الادعاء الفرعي بالتزوير

رابعا: دور المشرع في التخفيف من عبء الإثبات

من خلال تنظيمه لإجراء الادعاء الفرعي بالتزوير.

الوثائق المرفقة بملف الدعوى أو التي يطلبها القاضي أو أحد الخصوم دور مهم في الإثبات، وحتى يمكن اعتمادها يجب أن يكون القاضي والأطراف مطمئنين إلى صحتها ومتى ثار الشك بشأنها سواء من طرف القاضي أو الأطراف وجب التحقق من صحتها، وبعدها يمكن الاستناد إلى حجيتها.

لقد تبنى المشرع الجزائري في قانون الإجراءات المدنية والإدارية سياسة تبسيط الإجراءات وتقليص تكاليف الدعوى، ومراعاة لهذه السياسة أوكل للقاضي الإداري على غرار القاضي المدني النظر في الطعن بالتزوير، بمناسبة نظره في نزاع من اختصاصه.

وأحالت المادة 871 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية إلى أحكام الطعن بالتزوير الواردة ضمن الكتاب الأول والمتعلق بالإجراءات المشتركة أمام جميع الجهات القضائية بقولها:” تطبق الأحكام المتعلقة بالتزوير المنصوص عليها في المواد من 175 إلى 188 من هذا القانون أمام المحاكم الإدارية”، وهكذا نصت المادة 180 من نفس القانون على أنه: “يثار الادعاء الفرعي بالتزوير بمذكرة تودع أمام القاضي الذي ينظر في الدعوى الأصلية”.

لقد ميزت الأحكام المحال إليها من طرف المادة 871 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية بين الحالة التي يكون فيها محل الطعن بالتزوير ورقة عرفية والحالة التي يكون فيها محل التزوير ورقة رسمية، ففي حالة الطعن بالتزوير في ورقة عرفية فإن القاضي حسب نص المادة 175 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية يتبع بشأنه إجراءات مضاهاة الخطوط المنصوص عليها في المادة 165 وما يليها من نفس القانون.

أما إذا كان محل الطعن بالتزوير ورقة رسمية فإن المادة 180 من نفس القانون نصت على وجوب أن يكون هذا الطعن بموجب مذكرة مستقلة، تتضمن بدقة الأوجه التي يستند إليها المدعي، تحت طائلة عدم قبول الادعاء.

ولقد خولت المادة 181 من نفس القانون سلطات واسعة للقاضي إزاء هذا الطعن، إذ يجوز له أن يصرف النظر عنه، متى رأى أن الفصل في الدعوى لا يتوقف على الوثيقة المطعون فيها، حتى لا ينشغل القضاء عن الفصل في الدّعوى مسائل لا علاقة لها بها، أو غير مفيدة للفصل فيها، مما يؤدي إلى إطالة أمد الدعوى.

أما إذا كان الفصل في الدعوى يتوقف عليها فإنه يدعو الخصم الذي قدمها إلى التصريح عما إذا كان يتمسك بها، فإذا أجاب بعدم التمسك بالوثيقة المطعون فيها استبعدت من أدلة الإثبات، وإذا تمسك بها دعاه القاضي إلى إيداع أصلها أو نسخة مطابقة عنها بأمانة الجهة القضائية خلال أجل لا يزيد عن ثمانية أيام، وإلا تم استبعادها.

كما أن للقاضي أن يأمر الموظف المودع لديه أصل هذه الوثيقة بتسليمه إلى أمانة الجهة القضائية، متى كان هذا الأصل مودعا بمحفوظات عمومية.

خامسا: دور المشرع في التخفيف من عبء الإثبات

من خلال تنظيمه لإجراء مضاهاة الخطوط.

في الدعوى الإدارية غالبا ما تكون الوثائق المقدمة للإثبات أوراقا رسمية، غير أنه في أحيان نادرة تثور الإشكالية بشأن أوراق عرفية، خاصة فيما يخص التبليغ من عدمه في القضايا التأديبية.

حددت المادتين 165 و166 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجزائري واللتين أحالت عليها المادة من 862 من نفس القانون الطرق الواجب إتباعها للتحقيق في الوثيقة المطعون عليها بالإنكار، إما بالمضاهاة مع مستندات أخرى أو بسماع الشهود، أو بواسطة خبير.

لقد خول المشرع الجزائري للقاضي أن يصرف النظر عن الوثيقة العرفية المطعون فيها بالتزوير متى رأى أن الدعوى بما تحويه من أوراق ومستندات كافية لاقتناعه؛ حيث أن الغرض من هذا الإجراء اقتناع المحكمة براي ترتاح إليه في حكمها؛ فإذا كان هذا الاقتناع موجودا بدونه فلا لزوم له.

وفي هذا الصدد نصت المادة 165 على أنه: “إذا أنكر أحد الخصوم الخط أو التوقيع المنسوب إليه، أو صرح بعدم الاعتراف بخط أو توقيع الغير، يجوز للقاضي أن يصرف النظر عن ذلك إذا رأى أن هذه الوسيلة غير منتجة في الفصل في النزاع…”.

أما في الحالة العكسية فإنه وحسب نفس المادة، يؤشر القاضي على الوثيقة محل النزاع، ويأمر بإيداع أصلها بأمانة الضبط، كما يأمر بإجراء مضاهاة الخطوط اعتمادا على المستندات أو على شهادة الشهود وعند الاقتضاء بواسطة خبير.

كما أنه وإعمالا لخاصية حرية القاضي بشأن وسائل الإثبات فإن القاضي ليس ملزما بتقرير الخبير، ولا بشهادة الشهود؛ لأنهما من عناصر الإثبات، وأدواته التي تهدف في النهاية إلى إقناع القاضي، فمتى لم يتحقق ذلك ووجد القاضي في ملف الدعوى ما يكفي لتكوين عقيدته، أو رأى أنه من اللازم اللجوء إلى إجراء تحقيق آخر لتحقيق هذا الاقتناع جاز له ذلك.

لقد حددت المادة 167 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية عناصر المقارنة التي يجري القاضي أو الخبير المضاهاة على أساسها، فله أن يأمر الخصوم بتقديم الوثائق التي تسمح له بإجراء المقارنة، وله أيضا أن يأمرهم بكتابة نماذج بإملاء منه، كما حددت له بعض العناصر التي يقبل الاعتماد عليها في المقارنة، وذلك لما تتمتع به من حجية ومصداقية، وهي:

  • التوقيعات التي تتضمنها العقود الرسمية.

  • الخطوط والتوقيعات التي سبق الاعتراف بها.

  • الجزء الذي لم يتم إنكاره من المستند موضوع المضاهاة.

وهكذا فإن المشرع الجزائري أوكل القاضي مهمة تحديد المستندات والعناصر التي يعتمدها في المضاهاة، غير أنه قيد هذه الحرية بوجوب قبوله اعتماد بعض العناصر في المضاهاة وعدم جواز استبعادها، نظرا للاطمئنان إلى صحتها وبالتالي منطقية اعتمادها كمعيار لصحة العناصر المنكرة من عدمها.

وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري في المادة 169 من قانون الإجراءات المدنية أعطى للقاضي سلطة توقيع الغرامة التهديدية على الخصم الذي لم يمتثل للأمر بإحضار المستندات والأصول اللازمة لإجراء عملية المضاهاة.

إن المشرع الجزائري إضافة إلى ذلك خول القاضي بموجب المواد 168، 169، 170، 171، 172، 173 اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية لحفظ المستندات وأوراق المضاهاة، وتذليل العقبات والصعوبات التي تعرقل العملية سواء قبل الشروع فيها أو بعدها.

وأخيرا فإنه إذا أثبتت عملية تحقيق الخطوط صحة الوثيقة فإنها تصبح في قوة الوثيقة الرسمية، ولا يجوز بعد ذلك الطعن فيها إلا بالتزوير، أما إذا لم تثبت صحتها لم يجز بعد ذلك لمقدمها التمسك بها.

error: