت المؤسسة المدعية هذه الدعوى بإيداعها صحيفة الدعوى لدى الديوان، التي قيدت قضية برقم (175 / 1 / ق لعام 1409هـ)، طالبت فيها بإلزام المدعى عليها بأن تدفع لها مبلغاً وقدره (58/1.369.108) مليون وثلاثمائة وتسعة وستون ألفاً ومائة وثمانية ريالات وثمان وخمسون هللة، وبإحالة القضية إلى هذه الدائرة باشرت نظرها وأبلغت المدعى عليها بالدعوى، إلا إنها لم تحضر في أي من الجلسات مع أنه تم إبلاغها بموعد الجلسات عن طريق الجهات المختصة، الأمر الذي قررت معه الدائرة نظر الدعوى غيابيًّا، وحددت لذلك جلسة يوم السبت 9/2/1414هـ ، وفيها حضر عن المؤسسة المدعية وكيلها ….. بموجب الوكالة رقم (…) وتاريخ 14/3/1409 الصادرة من كتابة العدل بالرياض، وبسؤاله عن دعواه أجاب قائلاً بأنه بتاريخ 7/2/1403هـ اتفقت موكلته مع المدعى عليها مؤسسة…..، على أن تقوم موكلته بأعمال التخريم والتفجير في مشروع السلفتة المؤقتة لشوارع مدينة الرياض الذي تقوم بتنفيذه المدعى عليها لحساب أمانة مدينة الرياض، وبعد أن أتمت موكلته تنفيذ جميع الأعمال موضوع العقد، تم تحرير محضر استلام بها، جاء فيه أنه تم تنفيذ الأعمال على أكمل وجه دون تأخير طبقاً للشروط والمواصفات، وأن قيمة الأعمال المنفَّذة تبلغ (58/4.469.108) ريالات، وأضاف وكيل المدعية بأنه وبعد ذلك فإن المدعى عليها لم تدفع كامل مستحقات موكلته، إذ بقي في ذمتها مبلغاً قدره (58/1.369.108) ريالات، يحسم منه مبلغ (85.000) ريال أجرة الدقاق، ومبلغ (286.404) ريالات قيمة زيوت و(كفرات) مستحقة للمدعى عليها، ليصبح المبلغ المطالب به تسعمائة وسبعة وتسعون ألفاً وسبعمائة وأربعة ريالات وثمان وخمسون هللة (58/997.704) ، وانتهى وكيل المدعية إلى المطالبة بإلزام المدعى عليها بهذا المبلغ. وبجلسة يوم السبت 8/3/1410هـ أصدرت الدائرة حكمها رقم (34 / د / تج / 3 لعام 1410هـ) غيابيًّا بإلزام المدعى عليها مؤسسة ….. بأن تدفع للمدعية مؤسسة ….. مبلغاً وقدره (58/997.704) تسعمائة وسبعة وتسعون ألفاً وسبعمائة وأربعة ريالات وثمان وخمسون هللة، وذلك على النحو المفصل بأسباب الحكم، وبجلسة يوم السبت 22/7/1410هـ قررت الدائرة قبول اعتراض المدعى عليها على الحكم شكلاً، وفتح باب المرافعة في القضية، وتحديد جلسة يوم الأربعاء 9/9/1410هـ موعداً لنظرها، وفي هذه الجلسة حضر وكيل المدعية مؤسسة ….. ، وحضر عن المدعى عليها ….. بموجب وكالة رقم (… ) وتاريخ 7/9/1410هـ ، الصادرة من كتابة العدل بمحافظة خميس مشيط، وأجاب على دعوى المدعية قائلاً: بأنه لم يبق من قيمة الأعمال التي نفَّذتها المؤسسة المدعية إلا مبلغ (58/928.108) تسعمائة وثمانية وعشرين ألفاً ومائة وثمانية ريالات وثمان وخمسين هللة، وأما بقية قيمة الأعمال فقد استلمتها المدعية، وليس كما تدعي، وصدر الحكم بأن بقية القيمة هي (58/997.704) ، لأن المدعية سبق أن استلمت من موكلتي مبلغ خمسين ألف ريال عن طريق وكيلها، ومبلغ تسعة عشر ألف ريال سلمت عن طريق المفوض من قبل المدعية باستلام المبلغ، وأضاف وكيل المدعى عليها بأن بقية مستحقات المدعية هي مبلغ (58/928.108) ريال مقسمة على النحو التالي: مبلغ مائة وستة عشر ألفاً وثمانمائة وثمانية وثمانين ريالاً وثمان وثلاثين هللة (38/116.880) ، وموكلتي مستعدة بأداء هذا المبلغ للمدعية، ولا تنكر استحقاقها له، وعلى المدعي وكالة مراجعة موكلتي لاستلام هذا المبلغ. وأما بقية المبلغ وقدره ثمانمائة وأحد عشر ألفاً وثمانمائة وثمانية وثلاثون ألفاً وسبعون هللة (70/811.838) ، فإن موكلتي لا تقر بهذا المبلغ، ولا بأحقية المدعية فيه، ذلك أن المقابل لهذا المبلغ هي أعمال إضافية مقدارها (15/45.102 م2) لم تعتمدها لنا أمانة مدينة الرياض صاحبة المشروع، ولم تصرف لنا مقابلها، على الرغم من مطالبتها بذلك إدارياً وقضائياً، ومن ثَمَّ فإنه لا يمكن صرفها للمدعية طبقاً للعقد المبرم مع المدعية، والمتضمِّن أن جميع الحقوق والالتزامات التي بين المقاول الرئيس وأمانة مدينة الرياض تنصب على المقاول من الباطن – المدعية – ، إضافة إلى أن القواعد العامة وقواعد العدالة تؤكد أنه ما دامت قيمة هذه الكميات لم تصرف للمقاول الرئيس فلا يحق للمدعية المطالبة بها، إلا في حالة صرفها من الأمانة، وأضاف وكيل المدعى عليها بأنه تم توقيع اتفاق مع المدعية بتاريخ 23/6/1414هـ عبارة عن تصفية نهائية بين الطرفين، وقد تضمَّنت هذه المخالصة ما نصه: (إنه بعد تصفية كامل الحسابات والتصفيات وتدقيق جميع الوثائق المعتمدة، انتهت الحسابات بالصيغة التالية: المستحقات حتى نهاية المستخلص رقم (13) الختامي، هي مبلغ وقدره (38/2.172.292) ريالاً، وحيث إن هناك كميات نفذت ولم تعتمد من قبل الأمانة، فقد حصرت الكميات المنفَّذة من قبل الطرف الثاني – المدعية – لهذا الجزء من العمل وكانت كالتالي: تفجيرات صخرية (45.102.15 م2) ، وعليه فإنه في حالة اعتماد هذه الكميات وصرفها للطرف الأول – المدعى عليها – ، تصرف للطرف الثاني – المدعية – على الفور. وبهذا تكون هذه التصفية هي الوثيقة الوحيدة النهائية، ولا ينظر لأي وثائق قبلها أو بعدها، ما عدا العقد، وعليه جرى التوقيع من قبل الطرفين بالقبول)، وأضاف وكيل المدعى عليها بأنه طبقاً لهذه الوثيقة لا يحق للمدعية المطالبة بقيمة هذه الكميات إلا في حالة صرفها من الأمانة، وعقَّب وكيل المدعية على إجابة وكيل المدعى عليها قائلاً: بأن موكلته تقر باستلام مبلغ وقدره تسعة عشر ألف ريال من المدعى عليها، وأما مبلغ الخمسين ألف ريال فإن موكلته لم تستلم هذا المبلغ من المدعى عليها، وهذا المبلغ صرفته المدعى عليها للمدعو … على سبيل القرض له، وقد أقر المذكور بذلك في جلسة يوم الاثنين الموافق 4/4/1411هـ ، وأضاف بأن العقد مع المدعى عليها لا يتضمَّن أن تتحمل موكلته أي التزامات أو حقوق ناشئة عن عقد المدعى عليها مع الجهة صاحبة المشروع، ولذا فإن حقوق موكلته تستحق بناءً على عقدها مع المدعى عليها، وبناءً على الكميات التي نفَّذتها وسلمتها للمدعى عليها وأقرت بسلامة التنفيذ واعتمدت الكميات، وأضاف بأن المخالصة التي قدمتها المدعى عليها باطلة، لأنه بنيت على تغرير وتدليس على موكلته، وعباراتها ناقصة، وتحتمل أكثر من معنى، حيث نُصَّ فيها على أنه: (….. وعليه فإنه في حالة اعتماد هذه الكميات وصرفها للطرف الأول تصرف للطرف الثاني حالاً … إلخ)، والذي يفهم منها أنها مجرد انتظار موكلته بعض الوقت لحين صرف الأمانة تلك المبالغ، وليس المقصود إضاعة حق موكلته وإسقاطه، وإلا كان ينبغي أن تستكمل العبارة بأنه في حالة عدم اعتماد هذه الكميات، وعدم صرفها للطرف الأول، لن تصرف للطرف الثاني، لتحدد بذلك الالتزامات والنتائج المترتبة على هذه المخالصة على وجه الدقة والتيقن، وأضاف بأن الثابت أن استشاري المشروع قد حصر كميات بند الحفريات الصخرية وبلغت (609.857 م2) ، واعتمدتها الأمانة، وصرفت قيمتها للمدعى عليها، وقد بلغت هذه القيمة أكثر من ثمانية عشر مليون ريال، مع أن الكميات المنصوص عليها في جدول الكميات الملحق بالعقد مع الأمانة هي مائتا ألف متر مكعب فقط، ومن ذلك يتضح أن كامل الأعمال الإضافية في هذا البند قد صرفت، لأن الزيادة في الأعمال تجاوز ثلاثة أضعاف المنصوص عليها في جداول الكميات، والمدعى عليها في دعواها ضد الأمانة طالبت بإلزام الأمانة بقيمة الأعمال الإضافية التي حصرها الاستشاري، ولم ترفضها الأمانة، والاستشاري كما سبق بيانه حصر كامل أعمال الحفر الصخري، وانتهى وكيل المدعية إلى المطالبة بإلزام المدعى عليها بأن تدفع لموكلته مبلغ (46/978.704) ريالات، وقد كتب الديوان إلى أمانة مدينة الرياض للإفادة عن كميات الحفر الصخري في المشروع، وهل تمت محاسبة المدعى عليها عن جميع هذه الكميات، ومقدار ما صرف لها من ذلك، وموافاة الديوان بصورة من العقد المبرم بين الأمانة والمدعى عليها لتنفيذ المشروع، فوردت إجابة الأمانة بخطابها رقم (…) وتاريخ 15/10/1411هـ ، وفيه أنه طبقاً للمستخلص الختامي المرفق صورة منه فإن الكميات الواردة بهذا المستخلص وقدرها (35/609.857 م2) هي الكميات النهائية التي تم محاسبة المقاول الرئيس عنها، وقيمتها الإجمالية هي مبلغ وقدره (50/18.295.720) ريالاً، وهي كميات تقل عن الكميات التي طالب المقاول محاسبته عليها، وأضافت الأمانة بأن العقد المبرم بين المقاول الرئيس والمقاول الباطن لا يتم اطلاعها عليه، ومن ثَمَّ لا يمكنها التعرف على بنوده أو التزامات كل جانب تجاه الآخر، كما زودت الأمانة الديوان بصورة من العقد المبرم بينها وبين المدعى عليها، بخطابها المؤرخ في 17/6/1412هـ . وبجلسة الاثنين 4/4/1411هـ تنازل وكيل المدعى عليها عن الدفع الذي أبداه بشأن مبلغ الخمسين ألف ريال، وأقر بأحقية المدعية بالمبلغ، واستعد بأدائه بعد أن أقر المدعو….. بأن المبلغ المذكور في ذمته، وأجاب وكيل المدعى عليها على ما ذكره وكيل المدعية بشأن المخالصة، بأن المدعي أصالة صاحب المؤسسة….. وقَّع على المخالصة بكامل أهليته، وبحضور فنيين ومهندسين ومحاسبين من الطرفين، وبقناعة بأنه وقَّعها بعد إكمال الحصر والتدقيق وإنهاء الحسابات، وأضاف بأنه لا مطعن على هذه المخالصة من حيث الشكل أو المضمون، ولا مانع لدى موكلته من دفع قيمة الأعمال الواردة فيها إذا قامت الأمانة بصرفها، ونظراً لأن الأمانة قد اعتمدت للمدعى عليها كميات أعمال الحفر الصخري بمقدار يفوق المنصوص عليها في جداول الكميات، وبقيمة أكثر من ثمانية عشر مليون ريال، مع أن القيمة المقررة لذلك البند هي ستة ملايين ريال، فقد طلبت الدائرة من المدعى عليها إثبات أن هناك كميات من أعمال المدعية لم تعتمدها الأمانة، ولم تحاسبها عنها، حسبما تدعيه، فذكر وكيل المدعى عليها بأنه يدل على هذا ويثبته خطاب أمانة مدينة الرياض الموجه إلى الديوان والمتضمِّن (أن الكميات المدفوعة قيمتها تقل عن الكميات التي طالب المقاول محاسبته عنها)، كما أن المخالصة التي وقَّعها صاحب المؤسسة المدعية بتاريخ 23/6/1404هـ ، وهو بكامل الأهلية المعتبرة شرعاً، نُصَّ فيها على أنه (وبعد أن تم حصر الكميات المنفَّذة من قبل الطرف الثاني، وجد أن هناك كميات زائدة نفذت ولم تعتمد من قبل الأمانة، فقد حصرت الكميات المنفَّذة من قبل الطرف الثاني لهذا الجزء من العمل وكانت كالتالي … إلخ). كما قدم وكيل المدعى عليها – لإثبات أن هناك أعمالاً إضافية في بند الحفريات الصخرية لم تعتمدها الأمانة – صوراً من المذكرة الداخلية لرئيس قسم الطرق بالأمانة برقم (…) وتاريخ 13/6/1404هـ ، الموجهة إلى مدير الإدارة القانونية بالأمانة، والتي تتضمَّن: (أن الأعمال الزائدة التي تطالب المدعى عليها باحتساب قيمتها هي أعمال ترابية من قطع صخري، وأعمال حفر وردم واستعارة، وتبلغ كمية هذه الأعمال الزائدة حسب تقدير الاستشاري ما قيمته (2.736.182) ريالاً، أي نسبة خمسة في المائة تقريباً من قيمة العقد الأصلي، ولم يعمَّد المقاول بهذه الكميات الزائدة استقلالاً، لعدم رغبة الأمانة بتكليفه بأي أعمال إضافية زيادة على عقده … إلخ). وبناءً على طلب وكيل المدعية فقد تم إرفاق صورة من قرار الدائرة الإدارية رقم (2 / د / إ / 2 لعام 1408هـ) في القضية رقم (1237 / 1 / ق لعام 1406هـ) المقامة من المدعى عليها ضد أمانة مدينة الرياض، وحكم هيئة التدقيق رقم (68 / ت / 1 لعام 1408هـ) الصادر في القضية الذي قضى بنقض الفقرة الأولى من حكم الدائرة الإدارية الثانية المذكور، ورفض الدعوى، وكانت المدعى عليها أقامت هذه الدعوى ضد الأمانة للمطالبة بإلزام الأمانة بأن تدفع لها مبلغاً وقدره (4.236.182) ريالاً مقابل الأعمال الزائدة على كميات المشروع، إضافة إلى مبلغ أربعمائة ألف ريال قيمة السيارات التي أمَّنتها المدعى عليها للمشروع، وسلمتها لمهندسي الأمانة، وبعد أن قرر طرفا الدعوى اكتفاءهما بما قدماه من أقوال ومذكرات أصدرت الدائرة حكمها بناءً على الأسباب التالية:
الأسباب
الثابت من وقائع القضية وما قدمه وكيل المدعية ووكيل المدعى عليها يتضح أنه بتاريخ 24/1/1403هـ تم توقيع عقد بين مؤسسة….. للتجارة والمقاولة، ومؤسسة ….. للمقاولات، تقوم بموجبه المدعية بتنفيذ أعمال التخريم والتفجير الصخري بمشروع السفلتة المؤقتة لشوارع بلدية الرياض، ونص في المادة الأولى منه على أن: (كمية الصخور تقدر بثمانين ألف متر مكعب، وكذلك فإن الكميات الفعلية يتم تكييلها وحسابها بواسطة مهندس الطرفين، حسب القطاعات الخاصة بالتصميم والمعتمدة من الاستشاري) ونص في المادة الثانية على أن: (وحدة الأسعار لأعمال التخريم والتفجير تساوي ثمانية عشر ريالاً، لكل متر مكعب من الصخور المفجرة) كما نَصَّ في مادته الرابعة على أنه: (وافقت المدعى عليها على أن تدفع للمدعية قيمة الأعمال المنفَّذة الفعلية، وخلال مدة عشر أيام من تاريخ استلام المدعى عليها المستخلص الشهري للمشروع من الأمانة، بعد خصم عشرة في المائة من قيمة المستخلص ضماناً لإكمال الأعمال)، كما أنه بتاريخ 25/8/1403هـ استلمت المدعية الأعمال التي نفَّذتها المدعى عليها استلاماً ابتدائياً، وحرر محضر بذلك، نُصَّ فيه على أنه بعد الحصر المبدئي، وطبقاً للعقد المبرم بين المدعى عليها ومقاول الباطن – المدعية – تبين للجنة أن المقاول قد أنهى أعماله على أكمل وجه، وبدون تأخير في الفترة الزمنية المتفق عليها، وأن تنفيذ الأعمال تم طبقاً للشروط والمواصفات الموضوعة من قبل أمانة مدينة الرياض، وطبقاً للشروط الخاصة بالمشروع، وحددت اللجنة أنه لا مانع من استلام الأعمال المنهاة مبدئياً، كما نُصَّ في هذا المحضر على أن قيمة الأعمال المنفَّذة هي (58/4.469.108) أربعة ملايين وأربعمائة وتسعة وستون ألفاً ومائة وثمانية ريالات وثمانية وخمسون هللة. وبتاريخ 23/6/1404هـ تم عمل تصفية نهائية بين الطرفين: الطرف الأول: المدعى عليها، الطرف الثاني: المدعية، ونص فيه على أنه بعد تصفية كامل الحسابات والتصفيات، وتدقيق جميع الوثائق المعتمدة، انتهت الحسابات بالصيغة التالية: (مستحقات حتى نهاية مستخلص رقم (13) الختامي مبلغ وقدره (38/2.172.222) ريالاً، وحيث إن هناك كميات نفذت ولم تعتمد من قبل الأمانة، فقد حصرت الكميات المنفَّذة من قبل الطرف الثاني لهذا الجزء من العمل، وكانت كالتالي: تفجيرات صخرية (15/45.102 م2) ، وعليه فإنه في حالة اعتماد هذه الكميات وصرفها للطرف الأول، تصرف للطرف الثاني حالاً، وبهذا تكون هذه التصفية هي الوثيقة الوحيدة النهائية، ولا ينظر لأي وثائق قبلها أو بعدها، ما عدا العقد، وعليه جرى التوقيع من قبل الطرفين بالقبول. أهـ)، وحيث إن المدعى عليها تمتنع عن الوفاء بقيمة هذه الأعمال، استناداً إلى هذه المخالصة، وتقرر أنه إذا قامت أمانة مدينة الرياض بصرف قيمة هذه الأعمال لها فإنها ستقوم بصرفها للمدعية، وحيث إنه بالنظر في مدى حجية هذه المخالصة، فإن من المقرر أن الحقوق والديون التي تتعلق بذمة الشخص لا تنقضي إلا بالوفاء أو الإبراء، فتبقى ذمة الشخص مشغولة بهذا الدين حتى يوفيه للدائن أو يبرئه من ذلك الدين فيسقط عنه، وحيث إنه بخصوص هذه القضية فإنه لما كانت المدعى عليها لم تفِ بحق المدعية مقابل الأعمال التي نفَّذتها في المشروع واستلمتها من المدعية، فتبقى ذمتها منشغلة بما يجب أداؤه، ما لم يكن هناك إبراء من المدعية عن هذا الحق، وحيث إن استناد المدعى عليها في عدم الوفاء بحق المدعية إلى المخالصة المذكورة، واحتجاجها بأن صاحب المؤسسة المدعية قد وافق على عدم مطالبتها به إلا إذا قامت الأمانة بصرف قيمة الأعمال … إلخ، وفي ذلك إبراء من هذا الحق ما دامت الأمانة لم تصرف المستحقات عن الأعمال، فإن احتجاجها بهذه المخالصة وامتناعها عن أداء حق المدعية غير صحيح، ذلك أنه من المقرر أن الإبراء والتنازل عن الحقوق يجب أن يكون قاطعاً لا يحتمل غيره، صادراً ممن يملكه، غير مشوب بإكراه أو تدليس، ذلك أن الإبراء في حقيقته نزول وإسقاط للحق دون مقابل أو عوض، لذا فإنه لا تقبل دعوى الإبراء إلا إذا كان قاطعاً ليس فيه شك، كما أنه من المقرر أيضا أن الإبراء المعلق على شرط لا يصح، وقد نَصَّ الفقهاء – رحمهم الله – على ذلك، فقال في شرح المنتهى (جـ 2 صـ 521): (ولا يصح الإبراء ونحوه إن علقه صاحب دين بشرط، نصًّا، في إن متَّ – بفتح التاء – فانت في حل …..، ويصح منجزاً ولو جهل صاحب الدين قدره وصفته كالأجنبي، لا إن علمه مدين فقط، وكتمه عن صاحب دين خوفاً من أنه إن علمه صاحب الدين لم يبرئه منه، فلا يصح الإبراء منه، لأنه هضم للحق، وهو إذاً كالمكره، لأنه غير متمكن من المطالبة والخصومة به. أ هـ). وحيث إنه وتطبيقاً لهذه القواعد على القضية الماثلة، فإنه بالرجوع إلى نص المخالصة التي تستند إليها المدعى عليها، يتبين للدائرة أنها غير قاطعة بإبراء المدعى عليها، حيث نُصَّ فيها على أنه: (… في حالة اعتماد هذه الكميات وصرفها للطرف الأول تصرف للطرف الثاني حالاً، وبهذا تكون هذه التصفية هي الوثيقة الوحيدة … إلخ)، إذ تحتمل أنه في حالة عدم اعتماد الكميات لا تصرف حالاً، وإنما تكون مؤجلة، والإبراء كما سبق القول يجب أن يكون قاطعاً به، كما أن الإبراء الوارد في المخالصة جاء معلقاً على عدم اعتماد الأمانة للكميات المنفَّذة، وصرف قيمتها، فهو معلق على شرط، والإبراء المعلق على شرط غير صحيح كما سبقت الإشارة إليه، كما أن الإبراء والتنازل الوارد في المخالصة جاء بصيغة المفهوم المخالف: (… فإنه في حالة اعتماد هذه الكميات، وصرفها للطرف الأول، تصرف للطرف الثاني حالاً، وبهذا تكون التصفية هي الوثيقة الوحيدة … إلخ). والمفهوم المخالف له أنه إذا لم تعتمد الأمانة هذه الكميات وتصرفها للطرف الأول فلا تصرف للطرف الثاني، وحيث من المقرر أن مفهوم المخالفة لا يعتد به إذا عارضه ما هو أرجح منه، فإن عارضه دليل أقوى منه وجب العمل به واطراح المفهوم، وحيث إن المفهوم الوارد في المخالصة معارض بالأدلة الصريحة القاطعة بوجوب الوفاء بالحقوق وأداء الديون، ومن ثَمَّ فإنه يجب اطراح هذا المفهوم وما تضمَّنه من إبراء للمدعى عليها من أداء الدين، وحيث إنه وبناءً على ما تقدم فإن الدائرة تنتهي إلى عدم صحة هذه المخالصة، وعدم اعتبارها مسقطة لحق المدعية قِبَل المدعى عليها، ولا يغير من ذلك ما ذكره وكيل المدعى عليها من أن موكلته لم تصرف حق المدعية، لأن الأمانة لم تصرفه، استناداً للعقد المبرم مع المدعية، المتضمِّن أن جميع الحقوق والالتزامات بين المقاول الرئيس والأمانة تنصب على المقاول من الباطن … إلخ، لأن هذا العقد لم يتضمَّن أي نص أو شهادة بما يفيد التزام المدعية بالعقد الأساسي المبرم بين المدعى عليها والأمانة، وبما تضمَّنه من جداول للكميات، وليس هناك أي نص يربط صرف استحقاق المدعية بما تصرفه الأمانة للمدعى عليها، وإذا كانت المدعية نفَّذت أعمالاً زائدة على المنصوص عليه في جداول الكميات، فليس ذلك من مسؤوليتها، لأن عقدها مع المدعى عليها لم يتضمَّن كمية محددة من الأعمال لا تجوز الزيادة عليها، وإنما هي تقريبية، وتنفيذ المدعية لتلك الأعمال الزائدة مطابق للعقد، وبموافقة المدعى عليها، ولم تكن المدعية مخطئة أو متجاوزة في تنفيذ هذه الأعمال، حتى يمكن القول بعدم استحقاقها لقيمة هذه الأعمال، وفضلاً عن ذلك فإن الأمانة قد اعتمدت للمدعى عليها في خصوص أعمال الحفر الصخري أعمالاً إضافية كثيرة جداً تفوق ضعف المنصوص عليها في العقد، وبقيمة أكثر من ثمانية عشر مليون ريال، ولم تقتصر الأمانة على اعتماد وصرف الكميات المنصوص عليها في العقد، الأمر الذي تنتهي معه الدائرة إلى أحقية المدعية في مطالبتها بقيمة الأعمال التي نفَّذتها، وحيث إن المدعى عليها لا تنكر استحقاق المدعية لمبلغ (30/166.800) مائة وستة وستين ألفاً وثمانمائة وثمانين ريالاً وثلاثين هللة، فيلزمها أداء هذا المبلغ لإقرارها به.
ولهذه الأسباب حكمت الدائرة: بإلزام مؤسسة ….. للتجارة والمقاولات بأن تدفع للمدعية مؤسسة ….. للمقاولات مبلغاً وقدره (46/978.704) تسعمائة وثمانية وسبعون ألفاً وسبعمائة وأربعة ريالات وست وأربعون هللة.
والله الموفِّق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
هيئة التدقيق
حكمت الهيئة: بتأييد الحكم رقم (57 / د / تج / 3 لعام 1414 هـ) الصادر في القضية رقم (175 / 1 / ق لعام 1409هـ) فيما انتهى إليه من قضاء.
والله الموفِّق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.