القضاء التجاري / المكتبة القانونية تصفّح المكتبة
تعريف الفسخ
فسخ العقد هو حل الرابطة العقدية بناء على طلب احد طرفي العقد إذا اخل الطرف الأخر بالتزامه فالفسخ جزاء إخلال العاقد بالتزامه ليتحرر العاقد الأخر نهائيا ن الالتزامات التي يفرضها عليه العقد
ويعرف أيضا انه حق المتعاقد في حل الرابطة العقدية إذا لم يوف المتعاقد الأخر بالتزامه حتى يتحرر بدوره من الالتزامات التي تحملها بموجب العقد محل الفسخ
تمييز الفسخ عن الأنظمة المشابهة
المطلب الأول
تمييز الفسخ عن البطلان
البطلان هو الجزاء الذي يترتب على تخلف ركن من أركان العقد وعلى اختلاله ،أما الفسخ فهو حل الرابطة العقدية بسبب عدم تنفيذ احد المتعاقدين لالتزامه
فيظهر أول اختلاف من حيث السبب فيرجع سبب الفسخ لعدم تنفيذ احد المتعاقدين التزامه ويكون فى الغالب راجع الى المدين نفسه او الى السبب الاجنبى ، أما سبب البطلان فانه لا يعود الى عدم التنفيذ بل يرجع الى تخلف احد أركان العقد
كما يختلف الفسخ عن البطلان فى أن الفسخ لا يكون إلا فى العقود الملزمة للجانبين بعد أن يكون قد نشأ صحيح وترتب عليه كل الآثار القانونية منذ تكوينه وبالتالي فاعقد قبل أن يرد عليه الفسخ عقد صحيح فى جميع جوانبه ، فى حين أن البطلان فى جميع صوره ير على عقود لم تنشأ منذ إبرامها نشأة سليمة فهو معاصر لتكوينه ن حيث وجوده
تمييز الفسخ عن الدفع بعدم التنفيذ
يقصد بالدفع بعدم التنفيذ في العقود الملزمة للجانبين أن يكون لكل متعاقد إذا ما طالبه المتعاقد الأخر بتنفيذ التزامه أن يمتنع عن تنفيذ التزامه الي أن يقوم الأخر بما عليه من تعهد فهو وسيلة دفاعية يتخذها المتعاقد لحماية حقوقه(3) بينما الفسخ فهو وسيلة هجومية ويترتب على ذلك :
من حيث الأثر القانوني :
إذا تحقق الفسخ فيؤدى لحل العقد نهائيا فيعو المتعاقدان لما كانا عليه قبل إبرامه فهو يشمل الماضي والمستقبل ، بينما الدفع بعدم التنفيذ ليست له هذه الخطورة من حيث الأثر المترتب عليه فهو عبارة عن إجراء تأجيلي تتوقف الالتزامات على آثره ولكنها لا تزول
من حيث سلطة القاضي التقديرية :
فالقاعدة العامة فى مجال الفسخ أن الأمر فيه يعرض على القاضي وهو الذي يقدر الفسخ من عدمه بينما الوضع غير ذلك فى مجال الدفع بعدم التنفيذ فالذي يقدره هو المتعاقد وليس القاضي
من حيث الأعذار :
فيختلفان فى انه إذا قام احد المتعاقدين ف العقد الملزم للجانبين بالدفع بعدم التنفيذ فلا يجوز للطرف الأخر أن يدعى بان هذا الدفع غير صحيح لان الدفع فى حد ذاته يعتبر أعذار وان النصوص القانونية التي نظمت مبدأ الدفع بعدم التنفيذ لم تشر الى ضرورة الأعذار بينما يشترط القانون أن يكون المتعاقد الذي يطلب فسخ العقد قد اعذر مدينه
تمييز الفسخ عن المسئولية العقدية
يقصد بالمسئولية العقدية الجزاء الذي يرتبه القانون نتيجة عدم قيام المدين بالتزاماته التعاقدية ولما كان الفسخ نفسه هو عبارة عن جزاء يرتبه القانون على المدين المقصر فى تنفيذ التزاماته فهو يلتقي من هذه الناحية بالمسئولية العقدية فهو حق قرره القانون لصالح الدائن يحاسب به مدينه سواء عن طريق فسخ العقد او عن طريق المسئولية التعاقدية غير أن هذا الحق يبقي قائما فى جميع الحالات التي يخل فيها المدين بالتزامه إذا استعمله صاحبه عن طريق الفسخ
وان آثار المسئولية العقدية يجوز التعديل فيها لصالح كل من الطرفين وقد يكون التعديل فيها لفائدة المدين دون الدائن فى حين أن الأصل العام انه لا يجوز تعديل آثار الفسخ وإذا وجد فهو لصالح الدائن دون المدين
ويختلف نظام الفسخ عن المسئولية العقدية من حيث الضرر فلا تقوم المسئولية العقدية دونه و بالتالي فلا جزاء إذا لم يتحقق بينما قيام حق الدائن فى مجال فسخ العقد يكفي فيه عدم التنفيذ لاستعماله وهو جزاء فى نفس الوقت ضد المدين ولو لم يلحق بالدائن ضرر بمفهومه الدقيق ذلك أن الفسخ فى حقيقته لم ينشأ من اجل جبر الضرر وإنما وجد لحل رابطة تعاقدية اخل احد الطرفين فيها بالتزامه بصرف النظر عن وقوع الضرر من عدمه
سوف نناقش ذلك الفصل فى خمسة مباحث على النحو التالى:
المبحث الأول :الفسخ بالاتّفاق .
المبحث الثاني : خيار الفسخ .
المبحث الثالث : عدم لزوم العقد أصلاً .
المبحث الرابع : استحالة تنفيذ الالتزام .
المبحث الخامس : الفسخ للفساد .
المبحث الأول
الفسخ بالاتّفاق
قد يتفق المتعاقدان عل فسخ العقد عند إخلال احد المتعاقدين بالتزامه وقد يزيد من قوة هذا الشرط بان يتفقا عل أن يكون العقد مفسوخ من تلقاء نفسه او مفسوخ من تلقاء نفسه دون حاجة الى حكم او مفسوخ من تلقاء نفسه دون حاجة الى حكم او إنذار وهو ما نصت عليه المادة 158 من القانون المدني على انه ( يجوز الاتفاق على أن يكون العقد مفسوخا من تلقاء نفسه دون حاجة الى حكم قضائي عند عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه وهذا الاتفاق لا يعفي من الأعذار إلا إذا اتفق المتعاقدان صراحة على الإعفاء منه )
و يفسخ العقد بالتّراضي بين العاقدين ، والإقالة نوع من الفسخ الاتّفاقيّ وتقتضي رجوع كلّ من العوضين لصاحبه ، فيرجع الثّمن للمشتري والمثمّن للبائع ، وأكثر استعمالها قبل قبض المبيع .
وقد ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الإقالة فسخ في حقّ النّاس كافّةً ، لأنّ الإقالة هي الرّفع والإزالة ، ولأنّ المبيع عاد إلى البائع بلفظ لا ينعقد به البيع ، فكان فسخاً .
وذهب المالكيّة في المشهور وأبو يوسف إلى أنّ الإقالة بيع ثان يشترط فيها ما يشترط فيه ويمنعها ما يمنعه .
وعند أبي حنيفة هي بيع جديد في حقّ غير العاقدين ، سواء قبل القبض أو بعده ، وفسخ في حقّ العاقدين بعد القبض ، لأنّها رفع لغةً وشرعاً ، ورفع الشّيء فسخه .
ويرى محمّد : أنّ الإقالة فسخ إلاّ إذا تعذّر جعلها فسخاً ، فتجعل بيعاً للضّرورة ، لأنّ الأصل في الإقالة الفسخ ، لأنّها عبارة عن رفع الشّيء لغةً وشرعاً .
ولا يجوز فسخ العقود اللازمة بحق الطرفين إلا بإرادتهما وذلك عن طريق الإقالة، ولا تجوز الإقالة في الزواج، بل يجوز الطلاق.
المبحث الثاني
خيار الفسخ
الخيار : هو جمع مفرده خيار وهو مشتق من الاختيار ومعناه فى اللغة طلب خير الأمرين او الأمور والمراد به فى لسان الفقهاء ان يكون لأحد العاقدين او لكليهما حق إمضاء العقد وتنفيذه او فسخه ورفعه من أساسه او ان يختار ان يكون المبيع احد الشيئين او الثلاثة (4)
وهو ما سوف نناقشه فى عده مطالب :
المطلب الأول : خيار المجلس
المطلب الثاني : خيار الشرط
المطلب الثالث : خيار الرؤية
المطلب الأول
خيار المجلس
هو ان يكون لكل من المتعاقدين حق فسخ العقد ما لم يتفرقا بابدائهما او يخير احدهما الأخر فيختار العقد ومعنى ذلك ان العقد لا يلزم إلا بتفرق العاقدين وإنهاء مجلس العقد إما قبل تفرقهما فلا يلزم إلا بان يخير احدهما الأمر فيختار العقد وقبل ذلك يكون لكل منهما حق فسخه ما دام فى المجلس وهذا الخيار أثبته الشافعية والحنابلة وأكثر أهل العلم ونفاه الحنفية كلهم والمالكية إلا ابن حبيب
غير ان المثبتين له جعلوه قاصر على العقود اللازمة من الجانبين القابلة للفسخ كالبيع المعروف والصرف والسلم والتولية والهبة بعوض والإجارة
وان خيار المجلس شرع لتدرك الغبن الذي قد يلحق احد التعاقدين من قبوله فور الإيجاب من غير رؤية وهذا يكون ف البيع وأمثاله عادة ولا يثبت هذا الخيار ف العقود التي لا تلزم من الجانبين كالوصية والوكالة والعارية والوديعة وأيضا العقود اللازمة من جانب واحد كالرهن والكفالة لعم الحاجة إليه لامكان فسخها فى اى وقت
واستدل القائلون بخيار المجلس بما رواه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكان جميعا او يخير احدهما الأخر فان خير احدهما الأخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع وان تفرقا بعد ان تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع )
فالحديث صريح فى ان عقد البيع لا يلزم إلا بأحد أمرين انتهاء مجلس العقد دون رجوع احد من العاقدين عنه او بقول احدهما بعد الإيجاب والقبول لصاحبه اختر إمضاء العقد او فسخه فيختار الطرف الأخر الإمضاء
المطلب الثاني
خيار الشرط
أولا -تعريفه :
هوان يكون لأحد العاقدين او كليهما الو لغيرهما الحق في فسخ العقد في مدة معلومة اذا شرط ذلك في العقد كأن يقول المشتري للبائع اشتريت منك هذا بكذا علي أني بالخيار مدة ثلاثة أيام ويقبل البائع ذلك فيكون للمشتري الحق فى فسخ العقد في هذه المدة فإذا مضت المدة ولم يعلن رأيه في إمضاء العقد او فسخه سقط حق الفسخ ولزم العقد وان سبب ثبوته انه لا يثبت إلا بالشرط وهو من احد المتعاقدين او كليهما
ثانيا – الحكمة من مشروعيته :
هو تمكين العاقدين من التروي واستشارة أهل الخبرة فى مدة الخيار حتي اذا وجد إمضاء العقد فى مصلحته أمضاه والا فسخه لقول النبي صلي الله عليه وسلم ( اذا بايعت فقل لا خلابة ولي الخيار ثلاثة أيام )
ثالثا – مدته :
اتفق جمهور الفقهاء على ان هذا الخيار لا يجوز إلا لمدة معلومة فإذا لم تكن له مدة أصلا او كانت له مدة ولكنها مجهولة كان شرط فاسد
إلا ان الفقهاء اختلفوا في هذه المدة فقال أبو حنيفة والشافعي لا تزيد على ثلاث أيام ووجهتهم ان الشرط مخالف لمقتضي العقد فكان الأصل فيه الفساد ولكنه أجيز لورود النص به والنص جعل المدة ثلاثة أيام فلا يجوز الزيادة عليها
وقال أبو يوسف واحمد بن حنبل أنها تكون علي حسب اتفاق المتعاقدين ولو كانت أكثر من ثلاثة أيام ووجهتهم فى ذلك ان الخيار شرع للتروي والمشورة والأيام الثلاثة قد لا تكفي
رابعا- اثر خيار الشرط في العقد :
اذا اشترط الخيار في العقد كان له أثران فيه احدهما اتفق الفقهاء عليه والأخر اختلفوا فيه
أما الأول فهو منع لزوم العقد بالنسبة لمن له الخيار فمن يكون له هذا الخيار يجوز له ان يفسخ العقد في أي وقت شاء فى مدة الخيار فإذا مضت المدة بدون فسخ او إمضاء سقط خياره ولزمه العقد ولا يلزم في الإمضاء او الفسخ لفظ معين كأن يقول أجزت العقد او أمضيته او ارتضيته او فسخت العقد وأيضا يجوز بالفعل الدال عليه او المتضمن له وإذا صدر الإمضاء او الفسخ من صاحب الخيار نفذ سواء أكان بالقول أم بالفعل وسواء علم به العاقد الأخر أم لا على الرأي الأرجح فى الفقه
أما الأثر الثاني فهو عدم ترتيب أحكام العقد وأثاره عليه وهذا عند الحنفية والمالكية والحنابلة فى احد القولين عندهم فالخيار عندهم مانع من ترتب أحكام العقد وأثاره عليه ما دام قائم ووجهتهم في ذلك ان من شرط الخيار لنفسه لم يتم رضاه بالعقد والأحكام لا توجد إلا مع الرضا التام
وذهب الشافعي في احد قوليه والحنابلة في اظهر القوانين عندهم إلي ان العقد وأثاره تترتب عليه سواء أكان الخيار للعاقدين أم لاحدهما لان العقد صحيح نافذ ومتى كان صحيح نافذ كن سبب لترتب الأحكام عليه وينتهي الخيار بأحد الأمور الآتية :
إمضاء العقد او فسخه في مدة الخيار سواء بالقول او الفعل
مضي مدة الخيار بدون إمضاء العقد او فسخه
ج- هلاك محل العقد او تعيبه في يد المتملك اذا كان الخيار له
د- موت من له الخيار عند الحنفية والحنابلة لان خيار الشرط لا يورث وخالف في ذلك المالكية والشافعية فقالوا ان الخيار لاينتهى بالموت بل ينتقل إلي الوارث
المطلب الثالث
خيار الرؤية
أولا -تعريفه:
هو ان يكون للعاقد الحق في فسخ العقد او إمضائه عند رؤية محله اذا لم يكن رآه عند إنشاء العقد او قبله بوقت لا يتغير فيه وسبب ثبوته هو عدم رؤية العاقد محل العقد حين التعاقد او قبله فإذا كان رآه حين العقد لم يثبت له هذا الخيار ولو رآه قبله اذا لم تمض مدة لا يحتمل تغير المعقود عليه فيها
ثانيا -مشروعيته :
اختلف الفقهاء فى مشروعيته فرأي بعضهم عدم مشروعيته وهو قول للشافعي وحجتهم ان هذا الخيار إنما يكون فى العقد على الشيء الغالب والشيء الغالب لا يصح العقد فيه ولو كان موصوف لان في العقد عليه غرار وجهالة وقد نهى الرسول صلي الله عليه وسلم عن بيع الغرر
ورأي بعضهم مشروعيته وهو مذهب الحنفية وحجتهم في ذلك
ما روى ان عثمان بن عفان باع لطلحة ابن عبيد الله أرضا بالبصرة لم يراها واحد منهما فقيل لطلحة انك قد غبنت فقال لي الخيار لأني اشتريت ما لم آراه وقيل لعثمان انك غبنت فقال لي الخيار لأني بعت ما لم اراه فحكما بينهما جبير بن مطعم فحكم بان الخيار لطلحة وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه احد فيكون أجماعا منهم على جواز بيع الغائب ومشروعية خيار الرؤية فيه
ويثبت هذا الخيار عن جمهور القائلين بمشروعيته لأحد العاقدين فقط وهو المتملك كالمشتري
ثالثا -شروط ثبوته :
إلا يكون العاقد قد رأي المعقود عليه عند إنشاء العقد او قبله بزمن لا يتغير فيه
ان يكون محل العقد معينا مشخصا اذا وصفت بما ينفي عنها الجهالة المفضية إلى النزاع
ان يكون العقد ما يقبل الفسخ فان كان لا يقبل الفسخ لم يثبت فيه خيار الرؤية
رابعا -العقود التي يثبت فيها :
البيع اذا كان المبيع معين بالذات أي مشخصا أما اذا كان معينا بالوصف فلا يثبت
الإجارة اذا كانت واردة على محل مشخص
القسمة فى الأموال القيمية كالحيوانات والاراضى سواء أكانت من نوع واحد أم من أنواع مختلفة
الصلح فى دعوى المال اذا كان بدل الصلح مالا معينا مشخصا فان المدعى يثبت له الخيار اذا لم يكن رأي العين المصالح عليها عند الصلح
المطلب الرابع
خيار العيب
وهو إنما يثبت مع الجهالة بالعيب، فإن كان المستأجر عالماً بالعيب قبل العقد لم يثبت له الخيار ما دام قد أقدم برضاه على استئجار العين بما هي عليه من العيب، وإن كان المستأجر جاهلاً بالعيب، وكانت العين المستأجرة غير مشخصة، بل كانت فرداً كلياً ثابتاً في ذمة المالك، كأن يؤجره غرفة من غرف عديدة متشابهة، أو سيارة من سيارات كذلك، فإنه إذا وجد عيباً في الفرد المدفوع لم يكن له إلا المطالبة بالفرد الصحيح، فإن لم يمكن دفعه إليه كان مخيراً بين القبول بالموجود مع المطالبة بالتفاوت أو فسخ العقد؛ وأما إذا كانت العين المستأجرة مشخصة ومحددة بهذه السيارة أو بهذا الدار، فإن حكمها يتصور على نحوين:
أ- أن يكون العيب موجباً لنقصٍ في مقدار الانتفاع بالعين، كالدار التي فيها بعض الغرف الخربة التي لا تصلح للانتفاع بها في السكن ولا في غيره، فهنا يثبت للمستأجر حق الفسخ أو الرضا بالأمر الواقع مع المطالبة بمقدار ما يفوته من المنفعة من الأجرة المسماة، وكذا لو كانت الغرفة الخربة مما يمكن استعمالها في غير السكن، فإنها رغم هذه الفائدة الجزئية، يتخير المستأجر بين الفسخ وبين الرضي بالعقد مع المطالبة بمقدار ما يفوت من منفعة السكن.
ب- أن يكون العيب الموجود موجباً لفوات وصفٍ في الدار، كأن وجدها قديمة الدهان أو قليلة التهوية أو نحو ذلك من العيوب التي لا ترجع إلى نقص في نفس مساحة العين، فإن كان ذلك الوصف مما لا يهتم به ولا تختلف به الرغبات، بنحو يكون وجوده كعدمه، لم يثبت به الخيار، وإن كان مما تختلف به الرغبات، كشدة الضوء والتعرض للشمس ونحو ذلك، فإن عدم وجودها موجب لثبوت الخيار بالنحو الذي سلف من الفسخ أو الرضا بالعقد مع تعويض مقدار التفاوت بين العين المتصفة بهذا الوصف وبين العين الفاقدة له
ثم إنه كما يثبت هذا الحكم بتلك التفاصيل في صورة ما إذا كان العيب موجوداً قبل استئجار العين، فإنه يثبت كذلك في صورة ما إذا وجد العيب بعد العقد وقبل القبض، أو بعد القبض وقبل استيفاء شيء من المنفعة؛ وأما إذا كان العيب قد حدث بعد استيفاء شيء من المنفعة فلا يثبت به الخيار للمستأجر
المبحث الثالث
عدم لزوم العقد أصلاً
يجوز لأحد العاقدين أو لكليهما بحسب العقد المسمّى أن يستقلّ بالفسخ ، مثل العاريّة والقرض الوديعة والشّركة والوكالة ، فكلّها عقود غير لازمة يجوز فسخها متى شاء أحد الطّرفين المتعاقدين ، قال ابن رجب : عقود المشاركات كالشّركة والمضاربة ، المشهور أنّها تنفسخ قبل العلم كالوكالة ، وكذا الوديعة للوديع فسخها قبل علم المودع بالفسخ ، وتبقى في يده أمانةً .ويتوقف عدم لزوم العقد على الاتى :
1- طبيعة العقد: بعض العقود تسمح لصاحبها بوقفها بإرادة ذاتية دون اشتراط موافقة الطرف الأخر مثل الوكالة والوديعة
2- ثبوت خيار الفسخ إذا ثبت لأحد الأطراف او لكليهما حق فسخ العقد ويكون ذلك على طريقتين:
أ- الفسخ بالاتفاق بين الطرفين
ب- خيار الفسخ بحكم القانون إذا مس رضي احد الأطراف عيب مثل الإكراه او الغبن الفاحش مع التغرير وغيرها
أنواع وأشكال الخيارات التي تجعل العقد غير لازم
1- خيار الشرط أي إذا كان العقد يتضمن شرطا يحق فيه لأحد الأطراف فسخ العقد لال مدة معينة
2- خيار الرؤية يحق للمتعاقد ان يرى محل العقد خلال مدة متفق عليها فيجيز العقد بعدها او يفسخه
3- خيار التعيين إذا كان العقد يتضمن تعيين المحل خلال فترة معينة مثل ان يبيع احدهم احد الجياد الثلاثة بمبلغ كذا لكل منهما على ان يعين الجواد بالتحديد خلال فترة معينة
4- خيار العيب إذا كان المعقود علية تتوفر فيه شروط معينة ووجد المتعاقد عيبا فيه يحق له فسخ العقد
المبحث الرابع
استحالة تنفيذ الالتزام
إذا استحال تنفيذ أحد الالتزامات العقديّة جاز فسخ العقد ، لأنّ الالتزام المقابل يصبح بلا سبب
وعلى هذا إذا هلك الشيء المؤجر بعينه أو لم يستطع المستأجر الانتفاع بالعين المؤجرة، سقط التزامه بدفع الأجرة، وفسخت الإجارة، لاستحالة استيفاء المنفعة المتعاقد عليها. أما إذا كانت الإجارة في الذمة كتعهد نقل الحمل إلى مكان معين على أية دابة أو سيارة ثم تعبت الدابة أو تعطلت السيارة، فلا يفسخ العقد، بل يطلب التنفيذ العيني، أي الاستبدال بها غيرها. والقاعدة في البيع: أنه إذا كان الثمن ديناً، أجبر البائع على تسليم المبيع، ثم يجبر المشتري على تسليم الثمن إن كان حاضراً، فإن كان الثمن غائباً أو بعيداً أو كان المشتري معسراً، فللبائع الفسخ(5)
الفصل الثاني
أنواع الفسخ
سوف نناقش ذلك الفصل فى ثماني مباحث على النحو التالى:
المبحث الأول : الفسخ بحكم القضاء .
المبحث الثاني : الفسخ بحكم الشّرع .
المبحث الثالث : الفسخ للأعذار .
الرابع : الفسخ لاستحالة التنفيذ
المبحث الخامس : الفسخ للإفلاس والإعسار والمماطلة .
المبحث السادس : فسخ النّكاح .
المبحث السابع : الفسخ لعدم إجازة العقد الموقوف .
المبحث الثامن : الفسخ بسبب الاستحقاق .
المبحث الأول
الفسخ بحكم القضاء
يكون إذا لم يحدث الفسخ بالتراضي، أو لرفع فساد العقد. ففي البيع المشتمل على خيار العيب، وفي حالة الهلاك غير الكلي حيث يكون العقد في حاجة إلى فسخ، يرى الحنفية أن المبيع إذا كان في يد البائع، فينفسخ البيع بقول المشتري ، ولا يحتاج إلى قضاء القاضي، ولا إلى التراضي باتفاق الحنفية والشافعية.
وأما إن كان المبيع في يد المشتري، فلا ينفسخ إلا بقضاء القاضي أو بالتراضي عند الحنفية؛ لأن الفسخ بعد القبض يكون على حسب العقد؛ لأنه يرفع العقد، وبما أن العقد لا ينعقد بأحد العاقدين، فلا ينفسخ بأحدهما من غير رضا الآخر،ومن غير قضاء القاضي، بخلاف الفسخ قبل القبض أما في خيار الرؤية فيرد المشتري المبيع بمحض إرادته دون حاجة إلى التراضي أو التقاضي، سواء كان ذلك قبل قبض المبيع أو كان بعد القبض. فإذا رد من له الخيار، ولو بعد قبض المبيع، رد بمحض إرادته دون حاجة إلى التراضي أو التقاضي.
ويرى الجمهور أن العقد ينفسخ بقول المشتري ، بغير حاجة إلى قضاء، ولا إلى رضا البائع؛ لأن الفسخ لا تفتقر صحته إلى القضاء، ولا إلى الرضا كالفسخ بخيار الشرط بالاتفاق، وبخيار الرؤية على أصل الحنفية
ويفسخ القاضي العقد عند الإطلاع على فساده ورفع الأمر إليه، كفسخ البيع الفاسد عند الحنفية إذا وجد فيه أحد أسباب الفساد الستة وهي الإكراه، والغرر، والجهالة،والتوقيت، والضرر الذي يصحب التسليم، والشرط الفاسد، والربا.
ولا يشترط أن يحكم القاضي بالفسخ، ما لم يكن الفسخ بسبب عيب في المبيع، وكان المشتري قد قبض المبيع.
وأسباب الفسخ القضائي: هي استحالة التنفيذ، وعدم التنفيذ، والأعذار في العقود المستمرة، والشرط الفاسخ الصريح أو الخيارات الاتفاقية.
المبحث الثاني
الفسخ بحكم الشّرع
يكون الفسخ بسبب الخلل الحاصل في العقد في شرط من شروط الشّرع ، كفسخ الزّواج عند تبيّن الرّضاع بين الزّوجين ، وفسخ البيع حالة فساده ، وهو المسمّى بالانفساخ ، كما إذا كان في المبيع جهالة فاحشة مفضية للنّزاع
المبحث الثالث
الفسخ للأعذار
يفسخ العقد للعذر أو لحوادث طارئة إذا كان عقد إيجار ونحوه، أو عقد بيع للثمار بسبب الجوائح.
فأجاز فقهاء الحنفية دون غيرهم فسخ عقد الإجارة وعقد المزارعة بالأعذار الطارئة؛ لأن الحاجة تدعو إلى الفسخ عند العذر؛ لأنه لو لزم العقد عند تحقق العذر، للزم صاحب العذر ضرر لم يلتزمه بالعقد. والعذر: هو ما يكون عارضاً يتضرر به العاقد مع بقاء العقد، ولا يندفع بدون الفسخ
والأعذار ثلاثة أنواع :
1- عذر من جانب المستأجر :كإفلاسه أو انتقاله من حرفة إلى أخرى؛ لأن المفلس أو الذي بدل الحرفة لا ينتفع بالعقد إلا بضرر، وكذا سفره عن البلد؛ لأن في إبقاء العقد مع السفر ضرراً به.
2- عذر من جانب المؤجر : كلحوق دين فادح به لا يجد طريقاً لقضائه إلا ببيع الشيء المأجور وأدائه من ثمنه، هذا إذا ثبت الدين قبل الإجارة بالبينة أو بالإقرار. ومثل إطلاع المؤجر على عيب في المأجور.
3- عذر راجع للعين المؤجرة: كأن يستأجر شخص حماماً في قرية ليستغله مدة معلومة، ثم يهاجر أهل القرية، فلا يجب عليه الأجر للمؤجر.
وقال جمهور العلماء (غير الحنفية) ان الإجارة عقد لازم، فلا تفسخ كسائر العقود اللازمة من أي عاقد بلا موجب، كوجود عيب أو ذهاب محل استيفاء المنفعة، فإذا فات المعقود عليه وهو المنفعة، كانهدام الدار،جاز الفسخ، ويكون بالنسبة للمستقبل لا في الماضي، وإذا وجد عيب في الشيء المؤجر ، جاز الفسخ أيضاً.
فالمالكية يجيزون فسخ الإيجار للعذر الذي يمنع استيفاء المنفعة شرعاً
ويجيز الشافعية فسخ الإجارة لعذر إذا أوجب خللاً في المعقود عليه أو كان عيباً فيه تنقص به المنفعة، أو تعذر استيفاء المنفعة تعذراً شرعياً
وكذلك قال الحنابلة: لا تنفسخ الإجارة بالعذر إلا إذا أوجب خللاً أو عيباً في المعقود عليه تنقص به المنفعة أو تعذر استيفاء المنفعة تعذراً شرعياً، فإن تعذر الزرع بسبب غرق الأرض أو انقطاع مائها فللمستأجر الفسخ.
وأجاز المالكية والحنابلة فسخ البيع في بيع الثمار بسبب الجوائح إذا تلفت الثمرة كلها، وإنقاص الثمن في تلف بعض الثمار
المبحث الرابع
الفسخ لاستحالة التنفيذ
ليس في الفقه الإسلامي نظرية عامة للفسخ، وهذا حسن؛ لأنه يضيق من نطاق الفسخ في العقود على غرار القانون الروماني، ويوفر لها القوة الملزمة في التعاقد؛ أي أن حله بعد عقده أمر خطير، فوجب الاحتراز منه، والتضييق فيه ما أمكن.
ولذا يجيز الفقه الإسلامي الفسخ في حالة استحالة التنفيذ لأحد التزامات العقد، سواء أكان ذلك بفعل الملتزم أم لا؛ لأن الالتزام المقابل يصبح بلا سبب، وبناء عليه ، يمكن القول بأن هلاك الشيء في جميع الأحوال قبل القبض يؤدي إلى فسخ العقد باتفاق المذاهب. وتقع تبعة الهلاك على عاتق الملتزم، كهلاك المبيع قبل القبض، وكما إذا لم يستطع المستأجر الانتفاع بالعين المؤجرة، فإن التزامه بدفع الأجرة يسقط ويسقط حق الفسخ إذا هلك الشيء أو تغير شكله بعد قبض المشتري له.
هذا وقد نص فقهاء الحنابلة على أنه إذا تعذر على البائع تسليم المبيع، فللمشتري الفسخ وإذا نص على التزام ما صراحة أو ضمناً في العقد، فإن عدم الوفاء به، يؤدي كذلك إلى الفسخ، مثال الصريح: ما لو تعهد المشتري بتقديم رهن أو كفيل بالثمن، ولم يفعل، فإن عقد البيع يفسخ. ومثال الشرط الضمني: ما إذا وجد المشتري في العين المبيعة عيباً، فله الفسخ، لأن سلامة المبيع من العيوب شرط ضمني في عقد البيع، وكذلك في عقد الإجارة. وقد اعتبروا استحقاق المبيع عيباً.
ويفسخ العقد أيضاً إذا تجزأ الشيء أو تغير شكله قبل التسليم، وكذلك إذا وجد المشتري نقصاً في المقادير؛ لتعيب رضا المشتري الذي لم يتوصل إلى وزن متفق عليه.
وقد يفسخ العقد أيضاً كما تقدم إذا شاب الرضا بعض العيوب، كالغبن التدليسي والخطأ (الغلط) والإكراه، ويفسخ أيضاً في حال بيع العين الغائبة، أو غير المرئية، فللمشتري الذي لم ير المبيع حق الفسخ أيضاً؛ لأن الغلط حينئذ كثير الاحتمال ، وبه يتبين أن الفسخ بالمعنى الصحيح لا يكون إلا في الأحوال التي يصيب فيها رضا العاقد عيب، أو يختل هذا الرضا، لعد تحقق الشرط الذي توقعه العاقد عند التعاقد.
وأساس الفسخ في جميع الأحوال مخالفة شرط صريح أو ضمني في العقد، ويكون الفسخ نتيجة لإعمال شرط يتضمنه العقد عند الإخلال بالالتزام. وأساس المسؤولية المدنية في الشريعة الإسلامية عن الهلاك الكلي أو الجزئي هو نظرية تحمل التبعة، أي أن كل شخص يتحمل مسؤولية الضرر الذي يحدثه بفعله مباشرة أو تسبباً، فأساس المسؤولية هو الضرر، وليس عنصر الخطأ وأساس تحمل تبعة الهلاك في الفقه الإسلامي ليس كما يرى بعضهم هو طبيعة العقد الملزم للجانبين ، وإنما هو المعاوضة أو المبادلة التي تقتضي إنشاء التزامات متقابلة، وتحقق فكر المساواة التي تقوم عليها العقود ، وتحقيق المساواة بين المتعاقدين يقتضي ألا يجبر أحدهما على تنفيذ التزامه، بينما الآخر لم يقم بتنفيذ الالتزام المقابل، وألا كان في ذلك إخلال بالمساواة المقصودة. وتظهر سلامة هذا التأصيل في حالة الهلاك الجزئي بنحو أوضح، فالالتزام الذي انقضى جانب من محله بالهلاك، لم ينقض بسببه الالتزام تماماً، ومع ذلك فإنه يسقط من الالتزام المقابل ما يساوي قيمة الجزء الهالك من التزام العاقد الآخر، أي الجزء الذي أصبح فيه الالتزام مستحيلاً.(7)
الفسخ للإفلاس والإعسار والمماطلة
ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ المشتري إذا ظهر مفلساً فللبائع خيار الفسخ والرّجوع بعين ماله ، ولا يلزمه أن ينظره ، عملاً بقول صلى الله عليه وسلم : « من أدرك ماله بعينه عند رجل أو إنسان قد أفلس فهو أحقّ به من غيره »(8) ، وينطبق ذلك الحكم على المعسر عند الحنابلة ولو ببعض الثّمن .
ويرى الحنابلة أنّه إذا كان الثّمن حالاً غائباً عن المجلس دون مسافة القصر فلا فسخ ، ويحجر الحاكم المبيع وبقيّة ماله حتّى يحضر الثّمن .
أمّا إذا كان الثّمن الحالّ أو بعضه بعيداً مسافة القصر فأكثر ، أو غيّبه المشتري المسافة المذكورة كان للبائع الفسخ .
ويرى ابن تيميّة أنّ المشتري إذا كان موسراً مماطلاً فللبائع الفسخ دفعاً لضرر المخاصمة ، قال في الإنصاف
وأمّا الحنفيّة فيرون أنّه ليس للبائع الفسخ ، إذ نصّوا أنّه ليس الغريم أحقّ بأخذ عين ماله ، بل هو في ثمنها أسوة الغرماء .
ونصّ الشّافعيّة على أنّه إن كان في غرماء الميّت من باع شيئاً ووجد عين ماله ولم تف التّركة بالدّين فهو بالخيار بين أن يضرب مع الغرماء بالثّمن وبين أن يفسخ ويرجع في عين ماله .
ولي خيار الفسخ مختصّاً بعقد البيع عند الجمهور ، بل هو ثابت أيضاً في كلّ عقود المعاوضات كالإجارة والقرض ، فللمؤجّر فسخ الإجارة إذا أفلس المستأجر قبل دفع الأجرة ، وللمقرض الرّجوع على المقترض إذا أفلس وكان عين ماله قائماً .
وأجاز الجمهور التّفريق بين الزّوجين للإعسار أو العجز عن النّفقة ، والفرقة طلاق عند المالكيّة ، فسخ عند الشّافعيّة والحنابلة ولا تجوز إلاّ بحكم القاضي ، وجوازها لدفع الضّرر عن الزّوجة .
ولم يجز الحنفيّة التّفريق بسبب الإعسار ، لأنّ اللّه تعالى أوجب إنظار المعسر بالدّين في قوله تعالى : { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ } (9).
المبحث السادس
فسخ النّكاح
ويفسخ الزواج باتفاق المذاهب بسبب ردة أحد الزوجين ، لأن الردة تتضمن تبييت الغدر والحقد والعداوة للمسلمين، فلا يناسبها بقاء الحياة الزوجية ، وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: {ولا تَنكحوا المشركات حتى يؤمن، ولأمة مؤمنة خير من مشركة، ولو أعجبتكم، ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا، ولعبد مؤمن خير من مشرك، ولو أعجبكم..}(10) وتكون الفرقة بالردة فسخاً عند الجمهور، وطلاقاً في مشهور المذهب عند المالكية.
يرى الحنفية ان الفرقة تكون فسخاً فيما يأتي:
1- تفريق القاضي بين الزوجين بسبب إباء الزوجة الإسلام، بعدما أسلم زوجها المشرك أو المجوسي فإن كان الإباء من الزوج، فتكون الفرقة طلاقاً عند أبي حنيفة ومحمد، وفسخاً عند أبي يوسف.
2- ردة أحد الزوجين.
3 – خيار بلوغ الصغير أو الصغيرة، ولا تقع الفرقة حينئذ إلا بتفريق القاضي.
4- خيار العتق: بأن تعتق الأمة ويبقى زوجها عبداً، فلها الخيار بالبقاء أو إنهاء الزواج، وتثبت الفرقة بنفس الاختيار.
5- التفريق لعدم الكفاءة أو لنقصان المهر، ولا تكون إلا عند القاضي. وما عدا ذلك من أنواع الفُرَق يكون طلاقاً، ومنها الخلع. وضابط ما يتميز به الفسخ عن الطلاق في رأي أبي حنيفة ومحمد: هو أن كل فرقة بسبب من جانب المرأة تكون فسخاً، وكل فرقة من جانب الرجل أو بسبب منه مختص بالزوج فهي طلاق، إلا الردة فهي فسخ، وكذا الفرقة بالموت تكون فسخاً.
ويرى المالكية أن الفرقة تكون فسخاً فيما يأتي:
1- إذا وقع العقد غير صحيح، كالزواج بإحدى المحارم، والزواج بزوجة الغير أو معتدته.
2- إذا طرأ على الزواج ما يوجب الحرمة المؤبدة، كالاتصال الجنسي بشبهة من أحد الزوجين بأصول الآخر أو فروعه، مما يوجب المصاهرة
3- الفرقة بسبب اللعان: لترتب الحرمة المؤبدة عليه، لحديث: «المتلاعنان لا يجتمعان أبداً».
4 – الفرقة بسبب إباء الزوج الإسلام بعد أن أسلمت زوجته، أو إباء الزوجة غير الكتابية الإسلام بعد إسلام زوجها؛ لأن ذلك في معنى طروء مفسد على الزواج.
المبحث السابع
الفسخ لعدم إجازة العقد الموقوف
العقد عند الحنفية والمالكية إما نافذ أو موقوف ، والنافذ: هو ما صدر ممن له أهلية وولاية على إصداره، كالعقد الصادر من الرشيد في ماله، أو الولي أو الوصي عن القاصر، أو الوكيل عن موكله، وحكمه: أنه تترتب عليه آثاره فور صدوره من غير توقف على إجازة أحد.
والموقوف: هو ما صدر من شخص له أهلية التعاقد، من غير أن يكون له ولاية إصداره، كعقد الفضولي، وعقد الصغير المميز في التصرفات المترددة بين الضرر والنفع كالبيع ونحوه، والتصرف من الراهن أو المرتهن في الشيء المرهون، والوصية وتبرعات المريض مرض الموت فيما يزيد عن ثلث المال. وحكمه: أنه لا تترتب عليه آثاره إلا إذا أجازه صاحب الشأن أو الحق الذي يملك إصداره، فإن لم يجزه، بطل العقد. أما الشافعية والحنابلة فقالوا: إنه باطل من الأصل.
وعدم إجازة العقد الموقوف ممن له ولاية أو ملك والذي يتوقف نفاذ العقد على رضاه يعد من أسباب انحلال العقد أو فسخه عند القائلين بانعقاده
وإن عقود الفضولي تكون موقوفة على إجازة صاحب الحق، فإن أجازه نفذ، وإلا فسخ واعتبر كأن لم يكن، وعقد الصغير المميز غير المأذون له في التجارة، فيما يتردد بين الضرر والنفع موقوف على إجازة وليه، فإن أجازه نفذ وإلا بطل، وتصرف المدين المحجور عليه أو المدين المفلس موقوف على إجازة الدائنين، وتبرع المريض مرض الموت من هبة أو صدقة فيما زاد عن ثلث تركته موقوف على إجازة الورثة، والوصية من الصحيح فيما يزيد عن ثلث التركة
موقوفة على إجازة الورثة، وتصرفات السفيه والمغفل المترددة بين الضرر والنفع، كالبيع والشراء والقرض موقوفة على إجازة الولي.
فإن لم يجز هؤلاء أصحاب الحق التصرف انحل وعدَّ كأن لم يكن.
المبحث الثامن
الفسخ بسبب الاستحقاق
الاستحقاق لغة طلب الحق، وفقها ظهور كون الشيء حقاً واجباً للغير، أو هو أن يدعي شخص ملكية شيء، ويثبت دعواه ويقضي له القاضي بملكيته، وانتزاعه من يد حائزه. وعرفه المالكية بقولهم هو رفع ملك شيء بثبوت ملك قبله. فهو يجيز للمستحق طلب فسخ التصرف أو إمضاءه كالخيار، وتصرف الفضولي
والاستحقاق بالنسبة للفسخ نوعان :
1- مبطل للملك بالكلية : بحيث لا يبقى لأحد عليه غير المدعي حق التملك، كالعتق والحرية الأصلية، وحكمه: أنه يوجب فسخ العقد بلا حاجة لحكم القاضي، ولكل واحد من الباعة الرجوع على بائعه بالثمن
2- ناقل للملك من شخص الى اخر : وهذا هو الغالب، كأن ادعى زيد على خالد أن ما في يده من المتاع ملك له، وبرهن على ادعائه. وحكمه: أنه لا يوجب فسخ العقد؛ لأنه لا يوجب بطلان ملك المشتري، وإنما يتوقف على إجازة المستحق أو فسخه. والصحيح عند الحنفية أن العقد لا ينفسخ ما لم يرجع المشتري على بائعه بالثمن، ويفسخ العقد – في الأصح من ظاهر الرواية – بالفسخ، أي بالتراضي، لا بمجرد القضاء بالاستحقاق.
والحكم بالاستحقاق يشمل الحائز ذا اليد، فيؤخذ المدعى به من يده، ويشمل أيضاً كل من تلقى ذو اليد الملك عنه. وتطبيقاً لذلك، إذا استحق بعض المبيع المعقود عليه قبل القبض، ولم يجز المستحق، بطل العقد في القدر المستحق؛ لأنه تبين أن ذلك القدر لم يكن ملك البائع، ولم توجد الإجازة من المالك، وللمشتري الخيار في الباقي، إن شاء رضي به بحصته من الثمن، وإن شاء رده، سواء أحدث عيباً في الباقي أم لا. وإن أثبت المستحق ملكيته المبيع كله بالبينة، فقضي له به، لا ينفسخ البيع، بل يصبح متوقفاً على إجازة المستحق، فإن أجاز البيع بقي المبيع للمشتري، ويأخذ المستحق الثمن من البائع، وإن لم يجز المستحق البيع، بل اختار أخذ المبيع، ينفسخ البيع السابق بالفسخ، أ ي بالتراضي عليه ويكون البائع ملتزماً للمشتري برد الثمن.
الفصل الثالث
آثار الفسخ
سوف نناقش ذلك الفصل فى مبحثين على النحو التالى :
المبحث الأول : انتهاء العقد بالفسخ .
المبحث الثاني : أثر الفسخ في الماضي والمستقبل
المبحث الأول
انتهاء العقد بالفسخ
ينتهي العقد بالفسخ ، ويكون له آثار فيما بين الطّرفين المتعاقدين ، وبالنّسبة لغيرهما
أ – أثر الفسخ فيما بين الطّرفين المتعاقدين :
ينحل العقد ويعتبر كأن لم يكن وتجب إعادة كل شيء الى ما كان عليه قبل العقد فإذا كان العقد بيعا وفسخ رد المشترى المبيع الى البائع ورد البائع الثمن الى المشترى ويرد المبيع بثمراته والثمن بفوائده القانونية وذلك كله من وقت المطالبة القضائية وإذا هلك المبيع وكان المشترى هو الذي يطالب بالفسخ لم يجب الى طلبه إذا تعذر عليه إعادة الشيء الى أصله ولكنه يستطيع المطالبة بالتعويض على أساس المسئولية العقدية أما إذا كان البائع هو الذي يطالب بالفسخ وهلك المبيع فى يد المشترى فإن كان الهلاك بخطأ المشترى حكم عليه بالتعويض فإذا كان الهلاك بسبب اجنبى طبقت قواعد دفع غير المستحق، وإذا كان العقد زمنيا كالإيجار وفسخ لم يكن لفسخه اثر رجعى لان طبيعة العقود الزمنية تستعصي على هذا الأثر ويترتب على ذلك أن المدة التي انقضت من عقد الإيجار قبل فسخه تبقى محتفظة بآثارها ويعتبر العقد مفسوخ من وقت الحكم النهائي بفسخه لا قبل ذلك
ب – أثر الفسخ بالنّسبة للغير :
يصبح العقد بالفسخ بالنسبة لغير المتعاقدين أيضاً كأن لم يكن، إلا أن التصرف في العين للغير من قبل المشتري كالبيع أو الهبة أو الصلح ما نع من حق الفسخ، أي يطهر العين المبيعة من حق الفسخ، فلا يتمكن المشتري الأول أن يفسخ البيع بينه وبين بائعه؛ لأنه قد تعلق بالمبيع حق مالك جديد، أنشأه المشتري نفسه
وكذلك للإقالة التي هي عبارة عن فسخ العقد الذي يربط المتعاقدين آثار بالنسبة للعاقدين وبالنسبة إلى الغير، فهي كما تقدم في رأي أبي حنيفة وزفر تعد فسخاً في حق العاقدين، وليست اتفاقاً جديداً، فملكية المبيع لا تنتقل من جديد إلى البائع، بل يعتبر المبيع كأنه لم يخرج أبداً من ملك البائع
وكذلك قال الشافعية والحنابلة الإقالة فسخ، كالرد بالعيب أما المالكية والظاهرية فذهبوا إلى أن الإقالة اتفاق أو بيع جديد؛ لإتمامها بتراض جديد بين العاقدين، فيجوز فيها ما يجوز في البيوع، ويحرم منها ما يحرم في البيوع
وأما أثر الإقالة بالنسبة للغير وهو الشخص الثالث غير العاقدين فهو أنها ليست فسخاً، بل هي بيع جديد في رأي أبي حنيفة وأبي يوسف والمالكية والظاهرية؛ لأنها في الواقع مبادلة جديدة، فيأخذ كل واحد من المتعاقدين رأس ماله ببدل، وعلى ذلك تعتبر الملكية بالنسبة للغير أنها انتقلت من جديد إلى البائع بالإقالة، فمن اشترى داراً ولها شفيع، فلم يطلب الشفعة بعد علمه بالبيع، ثم أقال العاقدان البيع، فيثبت للشفيع حق طلب الشفعة ثانياً؛ لأن الإقالة عقد جديد في حقه.
وذهب زفر ومحمد والشافعية وأكثر الحنابلة إلى أن الإقالة بالنسبة للغير فسخ كما هو الشأن بالنسبة للعاقدين؛ لأن الإقالة هي الرفع والإزالة، ولأن المبيع عاد إلى البائع بلفظ لا ينعقد به البيع، فكان الاتفاق فسخاً كالرد بالعيب
المبحث الثاني
أثر الفسخ في الماضي والمستقبل
للفسخ أثر مستند، أي أثر رجعي منسحب على الماضي، في العقود الفورية كالبيع والمقايضة، فيوجب التراجع فيما نفذ من التزامات، ففسخ البيع يوجب التراد في المبيع والثمن، وكذا انفساخه بهلاك المبيع قبل التسليم يوجب رد الثمن المقبوض؛ لأن الالتزام فيه يصبح بلا سبب. وعلى ذلك لا يمكن طلب الشفعة عند الفسخ.
وينحصر الأثر الرجعي بالعاقدين وورثتهما عند الجمهور غير الحنفية القائلين بانتقال الخيار بالوراثة. أما غير المتعاقدين إذا اكتسب حقاً على العين المبيعة فلا يتأثر برجعية الفسخ، بل يمتنع الفسخ، وتلزم المتعاقدين الصفقة دفعاً للضرر عن الغير ، وأما العقود المستمرة أو عقود المدة التي يستمر تنفيذها مع توالي الزمن كعقد الإيجار أو الشركة، فإن الفسخ ليس له أثر رجعي، وإنما يسري على المستقبل فقط، وما مضى يكون على حكم العقد، فالفسخ أو الانفساخ يقطعان تأثير هذه العقود بالنسبة إلى المستقبل، ويظل ما مضى على حكم العقد، وكذلك للإقالة أثر رجعي كالفسخ، بشرط وجود محل العقد عند الإقالة، ووحدة الزمان، وتطابق الإيجاب والقبول، أي رضا المتقابلين وتوافق الإرادتين؛ لأن الإقالة رفع العقد، والمبيع محله، فإن كان هالكاً كله وقت الإقالة، لم تصح، وإن هلك بعضه، لم تصح الإقالة بقدره، ولأن الإقالة عند الجمهور فسخ العقد، والعقد وقع بتراضي العاقدين، فكذا فسخه، أما قيام الثمن وقت الإقالة فليس بشرط
هذا وقد بحث السيوطي أثر الفسخ بالنسبة للماضي بعنوان: هل يرفع الفسخ العقد من أصله أو من حينه؟ فقال
1- فسخ البيع بخيار المجلس أو الشرط: الأصح أنه من حينه
2- الفسخ بخيار العيب والتصرية: الأصح من حينه
3- تلف المبيع قبل القبض: الأصح الانفساخ من حين التلف
4- الفسخ بالتخالف بين البائع والمشتري: الأصح من حينه
5- السلم: يرجع الفسخ إلى عين رأس المال
6- الفسخ بالفلس: من حينه
7-الرجوع في الهبة: من حينه قطعا
8- فسخ النكاح بأحد العيوب: الأصح من حينه
9- الإقالة على القول بأنها فسخ: الأصح من حينه
ويلاحظ أن أغلب حالات الفسخ في رأي الشافعية ليس لها أثر رجعي