نظرة المجتمعات القديمه للمرأة ودورها التنموي

مقدمة

لقيت المرأة عبر التاريخ وفي مختلف العصور أنواعا شتى من المعاملة، تراوحت بين قيادة الأمم و الشعوب، وبين الاضطهاد والظلم والكبت، وإن كان الغالب هو استغلال المرأة وسلب حقوقها.

وقد كان الإسلام سباقا في إعطاء المرأة حقوقها، ورفع مكانتها وإعلاء شأنها، ومع ذلك فلم يسلم من الافتراءات، وتشويه الحقائق والطعن المباشر وغير المباشر، إلا أن الحق يعلو ولا يعلى عليه، وقد شهد بفضله المنصفون من كل الملل قالت (بيزنت) زعيمة التصوفية العالمية في كتابها (الأديان المنتشرة في الهند): ما أكبر خطأ العالم في تقدير نظريات النبي فيما يتعلق بالنساء، فقد قيل إنه قرر بأن المرأة لا روح لها! فلماذا هذا التجني على رسول الله؟ أعيروني أسماعكم أحدثكم عن حقيقة تعاليمه في هذا الشأن قال الله سبحانه و تعالى: (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا) النساء: 124، وبعد أن سردت كثيرا من الآيات القرآنية التي تحث على رعاية المرأة وإكرامها قالت: ولا تقف تعاليم النبي عند حدود العموميات، فقد وضع قانونا لميراث النساء.

أهمية البحث:

لا يمكن إنكار أهمية المرأة في المجتمعات البشرية أيا كانت وأينما تواجدت ليس كنصف المجتمع، بل شريك حقيقي مساهم في بناء وإغناء التجربة الإنسانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.

أهداف البحث:

وجود المرأة بشكل تحديا تاريخيا نمي وتطور في ظل التجربة الإنسانية وظهور الدولة والصناعة وانتشار الثقافة، وقد حمل هذا التحدي صور متناقضة بالغة المعاني لابد من الإشارة إلى بعض منها، فقد تراوحت هذه الصور بين تقديس المرأة وعلو مكانتها ومكونات ثقافتها الاجتماعية والتاريخية وبين صورتها كسلعة تباع وتشترى في أسواق النخاسة، وبين سطوتها كملكة وكفائدة للمجتمع.

خطة البحث:

نود القول أن بحثنا سيتناول دور ومكانة المرأة الاجتماعية في التاريخ القديم، من أجل إعطاء صورة ذهنية عن واقع ومكانة المرأة التي تمكننا من نقلها للقارئ والباحث المختص في التاريخ الاجتماعي، وهذا ما سنوضحه في محاور البحث علي النحو التالي:

  • المبحث الأول:المرأة في المجتمعات اليونانية والرومانية والفرسية
  • المطلب الأول: المرأة لدى اليونان.
  • المطلب الثاني: المرأة لدى الرومان.
  • المطلب الثالث: المرأة لدى الفرس.
  • المبحث الثاني: المرأة في المجتمعات الفرعونية والعربية والأوروبية
  • المطلب الأول: المرأة في الحضارة الفرعونية.
  • المطلب الثاني: المرأة العربية في الجاهلية.
  • المطلب الثالث: المراة في المجتمعات الأوروبية القديمة.
  • المطلب الرابع: الدور التنموي للمرأة

المبحث الأول

المرأة في المجتمعات اليونانية والرومانية والفرسية

سنتناول في هذا المبحث المرأه في المجتمعات اليونانية والرومانية والفرسية في ثلاث مطالب علي النحو الآتي.

 

المطلب الأول

المرأة في الحضارة اليونانية

مع أن اليونانيين كانوا أصحاب حضارة عريقة، إلا أنهم كانوا ينظرون للمرأة على أنها من المتاع، فقد كان أهل أثينا يعرضونها في الأسواق للبيع، وكان هذا من حق الزوج على زوجته متى شاء على ما هو المعروف بين مجتمعهم، بل كان من حق الزوج أن يؤجر زوجته أو يقرضها، لأنها عنده أشبه بفرسه أو سلاحه[1].

وكان للزوج الحق المطلق في تطليق زوجته بينما لم يكن من حق المرأة طلب الطلاق إلا في حالات استثنائية، ونجدهم قد وضعوا العراقيل في سبيل الوصول إلى هذا الحق، ومن ذلك أن المرأة إذا أرادت أن تذهب للمحكمة لطلب الطلاق يتريص بها زوجها في الطريق حيث باسرها ويعيدها قسرا إلى البيت. ولكن قدماء اليونان يقدمون البنات قربانا إلى الهتهم، فيروى التاريخ أنه عندما وقع خلاف بين اليونان وطروادة، وأعد اليونانيون قواهم وسعتهم للسفر إلى طروادة، ولكن الجو لم يساعد حركة السفن وظلوا هكذا نحو ثلاثة أشهر، فطلبوا العون من رئيس الكنيسة الذي  حكم يتقديم ابنة إمبراطور اليونان الذاك قربانا إلى الآلهة[2].

 وكانت المرأة لديهم تسكن في المنازل الكبيرة المنفصلة عن الطريق، قليلة النوافذ محروسة الأبواب، واشتهرت الغواني في الحواضر اليونانية نظرا لإهمال الزوجات، في حين أنه لم تشتهر وقتها امرأة نابهة[3]، حيث كان حال الزوجات كما يقول خطيب اليونان المشهور ” جوستين: إننا نتخذ الزوجات ليلدن لنا الأبناء الشرعيين فقط[4]، أما المرأة الإسبرطية، فقد أعطاها اليونانيون شيئاً من الحقوق المدنية كالإرث وأهلية التعامل، ولكنهم تمادوا في تلك الحدود حتى أنهم أباحوا لها تعدد الأزواج[5]  , ثم نجدهم وقد فرضوا عليها تعلم الرياضة البدنية والتمرينات العسكرية التي كانت تفوق قدرتها[6].

أما الفلاسفة فقد كان لهم آراء متباينة في الغرابة عن المراة، فيقول سقراط (أن وجود المرأة هو أكبر منشا، ومصدر للأزمة والانهيار في العالم، وإن المرأة تشبه شجرة مسمومة ظاهرها جميل، ولكن عندما تأكل منها العصافير تموت حالا)[7] أما أرسطو، فقد كان يعيب على أهل أسبرطة تساهلهم مع نساء عشيرتهم، ومنحهن تلك الحقوق والحريات بما يفوق اقدار هن، وكان يعزي سقوط إسبرطة واضمحلالها إلى هذه الحرية، وفي كتابه (السياسة) ذكر أن الطبيعة لم تزود النساء بأي استعداد عقلي يعتد به، ولذلك يجب أن تقتصر تربيتهن على شئون تدبير المنزل والحضانة والأمومة[8].

ومن هنـا حينما قرر افلاطون في مدينته الخيالية (الجمهورية) مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في حق التعليم والثقافة والاضطلاع بمختلف الوظائف، كانت أراؤه موضع تهكم وسخرية من مفكري أثينا وفلاسفتها وشعرائها، حتى أن أرسطو عميد شعراء الكوميديا في ذلك العصر وظف تمثيليتين على السخرية بهذه الآراء وهما (برلمان النساء و بلونس).

 

المطلب الثاني

المرأة في الحضارة الرومانية

كان الأب لدى الرومان القدماء غير ملزم بقبول صم ولده منه إلى اسرته ذكرا كان أو أنثي، بل كان يوضع الطفل بعد ولادته عند قدميه، فإذا رفعه وأخذه بين يديه أصبح الطفل من أفراد الأسرة، وإلا فإنه يعني رفضه لذلك، فيؤخذ الوليد للساحات العامة حيث يلتقطه البعض أو يموت جوعا. وكان لرب الأسرة أن يدخل في أسرته من الأجانب من يريده ويخرج من أبنائه الذين هم من صلبه من يشاء، أو يبيعهم، فقد كان من حق الأب أن يبيع أولاده[9].

ويروي التاريخ أنه عقد مؤتمر كبير في روما حيث بحث شؤون المرأة، وكانت نتيجة بحثه أن قرر أنها كائن لا نفس له، وأنها من أجل ذلك لن ترث الحياة الأخروية، وأنهـا رجس يجب ألا تأكل اللحم، ولا تضحك بل ولا تتكلم، وعليها أن تقصي جميع أوقاتها في العبادة والخدمة والصلاة، وحتى لا تتكلم وضعوا على فمها قتلا حديدياً، فكانت تسير في الطرقات وتروح وتغدو في دارها، وفي فمها ذلك القفل الذي يسمونه موزلير 12. ولم يكن للبنت في ذاك الوقت حق التملك، وإذا اكتسبت سالا أضيف إلى أموال رب الأسرة، ولا يؤثر ذلك في بلوغها أو زواجها، وفي العصور المتأخرة في عصر قسطنطين تقرر أن ما ترثه البنت عن أمها يتميز عن أموال أبيها، ولكن له الحق في استغلال هذه الأموال حتى زواجها وعندئذ يحتفظ بثلث أموالها ويعطيها الباقي0

وأعطى القانون الروماني للأب الحق في تزويج أبنته بأن يبيعها بثمن بتراضي به مع الزوج، منتقل من سلطان الأب إلى سلطان الزوج الذي كانت له السيادة المطلقة، حتى أن له أن يقتلها إذا شاء، وليس لها حق معه في أن تتملك شيئا، حيث كانت تعتبر الأنوثة سببا أساسيا لانعدام الأهلية كحداثه السن أو الجنون[10].

المطلب الثالث

المرأة لدى الفرس

كانت المرأة لديهم تعاني الاضطهاد، فكان الأفراد المتبعون للديانة الزاردشتية يحقرون شأن المرأة، ويعتقدون أنها سبب هيجان الشرور التي توجب العذاب والسخط لدى الآلهة[11]

وكانت المرأة في مذهب فارس القديم تحت سلطة الزوج، الذي له حق التصرف في زوجته كتصرفه في ماله ومتاعه، وكان له إذا غضب أن يحكم بقتلها أو بسجنها الأبدي في بيتها، كذلك له الحق في بيع امرأته، وله أن يتزوج بمن يشاء من الزوجات دون شرط أو تحديد عدد[12].

وكانت المرأة الفارسية في حيضها أو نفاسها تبعد عن المنازل، لتقيم في خيمة صغيرة يسمونها داخمي، حيث لا يخالطها أحد من الناس، وكان الخدم الذين يقدمون لها الطعام والشراب يلقون أنوفهم وآذانهم وأيديهم بلفائف من القماش الغليظ خوفا من النجاسة يمسها أو خيمتها، فلقد كانوا يجتنبون حتى الهواء الذي يمر عليها[13].

وشر من ذلك كله أن الأنظمة الفارسية أباحث الزواج بالمحرمات من النسب كالأمهات والأخوات والبنات والعمات والخالات وبنات الأخ وينات الأخت[14]  فقد تزوج يزدجرد الثاني – الذي حكم في أواسط القرن الخامس الميلادي. ابنته ثم قتلها، وتزوج بهرام جوبين- الذي هلك في القرن السادس أختـه[15] ومما يؤيد إهمال المرأة في العالم الفارسي القديم ما ذكره كزينوف عندما بحث عن التربية والتعليم في فارس، فقد أغفل ذكرهـا، ولم يورد شيئا عن تربية البنات وتعليمهن نظرا لإهمالهن في المجتمع وقرارهن في دور من محتجيات عن العالم الخارجي[16].

 

المبحث الثاني

المرأة في المجتمعات الفرعونية والعربية والأوروبية

في هذا المبحث سوف نعرض للمرأة في المجتمعات الفرعونية والعربية والأوروبية ثم نعرض لدور المرأة التنموي في أربع مطالب علي النحو الآتي.

المطلب الأول

المرأة في الحضارة الفرعونية

كـان للمـرأة المصرية مكانة رفيعـة فـي المجتمـع المصـري القديم باعتبارهـا الشـريك الوحيـد للرجـل فـي حياته الدينية والدنيوية طبقا لنظرية الحلق ونشأة الكون الموجودة في المبادئ الدينية الفرعونية، من حيث المساواة القانونية الكاملة وارتباط الرجل بالمرأة لأول مرة بالرباط المقدس من خلال عقود الزواج الأبنية وكانت تبدو هذه المكانة عصرية بشكل مفاجئ وذلك عند مقارنتها بالمكانة التي شغلتها المرأة في معظم المجتمعات المعاصرة أنذاك وحتى في العصور السابقة. وعلى الرغم من أنه تقليديا يحظى الرجال والنساء في مصر باستيازات مختلفة في المجتمع، فإنه من الجلي عدم وجود عوائق لا يمكن حلها في طريق من أراد الخروج عن هذا النسط، كان المصريين في هذا الوقت لا يعترفون بالمرأة ككائن مساوي للرجل بل كتكمله له. ولكن بالرغم من هذا كله، فقد استفادت المصريات من الموقف الذي وضعوا فيه في بعض المجتمعات. ولقد عبرت الديانة المصرية القديمة والأخلاق عن هذا الرأي. ويتضح هذا الاحترام تماما في الدين واللاهوت كما في الأخلاق. ولكن كان من الصعب تحديد درجة مطابقتها في حياة المصريين اليومية، وبعد ذلك، بطبيعة الحال، بعيدا جدا عن المجتمع اليوناني وأثينا القديمة، حيث تعتبر فيه المرأة قاصرة قانونيا مدى الحياة، ومن جانب آخر، لا يتردد الأدب المصري في تقديم المرأة كطائشة وعربية الأطوار ولا يمكن الاعتماد عليها وذكر ديموستيني، أحد كبار الخطباء والسياسيين الإغريق، في القرن الرابع قبل الميلاد عن المرأة اليونانية »: إن لنا محظيات يجلين لنا السرور، وبنات هوى يقدمن لنا متعة الجسد، وأخيرا فإن لنا زوجات ينجبن لنا الأبناء، ويعتنين بشئون بيوتنا «

جاوزت المرأة المصرية في التاريخ الفرعوني هذه المكانة حتى وصلت لدرجة التقديس، فظهرت المعبودات من النساء إلى جانب الآلية الذكور، بل إن آلهة الحكمة كانت في صورة امرأة، والآلهة إيزيس كانت رمزا للوفاء والإخلاص، وجعل المصريون القدماء للعدل إلهة وهي ماعت، والحب الإلهة حتحور، وللقوة سخمت. كما حصلت المرأة المصرية على وظيفة دينية في المعابد مثل كبيرة الكاهنات وحتى الملكة حتشبسوت حصلت على لقب يد الإنه، واستطاعت المرأة الدخول في العديد من ميادين العمل المختلفة، وشاركت في الحياة العامة، وكانت تحضر مجالس الحكم، وكان لها حقوق رضاعة الطفل أثناء العمل، ووصل التقدير العملي لها لدرجة رفعها إلى عرش البلاد، فقد تولين الملك في عهود قديمة، مثل حنب، ام الملك خوفو، وحلت، ابنة الفرعون منقرع ؛ إباح حتب، ملكة طيبة ؛ وحتشبسوت ؛ ولي زوجة إخنانون ؛ وكليوباترا. كما عملت المرأة بالقضاء مثل ثبت، حماة الملك تيتي الأول من الأسرة السادسة، وتكرر المنصب خلال عهد الأسرة السلاسة والعشرين، وأيضا العمل بمجال الطب مثل بسشيت، والتي حملت لقب كبيرة الطبيبات خلال عهد الأسرة الرابعة، ووصلت الكاتبات منهن لمناصب مديرة، رئيسة قسم المخازن مراقب المخازن الملكية، سيدة الأعمال، كاهنة.

« كانت المرأة المصرية تحيى حياة سعيدة في بلد يبدو أن المساواة بين الجنسين فيه أمر طبيعي » هي عبارة معبرة لعالمة المصريات الفرنسية لكريستيان ديروش نوبلكور، تؤكد أن الإنسان المصري يعتبر أن المساواة أمر فطر عليه وكذلك وضعت الحضارة الفرعونية أول التشريعات والقوانين المنظمة لدور المرأة وأول تلك التشريعات وأهمها تشريعات الزواج أو الرباط المقدس من حيث الحقوق والواجبات والقائمة على الاحترام المتبادل بين الزوج والزوجة باعتبارها هي رية بيت والمتحكمة الأولى فيه، بالإضافة لحقها الكامل والمتساوي مع الرجل فيما يختص بحق الميراث، كذلك كان لها ثلث مال زوجها في حالة قيامه بتطليقها بدون سبب. كما كان المصري القديم دائم الحرص على أن تدفن زوجته معه في مقبرة باعتبارها شريكته في الحياة الدنيا وبعد البعث أيضا.

وحملت المرأة ألقابا عظيمة في مصر القديمة مثل طاهرة اليدين ؛ العظيمة في القصرة سيدة الحب، عبيدة الجمال ؛ عظيمة البهجة. فيما استأثرت ملكات الأسرة الثامنة عشر بالنصيب الأكبر من هذه الألقاب.

المطلب الثاني

المرأة العربية في الجاهلية

عانت المرأة العربية في الجاهلية من سوء المعاملة، والنظرة الدونية، ولم تمنح لها أية حقوق، لا في المهر ولا في الميراث، ولم يكن لها حتى حق اختيار زوجها، وقد كانت بعض القبائل العربية تند بناتها خشية العار، يقول الدكتور حسن إبراهيم: (كانت عادة واد البنات لاعتقادهم أنه ليس بهم من حاجة لتربية نفر غير مفيد)[17].

كما كان بعض العرب يتاجر بعفاف جواريه، ويجعل منهن سببا الكسب وجمع المال عن طريق البغاء، يقول الله تعالى: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا) النور: 33.

وكان ولي المرأة يزوجها ممن يشاء، سواء رضيت أم لم ترض، وكان ياخذ مهرها ولا يعطيها منه شيئا إلا ما ندر. وكان بعض الأزواج يضيق على زوجته ويضارها لتفندي منه إن كان لها مال، ولهذا قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها، ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما أنيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) النساء: 19

وكانت المرأة إذا توفي زوجها يلقي أحد أبنائه من غيرها ثوبه عليها، فتصبح له ويرثها كما يرث المتاع، ولهذا قال الله تعالى: (ولا تنكحوا ما نكح أباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا) النساء: 22

وكان الطلاق في الجاهلية مباح للرجل كيف يشاء، دون قيد أو عدد يطلق ويراجع ثم يطلق ويراجع، دون نظام ولا مراعاة لحقوق المرأة، كانت تترك أحيانا كالمعلقة لا هي مطلقه ولاهي متزوجة.

المرأة عند العرب في الجاهلية

1) لم يكن للمرأة حق الإرث، وكانوا يقولون في ذلك: لا يرثنا إلا من يحمل السيف، ويحمي البيضة

2) لم يكن المرأة على زوجها أي حق، وليس للطلاق عدد محدود، وليس لتعدد الزوجات عدد معين، وكانوا إذا مات الرجل، وله زوجة وأولاد من غيرها، كان الولد الأكبر أحق بزوجة أبيه من غيره، فهو يعتبرها إرثا كبقية أموال أبيه !.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: « كان الرجل إذا مات أبوه، أو حمره، فهو أحق بامرأته إن شاء أسكها، أو يحبسها حتى تقتدي بصدافها، أو تموت فيذهب بمالها » [ الصداق: المهر ]

3) وقد كانت العدة في الجاهلية حولا كاملا، وكانت المرأة تحد على زوجها شـر حداد وأقبحه، فتليس شر ملابسها، وتسكن شر الغرف، وتترك الزينة والتطيب والطهارة، فلا تمس ماء، ولا تقلم ظفرا، ولا تزيل شعرا، ولا تبدو للناس في مجتمعهم، فإذا انتهى العام خرجت بأقبح منظر، وانتن رائحة

 4) كان العرب في الجاهلية يكرهون نساءهم على الزنا، ويأخذون أجورهم حتى نزل قول الله تعالى: { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تخصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا) [ النور: 33 ]

5) وكان عند العرب في الجاهلية أنواع من الزواج الفاسد الذي كان يوجد عند كثير من الشعوب، ولا يزال بعضه إلى اليوم في البلاد الهمجية:

  • فمنها اشتراك الرهط من الرجال في الدخول على امرأة واحدة، وإعطائها حق الولد تلحقه بمن شاءت منهم
  • ومنهـا نـكـاح الاستبضاع: وهو أن يأخذ الرجل لزوجه أن تمكن من نفسها رجلا معينا من الرؤساء المتصفين بالشجاعة، ليكون لها ولد مثله !

ج- ومنها نكاح المتعة: وهو المؤقت، وقد استقر أمر الشريعة على تحريمه، ويبيحه فرق الشيعة الإمامية.

د- ومنها نكاح الشغار: وهو أن يزوج الرجل امرأة: بنته، أو اخته، أو عن هي تحت ولايته على أن يزوجه أخرى بغير مهر، صداق كل واحدة يضع الأخرى.

وهذان النوعان مبنيان على قاعدة اعتبار المرأة ملكا للرجل يتصرف فيها كما يتصرف في أمواله وبهائمه.

ولا يزالان موجودين عند بعض الشعوب الهمجية كالغجر !! وأما المرتقون من العرب كتريش، فكان نكاحهم هو الذي عليه المسلمون اليوم من الخطبة، والمهر، والعقد، وهو الذي أقره الإسلام، مع إبطال بعض العادات الظالمة للنساء فيه من استبداد في تزويجهن كرها، أو عضلين – أي منعهن من الزواج – أو أكل مهورهن، إلى غير ذلك.

يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: « كنا في الجاهلية لا نعد النساء شيئا، فلما جاء الإسلام، وذكر هن الله رابنا لهن بذلك علينا حقا ». ” رواه البخاري “.

المطلب الثالث

المرأة في المجتمعات الأوروبية قديماً

كانت الزوجات تباع في انجلترا ما بين القرن الخامس والحادي عشر، وفي القرن الحادي عشر أصدرت المحاكم قانوناً ينص على أن للزوج الحق في نقل أو إعارة زوجته إلى رجل آخر لمدة محدودة، وأشر من ذلك ما كان للشريف النبيل روحانيا أو زمنيا – الحق في الاستمتاع بامرأة الفلاح إلى مدة أربع وعشرين ساعة من بعد عقد زواجها عليه (أي على الفلاح)[18].

وفي عهد الملك هنري الثامن ملك انجلترا أصدر البرلمان قراراً يحظر على المرأة أن تقرأ كتاب العهد الجديد، أي انه يحرم عليها قراءة الأناجيل وكتب رسل المسيح[19].

وفي عام 1079 م بيعت امراة في الأسواق بشلنين، لأن الكنيسة في انجلترا التي كانت تنفق عليها ثقلت بمعيشتها[20].

وفي القانون الانجليزي العام حوالي سنة 1850 م , كانت النساء غير معدودات من المواطنين، فلم يكن لهن حقوق شخصية، فلا حق لهن في تلك الأموال التي بكتسبنها بعرق الجبين، بل لا حق لهن في تملك حتى ملابسهن[21].

ومن الطريف أن القانون الانجليزي حتى عام 1805 م كان يبيح للرجل أن يبيع زوجته وقد حدد ثمن الزوجة بستة بنسات[22]

وخلال الستينيات من القرن العشرين، حدث أن باع ايطالي زوجته لآخر على أقساط، فلما أمتنع المشتري عن سداد الأقساط الأخيرة، قتله الزوج البائع[23]

وكان تعليم المرأة سبة تشمئز منها النساء قبل الرجال في ذاك الوقت، وأول طبيبة في الغرب – وهي الدكتورة اليزابيت بلا كويل – والتي تخرجت في (كلية جينيفيا الأمريكية) سنة 1849م كانت النسوة المقيمات معها يقاطعتهـا ويـابين ان يكلمنها  وعندما أجتهد بعضهم في إقامة معهد يعلم النساء الطب بمدينة فيلادلفيا الأمريكية، أعلنت الجماعة الطبية بالمدينة أنها تصادر كل طبيب يقبل التدريس بذلك المعهد بل تصادر كل من يستشير كل أولئك الأطباء[24].

 أما في فرنسا، فقد عقد الفرنسيون مؤتمراً سنة 586 م فقد وافق مولده العشرين من ابريل سنة 571 م، ودار البحث في هذا المؤتمر عن المرأة، وهل تستحق أن تعد أنسانا أم غير إنسان؟. وكانت نتيجة هذا المؤتمر أن اعترفوا بالمرأة إنسانا ولكنها مخلوفة لخدمة الرجل فحسب[25]

وهكذا أثبت الفرنسيون في هذا التاريخ فقط إنسانية المرأة، تلك الإنسانية التي كانت مشكوكا فيها من قبل، وحتى عندما أثبتوها، لم يثبتوها كاملة، وإنما جعلوا المرأة تابعا وخادما للرجل.

ولمـا قامت الثورة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر واعلنت تحرير الإنسان من العبودية، لم تشمل المرأة، حيث حرمتها من التصرف في أموالها وممتلكاتها ورأت أنها ليست أهلا للتعاقد دون رضا وليها[26].

فتصــت السابعة عشر بعد المائتين من القانون المدني الفرنسي- قانون نابليون- على أن المرأة المتزوجة، حتى ولو كان زواجها قائماً على اساس الفصل بين ملكيتها وملكية زوجها، لا يجوز لها أن تهب، ولا أن تنقل ملكيتها، ولا ترهن أو تملك سواء بعوض أو بغير عوض دون اشتراك زوجها في العقد أو موافقته عليه موافقة كتابية[27]

واقع المرأة لدى المجتمعات الغربية المعاصرة

لقد حصل المنعطف الأكبر في أسلوب حياة المرأة الغربية منذ انقليت أوروبا على الدين المتمثل بالكنيسة ورجالها، وانتهجت سبيل العلمانية التي تقوم على تبذ سلطان الدين، فتحول الأوروبيون ومن حذا حذوهم بعد ذلك من الإيمان والتزاماته إلى الإلحاد والمادية.

فتغير نمط الحياة العامة لدى الغرب، و تغيرت كثير من مفاهيمه عن الحياة والقيم وتبذلت فيه المعايير الأخلاقية، فما كان بالأمس عارا أصبح في ظل هذا التغير حرية شخصية، لا يجد الناس صيرا في ممارستها.

والمرأة كانت في الصورة الأكثر وضوحاً في انقلاب الغرب على مبادئه وقيمه، فتحولت المرأة من ريـة الأسرة الحارسة لأخلاق الجيـل إلـى مظهر من مظاهر التساهل الأخلاقي و القيمي، وفقدت بذلك مقومات أنوثتها المتمثلة بالأمومة والزوجية، وبناء الأسرة، استعاضت كثير من الأوروبيات عن الزواج المشروع بالعلاقات الجنسية العابرة، واستبدلت الأسرة المستقرة يأماكن العبث والتسلية، وألفت عنها الضوابط والقيود التي قد تحرمها من شيء من انطلاقها.

أهم مظاهر هذا الانقلاب الهائل في حياة المرأة الغربية ما يلي: –

1) أصبحت المرأة آلة جنسية، تستغل من قبل رجال العلاقات العابرة، ثم يلقي بها لتحمل هي وحدها نتائج هذه العلاقة.

2) فقدت المرأة الأوربيه ثقتها في قدرتها على بناء الأسرة وتربية الأبناء، وذلك لأنها غادرت اسرتها بمجرد بلوغها، لتتنقل في بيوت العازيين، بعيداً عن أجواء التربية والرعاية الأسرية.

المطلب الرابع

الدور التنموي للمرأة

اسهام المرأة في عملية التنمية يبدأ بدورها في التنشئة وفي الاقتصاد المنزلي بترشيد الاستهلاك وعدم الاسراف وفي ايجاد البدائل في وقت الكوارث والأزمات.

وللمرأة دور كبير في تخفيف الفقر والقضاء عليه ولها القدرة على تلبية الاحتياجات الروحية والمادية لأفراد أسرتها، وهي تضع دائما استراتيجية توظيف ميزانية الاسرة وتحدد الاولويات وعلى عاتقها تهيئة البيئة المناسبة لافراد الاسرة من ابناء وازواج او اخوان للاطلاع بدورهم بصورة ايجابية وفاعلة.

ولأهمية العنصر البشري الذي أساسه المرأة؛ فهي التي تعمل على تعليمه والحفاظ على صحته وتنمية قدراته وتدريبه اجتماعيا واقتصاديا خاصة في الريف، بدأت كثير من الدول تولي المرأة اهتماما متزايدا لاضطلاعها بمسؤولياتها واوضحت كثير من الدراسات ان المرأة  لها التأثير الكبير في صنع ووضع القرارات ومشاركة في التنفيذ مما يسهم في الخروج من دورها التقليدي الذي يحد من انجازاتها التى تسهم في تنمية وترقية المجتمع الذي يبدأ من اسرتها الصغيرة.

ونجد المرأة بارعة جدا في سد الفجوات الغذائية ووضع البدائل لافراد اسرتها في حالات الندرة، فتوفر الطعام يساعد علي الاستقرار واستقرار الاسرة يعني استقرار المجتمع  ومعلوم ان المجتمع كلما كان مستقرا زاد ترابطه وتماسكه  وتكافله بذلك يتوفر الاستقرار السياسي والاستقرار الاجتماعي وبتوفر الامن الغذائي يكون الجو مهيئا للتنمية لأن التنمية لا تتم إلا في أجواء آمنه ومستقرة وبتحقيق الأمن الغذائي الذي تعد اسهامات المرأة فيه واضحة سواء بصورة مباشرة او غير مباشرة تتحقق التنمية.

ولتحقيق تنمية مستدامة لابد من العمل على رفع الوعي البيئي لدى المرأة وخاصة الريفية حيث يتأثر دور المرأة  بمدى ثقافتها ومستوى تعليمها ومدى تنميتها لشخصيتها  ويؤثر التعليم تأثير قوي على شخصية المرأة ويجعلها قادرة على تقييم ماتتلقاه من معارف حتى تواكب التطور العالمي المستمر كما أنه من الضروري التوعية والتثقيف بأهمية المحافظة على البيئة لأن القطع الجائر للغابات وازالة الغطاء النباتي من اكبر المهددات للموارد الطبيعية وأن تشتمل التوعية الابتعاد عن تلوث البيئة  وذلك لاجتناب الكوارث الصحية التي تهدد الموارد البشرية وتضعف الانسان وتقعده عن العمل والانتاج ونتجنب هدر الاموال التى تنفق في العلاج.

 

خاتمة

إن الإسلام أعلـى مـن شـان المـرأة وكـل لـهـا حقوقهـا، وجعـل لـهـا مكـانـة محترمة و معتبـرة فـي المجتمـع المسلم، وفي ذات الوقـت حمـى الإسلام الأسـرة و المجتمـع مـن خـلال وضـعه للضـوابط و الأحكام، التي تستهدف الرجال و النساء على السواء و راعي في ذلك خصوصية كل منهما.

وهنالك بعض المفاهيم المغلوطـة حـول قضايا المرأة المختلفة، و التـي تنسب أحيانا إلى الإسلام دون تحقـق و درايـة كـافيـة بأحكـام الشـرع، و يحـدث أحيانـا الخلـط بيــن العـادات و التقاليـد الشـعبية الموروثة و بين موقف الإسـلام عـن المـرأة، ويجـري تطبيقهـا فـي الواقـع بقـوة الأحكام الشرعية و نفاذهـا، وذلك نتيجـة للجهـل بالإسلام و القـرآن الكـريم الـذي حـارب التقليد الأعمى ودعـا إلـى التفكـر و إعمال العقل و البصيرة.

ويخلـط بـعـض الـذين تكلمـوا عـن موقـف الإسـلام مـن قـضـايا المراة بـين أحكام الإسـلام ونصوصه وبين المواقـف الخاطئـة التـي يتخذها بعـض المسلمين، و يعممـون دلـك علـى النظـرة الدينية الإسلامية في خصوص المرأة و قضاياها المختلفة.

وجهـل كثيـر مـن النساء المسلمات بـالحقوق التـي منحهـا الإسلام لـهـن جعلهـن يفقـدن الكثيـر مـن هـذه الحقوق، و أصبح هذا الجهل سببا في الانبهار بدعوات التحرر و الانفتاح و تقليد النموذج الغربي.

فمعظـم المفاهيم المغلوطـة حـول العـرأة فـي داخـل المجتمـع المـلم نتجـت عـن الفهـم الخـاطي للإسلام، أو التـاثر بموجـة التعريـب التـي تكتسح العـالم اليـوم، وأحيانا كـان سـببها بعـض الكتابـات التـي تعمدت الإساءة للإسـلام مـن خـلال تشـويه حقائقـه، و التلاعب بالألفاظ و اجتـزاء التصـوص الشرعية.

[1] عبد الباقي، زيدان، المرأة بين الدين والمجتمع، ط 2، ص 70،75 سلسلة الثقافة الاجتماعية الدينية للشباب ( الكتاب الثاني ) القاهرة 1981

[2] الحسيني، ميشر الطرازي، المرأة وحقوقها في الإسلام، ص 9، من مكتبة حميدو، الاسكندريه.

[3] السباعي، محمد أحمد، المرأة بين التبرج والتحجب، ص 49، مجمع البحوث الإسلامية ( السنة الثانية عشرة – الكتاب التاسع – 1981 )

[4] الخرسا، عادة الإسلام وتحرير المرأة، ص28، دار السياسية الكويت.

[5] محمد رشيد، نداء للجنس اللطيف، ص 35، مطيعة المنار بمصر، 1930.

[6] السباعي، المرأة بين التبرج والتحجب، ص 14.

[7] السباعي، المرأة بين التبرج والتحجب، ص 50.

[8] وافي، على عبد الواحد، المساواة في الإسلام، ط 2، ص 54، ( سلسلة أقرأ 235، دار المعارف بمصر 1965 م.

[9] الحصين، أحمد عبد العزيز، المرأة ومكانتها في الإسلام ط 3 ص 16، مكتبة الإيمان – القاهرة 1983.

[10] حسن، عبد الباسط محمد، مكانة المرأة في التشريع الإسلامي، ص 43، مركز دراسات المرأة والتنسية، الكتاب الأول، 1979.

[11] فصل الله، مريم نور الدين، المرأة في ظل الإسلام، ط 3، ص 25، دار الزهراء بيروت 1983

[12] خيرت، أحمد، مركز المرأة في الإسلام، ص 12، دار المعارف بمصر 1975.

[13] الجمري، عبد الأمير منصور، المرأة في ظل الإسلام، ط 4، ص 13، مكتبة الهلال بيروت 1986

[14] الأفغاني، سعيد، الإسلام والمرأة تقلا عن المستشرق الروسي أحمد أجاديف بكتابه حقوق المرأة في الإسلام، ترجمة سليم قيمين، ص 13 – مطبعة الترقي بدمشق.

[15] عرفه، محمد عبد الله، حقوق المرأة في الإسلام، ط 1، ص 25، المكتب الإسلامي بيروت، دمشق.

[16] كحالة، عمر رضا، المرأة في القديم والحديث، ط 2، ص1-132، مؤسسة الرسالة بيروت.

[17] حسن، حسن إبراهيم، تاريخ السلام السياسي 37/1، المكتبة التجارية، القاهرة، 1945.

[18] رضا، محمد رشيد، لداء الجنس اللطيف – ص 36، مطبعة المنار بمصر 1930.

[19] عتر، نور الدين، ماذا عن المرأة عطر، ص 19، دار الفكر – دمشق 1979.

[20] العقاد، عباس محمود، المرأة في القرآن، سن 106، دار السلام – القاهرة 1973.

[21] الجمري – عبد الأمير منصور، المرأة في قتل الإسلام، طه، سن 45 – مكتبة الهلال بيروت 1986م.

[22] السباعي، المرأة بين الفقه و القانون، ص 21.

[23] السباعي، المرأة بين الفقه والقانون، ص 22 من مجلة حضارة الإسلام السنة الثانية 1962 م

[24] الكزبري، سلمى الحفائر، نساء متفرقات، ص 233، دار العلم للملايين بيروت 1961 م م

[25] العقاد، عباس محمود، المرأة في القرآن، ص 108 – دار السلام – القاهرة 1982

[26] الطباطبائي، محمد حسين المرأة في الإسلام، من 19 – الدار الإسلامية بيروت

[27] وافي، علي عبد الواحد، المساواة في السلام، ص 55