مبادئ القانون الدبلوماسي

تمهيد:

إن صياغة المبادئ العامة في إطار أي نظام قانوني تمثل ضرورة قصوى لتأصيل القواعد التي تحكمه . وفي إطار القانون الدبلوماسي يمكن القول إن هناك بعض المبادئ العامة التي تحدد مدى وأهمية القواعد المطبقة والتي يؤدي تطبيقها الكامل إلى تحقيق فاعلية الوظيفة الدبلوماسية على الصعيد الدولي مع المحافظة على المصالح المشروعة للدولة المعتمدة والدولة المعتمد لديها ( في إطار الدبلوماسية الثنائية ) أو الدولة المعتمدة ودولة المقر والمنظمة الدولية المعتمدة لديها البعثة أو المرسل إليها الوفد ( في إطار الدبلوماسية متعددة الأطراف ) . الثابت أن القواعد التي تحكم ومن الدبلوماسية الثنائية تشكل واحداً أقدم فروع القانون الدولي . فالمبادئ الأولى لهذا الموضوع بدأت تتبلور منذ العصور الأولى للتاريخ ، والنظام الحالي ما هو إلا النتيجة الملموسة لتطور مستمر ولعمل دائب ساهم الإسلام وفقهاء المسلمين في وضوح قواعدها ورسوخها مساهمة لا يمكن إنكارها[1] . وتتمثل بعض المبادئ العامة التي تحكم العلاقات الدبلوماسية الحالية في الآتي:

المطلب الأول

مبدأ حرية الاتصال

يجرى الاتصال بين الدول أساسا عن طريق تبادل البعثات الدائمة الدبلوماسية والقنصلية ، فتقوم هذه البعثات بإظهار سيادة الدولة وإبراز قدراتها الوطنية وتنميتها وتقويتها في ظل عالم يسوده التنافس ، وتحكمه نشاطات الخدمات والمبادلات . كما تشكل هذه البعثات كذلك المصدر الرسمي والدائم وغير المشكوك فيه للمعلومات . ولأجل ذلك فإن وضعها ووظائفها هي محل ممارسات وموضوع أعراف وقواعد بالغة الدقة فمنحت في سبيل أداء وظائفها والقيام بواجباتها مجموعة من الحصانات والامتيازات ، أهمها حرية الاتصال لهذه البعثات الدائمة بجميع الجهات التي تتطلب الخطاب معها وبشتى الوسائل المتاحة والمسموح بها[2].

وبهذا يحتل هذا الموضوع أهمية ومكانة هامة في التعامل الدبلوماسي ، فبالإضافة إلى تقنين العديد من القواعد العرفية التي كانت تحكم هذه الحرية والتي شكلت المصدر الأساسي لقواعد الحصانات والامتيازات وحتى معظم القواعد التي تحكم القانون الدبلوماسي ( اتفاقيتي فيينا للعلاقات الدبلوماسية والقنصلية ) ، كما أن تطبيق القواعد الخاصة بذلك يتلاءم مع تطبيق بعض المبادئ العامة للقانون الدبلوماسي ، والتي تهدف في مجملها إلى تحقيق فاعلية الوظيفة الدبلوماسية والقنصلية على الصعيد الدولي .

وقد أكدت لجنة القانون الدولي في تقريرها الصادر عام 1988 ، أن مبدأ حرية الاتصال يشكل الأساس القانوني للقانون الدبلوماسي الحديث .

لذلك يعتبر مبدأ حرية الاتصال من المبادئ المعترف بها للبعثات الدبلوماسية وأساس وجود القانون الدبلوماسي ، ويعد واحداً من أهم المزايا والحصانات الممنوحة على الصعيد الدولي ، والتي تضمنتها المادة ” 27 ” من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية 1961 ، والمواد المقابلة لها في اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية 1963 ، واتفاقية البعثات الخاصة 1969 ، واتفاقية فيينا المتعلقة بتمثيل الدول في علاقاتها بالمنظمات الدولية 1975 ، حيث نصت المادة ” 27 / 1 ” من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية 1961 على أن :

“1..تجيز الدولة المعتمد لديها للبعثة حرية الاتصال لجميع الأغراض ا 11 الرسمية وتصون هذه الحرية ، ويجوز للبعثة ، عند اتصالها بحكومة الدولة المعتمدة وبعثاتها وقنصلياتها الأخرى ، أينما وجدت ، أن تستخدم جميع الوسائل المناسبة ، بما في ذلك الرسل الدبلوماسيون والرسائل المرسلة بالرموز أو الشفرة ، ولا يجوز مع ذلك للبعثة تركيب أو استخدام جهاز إرسال لاسلكي إلا برضا الدولة المعتمد لديها …”

المطلب الثاني

مبدا احترام قواعد القانون الدولي وقوانين الدولة المضيفة[3]

يعد هذا المبدأ قاعدة سلوكية ينبغي اتباعها ، كأساس لمنح الحصانات والامتيازات للبعثات الدبلوماسية ، وعدم إساءة استخدامها ، وهو أداة لتحقيق التوازن بين مصالح الدولة المرسلة وأمن واستقرار الدولة المضيفة .

و وقد تضمنت فحوى هذا المبدأ نصوص المواد 41 / 1 ، و 55 / 1 ، و 47 / 1 77 / 1 ، من اتفاقيات 1961 ، 1963 ، 1969 ، 1975 ، فعلى سبيل المثال ، أشارت المادة 41 / 1 من اتفاقية فيينا 1961 إلى أنه :

“1- يجب على جميع المتمتعين بالامتيازات والحصانات ، مع عدم الإخلال بها ، احترام قوانين الدولة المعتمد لديها وأنظمتها ، ويجب عليهم كذلك عدم التدخل في شؤونها الداخلية …”

ويتضمن هذا المبدأ أساسين :

الأول: ينبغي احترام القواعد والمبادئ العامة للقانون الدولي ، سواء كان مصدرها اتفاقياً أو عرفياً / احترام القوانين والأنظمة المعمول بها داخل الدولة المضيفة

الثاني: عدم القيام بأية أفعال تتعارض مع وظائف البعثة أو مهامها .

المطلب الثالث

مبدأ المعاملة بالمثل وعدم التمييز

مبدأ المعاملة بالمثل[4] وهو مبدأ قديم ، بسيط وواضح ، يدفع الدول إلى مراعاة حسن المعاملة للدبلوماسيين المعتمدين لديها ومنحهم الامتيازات والحصانات الدبلوماسية لكي يحصل معتمدوها على معاملة مماثلة في الدول الأخرى ، كما يشمل هذا المبدأ الرد على قيام الدول الأخرى بطرد الممثلين الدبلوماسيين بحجة القيام بأعمال مشبوهة ، كالتجسس أو التخريب أو التدخل في الشؤون الداخلية ، ذلك عن طريق اتخاذ إجراء مماثل بحق ممثل ذلك البلد المعتمدين لديها .

نظريا ( قانونيا وسياسيا ) يأخذ النظام الدولي ، فيما يخص تنظيم العلاقة بين أعضائه من الدول ، بمبدأ المعاملة بالمثل ، فمن حق الدولة التي تتعرض لإجراء ما من قبل دولة أخرى أن ترد بإجراء مماثل ، دون ما شبهة تصعيد ، حفاظا على مبدأ المساواة بين الدول ، وتفاديا لتدهور العلاقة فيما بينها .

إلا أنه لا يجب أن يؤخذ تطبيق هذا المبدأ على إطلاقه في العلاقات بين الدول ، كما هو الحال في العلاقة بين الأفراد ، هناك فرق بين مجرد احتمال وجود الخيار وبين واقع القدرة على الإقدام على الأخذ به ، وما يحكم العلاقة بين الدول هو واقع ميزان القوى السائد بينها . فمجرد وجود الخيار متاحا ، لا يعني بالضرورة توقع الأخذ به عند حدوث تطور يبرر تفعيله.

ما يجب أخذه في عين الاعتبار هنا ليس فقط مجرد وجود حق الخيار بين البدائل المتاحة ، بل حسابات الربح والخسارة التي تحكم فعليا العلاقة بين الدول.

على سبيل المثال : هناك فرق بين أن تلجأ دولة قوية وغنية إلى ممارسة حقها في ساحة السياسة الدولية ، لدرجة الاستبداد ، أحياناً ، في استخدام هذا الحق ، وبين وجود الخيار نفسه متاحا لدولة أقل إمكانات ، بل إن هذا الميزان الحساس للقوى بين الدول هو الذي يفسر عملية الإقدام على عمل تصعيدي على الساحة الدولية يمكن أن يكون عامل عدم استقرار حقيقي لطبيعة وواقع حركة السياسة الدولية الهشة والضعيفة ، من قبل طرف دولي قد يصيب أو يخطئ في حساباته..

فعندما تقدم دولة على قطع علاقتها أو تخفيض مستوى تمثيلها مع دولة أخرى ، قبل التسرع في توقع رد فعل الدولة الأخرى علينا الحساب بدقة لمستوى علاقات القوى وطبيعة العلاقة بين تلك الدولتين ، وإن كان القانون الدولي يعطي الحق للدولة الأخرى أن تتصرف بنفس القدر من رد الفعل ، إلا أن ذلك ليس بالضرورة له أن يحدث .

ولمبدأ المعاملة بالمثل علاقة بمبدأ المساواة في السيادة ، كما أن تطبيقه يتوقف على طبيعة العلاقة بين الدولتين المعتمدة والمعتمد لديها ، خاصة فيما يتعلق بنجاح العمل الدبلوماسي .

لذلك فإن لمبدأ المعاملة بالمثل حدودا ينبغي عدم تخطيها ، وإلا انقلب إلى نوع من الانتقام مما يخالف الأسس التي قامت عليها العلاقات الدبلوماسية[5] ” .

المطلب الرابع

مبدأ التراضي

يقوم التعامل الدبلوماسي على مبدأ التراضي أو الاختيار بالإرادة[6] ، بمعنى تراضي الدولتين أو الدول المعنية على إرسال بعثات دبلوماسية ، حيث نصت المادة 2 من اتفاقية 1961 على أن :

” تقام العلاقات الدبلوماسية وتنشأ البعثات الدبلوماسية الدائمة بالرضا المتبادل ” ، كما أشارت المادة 12 من الاتفاقية ذاتها على أنه :

” لا يجوز للدولة المعتمدة ، بدون رضا سابق من الدولة المعتمد لديها ، إنشاء مكاتب تكون جزءا من البعثة في غير الأماكن التي أنشئت فيها البعثة ” .

ويعتمد التمثيل الدبلوماسي على مدى حسن العلاقات بين الدولتين أو الدول المعنية ، ولما كان ذلك لا يمكن تحقيقه إلا إذا كان ممثل كل منهما مقبولا لدى الأخرى كما أن التراضي على إقامة العلاقات الدبلوماسية قد يتم إما

بصفة دائمة ، عن طريق إنشاء وتبادل بعثات دائمة ( سفارات ) أو بصفة مؤقتة ، عن طريق البعثات الخاصة أو المؤقتة ( الدبلوماسية الخاصة ) أو بصفة غير مباشرة ، عن طريق تكليف بعثة معتمدة لدى دولة معينة بتمثيل دولتها لدى دولة أخرى أيضاً ، أو بتكليف بعثة تابعة لدولة ثالثة بتمثيل إحدى الدولتين لدى الأخرى.