نظام الإثبات المطلق

ويسمى أيضا بنظام الإثبات الحر، لأنه يعطي القاضي حرية كبيرة في تحري الوقائع التي تعرض عليه، ويبحث عن الحقيقة بكافة الوسائل، فيجيز له مباغتة الخصوم واستعمال الحيل معهم لانتزاع الحقيقة من بين أقوالهم أو من وقائع مسلكهم، كما يجيز له أن يطرح عليهم أسئلة ثم يقضي طبقا لعقيدته، والقانون في هذا النظام لا يرسم طرقا محددة للإثبات يقيد بها القاضي، بل يترك الخصوم أحرارا في تقديم الأدلة كما يترك القاضي حرا في تكوين اعتقاده، ويستطيع القيام بدور إيجابي في تحري الحقيقة بجميع الطرق التي يراها مؤدية إلى ذلك، فالأمر متوقف برمته على قناعة القاضي واقتناعه، وتقترب الحقيقة القضائية في هذا المذهب من الحقيقة الواقعية. الأمر الذي يفسح السبيل أمام القاضي إلى تحقيق العدالة قدر الإمكان. ومن هنا يظهر أن مذهب الإثبات الحر أو المطلق بما يلي:

1- ظهور الدور الإيجابي للقاضي في الدعوى واستجماع الأدلة تمكينا له من تحري الحقيقة أينما وجدت.

2- أن هذا المذهب يكفل مطابقة الحقيقة القضائية للحقيقة الواقعية.

3- أن هذا المذهب يساعد على تحقيق العدالة.

ولكن يؤخذ على هذا النظام أنه يتنافى مع الاستقرار الواجب في المعاملات لأن الخصوم لا يمكنهم معرفة ما إذا كان في وسعهم إقناع القاضي لاختلاف القضاة في التقدير، كما أن هذا النظام قد يؤدي إلى الجور والتحكم لما يمنحه القاضي من حرية مطلقة في سبيل تكوين عقيدته. غير أننا نرى أن الطريقة التي يختار بها القاضي والضمانات التي تكفل ممارسته لهذه الوظيفة واقتصار الأخذ بهذا النظام على فروع القانون التي يكون من المناسب العمل بموجبه فيها، يخفف من حدة هذا التخوفات.

ويؤخذ بهذا المذهب خصوصا في القضاء الجنائي في حدود القانون، كما أخذت به الشريعة الإسلامية في إثبات المعاملات، وأخذت به التشريعات الجرمانية والأنجلوسكسونية، خاصة القانون الألماني والقانون السويسري والقانون الإنجليزي والقانون الأمريكي، كما يطبق في الدول التي تبنت نظام الازدواجية القضائية فيما يتعلق بإثبات الدعاوى الإدارية، ومنها فرنسا وألمانيا ولكسمبورغ وبلجيكا.