القضاء التجاري / المكتبة القانونية تصفّح المكتبة
يمثّل صدور قانون محكمة العدل العليا رقم (12) لسنة 1992 بداية الطريق في بناء نظام القضاء المزدوج في الأردن تمثّلت فيه الشرعية الدستورية والإيمان بإيجابيات القضاء المزدوج، كما أن صلاحية المحكمة لم يعد مقتصراً على دعاوي الإلغاء بل أصبح يشمل التعويض أيضاً.
وتعتبر دعوى الإلغاء دعوى قضائية لها طبيعة عينية وخصائص ذاتية تميّزها عن الدعاوي العادية بحيث تخضع لإجراءات متميزة عن قواعد المرافعات المدنية والتجارية هي إجراءات يوجّهها القاضي كما تقوم على أساس الصيغة الكتابية عن طريق المذكرات لاختلاف مركز الإدارة عن مراكز الأفراد في مواجهة المحاكم، وأنّ الحكم في نهايته ينص على مدى شرعية القرار المطعون فيه.
وإجراءات رفع الدعوى هي القواعد المنظمة للإجراءت الواجب اتباعها أمام المحكمة وتشمل لائحة الدعوى وإطارها العام وما تحتويه من بيانات ووقف التنفيذ والفصل في الدعوى وحجة الحكم وتنفيذه .
وقانون محكمة العدل العليا لسنة 1992 قد نهج منهجاً جديداً عمّا كان عليه الوضع لمحكمة التمييز وبصفتها محكمة عدل عليا والإجراءات في مختلف مراحل التقاضي جاءت محصلتها تتسم بالبساطة والاقتصاد بالمقارنة مع الإجراءت المدنية والتجارية .
مقدمة عامة
تعتبر دعوى الإلغاء حالياً دعوى قضائية بمعنى الكلمة، غير أنّ طبيعة هذه الدعوى العينية وخصائصها الذاتية قد ميّزتها عن سائر الدعاوى الأخرى، كما أنّ محكمة العدل العليا بموجب القانون الجديد رقم (12) لسنة 1992 لم يعد اختصاصها مقتصراً على دعاوى الإلغاء، وإنما أصبح يشمل أنواعاً أخرى وأهمّها دعاوى التعويض التي تختلف في طبيعتها عن دعاوى الإلغاء وسنبيّن فيما يلي – بإيجاز – طبيعة الإجراءات المتّبعة أمام المحاكم الإدارية وخصائص هذه الإجراءت كما يجملها شرّاح القانون :
تخضع الإجراءات المذكورة لقواعد مستقلّة متميّزة عن قواعد المرافعات المدنية والتجارية، وهذه هي السمة الذاتية التي يتّسم بها القانون الإداري والتي تعتبر أنّ القواعد القانونية للقانون الإداري من الناحية الموضوعية هي قواعد أصليّة وليست استثنائية من القانون الخاص (القانون المدني)، وكذلك الشأن بالنسبة لقواعده الشكلية والإجرائية، فهي لا تعتبر استثناء من قواعد قانون المرافعات. وقد ترتّب على هذه الخصيصة نتيجة هامة وهي أنه في حالة وجود نقص أو غموض في الإجراءات الإدارية فإنّ القاضي الإداري غير ملزم باتباع القواعد الواردة في قانون المرافعات المدنية والتجارية، بل عليه … أن يستمد القاعدة التي يتّبعها من واقع الحياة الإدارية وطبيعة العلاقات الإدارية المنظورة وضرورة سير المرافق العامة، وبهذا أصبحت قواعد الإجراءات الإدارية في معظم الحالات قواعد قضائية صاغها مجلس الدولة الفرنسي والقضاء الإداري بناءً على هذه الاعبتارات(1).
الإجراءات الإدارية هي إجراءات يوجّهها القاضي، فهي تختلف عن الإجراءات المدنية والتجارية التي يهيمن عليها الخصوم إلى حد كبير، فالقاضي الإداري يحمل عبء السير في الدعوى حتى نهايتها من حيث السير بها والتحقيق وفحص الأوراق والوثائق بحرية، ويقرّر متى تعتبر صالحة للفصل ويأمر بإدخال خصم في الدعوى(2).
تقوم الإجراءات الإدارية على أساس الصيغة الكتابية، فكل شيء يبحث كتابه عن طريق المذكرات(3). فالقاضي يوجّه الإجراءات كتابة ويصدر حكمه بناءً على ما تضمّنه ملف الدعوى من مذكرات وتقارير ومستندات ولذلك فإنّ دور المرافعات الشفهية ثانوي بحت، وكثيراً ما يقتصر على مجرد شرح ما ورد بالمذكرات المكتوبة دون إضافة جديدة(4).
تمتاز بالسبساطة والاقتصاد – بالمقارنة مع الإجراءات المدنية والتجارية – في النفقات نظراً لهيمنة القاضي الإداري عليها الذي يبسّط الإجراءات ويرفع كل ما يعطل أو يرهق الخصم، فالرسوم القضائية أقل نسبياً، كما أن الإعلان يتم بالطرق الإدارية، وكثيراً ما يخص المشرّع دعوى الإلغاء بإعفاء رافعها من دفع الرسوم مقدماً(5).
اختلاف مركز الإدارة عن مركز الأفراد في مواجهة المحاكم، إذ تتمتع الإدارة بمركز يختلف تمام الاختلاف عن مركز الأفراد سواء بالنسبة لرفع الدعوى أو الأحكام الصادرة فيها أو تنفيذ هذه الأحكام في مواجهتها، فالفرد هو الذي يتحمل عبء الإثبات في حال مقاضاته للإدارة لأنه في مركز المدّعي والإدارة في مركز المدّعى عليه، بينما الإدارة إذا كانت تدّعي حقاً في مواجهة أحد الأفراد فهي في معظم الأحوال تستطيع أن تتخذ قراراً بما تدّعيه وتلجأ إلى التنفيذ الإداري أو التنفيذ المباشر دون أن تنتظر حتى يحكم القضاء لها به، وهذا ما يسمى امتياز القرار النافذ كما في مجال الأحكام، فكل ما يملكه القاضي في مواجهة الإدارة هي الحكم بإلغاء القرارات الإدارية غير المشروعة أو الحكم بالتعويض المالي عن الأضرار التي لحقت بالأفراد من فعل الإدارة، أو من جرّاء سير المرافق العامة(6).
الفصل الأول
إجراءات رفع الدعوى
ويقصد بها القواعد المنظمة للإجراءات الواجب اتباعها أمام محكمة العدل العليا، وتشمل : لائحة الدعوى، وإطارها العام وما تحتويه من بيانات. وأول ما يلاحظ في هذا الصدد أن المشرّع الأردني في قانوني محكمة العدل العليا – القانون المؤقت رقم (11) لسنة 1989 والقانون الحالي رقم (12) لسنة 1992- لم يترك للمحكمة الناشئة فرصة تكوين قواعد الإجراءات التي يعمل بها أمامها – بل وضعت القواعد العامة الواجب اتباعها في الوقوانين، كما أنّ المشرّع نهج منهجاً جديداً يختلف عمّا كان عليه الوضع لمحكمة التمييز بصفتها محكمة عدل عليا في قانون تشكيل المحاكم النظامية رقم (26) لسنة 1952 ، حيث لم يتضمّن الأصول الإجرائية أمام هذه المحكمة ، بل كانت تتّبع الإجراءات كافة التي أوردها المشرّع في قانون أصول المحاكمات الحقوقية رقم (42) لسنة 1952 الملغى بالقانون الجديد، حيث ورد الفصل الثالث منه معنوناً بالأصول التي تتّبع أمام محكمة التمييز بصفتها محكمة عدل عليا (المادة 256)، أمّا القانون الجديد والمسمّى بقانون أصول المحاكمات المدنية رقم (249) لسنة 1988 فقد خصص الباب الحادي عشر منه للإجراءات المتّبعة أمام محكمة التمييز بصفتها محكمة عدل عليا (المواد من 223-228) .
المبحث الأول
لائحة الدعوى
نصت الفقرة (أ) من المادة (12) من القانون رقم (12) لسنة 1992 على أن (تقام الدعوى لدى المحكمة باستدعاء خطّي يقدّم إليها خلال ستين يوماً من تاريخ تبليغ القرار الإداري المشكو منه للمستدعي، أو من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية….) وأوضح القانون في المادة (13) الشروط الواجب توافره في الاستدعاء من حيث كونه موقّعاً من محام أستاذ، وأن يكون مطبوعاً على وجه واحد، وأن يدرج فيه موجز عن وقائع الدعوى ومضمون القرار المطعون فيه وأسباب الطعن والطلبات التي يريدها المستدعي في دعواه بصورة محدّدة . أمّا الوثائق التي يجب على المحامي إرفاقها بالاستدعاء وفقاً لما جاء في المادة (14) ملف القانون المذكور فهي :
القانون المطعون فيه إذا كان قد تمّ تبليغه للمستدعي .
2.البيّنات الخطّية وقائمة بأسماء الشهود
كما يجب أن يتضمّن ملف الدعوى إيصالاً يثبت دفع الرسوم المقرّرة، ثم وكالة قانونية للمحامي الذي وكّله المستدعي مدفوعاً عنها الرسوم القانونية حسب الأصول، وفي ضوء نصوص المواد المذكورة أعلاه توضّح البيانات التي تتعلق بلائحة الدعوى على النحو التالي :
المطلب الأول
المستدعي
يجب ذكر اسم المستدعي وعنوانه، واسم المحامي الأستاذ حيث اشترط القانون أن يكون الاستدعاء موقّعاً من محام أستاذ مارس المحاماة بهذه الصفة لمدة لا تقل عن خمس سنوات أو عمل في وظيفة قضائية لمدة مماثلة قبل ممارسته للمحاماة، يوكله المستدعي لتقديم الدعوى وتمثيله لدى المحكمة في جميع إجراءات المحاكمة وحتى صدور الحكم النهائي فيها على أن يستند المحامي إلى وكالة صحيحة تخوّله إقامة الدعوى، فإذا كانت الوكالة باطلة لأي سبب تردّ الدعوى شكلاً.
ويلاحظ هنا أن المشرّع أكد على هذا الشرط نظراً لأهمية التقاضي أمام محكمة العدل العليا والذي يحتاج إلى خبرة وكفاية معينة لا تتوافران إلاّ في طائفة المحامين التي أشارت إليها المادة (12) من قانون المحكمة، حتى لا تكون القرارات الإدارية والتصرّفات الحكومية محل اتهام وتأثيم بغير داعٍٍ ومبرر إذا ترك الأمر بغير ضابط، ولذا فإنّ توقيع المحامي يعدّ إجراءً جوهرياً يترتّب على إغفاله بطلان اللائحة.
هذا بالإضافة إلى أنّ هذا المسلك من المشرّع نجد له ما يبرّره في أنّ كثيراً من المتقاضين عندنا ما تزال تنقصهم الثقافة القانونية الكافية التي تسمح بالاستغناء عن المحامي، بحيث يخشى إضاعة الوقت والحق إذا استغنى المتقاضي عن محام يوجّهه وينبّهه.
كما يشترط القانون أن تتوافر في المستدعي ثلاثة شروط أساسيّة هي :
الصفة : فيجب لمن يباشر الدعوى أن تتوافر فيه الصفة سواء كان صاحب الحق نفسه، أو وكيله. وقد يكون المستدعي شخصاً معنوياً، وعندما يجب أن تكون اللائحة موقّعة من الشخص المفوّّض إليه التوقيع.
الأهليّة : ويقصد بها أهلية التقاضي والمثول أمام المحاكم، وأحكامها في القانون الإداري لا تختلف عنها في القانون المدني(7) ويتمتّع بأهلية الادّعاء كل شخص يتمتع بأهلية التعاقد، وكذلك الشخص المعني الذي يجب أن يكون قائماً من الناحية القانونية(8).
المصلحة : فالمصلحة هي مناط الدعوى فلا دعوى بدون مصلحة ويشترط في المصلحة :
أ- أن تكون شخصية وتتوافر حين إقامة الدعوى، وأن يكون القرار المطلوب إلغاؤه قد أثّر تأثيراً مباشراً في مصلحة المستدعي(9) (المادة) /ج/2) .
ب- أن تستمر المصلحة لحين انتهاء الدعوى(10).
ج- يكفي أن تكون المصلحة محتملة(11).
وقد تكون المصلحة التي مسّها القرار أدبية أو معنوية ولا يشترط أن تكون مادية فقط، وهذا ما ذهبت إليه محكمة العدل العليا بقولها ” ليس ضرورياً أن يكون القرار الذي يلحق بالمستدعي مادياً بل يكفي أن يكون القرار أدبياً أو معنوياً”، والجدير بالذكر أن الدفع بانعدام المصلحة من النظام العام، فيجوز إثارته في أي مرحلة من مراحل الدعوى ولا يسقط هذا الحق بالدخول في أساسها(12).
المطلب الثاني
المستدعي ضدّه
أولاً: الخصومة ضد مصدر القرار
والسؤال الذي يطرح هنا هو إلى من توجّه دعوى الإلغاء؟ ومن هو الخصم الحقيقي بها؟
القاعدة العامة في دعوى الإلغاء تقضي: أن دعوى الإلغاء ليست دعوى خصوم بالمعنى المتّفق عليه في الدعاوى العادية، وإنّما هي في الحقيقة اختصام للقرار الإداري المعيب ذاته(13)، وهذه الطبيعة العينية لدعوى الإلغاء رتّبت نتيجة هامّة، وهي، توجيه الخصومة إلى جهة مصدّر القرار أو من يمثلها، لذلك فإنّ اختصام جهة غير تلك الجهة يكون رفع الدعوى من جهة غير ذات صفة وتوجيهاً لها على غير خصم(14) على اعتبار أنّ دعوى الإلغاء توجّه إلى الجهة التي أصدرت القرار المعيب، كما أنها تملك حق إلغائه أو تعديله، وبهذا قضت محكمة العدل العليا حيث قضت بأنه يتوجّب ردّ الدعوى شكلاً إذا كان القرار المطعون به صادراً عن مجلس الوزراء وأقيمت الدعوى ضدّ الوزير البلديات، لأنّ دعوى الإلغاء تقام على مصدر القرار الإداري(15).
ويميّز عادةً بين حالة صدور القرار الإداري من جهة إدارية تتمتع بالشخصية الاعتبارية كالأشخاص الاعتبارية الإقليمية مثل مجالس المحافظات والمدن والقرى والمؤسسات العامة. ففي هذه الحالة ترفع الدعوى على ممثل الشخص المعنوي العام والناطق باسمه كالمحافظ ورئيس المجلس الحلي ورؤساء الهيئات والمؤسسات العامة إلاّ إذا نصّ قانون إنشائها على غير ذلك، كأن يكون رفع الدعوى على كامل المجلس – مجلس المؤسسة أو الهيئة العامة، أو رئيس مجلس الإدارة معاً.
أما في حالة صدور القرار من جهة إدارية لا تتمتع بالشخصية الاعتبارية فإنّ توجبه الدعوى يكون إلى الوزير أو من يمثّل الجهة الإدارية قانوناً، وتفريعاً عليه فإنّ الوزير يمثّل الدولة بالنسبة إلى الإدارات التابعة له .
وبالرجوع إلى قانون محكمة العدل العليا نجد أنّ المادة العاشرة نصّت على أن تقام الدعوى لدى المحكمة على أن من أصدر القرار المطعون فيه، فالخصم في دعوى الإلغاء وفق أحكام القانون هو مصدر القرار محل الطعن وهذا ما أكدته محكمة العدل العليا في قرارها رقم (8/78، حيث قضت “أن الخصم في دعوى الإلغاء هو مصدر القرار فمثلً إذا أصدر مجلس العمداء في الجامعة الأردنية القرار المشكو منه فهو الخصم في دعوى الإلغاء”.
ثانياً: التدّخل في الخصومة
نصّت المادة (25) من قانون محكمة العدل العليا على أنه يجوز لمن له علاقة بدعوى قائمة لدى المحكمة ويتأثر بها من حيث نتيجة الحكم الذي تصدره المحكمة أن يطلب منهما إدخاله في الدعوى كشخص ثالث، كما جعل المشرّع للمحكمة سلطة تقديرية بقبول طلبه إذا اقتنعت بالأسباب التي يقدّمها وبيّناته عليها وإدخاله كشخص ثالث في الدعوى.
وإذا ما تمّ القبول فعلى الشخص الذي قُبل طلبه أن يتقدّم بلائحة دفاعية خلال (15) يوماً من تاريخ تفهيمه أو تبليغه القرار بقبوله طلبه، وبالتالي فإنّ الأحكام التي تسري على هذه اللائحة هي الأحكام التي تسري على الاستدعاءات واللوائح المنصوص عليها في القانون (المواد 13 ، 14 ، 15)، وبعد ذلك يتم تبليغ اللائحة إلى طرفي الدعوى، ولكلّ منهما الردّ خلال عشرة أيام من تاريخ تبليغها إليه، وبعد انتهاء مدّة الرد من طرفي الدعوى، يدعى الشخص الثالث لحضور المحاكمة، كما يحق له تقديم بيّناته ومرافعاته بعد انتهاء طرفي الدعوى من بيّناتهما ومرافعاتها على النحو الذي سنذكره تفصيلاً فيما بعد (الفقرات: أ ، ب ، ج من المادة (25).
أمّا ما أخذت به محكمة العدل في أحكامها قبل صدور قانونها الحالي لعام 1992، فقد كانت تتّبع في إجراءات التقاضي قانون أصول المحاكمات القضائية، حيث أجازت إدخال شخص ثالث بالدعوى متى كانت الدعوى في الأصل صحيحة ومقامة على خصم حقيقي استناداً إلى أحكام قانون أصول المحاكمات الحقوقية، فقضت في حكم لها عام 1985 (….أنّ المواد 48 ، 49 ، 50، من قانون أصول المحاكمات الحقوقية لا تجيز إدخال الشخص في الدعوى كمدّعى عليه ما لم تكن الدعوى في الأصل صحيحة ومقامة على خصم حقيقي”. وفي حكم آخر قضت أنه “لا يجوز إدخال أي شخص بالدعوى ما لم تكن الدعوى في الأصل صحيحة ومقامة على خصم حقيقي سنداً لنص المادة من قانون أصول المحاكمات الحقوقية” (16).
ونرى في هذا الصدد أنّ المشرّع قد سلك المسلك السليم في قانون محكمة العدل من جواز إدخال شخص ثالث متى اقتنعت المحكمة بطلبه وتأثّره بالحكم الصادر منها تحقيقاً لمبدأ عدالة التقاضي والمساواة التي تكفل للإنسان حق الدفاع عن حقوقه وحرياته.
ثالثاً: تصحيح الخصومة :
وهذه الحالة أنّه إذا أقيمت الدعوى ضد شخص غير مصدر القرار، وإذا لم يدع جميع مصدري القرار كمستدعي ضدّهم، فهل تصحيح الخصومة بدعوة الخصم الحقيقي؟ إنّ قانون محكمة العدل العليا الجديد لم يتضمّن نصاً صريحاً وواضحاً في هذا الموضوع باستثناء ما أشارت إليه المادة العاشرة في عبارتها الأولى بقولها “وتقام الدعوى على من أصدر القرار المطعون فيه…” ,بالرجوع إلى أحكام محكمة العدل العليا “على النحو الذي ذكرته آنفاً”، حيث ذكرت بعدم جواز ذلك ، نجد أنّ الدعوى تكون حقيقية بالردّ لعدم الخصومة، وهذا ما قضت به حيث ذكرته بأنه “إذا أقيمت الدعوى على مجلس أمانة العاصمة، ولم تقم على أمين العاصمة الذي أصدر القرار المطعون فيه فإنّ الدعوى تكون حقيقة بالردّ لعدم الخصومة، ولا يقبل طلب وكيل المستدعي بتعديلها وإضافة أمين العاصمة كمسدعي ضده “وفي حكم حديث لها أكدت بأنه لا يقبل طلب وكيل المستدعية بتعديل لائحة الدعوى وإضافة مسجل العلامات التجارية – مصدّر القرار – كمستدعي ضده …”(17).
رابعاً : تمثيل المستدعي ضدّه
وفقاً لأحكام قانون محكمة العدل العليا يتولّى رئيس النيابة العامة الإدارية أو من يفوّضه خطيّاً من مساعديه تمثيل الشخص الذي أصدر القرار الإداري إذا كان من أشخاص الإدارة العامة (الوزارات والدوائر التابعة لها) ويقوم بجميع الإجراءات الخاصة بالدعوى ولآخر مرحلة من مراحلها (المادة 5/ج) – أمّا إذا كان المستدعي ضدّه من غير أشخاص الإدارة العامة، كالنقابات المهنية، فلا تقبل اللائحة الجوابية إلاّ إذا كانت موقّعة من محام أستاذ يوكله المستدعي ضده لذلك الغرض ولتمثيله في جميع إجراءات المحاكمة في الدعوى وحتى صدور الحكم النهائي فيها (المادة 17/ب) .
المبحث الثاني
القرار المطعون فيه
نصّت المادة (14/أ) على أنّه “يجب أن يرفق القرار المطعون فيه بلائحة الدعوى إذا ما تمّ تبليغ المستدعي فيه، أمّا إذا لم يتبلّغ المستدعي بالقرار المطعون فيه فيحق للمحكمة أن تطلب من مصدّر القرار بإعطاء المستدعي نسخة أو صورة طبق الأصل عنه “وهذا النص يشير إلى أنّه يجب أن يكون هناك قرار إداري قد صدر بالفعل سواء كان هذا القرار صريحاً أو ضمنياً وأن تتوافر فيه شروط القرار الإداري القابل للطعن، وهي(18):
أن يكون القرار الإداري صادراً عن سلطة إدارية وطنية تطبّق قوانين البلاد وتستمد سلطتها منها ويكون معبّراً عن الإرادة الذاتية لهذه السلطة بوصفه سلطة عامة وطنية، سواء كانت هذه السلطة مركزية كمجلس الوزراء، أو الوزير أم سلطة لا مركزية كمجالس البلديات ومجالس المؤسسات العامة(19).
أن يكون القرار نهائياً تنفيذياً، ويكون القرار الإداري نهائياً إذا صدر عن سلطة إدارية دون حاجة إلى تصديقه من سلطة إدارية أعلى أو أنّه صدر من الجهة التي أصدرته بصفة نهائية(20)، وقد أكّد المشرّع الأردني هذا الوصف في إعداد المواد المحدودة لاختصاص محكمة العدل العليا في التشريعات المتعاقبة الخاصة بهذه المحكمة في المادة (9) من القانون الحالي الخاص بمحكمة العدل العليا حيث نجد المشرّع يتكلم عن الطعون التي يقدّمها ذوو الشأن في القرارات الإدارية النهائية.
أن يكون للقرار الإداري تأثير في المركز القانوني للمستدعي باعتبار أنّ أهميّة القرار الإداري تنبع من الأثر القانوني الذي يترتّب عليه حالاً ومباشرة، فالقرار الصادر بفصل موظف فمحله هو قطع العلاقة بين الإدارة وذلك الموظف. وأثر القرارات الإدارية تنحصر عادةً إمّا بإنشاء أو إلغاء أو تعديل المراكز القانونية(21). ويتحقّق هذا الشرط في دعوى الإلغاء بأن يتواجد المستدعي في حالة قانونية يؤثّر فيها القرار الإداري تأثيراً مباشراً(22).
أن يكون القرار خاضعاً للطعن أمام محكمة العدل العليا عند صدوره، وهذا تطبيق للمبادئ المستقرة في الفقه والقضاء الإداريين التي تقضي بأنّه لا تسري أحكام القوانين إلاّ على ما يقع من تاريخ نفاذها ولا يترتّب عليها أثر فيما يقع قبلها ما لم ينص على خلاف ذلك بنص صريح(23)، وبالتالي فإنه لا يجوز الطعن بالإلغاء في القرارات الإدارية قبل تاريخ العمل بقانون محكمة العدل العليا التي لم تكن مستهدفة حينئذ للإلغاء بالطريق القضائي.
ومن جهة ثانية فإنّه يتوجّب أن يكون القرار من ضمن القرارات الجائز الطعن فيها حيث إنّه ما زال اختصاص المحكمة إختصاصا محدداً بالمسائل التي أوردها القانون على سبيل الحصر في المادة (9) منه حيث لم تحظ المحكمة بموجب قانونها بالولاية العامة على جميع القرارات الإدارية، بل ما زال هناك طائفة منها خارج نطاق اختصاصها .
القرار الضمني :
الأصل أن تتجسّد إرادة الإدارة في القرار الإداري في مظهر خارجي بأن تُعلن الإدارة عن إرادتها، أمّا إذا التزمت الإدارة الصمت فلا يمكن أن يترتب على إرادتها أثر ما، لأنّ القرارات الإدارية المختلفة إنّما تصدر بقصد إلزام الأفراد بعمل أو امتناع عن أو لتحقّق بالنسبة لهم أثراً قانونياً معيناً، بحيث لا بدّ أن تتّخذ القرارات مظهراً خارجياً حتى يعلم بها الأفراد ويرتّبون تصرفاتهم وفقاً لأحكامها، وهذا هو الأصل(24).
ولكن في بعض الأمور يتقدّم الأفراد إلى الإدارة بطلبات تمنع الإدارة عن الردّ على هذه الطلبات بالرفض أو القبول، وقد يكون صمتها تعسّفاً أو تعنّتاً منها، في مثل هذه الحالة – حالة سكوت الإدارة – خلال فترة زمنية معينة جعله المشرّع بمثابة قرار الرفض، فقد نصّت الفقرة (ب) من المادة (12) من قانون محكمة العدل العليا أنّه في حالة رفض الجهة المختصّة اتخاذ القرار أو امتناعها عن ذلك وفقاً لما هو مبيّن في المادة (11) فتبدأ مدّة الطعن بعد انقضاء ثلاثين يوماً من تاريخ تقديم المستدعي طلباً خطياً لتلك الجهة لتّتخذ ذلك القرار .
وفي رأينا أنّ القرار الضمني الذي يعتبر في حكم القرار القابل للطعن هو رفض السلطة الإدارية أو امتناعها عن اتخاذ أي قرار كان من الواجب اتخاذه وفقاً للقوانين والأنظمة.
وذهبت محكمة العدل العليا بأن امتناع الإدارة عن تنفيذ حكم بإلغاء الانتخابات يعتبر قراراً ضمنياً بالرفض حيث قضت عام 1986 بأنّه “يعتبر امتناع وزير الشؤون البلدية والقروية عن اتخاذ قرار بتنفيذ القرار القطعي الواجب التنفيذ حسب أحكام القانون والصادر عن محكمة البداية والقاضي بإلغاء عملية الانتخاب لبعض صناديق المجلس البلدي قراراً ضمنياً بالرفض…..”(25).
المبحث الثالث
وقائع الدعوى
المطلب الأول
شروط استدعاء الدعوى
نصّت المادة (13/ب) قانون محكمة العدل العليا أنّه يشترط في استدعاء الدعوى التي تقام لدى المحكمة ما يلي :
أن يدرج فيه موجز عن وقائع الدعوى .
أن يتضمّن الاستدعاء مضمون القرار المطعون فيه حتى يتسنّى للمحكمة الوقوف على موضوع الطلب وسرعة البت فيه.
أن يتضمّن الاستدعاء أسباب الطعن بالقرار المطعون فيه .
أن يتضمّن الطلبات التي يريدها المستدعي من دعواه بصورة محدّدة .
ويتقيّد المستدعي والمستدعى ضدّه بما ورد في اللائحة، فلا يجوز لأي منهما أن يورد أثناء النظر في الدعوى أي وقائع أو اسباب لم تكن قد أدرجت في استدعاء الدعوى أو اللائحة الجوابية أو الردّ عليها (المادة 19/أ ، ب)، إنّ أي وقائع أو أسباب أوردها أي من طرفي الدعوى تعتبر مسلماً بها من قِبَل الطرف الآخر، إذا لم ينكرها صراحةً وبصورة محددة في اللائحة الجوابيّة بالنسبة للمستدعى ضدّه أو الردّ عليها بالنسبة للمستدعي .
وبهذا نلاحظ أن للمحكمة الحقّ بردّ الدعوى في أي مرحلة من مراحل المحاكمة إذا لم تكتمل الأصول الواجب مراعتها في لائحة الدعوى، وذلك دون أن يطلب أي من الطرفين ذلك.
المطلب الثاني
الأسباب القانونية
والمقصود بالأسباب القانونية هي الأسباب التي جعلت صاحب المصلحة يطعن في القرار الإداري، وأنّه من الواجب على المستدعي أن يذكر هذه الأسباب في لائحة دعواه، فإذا خلت اللائحة من ذكر هذه الأسباب فإنّ الدعوى تردّ شكلاً.
وقد نصّ قانون محكمة العدل العليا (المادة 10) على أنّه يشترط أن تستند أي دعوى تقدّم إلى المحكمة إلى سبب أو أكثر من الأسباب التالية :
عدم الاختصاص .
مخالفة الدستور أو القوانين أو الأنظمة أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها .
اقتران القرار أو إجراءات إصداره بعيب في الشكل .
إساءة استعمال السلطة.
ويكفي أن يذكر المستدعي في لائحة دعواه أن القرار مخالف للقانون ومشوب يعيب إساءة استعمال السلطة أو عدم الاختصاص أو مخالفة الشكل لتبسط محكمة العدل رقابتها على القرار الإداري، ولا يشترط أن يذكر المستدعي في لائحة دعواه وجه مخالفة القانون ووجه إساءة استعمال السلطة ووجه مخالفة الشكل .
وقد قضت محكمة العدل في حكم لها صدر عام 1968 بأنّه “إذا ذكر المستدعي في لائحة دعواه أنّه يطعن بقرار الاستغناء استناداً الأحكام المادة العاشرة من قانون تشكيل المحاكم النظامية التي لم يذكر رقمها صراحة سهواً، وإذا أجازت هذه المادة الطعن بالقرارات الإدارية بسبب عدم الاختصاص ومخالفة القانون وإساءة استعمال السلطة، فإنّ دعوى المستدعي تكون مستندة إلى أحد هذه الأسباب وهو سبب مخالفة القانون للقرار الذي ذكره المستدعي أثناء المرافعة التمهيدية وفهمه رئيس النيابة العامة بأنه سبب الطعن إذا ذكر في لائحته الجوابية أنّ القرار غير مخالف للقانون(26).
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ قواعد الاختصاص تعتبر من النظام العام، وأنّ عيب عدم الاختصاص كان ولا يزل حتى اليوم هو الوجه الوحيد من أوجه الإلغاء الذي يتعلّق بالنظام العام، ويترتب على ذلك نتيجة هامّة وهي أنّ القاضي يستطيع بل عليه أن يتصدّى لعيب الاختصاص من تلقاء نفسه ولو لم يثره طالب الإلغاء(27)؛ فلذا نرى أنّه يجوز إثارته أمام محكمة العدل العليا حتى ولو لم يثر في لائحة الدعوى، كما يجوز لمحكمة العدل العليا بل عليها أن تثيره من تلقاء نفسها، وباستثناء هذا السبب من أوجه الإلغاء فإنّه يجب على المستدعي أن يذكر أسباب الطعن في القرار الإداري في دعواه، ولا يجوز له أن يثير أي سبب آخر لم يثره في لائحة الدعوى حتى ولو ورد هذا السبب في المرافعة، وهذا ما ذهبت إليه محكمة العدل في أحكامها حيث تقول : “إذا لم يرد ادّعاء بإساءة استعمال السلطة أو التأديب المقنع في لائحة الدعوى وإنّما ورد في المرافعة فإنّ هذا الادّعاء لا يكون مسموعاً”.
أمّا إذا حدّد المستدعي السبب الذي من أجله يدّعي أن القرار مخالف للقانون أو مشوب بإساءة استعمال السلطة، فلا يجوز أن يتعدّى البحث أمام محكمة العدل العليا هذا السبب، وقد جاء في قرار محكمة العدل العليا “بالرجوع إلى لائحة الدعوى يتبيّن أنّ هذا السبب ينحصر في القول بأنّ القرار مخالف للقانون وللمادة (143) من نظام الخدمة المدنية لعلة واحدة وهي أنّ الإجراءات التي اتخذت بحق المستدعي دون أن تكون هناك شكوى مقدمة بحقّه من جهة مختصة بتقديمها”.
وقد عالجت محكمة العدل العليا هذا السبب وقرّرت ردّه، واستطردت “أمّا القول بأن القرار مخالف لأحكام هذه المادة بحجة أنّه لا يجوز اتخاذ الإجراءات المنصوص عليها فيها ما لم تكن الشكوى مما يستطاع النظر فيها بناء على تهم معينة، وأنّ الشكوى لم تكن من هذا القبيل بل هي شكوى بتهم معينة؛ فإدّعاء لا يجوز البحث فيه أصلاً لأنّه خارج عن نطاق أسباب الطعن المبيّنة في لائحة الدعوى، وقد استقرّ الفقه والقضاء على أنّه يمتنع إيراد أسباب طعن خلاف الأسباب المبيّنة في اللائحة(28).
كما يظهر أن الطريقة الوحيدة التي يستطيع المستدعي إضافة أسباب جديدة للطعن في القرار الإداري هو طلب تعديل الدعوى، ويجوز للمحكمة إجابة طلب التعديل بعد انقضاء المدة المحدّدة قانوناً للطعن بالقرار الإداري(29).
المبحث الرابع
الطلبات في الدعوى
من بين البيانات الواجب أن تتضمّنها لائحة الدعوى المقدّمة من المستدعي – فضلاً عن البيانات المتعلقة بأسماء الخصوم وصفاتهم ووقائع الدعوى – طلبات المستدعي نفسه من محكمة العدل العليا صاحبة الاختصاص، حيث إنّ صلاحية المحكمة كما هو معروف هي صلاحية إلغاء القرارات المعيبة لا صلاحية إنشاء(30).
ويجب أن يكون طلب الإلغاء صريحاً وواضحاً في لائحة الدعوى وذلك شية انقضاء مدد التقضاي وهي عادة قضيرة، ولكن إذا خلت لائحة الدعوى من طلب الإلغاء صراحة فما هو موقف القضاء من هذا؟ جرى مجلس الدولة في فرنسا ومصر في أول الأمر على عدم التشدّد في هذا الصدد. فإذا ما جاءت الدعوى ناقصة فيسمح بتكملة هذا النقص فيما بعد بشرط تقديم ذلك خلال ميعاد الطعن.
فمن أحكام مجلس الدولة المصري قوله “إذا كان طلب الإلغاء لم يرد صراحة في طلبات المدعي بل كان مستفاداً من عموم هذه الطلبات وأقواله الواردة في لائحة الدعوى والتي تشتمل عليه ضمناً، فهذا كاف لتكييف حقيقة الدعوى….”. كما أن محكمة العدل العليا سلكت هذا المسلك في أول الأمر وقضت في قرارها رقم (410/60) بأنّه “بمجرد الطعن في قرار إداري يفيد ضمناً طلب إلغائه وبالتالي فإنّ خلو لائحة الدعوى من طلب الإلغاء لا يستلزم ردّها”.
ثم عدلت المحكمة عن موقفها هذا فيما بعد إلى التشدّد كما جاء في قرارها (94/65) حين ذكرت “إذا لم تتضمّن لائحة المطالبة بإلغاء القرار الإداري المشكو منه وإنّما اقتصرت على سرد الوقائع فإنها بالنسبة لذلك لا تخرج عن كونها حكاية حال لا يترتّب عليها حكم، فإذا أورد المستدعي طلب الإلغاء في الجلسة الأخيرة للدعوى وليس في لائحتها فيكون طلبه متأخراً بعد انقضاء مدّة الطعن بالإلغاء، وتعتبر الدعوى غير مستوفية لشروطها القانونية ويتوجّب ردّها شكلاً”(31).
ولهذا فإنّه يشترط للطعن في القضايا التي ترفع إلى محكمة العدل العليا أن تتضمّن بوضوح ظاهر في لائحة الدعوى المطالبة بإلغاء القرار الإداري المطعون فيه(32). هذا بالإضافة إلى ما جاء في نص المادة (13/2) من قانون محكمة العدل العليا بأن يدرج في لائحة الدعوى الطلبات التي يريدها المستدعي في دعواه بصورة محدّدة .
والأصل أنّ كل قرار معيب يجب أن يقوم بإلغائه طلب مستقل، ولكن يلاحظ أنّ القضاء الإداري قد لطّف من هذه القاعدة في العمل من ناحيتين:
أولاً : قبول بعض الطلبات الجماعية
القاعدة العامة التي جرى عليها القضاء في البداية هي عدم قبول الطلبات الجماعية، وإذا ما قدّم طلب يحمل أكثر من توقيع كان مجلس الدولة في فرنسا يجري على قبوله بالنسبة لمن ورد اسمه أولاً في طلب العريضة لا لمن وقّع أولاً، ولكنّه يقبل الطلبات الجماعية استثناءً إذا ما اتحّدت مصلحة الجميع في الإلغاء بحيث لا يحتاج المجلس إلى بحث حالة كل منهم على حدة(33)، وعلى هذا الأساس يقبل الدعاوى الجماعية بإلغاء القرارات التنظيمية المعيبة باستمرار.
كما أقرّت محكمة العدل العليا هذا المبدأ في أحكامها حيث ذكرت أن المدّعين تجمعهم وحدة المصلحة في الدعوى مما يسوغ رفعهم دعوى واحدة(34). أمّا قانون محكمة العدل فلا يوجد فيه نص يحول دون إمكانية قبول الطلبات الجماعية.
ثانياً : قبول دعوى واحدة بطلب إلغاء عدّة قرارات إدارية
وذلك إذا ما طلب شخص واحد إلغاء عدّة قرارات إدارية بدعوى واحدة، والقاعدة العامة في القضاء الإداري في فرنسا ومصر والأردن تجري على عدم قبول الدعوى إلاّ بالنسبة للقرار الذي يكون محلاً للطلبات الرئيسية، وفي حالة الشك لا تقبل الدعوى إلاّ بالنسبة إلى القرار الذي يذكر أولاً قي عريضة الدعوى، ولكن استثناءً يمكن تقبّل دعوى إلغاء عدّة قرارات إذا ما قام بينها اتصال وثيق(35).
وأخيراً، فإنّ المشرّع أجاز في قانون محكمة العدل العليا أن ترفع دعوى الإلغاء ودعوى التعويض بعريضة واحدة حيث ذكرت الفقرة (ب) من المادة (9) “تختص المحكمة في طلبات التعويض عن القرارات والإجراءات المنصوص عليها في الفقرة (أ) السابقة من هذه المادة سواء رفعت إليها بصفة أصلية أو تبعية”.
الفصل الثاني
إجراءات نظر الدعوى أمام المحكمة والفصل فيها
اتّبع المشرّع في القانون الجديد لمحكمة العدل العليا أسلوباً مميزاً في إجراءات نظر دعوى الإلغاء أمام محكمة العدل العليا سواء من حيث تحضيرها أو الجهة التي تمثّل مصدر القرار الإداري المطعون فيه، أو من حيث أسلوب الإثبات المتّبع أمامها، أمّا سلطة القاضي في إصدار الحكم فقد نجدها محدودة. فعند تقديم الاستدعاء إلى رئيس الكتّاب يدفع المستدعي الرسوم المقرّرة والتي لا تقل عن عشرة دنانير ولا تزيد على خمسمائة دينار، فإنّ المحكمة تضع يدها على الدعوى، ويبلّغ المستدعي ضدّه الاستدعاء مرفقاً بالبيانات الخطية وقائمة بأسماء الشهود، ويرفق صورة عنه القرار المطعون فيه. وسنوضّح ذلك كله في المباحث التالية :
المبحث الأول
اللائحة الجوابية
بعد تبليغ المستدعي ضدّه بصورة عن لائحة الدعوى المقدّمة من المستدعي يترتّب على المستدعي ضدّه أن يقدّم لائحة جوابية للردّ على استدعاء الدعوى خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تبليغه الاستدعاء، ولرئيس محكمة العدل تخفيض هذه المدة بناءً على طلب المستدعي أو تمديدها بناءً على طلب المستدعي ضدّه، وفي الحالتين أن يقدّم الطلب معلّلاً خلال المدة الأصلية لتقديم لائحة الدعوى وهي (15) يوماً، وينظر الرئيس في هذا الطلب في جلسة واحدة يعقدها الرئيس ليثبت كل منهما الأسباب التي أوردها في طلبه دون غيرها، وتبدأ المدة المخفّضة أو المدة الإضافية التي شملها التمديد من تاريخ موافقة رئيس المحكمة على الطلب، وهذا ما أكّدته المادة (17/أ) من قانون محكمة العدل العليا.
وتتلخص مراحل تقديم اللائحة الجوابية على النحو التالي :
أن تقدّم اللائحة الجوابية خلال (15) يوماً من تاريخ تبليغ الاستدعاء للمستدعي ضدّه.
يمكن زيادة أو إنقاص المدة بناءً على طلب المستدعي أو المستدعي ضدّه خلال المدة.
وهنا يثور التساؤل، إذا كانت الدعوى المقامة على أشخاص غير أشخاص الإدارة العامة في الحكومة، فمن يمثلهم؟ وكيف تقدّم اللائحة الجوابية؟ قلنا بأنّ القانون اشترط على المستدعي أن يمثّله محام – أستاذ مارس المحاماة لمدة خمس سنوات أو عمل في القضاء لمدة مماثلة، وللعدالة فإنّ القانون طبّق هذا الشرط نفسه على المستدعي ضدّهم من غير أشخاص الإدارة العامة في الحكومة، حيث اشترط أن توقّع اللائحة الجوابية من محام أستاذ لتمثيلها أمام المحكمة في جميع إجراءاتها، وقد نصّت المادة (17/ب) “إذا كانت الدعوى مقامة على جهة أخرى من غير أشخاص الإدارة في الحكومة فلا تقبل اللائحة الجوابية فيها إلاّ إذا كانت موقّعة من محام أستاذ مارس المحاماة بهذه الصفة لمدة لا تقل عن خمس سنوات أو عمل في وظيفة قضائية لمدة مماثلة قبل ممارسته للمحاماة يوكله المستدعي ضدّه لذلك الغرض ولتمثيله في جميع إجراءات المحاكمة في الدعوى وحتى صدور الحكم النهائي”.
كما اشترط القانون أن تكون اللائحة الجوابية بالشروط نفسها التي اشترطها على الاستدعاء المقدّم من المستدعي من حيث أن تكون اللائحة مطبوعة بوضوح على وجه واحد وأن يرفق باللائحة الجوابية البيانات الخطّية التي يستند إليها المستدعي في إثبات ما يريد إثباته، وأن تقدّم اللائحة الجوابية إلى رئيس الكتّاب في المحكمة مع المرفقات وعلى ثلاث نسخ، وهذا ما نصّت عليه الفقرة (ب) من المادة (13) وأحكام المواد ( 14 ، 15 ، 21).
وتعتبر المرفقات الخطّية التي يقدّمها المستدعي ضدّه إلى المحكمة مع اللائحة الجوابية هي الممثلة لبيّناته إلاّ إذا تقدّم بلائحة إضافية لتوضيح أو تفصيل أي من الأسباب التي أوردها في اللائحة الجوابية وخلال المدة التي تقرّرها المحكمة، أمّا إذا لم يتقدّم بلائحة إضافية خلال هذه المدة التي حدّدتها المحكمة فإنّه لا يجوز للمستدعي ضدّه أن يقدّم أي وقائع أو أسباب لم تكن قد أدرجت في اللائحة الجوابية تحت طائلة عدم قبولها.
ولكن السؤال الذي يطرح : ماذا يترتب على المستدعي ضدّه إذا لم يقدّم اللائحة الجوابية خلال المدة المقرّرة وهي (15) يوماً من تاريخ تبليغه الاستدعاء؟ الإجابة على ذلك جاء في قرار محكمة العدل العليا رقم (55.25) “عدم تقديم المستدعى ضدّه لائحة جوابية بعد تبليغه قرار محكمة العدل العليا المؤقت الذي تدعوه فيه لبيان المستدعى ضدّه في لائحة جوابية بعد تبليغه القرار المشكو منه، وتعيّن مدة لتقديم اللائحة الجوابية إذا رغب في إصدار قرار قطعي في القضية يعتبر تسليماً منه في الوقائع الورادة في الاستدعاء”(36).
الوقائع الواردة في استدعاء الدعوى :
ومن ذلك أن المستدعي ضدّه إذا لم يتقدم للمحكمة باللائحة الجوابية خلال مدة (15) يوماً ولم يقدّم للمحكمة طلباً لتمديد هذ المدة فإنّه يكون مسلّماً بما جاء في الوقائع الواردة في الاستدعاء، ولكن : هل يجوز له أن يتقدّم باللائحة الجوابية أو الإضافية خلال المدّة المقرّرة؟ هذا ما جاء في قرار المحكمة رقم (62/68) : “ليس في القانون ما يمنع من تقديم لائحة إضافية إلى اللائحة الجوابية خلال المدة القانونية”(37).
وكذلك يجوز للمستدعي ضدّه أن يتقدّم بلائحة إضافية في أي مرحلة من مراحل الدعوى كما يحق ذلك للمستدعي ويجب أن يكون ذلك بناءً على تكليف من المحكمة، وكذلك يجوز للطرفين أن يتقدّما بطلب للمحكمة بتقديم لائحة إضافية، وعند موافقة المحكمة تقدّم اللائحة الإضافية، وقد نصّت المادة (18/أ) من قانون المحكمة “للمحكمة أن تكلّف الطرفين في أي دعوى مقامة لديها أو أياً منهما تقديم لائحة إضافية أو أكثر لتوضيح أوتفصّل أياً من الوقائع أو الأسباب الواردة في استدعاء الدعوى أو في اللائحة الجوابية عليه أو في الردّ على هذه اللائحة سواءً قبل المباشرة في نظر الدعوى أو في أي مرحلة من مراحلها”. وإذا لم تقدّم هذه اللائحة الإضافية ضمن المدة التي حدّدتها المحكمة فإنه لا يجوز لأي من الطرفين الاستناد إليها في دعواه أو تقديم أي بيّنه بشأنها.
المستدعي ضده مصدّر القرار لائحة جوابية، وكانت المحكمة قد دعت شخصاً ثالثاً أو تدخّل شخص ثالث في الدعوى حيث يجوز لمن له علاقة بدعوى قائمة لدى المحكمة ويتأثر من نتيجة الحكم الذي سيصدر عنها أن يطلب إدخاله فيها كشخص ثالث، ويترتب على ذلك أن يقدّم الشخص الثالث اللائحة بدفاعه خلال (15) يوماً من تاريخ تفهيمه أو تبليغه القرار بقبول الطلب، ويشترط في هذا اللائحة نفس شروط الاستدعاء المقدّم من المستدعي في (لائحة الدعوى) وكذلك نفس شروط اللائحة الجوابية المقدّمة من المستدعي ضدّه المذكور، المواد (13 ، 14 ، 21). ومن ذلك نخلص إلى أنّه إذا تقدّم الشخص الثالث باللائحة خلال المدة المحدّدة يترتّب على المستدعي إثبات دعواه؛ وإذا وجدت المحكمة أن الأسباب لا تستند إلى أساس قانوني صحيح، تقرّر ردّ الدعوى على الرغم من أن مصدّر القرار لم يعارض في إصدار قرار نهائي.
القرارات التمهيدية ووقف التنفيذ :
لقد نصّت المادة (20) من القانون بأنّه: “للمحكمة أن تصدر أي قرار تمهيدي تراه مناسباً في الدعوى سواء عند تقديمها أو بعد مباشرة النظر فيها وذلك بناءً على طلب معلّل من صاحب المصحلة من الطرفين بما في ذلك وقف تنفيذ القرار المطعون مؤقتاً إذا رأت أنّ نتائج تنفيذه قد يتعّذر تدراكها، على أن يقدم طلب وقف التنفيذ كفالة مالية وفقاً لما تقرّره المحكمة من حيث مقدارها وشرطها لمصلحة الطرف الآخر ولغيره ممن ترى المحكمة أن عطلاً وضرراً قد يلحق بهم إذا ظهر أنّ طالب وقف التنفيذ لم يكن محقّاً في دعواه بصورة كلية أو جزئية” .
وبذلك فقد أجازت محكمة العدل العليا لنفسها صلاحية إصدار أي قرار تمهيدي أو أوامر للإدارة للتوقّف عن تنفيذ القرار الإداري، لأنّ تنفيذ القرار الإداري مادياً قد يحدث أضراراً لا يمكن تلافيها مستقبلاً بالنسبة للمستدعي .
وقد اشترطت المادة (20) من قانون المحكمة في إصدار القرار التمهيدي عدّة شروط هي :
أن يقدّم طلب معلّل من صاحب المصلحة مع لائحة الدعوى .
أن تستند الدعوى في ظاهرها إلى أسباب جدّية .
أن ينشأ من تنفيذ القرار نتائج قد يتعذّر تداركها، ولم يحدّد القانون المعيار الذي يوضّح مقدار النتائج التي يتعذّر تداركها .
أن يقدّم وقف التنفيذ كفالة مالية وفقاً لما تقرّره المحكمة من حيث مقدارها وشروطها .
والسؤال الذي يثور: هل تملك محكمة العدل العليا أن تلغي قرار وقف التنفيذ قبل الفصل نهائياً في الدعوى؟ ولقد تبيّن لي لدى الرجوع إلى القرارات الصادرة عن المحكمة عدم وجود أي قرار رجعت فيه محكمة العدل العليا عن قرار لها بوقف التنفيذ أثناء النظر في أية دعوى تقام أمامها .
المبحث الثاني
دور الخصوم في تقديم البيّنات والمرافعات
سبق وأن تحدّثنا بأنّه يجب على المستدعي أن يرفق في استدعاء الدعوى المقدّم للمحكمة البيّنات الخطية وقائمة بأسماء الشهود الذين يعتمد على شهادتهم، كما يرفق القرار المطعون فيه إذا كان قد تمّ تبليغه، ويجب أن تكون هذه البيانات أو صورها مصدّقة من المحامي الأستاذ، ويقدّم المستدعي ما يراه مناسباً من البيّنات التي يراها ضرورية وكافية لغايات إصدار الحكم، وهذا ما نصّت عليه المادة (14/أ) من القانون .
وبعد أن يتقدّم المستدعي حاصراً بيّناته التي يرغب في إثباتها، على المستدعي ضدّه أن يتقدّم بالائحة الجوابية خلال فترة (15) يوماً من تاريخ تبليغه الاستدعاء (كما ذكرنا) وتزاد هذه المدة أو تنقص بناء على طلب المستدعي أو المستدعى ضدّه على أن يقدّم تعليلاً إلى رئيس المحكمة خلال المدة الأصلية لتقديم اللائحة الجوابية، ويبت في هذا الطلب في جلسة يعقدها الرئيس لزيادة أو نقصان المدّة الأصلية، وتبدأ المدّة الجديدة من تاريخ موافقة الرئيس. وبعد تقديم اللائحة الجوابية من المستدعى ضدّه مع المرفقات وتبليغها إلى المستدعي، يحق للمستدعي الردّ على اللائحة الجوابية خلال سبعة أيام من تاريخ تبليغه كما أشارت المادة (17/د) من القانون.
1- دعوة الشهود :
يجوز للمستدعي – من استقراء قرارات محكمة العدل العليا – دعوة أي شاهد يعتمد على شهادته في إثبات دعواه ويراه مناسباً وقد حصر ضمن المرفقات المقدمة مع الاستدعاء كما سلف وأشرنا إليه. أمّا بالنسبة لمصدّر القرار الإداري فلا يجوز دعوته أو دعوة من شارك في إصدار القرار للشهادة، ولا يجو سماع شهادته ولو تقدّم هو شخصياً وطلب الإدلاء بشهادته، وهذا ما قضت به محكمة العدل العليا، على أنّ مصدّر القرار بمثابة قاض، ولا يجوز دعوة القاضي في حكم أصدره، وأكّدت المحكمة هذا في عدّة قرارات حيث ذكرت بأنه “لا يجوز دعوة مصدّر القرار كشاهد، كما أنه لا تسمع شهادة مصدّر القرار ولو تقدّم بإرادته للشهادة”(38).
2- مرافعة الخصوم :
إذا لم يتقدّم المستدعى ضدّه بلائحة جوابية على لائحة المستدعي فإنّه يعتبر تسليماً منه بالوقائع الواردة في استدعاء الدعوى، وإذا ذكرت الإدارة (المستدعى ضدّها) بأنه لم يعد لها مصلحة في الاستمرار بتنفيذ قرارها المطعون فيه ولا تتسمك به؛ فعندما تقرّر الحكمة إلغاء القرار المشكو منه.
وأكّدت ذلك المحكمة في قرارها (881): “إذا رجعت أمانة العاصمة عن قرارها المطعون فيه بعد إقامة الدعوى فإنّ الدعوى تردّ لأنها أصبحت غير ذات موضوع وتضمين أمانة العاصمة الروسوم والمصاريف وأتعاب المحاماة لأنّ الرجوع عن القرار وقّع بعد إقامة الدعوى”. حيث قرّرت المحكمة إذا رجعت الإدارة عن أمر الدفاع المطعون فيه أثناء النظر في الدعوى فإنّها تصبح غير ذات موضوع(39).
أمّا في حالة تمسّك المستدعي ضدّه بالقرار المطعون فيه، فإنّ المستدعي يبدأ بسرد ما جاء في استدعائه ويقدّم بيّناته لإثبات ما جاء في الاستدعاء.
وبعد ذلك يبدأ المستدعي ضدّه في إبداء أوجه دفاعه وفي حدود ما جاء في لائحته الجوابية وتقديم بيّناته عليها كما أشارت المادة (29/أ) من قانون المحكمة، وبذلك ينتقل عبء الإثبات على الإدارة، فإذا ادّعى مصدّر القرار بأنه صادر باستناد إلى تفويض فعلى مصدّر القرار إثبات وجود التفويض لأنّ من المفروض أنّ القرار الإداري يتمتع بقرينة السلامة، فعلى الإدارة أن تثبت قرارها في حالة ما إذا كان من المستحيل على المستدعي أن يقوم بإثبات العيب الذي لحق بالقرار، لأن البيّنات غالباً ما تكون موجودة في الملف الخاص بصاحب المصلحة لدى الإدارة، ويكون القرار مسجلاً فيه وكذلك الأسباب التي دعت الإدارة لاتخاذ ذلك القرار، وأخيراً تستمتع المحكمة إلى مرافعة خطّية من الفريقين مبتدئة بمرافعة مقدّمة من المستدعي، وبعد مرافعة الطرفين تصدر المحكمة قراراً نهائياً بموضوع الدعوى، فهي إمّا أن تؤيد القرار وإمّا أن تلغيه وذلك خلال مدة لا تزيد على الشهر من المرافعة النهائية كما أشارت المادة (26/أ) من قانون المحكمة .
3- تقديم البيّنة:
لقد استقر اجتهاد محكمة العدل العليا على جواز تقديم البيّنة الخطّية أو الشخصية لإثبات عدم صحة السبب في إصدار القرار الإداري، ولهذا أجازت المحكمة تقديم البيّنة الشخصية في قرارها رقم (5/54) : “يدحض ما ورد في كتاب قائد الشرط الذي استند إليه المحافظ من أنّ المستدعي لا يمثّل سوى عدد معين من أهالي القرية”، وكذلك أجازت سماع البيّنة الفنية لإثبات “من ناحية فنية أنّ البضاعة التي قدّمها طالب الإلغاء أجود من البضاعة التي قدّمها الشخص الذي رسا عليه المزاد”.
وقد نصّت المادة (21) من قانون المحكمة “تعتبر المرفقات الخطية التي يقدمها المستدعي إلى المحكمة مع استدعاء دعواه بمقتضى أحكام المادة (14) من هذا القانون ممثلة لبيّناته الخطية في الدعوى، ولا يجوز له تقديم غيرها أو غير أصولها إذا كان ما قدمه مع استدعائه نسخاً أخرى أو صوراً مصدّقة عنها، على أنه يجوز للمحكمة الموافقة على أن يقدم بينات خطية لها إذا كانت البينات الخطية التي يطالب بإبرازها موجودة لدى إحدى الجهات الإدارية الرسمية العامة أو الجهات الأخرى وأنها قد رفضت تزويده بها أو امتنعت عن ذلك أو زودته بها بعد تقديم دعواه وكانت المدّة القانونية لتقديمها قد انقضت عند تزويده بتلك البينات. ويلاحظ من ذلك أنّ على المستدعي أن يرفق مع استدعاء دعواه جميع ابينات التي يرغب بإبرازها في الدعوى ولا يجوز له تقديم غيرها إلا بموافقة المحكمة .
المبحث الثالث
الغياب
عند تقديم اللائحة الجوابية يدرج رئيس المحكمة الاستدعاء في قائمة القضايا ويعين تاريخ النظر في الدعوى ويبلغ ذلك للفرقاء إلا إذا كان موعد النظر في الاستدعاء قد عيّن في القرار المؤقت. ويدعى الطرفان للحضور أمام المحكمة، ولكن، ماذا لو غاب المستدعي أو المستحدعي ضدّه؟ نتناول ذلك في مطلبين :
المطلب الأول
غياب المستدعي
إذا لم يحضر المستدعي في اليوم المعين للنظر في الدعوى تقرّر المحكمة ردّ الدعوى لا إسقاط الدعوى، وهذا على خلاف القاعدة الحقوقية التي تقضي بأنه إذا لم يحضر المدّعي في الوقت المعين لرؤيتها تقرّر المحكمة إسقاط الدعوى، والسبب في هذا الاختلاف يعود إلى طبيعة الإجراءات التي تقام أمام المحكمة من أجل استقرر المعاملات الإدارية، ولكن يجوز للمستدعي الذي لم يحضر الجلسة في اليوم المحدد؛ وكان الميعاد ما زال ضمن مدة (60) يوماً من أن يقدم دعوى جديدة وأن يدفع رسماً يعادل مثلي الرسم المدفوع عن الدعوى السابقة على أن لا يزيد عن الحد الأعلى للدعوى، حيث نصت المادة (23/أ) من قانون المحكمة : “إذا لم يحضر المستدعي أمام المحكمة في الموعد المحدد للمباشرة في النظر في دعواه أو تخلّف عن حضور أي جلسة من جلسات المحاكمة فيها ودون عذر مشروع تقبله المحكمة تقرّر المحكمة ردّها، على أنه يحق لذلك الشخص تقديم دعوى جديدة للمحكمة وفقاً للأحكام والشروط المنصوص عليها في هذا القانون بما في ذلك تقديمها خلال المدة المحددة لتقديمها، وأن يدفع رسماً عنها يعادل مثلي الرسوم المدفوع عن الدعوى السابقة، على أن لا يزيد على الحد الأعلى للرسم المقرّر للدعوى التي تقام لدى المحكمة . ومع ذلك نلاحظ أيضاً بأن المحكمة إذا قبلت العذر المشروع المقدّم من المستدعي والذي من أجله لم يحضر الجلسة أن تحدّد يوماً آخر للنظر في الدعوى .
المطلب الثاني
غياب المستدعى ضدّه
وضحنا فيما سبق بأنه يجب على المستدعي ضده أن يقدم لائحة جوابية على اللائحة المقدّمة من المستدعي خلال مدة (15) يوماً، وذكرنا بأن المحكمة تحدّد موعداً للنظر في الدعوى بعد انتهاء إجراءات تبادل اللوائح فيهنا أو انقضاء المدة المقرّرة لذلك، وتبلغ ذلك الموعد للفرقاء في الدعوى. ولكن إذا لم يقدّم المستدعي ضدّه اللائحة الجوابية خلال المدة المحدّدة أو لم يحضر أمام المحكمة في أي جلسة من الجلسات ولم يتقدّم المستدعي ضدّه بطلب لإطالة المدة المحدّدة لتقديم اللائحة الجوابية أو يتقدّم بعذر مشروع لتغيبه عن حضور أي من الجلسات، فإنّ المحكمة تجري محاكمته فيها بصورة غيابية، حيث أنّ محكمة العدل العليا تطبّق القواعد العامة في أصول المحاكمات الحقوقية؛ أي تقرّر إجراء محاكمة المستدعى ضدّه غيابياً بناءً على طلب المستدعي، وإذا حضر المستدعي ضدّه وقدّم عذراً مشروعاً وطلب إدخاله في الدعوى فعلى المحكمة أن تقبله، حيث نصّت المادة (23/ب) من قانون المحاكمة : “إذا لم يقدّم المستدعى ضدّه لائحة جوابية على استدعاء الدعوى ولم يحضر أمام المحكمة في أي جلسة من جلسات المحاكمة في الدعوى دون عذر مشروع تقبله المحكمة فتجري محاكمته فيها بصورة غيابية، ولا يحق له الحضور للمحاكمة أو الاشتراك في أي من إجراءاتها بما في ذلك تقديم اللوائح والاستدعاءات والطلبات إلا إذا قرّرت المحكمة غير ذلك في حالة تخلّفه عن حضور أي جلسة من جلسات المحاكمة”.
المبحث الرابع
الحكم بإلغاء القرار الإداري وآثاره
بعد أن تستمع المحكمة إلى المرافعة الاخيرة لكل من الطرفين مبتدئة بالمستدعي، تصدر قرارها في الدعوى بإجماع أو بأكثرية أعضاء الهيئة الحاكمة وذلك في الجلسة نفسها أو في جلسة أخرى تعقدها لهذا الغرض وذلك خلال مدّة لا تزيد على شهر واحد، ويسجّل المخالف من أعضاء الهيئة الحاكمة رأيه في الحكم خطياً. وتكون الأحكام الصادرة عن المحكمة قطعية غير قابلة لأي وجه من وجوه الطعن سواء أكانت اعتراضاً أم استئنافاً أم إعادة محاكمة، لأن القرار القطعي يحوز قوة الشيء المحكوم به وينهي النزاع(40).
وقد إستقر القضاء الإداري على أن الأحكام الصادرة بالإلغاء تكون حجة على الكافة ، وهذا نتيجة منطقية لطبيعة دعوى الإلغاء العينية ، ولكون الدعوى هي مخاصمة للقرار الإداري ذاته فالحكم باإلغاء هو هدم وإعدام للقرار الإداري ، ومن غير المعقول أن يكون قائما بالنسبة لبعض الناس و معدوما بالنسبة للبعض الآخر و هذه القاعدة تسري بالنسبة للقرارات التنظيمية و الفردية على أنها الحجة المطلقة .
ومن جهة ثانية يترتب على صدور الحكم بإلغاء القرار الإداري المطعون فيه اعتبار هذا القرار كأن لم يكن من تاريخ صدوره، وعلى الإدارة أن تعيد الحال إلى ما كانت عليه كما ولو لم يصدر هذا القرار إطلاقاً.
وتنفيذ حكم الإلغاء لا يقتضي إلغاء القرار المحكوم بإلغائه فحسب بل إلغاء كل قرار يستند وجوده إلى القرار المحكوم بإلغائه فيشمل القرارات التابعة التي ما كانت لتصدر لولا صدور القرار الأصلي، الذي تمّ إلغاؤه سواء كان قراراً تبعياً تنفيذاً للقرار الأصلي، أو أن يكون القرار الأصلي قد أسهم في تكوين عملية قانونية مركبة بينه وبين القرار التبعي، كما أنه يمكن أن يسري أثره على القرارات المماثلة للقرار الملغى طالما لم تولد حقوق مكتسبة للأفراد انطلاقاً من مبدأ المساواة أمام القانون(42).
وقد ذكرت المادة (26) من قانون المحاكمة بأنه إذا تضمّن الحكم إلغاء القرار الإداري موضوع الدعوى تعتبر جميع الإجراءات والتصرفات القانونية والإدارية التي تمّت بموجب ذلك القرار ملغاة من تاريخ صدور هذا القرار . أمّا فيما يتعلق بمدى تأثير الحكم بردّ الدعوى بالنسبة للمستدعي وبالنسبة للغير وبالنسبة للقرار ومصدره سنوضّح ذلك في مطالب ثلاثة :
المطلب الأول
أثر الحكم برد الدعوى بالنسبة للمستدعي
ذكرنا فيما سبق بأنه يتوجّب على المستدعي أن يراعي في تقديم استدعائه المواد ( 12 ، 13 ، 14) من قانون محكمة العدل العليا وذلك بأن يقدّم الاستدعاء خلال المدة القانونية المقرّرة ومراعاة الأمور الشكلية في كتابة الاستدعاء وتوقيعه من أستاذ محام مارس المحاماة لمدة لا تقل عن خمس سنوات.
فإذا لم يراع المستدعي من هذه الأمور الشكلية فإنّ دعواه تردّ، ولكن يجوز له أن يقدّم دعوى جديدة إذا كانت ضمن المدة المحدّدة قانوناً وهي (60) يوماً من تاريخ تبليغه القرار المطعون فيه(43). جاء في قرار المحكمة ما يلي:
“إذا كان المستدعي قد قدّم دعوى ضمن ميعاد الطعن ولكنها ردّت لسبب شكلي فأقام بعد ذلك الردّ مباشرة مما يفيد الطعن وعدم التباطؤ فيه فيكون التباطؤ غير وارد”.
أما إذا حكمت المحكمة بردّ الدعوى موضوعاً فلا يجوز للمستدعي إقامة دعوى جديدة للطعن في القرار نفسه ولو كان ضمن مدة الطعن وإن استند المستدعي إلى أسباب جديدة.
المطلب الثاني
أثر الحكم برد الدعوى موضوعاً بالنسبة للغير
وفي هذا تقول محكمة العدل العليا “ما دام أن الشركة المستدعية قد طعنت بالقرار ذاته أمام هذه المحكمة وقضت بردّ طعنها فإنّ دعواها مرة ثانية لا تقبل لأنّ الدعوى الواحدة لا ترى مرتين، أمّا بقول الشركة أن أسباب الطعن في هذه الدعوى غير أسباب الطعن على الدعوى الأولى فإنّ ذلك لا يجعل دعواها مقبولة ما دام أن موضوع النزاع هو ذاته بين الخصوم أنفسهم(44). فهذا القرار لا يمنع شخصاً من الطعن في قرار التعيين .
المطلب الثالث
قرار الإلغاء بالنسبة للقرار ومصدّره
إذا ما تبيذن أن القرار الإداري صدر على خلاف ما تقضي به مجموعة للقواعد القانونية بأنّ إصابة أحد أوجه الإلغاء اعتبر هذا القرار غير مشروع ويستحق الإبطال.
ويقتصر الحكم هنا على إبطال القرار دون أن يكون للقضاء الإداري الحق في إصدار أي أمر للإدارة في هذا الخصوص . وإبطال القرار الإداري قد يكون كلياً يتناول القرار بأكمله وقد يكون جزئياً أي يقتصر على جزء من القرار .
ويكون القرار القضائي بالإلغاء نسبياً إذا اقتصر حكم القرار الإداري كاملاً، فلو طعن المستدعي بقرار فصله من الوظيفة وقضت المحكمة بإلغاء قرار الفصل هذا يكون قرار الإلغاء مطلقاً، ويكون القرار القاضي بالإلغاء نسبياً إذا اقتصر حكم الإلغاء على جزء من القرار فقط، مثال ذلك، المبدأ العام في القانون أنه لا يجوز أن يكون للقرارات الإدارية القاضية بفصل الموظفين أثر رجعي، فإذا صدر قرار بفصل موظف بأثر رجعي، وكان القرار سليماً من جميع نواحيه، وغير سليم من حيث رجعيته، فلا تقرّر محمة العدل العليا إلغاء القرار بأكمله، وإنما تقرّر إلغاء القرار بالنسبة لرجعيته اي تعتبر أنه سليم من تاريخ صدوره فقط، وتلغيه بالنسبة لأثره الرجعي(45).
وحكم لإبطال يعيد الحالة إلى ما كانت عليها قبل صدور القرار المطعون فيه بحيث يعتبر القرار المقضي من تاريخ صدوره وكأنه لم يكن، وعلى ذلك يكون قرار الإلغاء من تاريخ صدور قرار الفصل من الوظيفة واعتباره كأنه لم يكن، الأمر الذي يؤدي بالجهة الإدارية إلى إعادة الموظف إلى وظيفته مع ما يترتّب على ذلك من آثار قانونية بالنسبة لمركزه الوظيفية.
وهكذا يقع على الإدارة مصدّرة القرار المطعون فيه تنفيذ أحكام محكمة العدل العليا بحيث يكون تنفيذ الحكم كاملاً وشاملاً جميع آثاره القانونية نصاً وروحاً.
وعلى هذا الاساس قضت المحكمة بما يلي : “إنّ ظروف القضية تدل على أن عدم تجديد الترخيص إنما كان بسبب عدم امتثال المستدعي لقرار الوزير بنقل العيادة إلى مكان لا يوجد فيه أطباء أسنان”.
وحيث أنّ قرار نقل العيادة قد ألغي بحكم سابق لمخالفته لأحكام القانون فإنّ قرار عدم تجديد الترخيص وإغلاق العيادة اللذين بنيا عليه يعتبران باطلين لأنّ “ما بني على الباطل فهو باطل”(46) وإذا رفضت وامتنعت الإدارة تنفيذ الحكم القاضي بالإلغاء كان عمله مخالفاً للقانون ويستحق الإلغاء(47).
ويعتبر قرارها برفض تنفيذ الحكم قراراً إدارياً خاضعاً للطعن أمام محكمة العدل العليا ويتوجب على الإدارة أن تقوم بتنفيذ الأحكام في وقت مناسب أي في مدة معقولة من تاريخ صدورها بحيث يكون التأخير في تنفيذ الأحكام مبرراً لاعتبار الموظف الذي رفض تنفيذ الحكم مسؤولاً مسؤولية شخصية مدنية عن الأضرار الناشئة عن عدم التنفيذ، كما أن من حق المستدعي أن يطالب الخزينة بكل عطل أو ضرر نشأ من جرائم عدم تنفيذ الحكم، وبهذا تقول محكمة التمييز ” إن رفض الإدارة إعادة الموظف الذي قرّرت عزله من وظيفته خلافاً للقانون على الرغم من الحكم الصادر من محكمة العدل العليا بإلغاء قرار العزل وثبوت أن العزل كان مخالفاً للقانون يجعلها مسؤولة عن كل عطل وضرر ينشأ نتيجة لرفض إعادته”(48).
وكذلك يعتبر الموظف مسؤولاً مسؤولية جزائية، وقد نصّت المادة (182) فقرة (أ) من قانون العقوبات: “كل موظف يستعمل سلطة وظيفته مباشرة أو بطريق غير مباشر ليعوق أو يؤخر تنفيذ أحكام القوانين أو الأنظمة المعمول بها أو جباية الرسوم والضرائب المقرّرة قانوناً أو تنفيذ قرار قضائي أو أي أمر صادر عن سلطة ذات صلاحية يعاقب بالحبس من شهر إلى سنتين”.
الخاتمة
تركزت هذه الدراسة على إجراءات قضاء الإلغاء أمام محكمة العدل العليا ووفق قانونها الجديد رقم (12) لسنة 1992 والنافذ المفعول، ولقد أظهرنا في الدراسة التطوّر الذي طرأ على قوانين محكمة العدل العليا في الأردن ابتداءً من قانون تشكيل المحاكم النظامية رقم (26) لسنة 1952 حيث كان لمحكمة التمييز صفة محكمة العدل العليا تنظر “وعلى سبيل الحصر” بالفصل في المنازعات الخاصة بقضاء الإلغاء وفق أحكام الفقرة (3) من المادة (10) باستثناء الطعون التقاعدية باختصاصها بها كامل، حيث كانت المحكمة تتبع في إجراءات التقاضي نفس الإجراءات المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات الحقوقية المطبقة في القضاء العادي. ولذلك قلنا بأنّ في هذه المرحلة كنّا في إطار النظام القضائي الموحّد، إلى أن صدر قانون محكمة العدل العليا المؤقت رقم (11) لسنة 1989 والذي أنشأ ولأول مرة في تاريخ الأردن محكمة إدارية مستقلة، لها قضاة مستقلون عن القضاة العاديين ولها نيابة عامة إدارية مستقلة تتولى الدفاع عن الإدارة العامة في منازعتها أمام المحكمة وتتّبع إجراءات جديدة في التقاضي. وبالرغم من أنّ القانون المؤقت لم يتوسّع في اختصاصات المحكمة وبقيت ضمن قضاء الإلغاء إلاّ أنّ الاستقلال في القضاء والانتقال إلى نظام القضاء المزدوج كان له أثر واضح عند عرضه على مجلس الأمة وإصداره القانون المؤقت كقانون دائم رقم (12) لسنة 1992، فيلاحظ أن الاختصاص بالرغم من أنه ما زال وارداً على سبيل الحصر إلاّ أنه توسّع وأضاف بعض المسائل والمنازعات زيادة عمّا كانت عليه في السابق في قضاء الإلغاء بالإضافة إلى إضافة اختصاص قضاء التعويض (المادة 9/أ.ب).
كما أن القانون الجديد تضمّن أحكاماً تفصيلية بالنسبة للإجراءات التي تتبع لدى المحكمة، وهي تتسم بالبساطة واليسر، كما أنها تهدف إلى سرعة الفصل في المنازعات الإداية التي أسند الاختصاص بنظرها إلى محكمة العدل العليا(49) مع سمات القضاء الإداري مختلفاً عن القضاء العادي، والتي أبرزها تحقيق الاستقرار للمراكز القانونية للأفراد، وتحقيق الاستقرار من جهة أخرى للقرارات الإدارية المطعون فيها، فلا تظل مدة طويلة تعرقل نشاط الإدارة وتضر بالصالح العام.
ومن ميّزات القانون الجديد أنّه يبيّن في حال وجود تنازع على الاختصاص بين محكمة العدل والمحاكم النظامية؛ يحال الأمر إلى اللجنة المؤلفة من رئيس محكمة التمييز رئيساً وعضوية ورئيس محكمة العدل العليا وعضوين من محكمة التمييز وعضو من محكمة العدل العليا يعينهم المجلس القضائي (المادة 29). كما يلاحظ أنّ من سمات القانون الجديد أنه حرص على تأكيد ضمانات استقلال القضاء لأعضاء محكمة العدل العليا بنصّه على أن تسري على رئيس المحكمة وقضاتها ورئيس النيابة العامة الإدارية لديه وعلى مساعديه الأحكام والقواعد القانونية التي تسري على القضاة النظاميين بما في ذلك أحكام قانون استقلال القضاء العمول به (المادة 3/أ). ومع أنّ هذا التطوّر هو خطوة كبيرة في مجال القضاء الإداري الأردني. إلاّ أننا ما زلنا توصي بما يلي:
النظر في إنشاء محكمة أو أكثر أقل درجة من محكمة العدل العليا حتى يصبح لدينا تدرّج في القضاء الإداري على نمط القضاء العادي وأسوة بالقضاء الإداري في فرنسا ومصر مثلاً. وبذلك تنصرف محكمة العدل العليا إلى تأصيل المبادئ القانونية، وتتدارك الأخطاء أو النقص أثناء التطبيق.
تعديل نص المادة (33/1985) من النظام المعدّل لرسوم المحاكم التي تقضي بأن “يستوفى عند تقديم الدعوى إلى محكمة التمييز بصفتها محكمة عدل عليا رسم يقدره رئيس المحكمة على أن لا يقل عن عشرة دنانير ولا يزيد على خمسمائة دينار) على اعتبار أن دعوى الإلغاء هي دعوى تقام في مخاصمة قرار إداري معيب لرد الإدارة إلى جادة الصواب. ولهذا أرى أن تكون رسوم هذه الدعوى رمزية غير مكلفة يستطيع أي فرد أن يرفع دعوى الإلغاء ويكون تعديلها بالعودة بها إلى الرسم السابق حيث يقدّره رئيس المحكمة بما لا يقل عن (3) دنانير ولا يزيد عن (50) ديناراً.
تعديل نص المادة (28) من قانون المحكة التي ذكرت بأنه لا يجوز إسقاط أي دعوى لدى الحكمة إسقاطاً “مؤقتاً” أو تأجيلها لوقت غير معين، ويعتبر أي طلب يقدّم في أي من الحالتين إسقاطاً نهائياً للدعوى. إن دعوى إلغاء القرار الإداري ذات أهمية كبيرة تفوق غيرها من الدعاوى لأنها تنصبّ على منازعة الإدارة فيما تتخذه من إجراءات وما تصدره من قرارات غير مشروعة قد تمسّ حقوق الأفراد وحرياتهم.
الهوامش
حكم مجلس الدولة الفرنسي في قضية سودمنت (soudement) في 23/5/1993، المجموعة، ص 214، وكذلك حكمه في قضية فيرو (veron) في 4/2/1994.
1.على سبيل المثال : دعوى الأخطاء العادية فقد نظمها مجلس الدولة الفرنسي قضائياً ثم تدخّل الشرع ونظمها تشريعياً بقانون 18/12/1940.
2.إلى هذا أشارت المحكمة الإدارية العليا في مصر في حكمها الصادر بتاريخ 11/3/1968 مجموعة المبادئ، ص 958.
وهذا ما أشارت إليه أيضاً المحكمة الإدارية العليا في مصر في حكمها الصادر بتاريخ 22/3/1994. مجموعة أبو شادي، ص 1017 حيث تقول ” إنّ النظام القانوني في تنظيم مجلس الدولة يقوم على مبدأ المرافعات التحريرية في مواعيد محدّدة منضبطة يستطيع ذوو الشأن أن يقدموا مذكراتهم كتابة في مستنداتهم.
الدكتور سليمان الطماوي: القضاء الإداري – قضاء الإلغاء، دار الفكر، القاهرة، 1987، ص 966.
الدكتور محمود حافظ : القضاء الإداري، دار النهضة العربية، القاهرة، 1976، ص 471.
المرجع السابق نفسه، ص 489.
وهذا ما قضت به محكمة العدل العليا حيث ردت دعوى شركة لأن الشركة لم تنعقد بشكل قانوني.
(10) قرار محكمة العدل العليا رقم (120/87) ص 1610، مجلة نقابة النمحامين، سنة 1989.
(11) قرار محكمة العدل العليا رقم (15/85) ص 553، مجلة نقابة المحامين، سنة 1987 .
(12) القرار السابق لمحكمة العدل العليا رقم (120/87).
(13) الدكتور سليمان الطماوي: قضاء الإلغاء، مرجع سابق، ص 975.
(14) حكم محكمة القضاء الإداري في مصر، في 16/5/1975، السنة 11، ص 470؛ وحكم محكمة العدل العليا رقم (37/85) مجلة نقابة المحامين، ص25، سنة 86، حيث ذكرت في حكمها أن النائب العام ليس بخصم في دعوى الإلغاء.
(15) قرار محكمة العدل العليا رقم (183/5 ، ص 740، مجلة نقابة المحامين، سنة 86، حيث ذكرت أن الخصم الحقيقي في دعوى الإلغاء هو مصدّر القرار الإداري؛ وقرارها رقم (93/85)، ص 47، مجلة نقابة المحامين، سنة 1986.
(16) قرار محكمة العدل العليا رقم (93/85)، ص 47، مجلة نقابة المحامين، سنة 1986؛ وقرارها رقم (126/65) .
(17) قرار محكمة العدل العليا رقم (93/85)، ص 740، مجلة نقابة المحامين، سنة 1986؛ وقرارها رقم (126/65) .
(18) عرّفت محكمة العدل العليا القرار الإداري القابل للطعن في أكثر من حكم لها بأنه “إفصاح الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين والأنظمة وذلك بقصد إحداث أو تعديل مركز قانوني متى كان ذلك ممكناً أو جائزاً قانوناً وكان الباعث عليه تحقق مصلحة عامة”، آخر حكم لها في التعريف – قرار رقم (185/87) ص 1625، المجلة، سنة 1989. أنظر التفاصيل : الدكتور خالد الزعبي، القرار الإداري بين النظرية والتطبيقية، عمان، دار الأبجدية للتوزيع والنشر، ص 38 وما بعدها.
(19) قرار محكمة العدل العليا رقم (22/79) ،ص 1646، مجلة نقابة المحامين، سنة 1979.
(20) قرار محكمة العدل العليا رقم (144/83)، ص 1393، مجلة نقابة المحامين، سنة 1983.
(21) الدكتور سليمان الطماوي : القرارات الإدارية، مرجع سابق، ص 321.
(22) قرار محكمة العدل العليا رقم (39/95)، مجلة نقابة المحامين، ص 459، سنة 1986.
(23) الدكتور محمود حافظ : القضاء الإداري ، مرجع سابق، ص488.
(24) الدكتور الطماوي: النظرية العامة للقرار الإداري، مرجع سابق، ص204.
(25) قرار محكمة العدل العليا رقم (54/86)، مجلة نقابة المحامين، ص 861، سنة 1987.
(26) قرار محكمة العدل العليا رقم (16/68).
(27) الدكتور سليمان الطماوي: قضاء الإلغاء، مرجع سابق، ص 699 .
(28) قرار محكمة العدل العليا رقم (27/67)، مجلة نقابة المحامين، عدد 4، سنة 16، ص 217.
(29) الدكتور مصطفى أبو زيد: القضاء الإداري، منشأة المعارف، الاسكندرية، ص 429
(30) بصدور القانون الجديد لمحكمة العدل العليا رقم (12) لسنة 1992 أصبح للمحكمة اختصاصات متصلة بولاية التعويض وهي ما حددته الفقرة (ب) من المادة التاسعة من القانون حيث نصت “تخص المحكمة في طلبات التعويض عن القرارات الإدارية والإجراءات المنصوص عليها في الفقرة (أ) السابقة من هذه المادة سواء رفعت إليها بصفة أصلية أو تبعية ، وهذا النص مستحدث في القانون الجديد حيث كانت المحاكم العادية في السابق هي المختصة أصلاً بنظر دعاوي التعويض عن القرارات الإدارية غير المشروعة وعن غيرها، ولكن بصدور هذا القانون أصبحت محكمة العدل العليا مشاركة للمحاكم العادية في هذا الإختصاص و القرارات الإدارية التي تصح أن تكون محلا للتعويض هي القرارات الإدارية التي يجوز طلب إلغائها طبقاً لقانون محكمة العدل العليا. إذ تتحد دعوى التعويض مع دعوى الإلغاء من حيث القرار الذي ترفع كل منه بشأنه فإن انعقاد الاختصاص للمحكمة بالفصل في الإلغاء يقضي بالضرورة إلى انعقاد اختصاصها بالنسبة للتعويض.
(31) قرار محكمة العدل العليا رقم (94/65)، مجلة نقابة المحامين، عد 12، سنة 13، ص1602.
(32) أنظر قرار محكمة العدل العليا رقم (224/88)، مجلة نقابة المحامين، ص 1583 لسنة 1989.
(33) حكم مجلس الدولة الفرنسي الصادر في 22/5/1931 في قضية (DAME DUPREY ET AURRES ) المجموعة ص 572، وحكمه في 30/6/1950 في قضية (DELMAS ETATRES) المجموعة ص 404 .
(34) قرار محكمة العدل العليا رقم (24/88)، مجلة نقابة المحامين، ص 1583 لسنة 1989.
(35) أنظر حكم مجلس الدولة في فرنسا في 15/3/1938 في قضية (BATTINI) المجموعة، ص 318 وحكمها في 13/11/1943 في قضية (FACCENDINI) المجموعة، ص 318 .
(36) قرار محكمة العدل العليا رقم (52/55)، مجلة نقابة المحامين، عدد 11، سنة 3 ، ص 592.)
(37) قرار محكمة العدل العليا رقم (62/68)، مجلة نقابة المحامين، عدد 1، سنة 17، ص 69.
(38) قرار محكمة العدل العليا رقم (24/27)، مجلة نقابة المحامين، العدد 10، سنة 15، ص 1040، والقرار رقم (27/67)، عدد 4، سنة 16، مجلة نقابة المحامين، ص168.
(39) قرار محكمة العدل العليا رقم (43/66)، مجلة نقابة المحامين، عدد 4، سنة 14، ص 727.
(40) نصّت الفقرة (ب) من المادة (26) من قانون المحكمة “يكون حكم المحكمة في أي دعوى تقام لديها قطعياً لا يقبل أي اعتراض أو مراجعة بأي طريقة من الطرق ويتوجب تنفيذه….”.
(41) الدكتور سليمان الطماوي: قضاء الإلغاء، مرجع سابق، ص 1057.
(42) الدكتور أحمد الغويري: قضاء الإلغاء في الأردن، 1989، ص 455 وما بعدها .
(43) قرار محكمة العدل العليا رقم (41/60)، مجلة نقابة المحامين، عدد 9، سنة 8، ص 547.
(44) حكم محكمة العدل العليا رقم (84/64) ، مجلة نقابة المحامين، عدد 1، سنة 13، ص 36.
(45) قرار محكمة العدل العليا رقم (114/61)، مجلة نقابة لماحامين، عدد 4، سنة 10، ص 316، وقرار رقم (77/63)، مجلة نقابة المحامين، عدد 1، سنة 12، ص 71.
(46) قرار محكمة العدل العليا رقم (83/95)، مجلة نقابة المحامين، عدد 3، سنة 7، ص 149.
(47) وهذا ما قضت به محكمة العدل العليا حيث اعتبرات طعن المستدعي في قرار بداعي أنّ أمانة العاصمة رفضت تنفذ حكم محكمة العدل العليا قراراً إدارياً خاضعاً للطعن أمام المحكمة، قرار المحكمة رقم (91/65)، عدد 2، سنة 14، مجلة نقابة لامحامينن ص 147.
(48) قرار محكمة التمييز رقم (92/65)، مجلة نقابة المحامين، عدد 4، سنة 17، ص 343.
(49) الدكتور خالد الزعبي: القانون الإداري، الطبعة الثانية، دار الثقافة للنشر، عمان، ص 40 وما بعدها.
مراجع البحث
الدكتور أحمد الغويري، قضاء الإلغاء في الأردن، جامعة مؤتة، 1989.
الدكتور حنا نده، القضاء الإداري في الأردن، عمان، 1972.
الدكتور سليمان الطماوي، القضاء الإداري – قضاء الإلغاء – دار الفكر العربي، القاهرة، 1987.
الدكتور محمود حافظ، القضاء الإداري، منشأة المعارف، الاسكندرية.
مجلة نقابة المحامين الأردنيين، نقابة المحامين الأردنيين، عمان.
مجموعة المحامي محمد خلاد لقرارات محكمة العدل العليا الأردنية، عمان، 1980.
مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا، (المكتب الفني)، القاهرة.