فسخ عقد النكاح بسبب غياب الزوج مدة طويلة

 المفاتيح

فسخ نكاح, غيبة الزوج , مدة طويلة , عدم الدخول بالزوجة , شهادة شهود عدول , يمين الاستظهار , تعذر التبليغ , إعلان في الصحيفة , حكم غيابي , فسخ النكاح بلا عوض , بينونة صغرى

السند

-قول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدةٍ تعتدونها.

-قول الرسول صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار.

-ما روي عن ابن عمر أنه قالل كتب عمر إلى أمراء الأجناد فيمن غاب عن نسائه من أهل المدينة، يأمرهم أن يرجعوا إلى نسائهم، إما أن يفارقوا، وإما أن يبعثوا بالنفقة ،فمن فارق منهم فليبعث بنفقة ما ترك.

-قول ابن تيمية في المستدرك على مجموع الفتاوى 4/21:  ”وحصول الضرر للزوجة بترك الوطء مقتضي للفسخ بكل حال، سواء كان بقصد من الزوج أو بغير قصد ولو مع قدرته وعجزه كالنفقة وأولى. للفسخ بتعذره في الإيلاء إجماعًا. وعلى هذا فالقول في امرأة الأسير والمحبوس ونحوهما ممن تعذر انتفاع امرأته به إذا طلبت فرقته كالقول في امرأة المفقود بالإجماع كما قاله أبو محمد المقدسي“.

– ما جاء في عمدة الطالب ” لو غاب زوج، وتعذرت نفقة الزوجة من مال الزوج، بأن لم يترك نفقة، ولم تقدر له على مال، وتعذرت الاستدانة ولو موسراً فلها الفسخ بإذن الحاكم، فيفسخها الحاكم بطلبها أو تفسخ بأمره“.

– القاعدة الفقهية ” الضرر يزال“.

الملخص

أقامت المدعية دعواها ضد زوجها المدعى عليه طالبة فسخ نكاحها منه؛ وذلك لأنه عقد عليها منذ مدة طويلة جدا إلا أنه لم يدخل بها ولم يسلمها باقي الصداق المتفق عليه، ثم غاب عنها ولا تعرف عنه شيئا مما أضر بها ضررا بالغا، وقد غاب المدعى عليه، وتعذر تبليغه بالدعوى فجرى إعلانه في إحدى الصحف المحلية، ثم تم سماع الدعوى ضده غيابيا ،وبطلب البينة من المدعية أحضرت شاهدين معدلين شرعا فشهدا بغياب زوجها منذ العقد ،ثم أدت المدعية يمين الاستظهار طبق ما طلب منها؛ ولذا فقد فسخ القاضي نكاح المدعية من عصمة زوجها من غير عوض، وأفهمها بأنها بانت من زوجها بينونة صغرى، وأنه لا عدة عليها لعدم الدخول أو الخلوة، وأفهمها ألا تتزوج حتى يكتسب الحكم القطعية، ثم صدق الحكم من محكمة الاستئناف مع تنبيه القاضي على أنه لا وجه لأخذ يمين المدعية في مثل هذه القضية.

 الوقائع

الحمد لله وحده، وبعد، فلدي أنا … القاضي في المحكمة العامة بتبوك، وبناء على المعاملة المحالة لنا من فضيلة رئيس المحكمة العامة بتبوك برقم …….  وتاريخ …….  المقيدة بالمحكمة برقم ……. وتاريخ ……. ،الخاصة بدعوى … ضد … بشأن دعوى فسخ نكاح،  وفي يوم الاثنين الموافق ……. افتتحت الجلسة الساعة ……. وفيها حضرت … سعودية الجنسية بموجب السجل المدني ذي الرقم …، المعرَّف بها من قبل أخيها … سعودي بموجب السجل المدني ذي الرقم …، ولم يحضر المدعى عليه فادعت المدعية قائلة فيدعواها: إن المدعى عليه الغائب عن مجلس الحكم … قد عقد علي بولاية والدي؛ وذلك بتاريخ ……. على صداق قدره خمسون ألف ريال، مسلَّمًا منها خمسة آلاف ريال لوالدي، وبقي خمسة وأربعون ألف ريال تسلم عند قيام الزفاف، ولم يدخل بي حتى الآن ،ولا أعرف عنه شيئًا؛ حيث تركني ما يقارب ثلاثة عشر عاماً لم يقم الزواج، ولم يطلقني، وقد أضر بي ذلك ضرراً بالغاً، فأطلب فسخ نكاحي منه، هذه دعواي. وبطلب البينة من المدعية على دعواها أحضرت للشهادة كلاً من: … سعودي الجنسية بموجب السجل المدني ذي الرقم …، و… سعودي الجنسية بموجب السجل المدني ذي الرقم …. وبسؤالهما عما لديهما من شهادة أجاب كل واحد منهما بمفرده قائلاً: أشهد أن المدعى عليه الغائب … قد عقد على المدعية بتاريخ ……. ولم يدخل بها، ولم يقم حفل الزفاف ،وهو مختفٍ منذ ثلاثة عشر عاماً ولا أعلم عن مكانه شيئًا، هكذا شهدا. وبطلب المدعية تعديل الشاهدين أحضرت كلاً من: … سعودي الجنسية بموجب السجل المدني ذي الرقم …، و… سعودي الجنسية بموجب السجل المدني ذي الرقم …، فشهدا بعدالة الشاهدين المذكورين، ثم قررتُ الكتابة لإمارة منطقة تبوك للبحث عن المذكور والإعلان عن موعد الجلسة القادمة في إحدى الجرائد الرسمية، ورفعت الجلسة حتى ورود الجواب .وفي جلسة أخرى حضرت المدعية والمعرِّف بها المثبتة هويتاهما سابقاً، وقد تمت مخاطبة إمارة منطقة تبوك، وقد تم الإعلان من قبل المدعية بجريدة … بالعدد ذي الرقم …، الموافق ليوم الثلاثاء الموافق ……. المرفق بالمعاملة، ولم يتقدم المدعى عليه للمحكمة ،ولا من يعرفه حتى تاريخ هذا اليوم، وقد تمت مخاطبة إمارة منطقة تبوك بخطابين للبحث عن المذكور، وقد وردتنا صورة من خطابي إمارة المنطقة الموجه لشرطة المنطقة للبحث عن المدعى عليه، وتحديد عنوانه؛ الأول برقم ……. والثاني برقم ……. ولم تردنا إفادة شرطة منطقة تبوك حتى تاريخه، ثم طلبت من المدعية يمين الاستظهار على صحة دعواها فحلفت قائلة بعد أن أذنت لها وذكرتها بعظم اليمين وخطرها: والله العظيم إن دعواي على المدعى عليه الغائب عن مجلس الحكم … صحيحة، وأنه عقد علي بولاية والدي؛ وذلك بتاريخ ……. على صداق قدره خمسون ألف ريال مسلَّمًا منها خمسة آلاف ريال لوالدي، والباقي خمسة وأربعون ألف ريال تسلم عند قيام الزفاف لم نستلم منها شيئاً، ولم يدخل بي حتى الآن، ولا أعرف عنه شيئًا، وتركني ما يقارب ثلاثة عشر عاماً لم يقم الزواج، ولم يطلقني، ولم ينفق علي، والله العظيم، هكذا حلفت؛ فبناءً على ما تقدم من الدعوى والإجابة، وشهادة الشاهدين المعدلين شرعاً ويمين الاستظهار من المدعية، وما جاء في خطابي إمارة المنطقة، والإعلان في الجريدة؛ وحيث إن مقصود عقد النكاح دفع الضرر عن الزوجين؛ وحيث إن غياب الزوج عن زوجته اثنتا عشرة سنة دون إقامة الزفاف والدخول فيه ضرر بالغ على الزوجة، والضرر منفي شرعاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” لا ضرر ولا ضرار“، ومن القواعد المعتبرة في الشرع الضرر يزال، ولما نص عليه الفقهاء من جواز التفريق بين الزوجين للغيبة إذا طلبت الزوجة التفريق المغني: 10/420 والمقنع والشرح الكبير والإنصاف تحقيق: عبدالله التركي: 12/460 ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية الاختيارات للبعلي: 324 ؛ ولما جاء في عمدة الطالب: ” لو غاب زوج، وتعذرت نفقة الزوجة من مال الزوج، بأن لم يترك نفقة، ولم تقدر له على مال، وتعذرت الاستدانة ولو موسراً فلها الفسخ بـإذن الحـاكـم، فـيفسخها الحاكم بطلبها ،أو تفسخ بأمره“ ؛ ولـما روى ابن أبي شيبة في مصنفه قال: ” أخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: كتب عمر إلى أمراء الأجناد فيمن غاب عن نسائه من أهل المدينة ،يأمرهم أن يرجعوا إلى نسائهم، إما أن يفارقوا؛ وإما أن يبعثوا بالنفقة، فمن فارق منهم فليبعث بنفقة ما ترك“؛ ولأن في غياب الزوج عن زوجته كل هذه المدة الطويلة ضررًا عليها بترك الوطء، وحرمانها من الأبناء. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وحصول الضرر للزوجة بترك الوطء مقتضٍ للفسخ بكل حال سواء كان بقصد من الزوج أو بغير قصد، ولو مع قدرته وعجزه كالنفقة، وأولى للفسخ بتعذره في الإيلاء إجماعاً، وعلى هذا القول في امرأة الأسير والمحبوس، ونحوها ممن تعذر انتفاع امرأته به إذا طلبت فرقته، كالقول في امرأة المفقود بالإجماع، كما قاله أبو المقدسي“ المستدرك على مجموع الفتاوى:4 /812 ؛ لذا فقد فسخت نكاح المدعية … من عصمة زوجها … من غير عوض، وأفهمتها بأنها بانت من زوجها بينونة صغرى لا تحل له إلا بعقد جديد مستكمل للشروط والأركان وانتفاء الموانع؛ وحيث قررت المدعية عدم حصول الوطء أو الخلوة فإنه لا عدة عليها لعموم قوله ،  وبذلك حكمت،  وأفهمتها بألا تتزوج،  ولا تستجيب لخاطب حتى يكتسب الحكم القطعية من محكمة الاستئناف ففهمت ذلك، وقررتُ رفعَ المعاملة كاملةً إلى محكمة الاستئناف بتبوك لتدقيق الحكم حسب المتبع، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. حرر في …….

الاستئناف

الحمد لله وحده، وبعد، فقد اطلعنا نحن قضاة دائرة الأحوال الشخصية في محكمة الاستئناف بمنطقة تبوك على المعاملة الواردة من المحكمة العامة بتبوك برقم ……. /٥٣ وتاريخ …….  ، المرفق بها الصك الصادر من فضيلة الشيخ/… – وفقه الله –  برقم  ……. وتاريخ ……. الخاصة بدعوى/…  ضد/…  بشأن دعوى فسخ نكاح . وبدراسة الصك وصورة ضبطه وأوراق المعاملة قررنا المصادقة على الحكم مع تنبيه فضيلته على أنه لا وجه لأخذ يمين المدعية في مثل هذه القضية، وأن على فضيلته بيان قرابة الشاهدين من الطرفين مستقبلاً، والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.