إثبات عدم المشروعية الداخلية

لائحة اعتراضية

المبحث الأول: الدور التقليدي القاضي الإلغاء في إثبات عدم المشروعية الداخلية.

ساهم قاضي الإلغاء مساهمة كبيرة في إثبات الانحراف بالسلطة من خلال القرائن القضائية، كما تدرج في بسط سلطته في البحث عن عيب السبب بدءا من التحقق من صحة التكييف القانوني للوقائع ومرورا ببحث الوجود المادي لها وصولا إلى إلزام الإدارة بالإفصاح عن أسبابها حتى في الحالات التي لم يلزمها القانون بذكرها في صلب القرار.

إن إثبات عيب المحل في قرار متخذ على أساس اختصاص مقيد سهل لوضوح العيب، ولقد اقتصر دور القاضي في هذه الحالة على التحقق من مدى مخالفة محل القرار الإداري للقانون مخالفة مباشرة أو غير مباشرة.

بينما تثور صعوبة إثبات المحل بحدة في حالة اتخاذ القرار على أساس من السلطة التقديرية، وقاضي الإلغاء في مرحلة أولى لم يمارس دورا إيجابيا ومساعدا للطاعن على الإثبات بهذا الشأن، ولم يبد هذا الدور مساعدا للطاعن بالإلغاء؛ ولهذا فإن كلامنا في هذا المبحث المتعلق بالدور التقليدي للقاضي الإداري في إثبات عدم المشروعية الداخلية سيقتصر – إن شاء الله – على إثبات الانحراف بالسلطة وإثبات عيب السبب فقط.

المطلب الأول: القرائن ودورها في إثبات عيب الانحراف بالسلطة.

عرف فقهاء القانون القرينة بأنها: ” دلالة تستخلص من واقعة معينة ويكون من شأنها أن تشير إلى واقعة أخرى هي التي يراد إثباتها” أو هي: ” شواهد وإمارات نص عليها المشرع أو استنبطها القاضي من الواقعة المعروضة عليه تؤيد المدعى في دعواه أو تخذله”. 2 أو هي: “استخلاص أو افتراض أمر مجهول من واقعة معلومة، وقد تكون القرينة منصوصا عليها في القانون، فتكون قرينة قانونية، وقد يستنبطها القاضي وفق ما يرتاح إليه ضميره، فتكون قرينة قضائية”.

ولقد عرفها فقهاء الإسلام بأنها: ” أمر يشير إلى المطلوب “، كما عرفت بأنها: ” كل أمارة ظاهرة تقارن شيئا خفيا فتدل عليه ” وقيل هي :” ما يلزم من العلم به الظن بوجود المدلول”.

وتصف القرائن إلى قانونية وقضائية، والقرينة القانونية لا عمل فيها للقاضي، فركنها هو نص القانون وحده فهو الذي يختار الواقعة الثابتة وهو الذي يجري عملية الاستنباط، ويقوم القاضي بإنزال إرادة المشرع دون أدنى سلطة له في التقدير ومتى وجدت الواقعة الثابتة قامت القرينة القانونية. ولهذا تعرف القرينة القانونية بأنها: “افتراض قانوني يقوم على استنباط مجرد يحدده القانون إعمالا للواقع العملي الغالب”. ولا يعتبرها العلامة السنهوري وسيلة من وسائل الإثبات بل هي طريق يعفي من الإثبات في رأيه.

ومن القرائن القانونية التي قررها المشرع الجزائري قرينة رفض التظلم، فسكوت الإدارة لمدة شهرين وعدم ردها على التظلم يعتبر رفضا له، وكذلك اعتبار مرور 30 يوما من تاريخ إيداع مداولات المجلس الشعبي التي تتطلب المصادقة من طرف الوالي دون المصادقة عليها من طرف هذا الأخير مصادقة ضمنية، واعتبار سكوت الإدارة وعدم ردها على طلب رخصة البناء لمدة 45 يوما من إيداع الطلب قرينة على قبول الطلب.

أما القرينة القضائية فهي التي يستنتجها القاضي بإعمال فكره من ظروف الدعوى وملابساتها، ووصفت بالقضائية لأنها من عمل القاضي وحده؛ يستخلصها من خلال فهمه للوقائع وما تحمله من دلالات، ويطلق عليها أحيانا القرائن الموضوعية لأنها تستمد من موضوع الدعوى.

والقرائن القضائية على العكس من القرائن القانونية القاطعة، فهي غير قاطعة وقابلة لإثبات العكس؛ لأنها تقوم على استنباط القاضي وخطأ القاضي فيها غير مستبعد، لذلك يكون للخصم الحق في دحض ما جاء بالقرينة بكل طرق الإثبات.

ومن أهم القرائن القضائية التي قررها القاضي الإداري الجزائري، أن رفض التوقيع على محضر التبليغ يعد قرينة على صحة التبليغ، كما أن عدم مثول الإدارة أمام القضاء على الرغم من استدعائها قرينة على أنها لا تعترض على طلبات الخصوم، وأن عدم تقديم الإدارة لوثيقة طلبها القاضي، بدون سبب أو لأسباب واهية، قرينة على صحة ادعاءات المدعي.

كما أقر القضاء الإداري المقارن الكثير من القرائن القضائية التي لاقت الاستقرار وتكرر الاعتراف بها، ومنها قرينة اعتبار ملف الموظف الوعاء الطبيعي والصادق التصوير حالته الوظيفية ومدى انضباطه، واعتبار قصر مدة إصدار القرارات عن الهيئات الجماعية دليل على عدم البحث والدراسة الجدية، واعتبار ارتكاب الموظف المخالفات تأديبية ثم صدور إجراء نقل من أجل المصلحة دليل على الانحراف بالإجراء القصد منه عقوبة مقنعة، وكذلك في حالة نقله من وظيفة أعلى إلى أخرى أدنى.

لقد لعبت القرائن دورا كبيرا في الإثبات الإداري، لكن المجال الخصب للقرائن القضائية كوسيلة من وسائل الإثبات الإداري هو عيب الانحراف بالسلطة، ولهذا ارتأينا أن نتعرض إلى عيب الانحراف بالسلطة وصعوبة إثباته في فرع أول وفي فرع ثاني نتطرق إلى مكانة القرائن القضائية في الإثبات الإداري ودورها في إثبات الانحراف بالسلطة.

فسخ عقد الزواج

error: