بحث في حجية البصمة الوراثية

د. عبد الرشيد محمد أمين القاسم*([1])

   الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

   تعد مسألة البصمة الوراثية ومدى الاحتجاج بها من القضايا المستجدة التي اختلف فيها فقهاء العصر، وتنازعوا في المجالات التي يستفاد منها، وتعتبر فيها حجة يعتمد عليها كلياً أو جزئياً، وقد شاع استعمال البصمة الوراثية في الدول الغربية وقبلت بها عدد من المحاكم الأوربية، وبدأ الاعتماد عليها مؤخراً في البلدان الإسلامية ونسبة أعمال الإجرام لأصحابها من خلالها، لذا كان من الأمور المهمة للقضاة معرفة حقيقة البصمة الوراثية ومدى حجيتها في إثبات الأنساب وتمييز المجرمين وإقامة الحدود.

   فالبصمة مشتقة من البُصم، وهو فوت ما بين طرف الخنصر إلى طرف البنصر. وبَصَمَ بصماً إذا ختم بطرف إصبعه، والبصمة أثر الختم بالإصبع ([2]).

   ولفظ البصمة عند الإطلاق ينصرف إلى بصمات الأصابع وهي الأثر التي تتركها الأصابع عند ملامستها الأشياء، وتكون أكثر وضوحاً في الأسطح الناعمة، وهي اليوم تفيد كثيراً في معرفة الجناة عند أخذ البصمات من مسرح الحادث؛ لأنه لا يكاد يوجد بصمة تشبه الأخرى.

   وقد تطورت الأبحاث في مجال الطب، واكتشفت محتويات النواة والصفات الوراثية التي تحمل الكروموسومات والتي يتعذر تشابه شخصين في الصفات الوراثية عدا التوائم المتشابهة. والبصمات الوراثية أمثر دقة وأكثر من بصمات الأصابع. أما المادة الحيوية الأساسية التي نستخرج منها البصمة الوراثية فهي:

   1- الدم.

   2- المني.

   3- جذر الشعر.

   4- العظم.

   5- اللعاب.

   6- البول.

   7- السائل الأمينوسي (للجنين).

   8- خلية البيضة المخصبة (بعد انقسامها 4-8).

   9- خلية من الجسم.

   وكمية بقدر حجم رأس الدبوس تكفي لمعرفة البصمة الوراثية([3]).

   وقد ارتضى المجمع الفقهي بمكة التعريف التالي للبصمة الوراثية: «البصمة الوراثية هي البنية الجينية، نسبة إلى الجينات أي الموروثات التي تدل على هوية كل إنسان بعينه» ([4]).

   إن مصادر البصمة الوراثية موجودة في النواة من كل خلية في جسم الإنسان، والجسم يحتوي على ترليونات من الخلايا، وكل خلية تحتضن نواة هي المسئولة عن حياة الخلية ووظيفتها، وكل نواة تحتضن المادة الوراثية بداية من الخواص المشتركة بين البشر جميعهم أو بين سلالات متقاربة، وانتهاء بالتفصيلات التي تختص بالفرد وتميزه، فلا يطابق فرداً آخر من الناس، ومصدر البصمة موجود على شكل أحماض أمينية (DNA) تسمى الصبغيات؛ لأن من خواصها أنها تلون عند الصبغ، ويطلق عليها أيضاً «الحمض النووي» لأنها تسكن في نواة الخلية، وهي موجودة في الكروموسومات، وهذه الكروموسومات منها ما هو مورث من الأب والأم، ومنها ما هو مستجد بسبب الطفرة الجديدة MUTATION NEO، والصفات الوراثية من الجينيات، وهذه الجينات توجد في الكروموسومات، وهناك حوالي مئة ألف جين مورث في كل كروموسوم واحد، لذلك لو دُرِس كروموسومان فقط بطريقة عشوائية لأمكن متابعة عدد كبير من هذه الصفات الوراثية في هذين الكروموسومين، ولأصبح الجواب الصحيح في معرفة البصمة الوراثية للأبوة والبنوة بنسبة نجاح تصل لـ9.99% نظراً لعدم تطابق اثنين من البشر في جميع هذه الصفات الوراثية([5]).

مجالات الاستفادة من البصمة الوراثية:

   إن اكتشاف القوانين المتعلقة بالوراثة، ومعرفة ترتيب عناصرها المشتركة والخاصة، ومعرفة كيفية الاستفادة منها مما هيأه الله للبشر من العلم في هذا الزمان كما قال تعالى: ((وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ)) ([6]).

   ويمكن تطبيق هذه التقنية والاستفادة منها في المجالات التالية:

   1- إثبات النسب أو نفيه وما يتعلق بذلك مثل تمييز المواليد المختلطين في المستشفيات أو في حال الاشتباه في أطفال الأنابيب، أو عند الاختلاف أو التنازع في طفل مفقود بسبب الكوارث والحوادث، أو طفل لقيط، أو حال الاشتراك في وطء شبهة وحصول الحمل، أو عند وجود احتمال حمل المرأة من رجلين من خلال بيضتين مختلفتين في وقت متقارب كما لو تم اغتصاب المرأة بأكثر من رجل في وقت واحد، أو عند ادعاء شخص عنده بينة (شهود) بنسب طفل عند آخر قد نسب إليه من قبل بلا بينة.

   2- تحديد الشخصية أو نفيها مثل عودة الأسرى والمفقودين بعد غيبة طويلة، والتحقق من شخصيات المتهربين من عقوبات الجرائم، وتحديد شخصيات الأفراد إذا كانوا جثثاً مشوهة من الحروب والحوادث، والتحقق من دعوى الانتساب إلى قبيلة معينة بسبب الهجرة، أو تحديد القرابة للعائلة.

   3- إثبات أو نفي الجرائم، وذلك بالاستدلال بما خلفه الجاني في مسرح الجريمة من أي خلية تدل على هويته، كما هو الحال في دعاوى الاغتصاب والزني والقتل والسرقة وخطف الأولاد وغير ذلك([7]).

   ويكفي أخذ عينة من المني أو العثور على شعرة أو وجود أثر اللعاب عقب شرب السيجارة أو أثر الدم أو بقايا من بشرة الجاني أو أي خلية تدل على هويته.

   ونسبة النجاح في الوصول إلى القرار الصحيح مطمئنة؛ لأنه في حال الشك يزاد عدد الأحماض الأمينية ليزيد عدد الصفات الوراثية.

   ومن أشهر القضايا التي استعملت فيها هذه التقنية فضيحة بيل كلنتون الرئيس الأمريكي في قضيته المشهورة مع ليونيسكي، فإنه لم يعترف ويعتذر للجمهور الأمريكي إلا بعد أن أظهرت الأدلة الجنائية وجود بصمته الوراثية المأخوذة من المني الموجود على فستان ليونيسكي.

   وحادثة أخرى وقعت بالسعودية ذكرها ممثل معمل الأدلة الجنائية للعلماء في مقر رابطة العالم الإسلامي بمكة أثناء مناقشة موضوع البصمة الوراثية، وحاصل القضية أن امرأة ادعت أن أباها وقع عليها ونتج عن ذلك حمل، وكان احتمال تصديقها ضعيفاً؛ لأن الأب في الستينات من العمر، وقبل ذلك لقوة العلاقة التي تجمعه بالمتهمة، فأجل موضوع التحليل حتى وضع الحمل لئلا يتضرر الجنين، وعندما وضعت وجد – من خلال التحاليل – أن الطفل لا علاقة له بالمتهم (الأب)، والأغرب أنه لا علاقة له بالمرأة المدعية، فاتضح أن القضية فيها تلاعب، وأن أيدياً خفية وراءها، فالنفي عن المتهم لا إشكال فيه، أما النفي عن المرأة الحامل ففيه تصادم مع الواقع وبالرجوع لأسماء المواليد الذين ولدوا في نفس اليوم بالمستشفى اتضح أنهم بلغوا (30) طفلاً، وعند حصر الصفات المطلوبة انحصرت في (12) طفلاً تم الاتصال بذويهم واحداً واحداً حتى تم الوصول للطفل المطلوب، واتضح أن بصمته الوراثية تدل على ارتباطه بالمتهم (الأب)، وأن هناك طفلاً لقيطاً أدخل المستشفى في اليوم نفسه، وعند التسليم تم التبديل لإخفاء الحقيقة، والله المستعان.

طرق إثبات النسب في الشريعة الإسلامية:

   لا خلاف بين الفقهاء أن النسب الشرعي لا يثبت في حال تصادم النسب مع الواقع الحسي، كما لو ادعت المرأة نسب طفل لزوجها الصغير الذي لا يولد لمثله، وكذا لو أتت به قبل مضي ستة أشهر من الزواج. ويثبت النسب في الشريعة الإسلامية بالطرق التالية:

1- الفراش:

   وهو تعبير مهذب عن حالة اجتماع الرجل بالمرأة؛ لأن المرأة كالفراش لزوجها، ولما كان التحقق من (الجماع) بين الزوجين شبه متعذر لكونه مبيناً على الستر اكتفى الجمهور بمظنة الدخول، خلافاً للحنفية الذين اكتفوا بعقد النكاح وعدُّوا المرأة فراشاً لزوجها يثبت به النسب، وذهب بعض المتأخرين كابن تيمية وابن القيم إلى اشتراط الدخول المحقق وعدم الاكتفاء بمظنة الدخول.

   ولاشك أن الأول أولى، فعامة أحكام الشريعة مبنية على غلبة الظن، وإثبات الدخول المحقق في كل حالة متعذر.

   وإثبات النسب عن طريق الفراش مجمع عليه بين الفقهاء، لقولهr: «الولد للفراش»([8]).

2- الاستلحاق:

   وذلك بأن يقر المستلحق بأن هذا الولد ولده، أو أن هذا أخوه أو أبوه وغير ذلك.

   وقد اشترط العلماء للاستلحاق شروطاً، أبرزها أن المُقَر له بالنسب ممكن ثبوت نسبه من المقِرِّ، فلو أقر من عمره عشرون ببنوة من عمره خمسة عشر لم يقبل إقراره لاستحالة ذلك عادة وعقلاً([9]).

   فهل هذا الشرط يمكن تنزيله على البصمة الوراثية؟ هذا ما سيأتي الإجابة عنه في الصفحات التالية.

3- البينة:

   وقد أجمع الفقهاء على أن النسب يثبت لمدعيه بناء على شهادة العدول بصحة ما ادعاه، ويكفي في ذلك الاستفاضة بمعنى الشهادة بالسماع، بأن يشتهر الأمر بين الناس حتى يصير معروفاً بينهم ويقول جمع كبير من الناس: سمعنا أن فلاناً ابنُ فلان… ([10]).

4- القيافة:

   وهي مصدر (قافَ) بمعنى تتبع أثره ليعرفه، يقال: فلان يقوف الأثر ويقتافه، والقائف هو الذي يتبع الآثار ويعرفها ويعرف شبه الرجل بأبيه وأخيه([11]).

   والمراد بها هنا: الذي يعرف النسب بفراسته ونظره إلى أعضاء المولود([12]).

   وقد ذهب الحنفية إلى أن القيافة لا يلحق بها النسب؛ لأنها ضرب من الظن والتخمين في حين ذهب جمهور العلماء إلى الأخذ بها؛ لدلالة السنة والآثار عليها، ومنها حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: دخل عليّ رسول الله r ذات يوم مسروراً تَبْرُقُ أسارير وجهه، فقال: «ألم تريْ أن مجزَّزاً المًدْلِجي نظر آنفاً إلى ويد بن حارثة وأسامة بن زيد وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامها فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض»([13]).

وجه الدلالة:

   أن سرور النبي r دال على إقراره بالقيافة، وحاشاه عليه الصلاة والسلام أن يسمع باطلاً فيقره أو يسكت عنه([14]).

5- القرعة:

   وذلك عند التنازع على طفل ولا بينة لأحدهم، فتجرى القرعة، وهذه أضعف الطرق، ولم يأخذ بها جمهور العلماء، وهو مذهب الظاهرية وإسحاق ورواية عند الحنابلة وكذا المالكية في أولاد الإماء([15]).

   وهذه الطريقة غير معمول بها في هذا الزمان بفضل الله ثم بالتقدم العلمي في مجال تحليل الدم والبصمة الوراثية، فقد شاعت واستقر العمل بها في محل التنازع في النسب، ولا ريب أن القرعة لا يصار إليها لوجود الدليل المرجح.

هل البصمة يثبت بها النسب؟

   – ذهب العلماء المعاصرون إلى اعتبار«البصمة الوراثية» طريقاً من طرق إثبات النسب من حيث الجملة، واختلفوا في بعض القضايا الفرعية، وقد جاء في قرار المجمع الفقهي بالرابطة ما يلي: «خامساً: يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات الآتية:

   أ- حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء، سواء أكان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها أم كان بسبب الاشتراك في وطء الشبهة ونحوه.

   ب- حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات ومراكز رعاية الأطفال ونحوهما، وكذا الاشتباه في أطفال الأنابيب.

   ج- حالات ضياع الأطفال واختلاطهم، بسبب الحوادث أو الكوارث أو الحروب وتعذر معرفة أهلهم، أو وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها أو بقصد التحقق من هويات أسرى الحرب والمفقودين»([16]).

   وقد رأى عدد كبير من الباحثين قياس البصمة الوراثية على القيافة من باب أولى، أو اعتبارها قرينة قوية يأخذ بها جمهور الفقهاء في غير قضايا الحدود، وقد جاء في توصية ندوة الوراثة والهندسة الوراثية المنبثقة عن المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية: «البصمة الوراثية من الناحية العلمية وسيلة لا تكاد تخطئ في التحقيق من الوالدية البيولوجية والتحقق من الشخصية، ولا سيما في مجال الطب الشرعي، وهي ترقى إلى مستوى القرائن القوية التي يأخذ بها أكثر الفقهاء في غير قضايا الحدود الشرعية، وتمثل تطوراً عصرياً عظيماً في مجال القيافة التي يذهب إليها الفقهاء في إثبات النسب المتنازع فيه، ولذلك ترى الندوة أن يؤخذ بها في كل ما يؤخذ فيه بالقيافة من باب أولى»([17]).

   ومن خلال التوصية السابقة والبحوث المقدمة في هذا المجال نجد أن فريقاً من الفقهاء يرى قياس البصمة الوراثية على القيافة، وأن الأحكام التي تثبت بالقيافة تثبت بالبصمة الوراثية.

   ويظهر لي أن هذا القياس بعيد؛ للأمور التالية:

   1- أن البصمة الوراثية قائمة على أساس علمي محسوس فيه دقة متناهية والخطأ فيه مستبعد جداً، بخلاف القيافة التي تقوم على الاجتهاد والفراسة، وهي مبنية على غلبة الظن، والخطأ فيها وارد، ففرق بين ما هو قطعي محسوس وما بني على الظن والاجتهاد.

   2- أن القيافة يعمل بها مجال الأنساب فقط، بخلاف البصمة الوراثية، فهي تتعداها إلى مجالات أخرى كتحديد الجاني وتحديد شخصية المفقود.

   3- أن القيافة تعتمد على الشبه الظاهر في الأعضاء كالأرجل، وفيها قدر من الظن الغالب، أما البصمة الوراثية فهي تعتمد اعتماداً كلياً على بنية الخلية الجسمية الخفية، وهي تكون من أي خلية في الجسم، ونتائجها تكون قطعية؛ لكونا مبنية على الحس والواقع.

   4- أن القافة يمكن أن يختلفوا، بل العجيب أنهم يمكن أن يلحقوا الطفل بأبوين لوجود الشبه فيهما([18])، أما البصمة فلا يمكن أن تلحق الطفل بأبوين ألبتة ويستبعد تماماً اختلاف نتائج البصمة الوراثية ولو قام بها أكثر من خبير، فالقياس بعيد فهذا باب وهذا باب.

   وبناء على ما تقدم فالقيافة والبصمة الوراثية باب آخر.

   وهي تعد مستقلة أو قرينة قوية يؤخذ بها في الحكم الشرعي إثباتاً ونفياً، وذلك لما يأتي:

   1- أن البينة لم تأت في الكتاب والسنة محصورة في الشهادة والإقرار فقط، بل كل ما أظهر الحق وكشفه فهو بينة، قال تعالى في قصة موسى مع فرعون: (( حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [105] قَالَ إِنْ كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [106] (( فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ [107] وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ [108] ([19]).

وجه الدلالة:

   قال ابن القيم: «فالبينة اسم لكل ما يبين الحق ويظهره، ومن خصها بالشاهدين أو الأربعة أو الشاهد والمرأتين لم يوف مسماها حقه، ولم تأت البينة قط في القرآن مراداً بها الشاهدان، وإنا أتت مراداً بها الحجة والدليل والبرهان مفردة ومجموعة، وكذلك قول النبي  r: «البينة على المدعي» المراد به: أن عليه ما يصحح دعواه ليحكم له، والشاهدان من البينة، ولا ريب أن غيرها من أنواع البينة قد يكون أقوى منها، كدلالة الحال على صدق المدعي، فإنها أقوى من دلالة إخبار الشاهد، والبينة والدلالة والحجة والبرهان والآية والتبصرة والعلامة والأمارة متقاربة في المعنى. فالشرع لم يلغ القرائن والأمارات ودلائل الأحوال، بل من استقرأ الشرع في مصادره وموارده وجده شاهداً لها بالاعتبار، مرتباً عليها الأحكام»([20]).

   2- وقال تعالى: (( قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ [26] وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ [27] فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ [28] ([21]).

وجه الدلالة:

   أن موضع قدّ القميص عُدَّ دليلاً على صدق أحدهما وتبرئه الآخر، وسمى الله ذلك شهادة ([22]).

   3- قصة فتح خيبر، فقد قال النبي r لعم حيي بن أخطب: «ما فعل مَسْكُ حيي الذي جاء به من النضير؟ قال أذهبته النفقات والحرب، قال: العهد قريب والمال أكثر من ذلك، فدفعه رسول الله r إلى الزبير فمسَّه بعذاب فقال: قد رأيت حيياً يطوف في خربة هاهنا، فذهبوا فطافوا فوجدوا المسك في الخربة»([23]).

وجه الدلالة:

   أن النبي r عمل بالقرينة واعتد بها، فكثرة المال وقصر المدة فيه دلالة على الكذب، وقد اعتد بهذا الدليل، وأمر بضربه، وحاشاه r أن يأمر بضربه بلا حجة لأنه نوع من الظلم وهذا مستبعد في حقه r فدل على اعتبار القرينة والعمل بموجبها.

   فهذه الأدلة وغيرها دالة على أن الحق إذا تبين بأي وجه كان الأخذ به هو المتعين، ولا شلاك أن بعض القرائن أقوى كثيراً من الشهادة، فالشهادة يمكن أن يتطرق إليها الوهم والكذب، وكذا الإقرار يمكن أن يكون باطلاً ويقع لغرض من الأغراض، ومع هذا تعد الشهادة والإقرار بينة شرعية يؤخذ بهما لكونهما مبنيين على غلبة.

   وإذا علمنا أن نتائج البصمة الوراثية قطعية في إثبات نسبة الأولاد إلى الوالدين أو نفيهم عنهم ([24])، وفي إسناد العينة (من الدم أو المني أو اللعاب) التي توجب في مسرح الحادث إلى صاحبها بشهادة مختصين تعين الأخذ بها واعتبارها بينة مستقلة يثبت بها الحكم نفياً أو إثباتاً، ولو نظرنا إلى واقع ثبوت النسب بالشهادة، وكونها تبنى على غلبة الظن ويكفي فيها الاستفاضة والشهرة مع وجود الاحتمال بالخطأ، مع واقع البصمة التي لا تكاد نتائجها تخطئ في ذاتها، والخطأ الوارد فيها يرجع إلى الجهد البشري أو عوامل التلوث ونحو ذلك – لقطعنا يقيناً بأن البصمة الوراثية حجة شرعية يجب العمل بمضمونها إذا توافرت شروطها. ومن تأمل مقاصد الشريعة والعدل والحكمة التي قامت عليها الأحكام ظهر له جلياً رجحان هذا الأمر، قال ابن القيم: «فإذا ظهرت أمارات العدل، وأسفر وجهه بأي طريق كان، فثم شرع الله ودينه، والله أعلم وأحكم وأعدل أن يخص طرق العدل وأمارته وأعلامه بشيء، ثم ينفي ما هو أظهر وأقوى دلالة وأبين أمارة، فلا يجعله منها، ولا يحكم عند وجودها وقيامها بموجبها، بل بين سبحانه بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة العدل بين عباده وقيام الناس بالقسط، فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين ليست مخالفة له» ([25]).

ضوابط إجراء تحليل البصمة الوراثية:

   اشترط الفقهاء الباحثون والأطباء في البصمة الوراثية شروطاً عديدة حتى تقبل والذين رأوا أنها تقاس على القيافة اشترطوا شروط القيافة مع بعض الزيادات([26]).

   والشروط الواجب توفرها ما يلي:

   1- ألا يتم التحليل إلا بإذن من الجهة المختصة.

   2- أن تكون هذه المختبرات تابعة للدولة، هذا هو الأولى، فإذا لم يمكن ذلك فيستعان بالمختبرات الخاصة الخاضعة لإشراف الدولة، ويشترط على كل حال أن تتوافر فيها الشروط والضوابط العلمية المعتبرة محلياً وعالمياً في هذا المجال.

   3- أن يكون القائمون على العمل في المختبرات المنوط إليها إجراء تحليل البصمة الوراثية ممن يوثق بهم علماً وخلقاً، وألا يكون أي منهم ذا قرابة أو صداقة أو عداوة أو منفعة بأحد المتداعيين، أو حكم عليه بحكم مخل بالشرف أو الأمانة([27]).

   4- أن يجري التحليل في مختبرين على الأقل معترف بهما، على أن تؤخذ الاحتياطات اللازمة لضمان عدم معرفة أحد المختبرات التي تقوم بإجراء الاختبار بنتيجة المختبر الآخر([28]).

   5- توثيق كل خطوة من خطوات تحليل البصمة الوراثية، بدءاً من نقل العينات إلى ظهور النتائج النهائية؛ حرصاً على سلامة تلك العينات، وضماناً لصحة نتائجها، مع حفظ هذه الوثائق للرجوع إليها عند الحاجة.

   6- عمل البصمة الوراثية بعدد أكبر من الطرق وبعدد أكبر من الأحماض الأمينية لضمان صحة النتائج([29]).

   7- أن يجري اختبار البصمة الوراثية مسلم عدل؛ لأن قوله شهادة، وشهادة غير المسلم لا تقبل على المسلم إلا الوصية في السفر ونحوه([30]).

والخلاصة:

   أن البصمة الوراثية تكون بينة مستقلة يجب العمل بمقتضاها إذا توافرت الشروط اللازمة، وأنها لا تقاس على القيافة، فهي باب آخر، وأن عامة المعاصرين يرون صحة الاعتماد عليها في حالات التنازع وحالات الاشتباه وحالات الاختلاط سواء أكان في الأطفال أم في الجثث أو الحروب والكوارث.

هل ينتفي النسب بالبصمة الوراثية دون اللعان؟

   اللعان: شهادات تجري بين الزوجين مؤكدة بالأيمان مقرونة باللعن من جانب الزوج وبالغضب من جانب الزوجة.

   وقد شرع اللعان لدرء الحد عن الزوج إذا قذف زوجته بلا شهود، أو أراد قطع نسب الحمل أو الطفل المولود عنه، وهي أيضاً حماية وصيانة لعرض الزوجة ودفع للحد عنها.

   والطريقة التي جاءت بها النصوص الشرعية لنفي النسب هي اللعان.

   فهل يصح نفي النسب بالبصمة الوراثية إذا جاءت النتائج تؤكد ذلك ويكتفي بها، أم لابد من اللعان أيضاً؟

   اختلف الفقهاء المعاصرون في صحة نفي السبب بالبصمة الوراثية فقط دون اللعان، ويمكن تلخيص آرائهم على النحو التالي:

   1- لا ينتفي النسب الشرعي الثابت بالفراش (الزوجية) إلا باللعان فقط، ولا يجوز تقديم البصمة الوراثية على اللعان.

   وهذا القول عليه عامة الفقهاء المعاصرين، ومنهم علي محيي الدين القره داغي وعبد الستار فبح الله سعيد ([31])، ومحمد الأشقر([32]).

   وعليه كذلك قرار مجمع الفقه الإسلامي بالرابطة، وقد جاء فيه: «لا يجوز شرعاً الاعتماد على البصمة الوراثية في نفس النسب، ولا يجوز تقديمها على اللعان» ([33]).

   القول الثاني: يمكن الاستغناء عن اللعان والاكتفاء بنتيجة البصمة الوراثية إذا تيقن الزوج أن الحمل ليس منه.

   وهذا الرأي ذهب إليه محمد المختار السلامي([34])، ويوسف القرضاوي([35])، وعبد الله محمد عبد الله ([36]).

   القول الثالث: أن الطفل لا ينفي نسبه باللعان إذا جاءت البصمة الوراثية تؤكد صحة نسبه للزوج ولو لاعن، وينفي النسب باللعان فقط إذا جاءت البصمة تؤكد قوله وتعتبر دليلاً تكميلياً.

   وهذا الرأي ذهب إليه نصر فريد واصل، وعليه الفتوى بدور الإفتاء المصرية([37]).

   القول الرابع: إنه لا وجه لإجراء اللعان إذا ثبت يقيناً بالبصمة الوراثية أن الحمل أو الولد ليس من الزوج، وينفي النسب بذلك.

   إلا أنه يكون للزوجة الحق في طلب اللعان لنفي الحد عنها؛ لاحتمال أن يكون حملها بسبب وطء شبهة، وإذا ثبت عن طريق البصمة الوراثية أن الولد من الزوج وجب عليه حد القذف.

   وهذا الرأي ذهب إليه سعد الدين هلالي([38]).

الأدلة:

أولاً: استدل القائلون بأن النسب لا ينفى إلا باللعان فقط ما يلي:

   1- قوله تعالى: (( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [6] وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ [7] وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ [8] وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ )) ([39]).

وجه الدلالة:

   أن الآية ذكرت أن الزوج إذا لم يكن له شاهد إلا نفسه فليجأ للعان، وإحداث البصمة بعد الآية تزيُّد على كتاب الله «ومن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»([40]).

   2- ما روته عائشة رضي الله عنها، قالت: كان عتبه عهد إلى أخيه سعد: إن ابن وليدة زمعة منّي فاقبضه إليك، فلما كان عام الفتح أخذه سعد، فقال: ابن أخي عهد إليّ فيه، فقال عبد بن زمعة، فقال: أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه، فتساوقا (تدافعا) إلى النبي r، فقال سعد: يا رسول الله ابن أخي قد كان عهد إليّ فيه، فقال عبد بن زمعة: أخي وابن وليدة أبي، ولد على فراشه، فقال النبي r: «هو لك با عبد بن زمعة، الولد للفراض وللعاهر الحَجَر»، ثم ثال لسودة بنت زمعة: «احتجبي منه؛ لما رأى من شبهة بعتبة، فما رآها حتى لقي الله»([41]).

وجه الدلالة:

   أن الرسول r أهدر الشبه البين وهو الذي يعتمد على الصفات الوراثية وأبقى الحكم الأصلي وهو «الولد للفراش» فلا ينفي النسب إلا اللعان فحسب([42]).

   3- حديث ابن عباس في قصة الملاعنة، وفيه «أبصروها، فإن جاءت به أكحلَ العينين سابغ الأليتين، خَدَلَّج الساقين فهو لشريك بن سمحاء … فجاءت به كذلك، فقال النبي r: لولا ما قضي من كتاب الله لكان لي ولها شأن»([43]).

وجه الدلالة:

   قال عبد الستار فتح الله: «إذا نفى الزوج ولداً من زوجته ولد على فراشه فلا يلتفت إلى قول القافة ولا تحليل البصمة الوراثية؛ لأن ذلك يعارض حكماً شرعياً مقرراً وهو إجراء اللعان بين الزوجين، لذلك ألغى رسول الله r (دليل الشبه) بيم الزاني والولد الملاعن عليه …، ودليل (الشبه) الذي أهدره رسول الله r هنا يعتمد على الصفات الوراثية، فهو أشبه بالبصمة الوراثية، ومع ذلك لم يقو على معارضة الأصل الذي نزل به القرآن في إجراء اللعان»([44]).

   قال ابن القيم تعليقاً على الحديث السابق: «إن فيه إرشاداً منه r إلى اعتبار الحكم بالقافة، وأن للشبه مدخلاً في معرفة النسب، وإلحاق الولد بمنزلة الشبه، وإنما لم يُلحق بالملاعن لو قدر أن الشبه له، لمعارضة اللعان الذي هو أقوى منه الشبه له» ([45]).

   4- إن الطريق الشرعي الوحيد لنفي النسب هو اللعان، ولو أن الزوجة أقرت بصدق زوجها فيما رماها به من الفاحشة فإن النسب يلحق الزوج، لقوله r: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» ولا ينتفي عنه إلا باللعان، ثم كيف يجوز إلغاء حكم شرعي بناء على نظريات طبية مظنونة([46]).

   5- أننا لا نستطيع أن نعتمد على البصمة فحسب ونقيم حد الزنا على الزوجة، بل لابد من البينة، فكيف تقدم البصمة على اللعان ولا نقدمها على الحد؟

ثانياً: أدلة القائلين باعتبار البصمة الوراثية:

   1- قوله تعالى: (( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ )) ([47]).

وجه الدلالة:

   أن اللعان يكون عندما ينعدم الشهود، وليس ثمة شاهد إلا الزوج فقط، وحينئذ يكون اللعان. أما إذا كان مع الزوج بينة كالبصمة الوراثية تشهد لقوله أو تنفيه فليس هناك موجب للعان أصلاً لاختلال الشرط في الآية.

   2- أن الآية ذكرت درء العذاب، ولم تذكر نفي النسب، ولا تلازم بين اللعان ونفي النسب، فيكن أن يلاعن الرجل ويدرأ عن نفسه العذاب ولا يمنع أن ينسب الطفل إليه إذا ثبت ذلك بالبصمة الوراثية([48]).

   3- قوله تعالى: (( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ [26] وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ [27] فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ )) ([49]).

وجه الدلالة:

   أن شق القميص من جهة معينة نوع من الشهادة، والبصمة الوراثية تقوم مقام الشهادة([50]).

   4- أن نتائج البصمة يقينة قطعية؛ لكونها مبنية على الحس، وإذا أجرينا تحليل البصمة الوراثية وثبت أن الطفل من الزوج وأراد أن ينفيه، فكيف نقطع ونكذب الحس والواقع ونخالف العقل، ولا يمكن ألبتة أن يتعارض الشرع الحكيم مع العقل السليم في مثل هذه المسائل المعقولة المعنى وهي ليست تعبدية. فإنكار الزوج وطلب اللعان بعد ظهور النتيجة نوع من المكابرة، والشرع يتنزه أن يثبت حكماً بني على المكابرة.

   5- أن الشارع يتشوف إلى إثبات النسب رعاية لحق الصغير، ومخالفةُ البصمة لقول الزوج في النفي يتنافى مع أصل الشريعة في حفظ الأنساب، وإنفاذُ اللعان مع مخالفة البصمة لقول الزوج مع خراب الذمم عند بعض الناس في هذا الزمان وتعدد حالات باعث الكيد للزوجة – يوجب عدم نفي نسب الطفل إحقاقاً للحق وهو باعث على استقرار الأوضاع الصحيحة في المجتمع([51]).

الترجيح:

   قبل ذكر القول الراجح يجدر بي أن أشير إلى النقاط التالية:

   1- لا خلاف بين الفقهاء في أن الزوج إذا لاعن ونفى نسب الطفل وجاءت النتيجة تؤكد قوله، أن النسب ينتفي ويفرق بينهما، لكن الزوجة لا تحد؛ لوجود شبهة اللعان و«الحدود تدرأ بالشبهات»([52]).

   2- لا خلاف بين الباحثين في المسألة أن الزوجين لو رضيا بإجراء البصمة قبل اللعان للتأكد وإزالة الشبهة أن ذلك يجوز في حقهما، بل استحسن بعض الفقهاء عرض ذلك على الزوجين قبل اللعان([53]).

   ويظهر لي أن البصمة الوراثية إذا جاءت مخالفة لقول الزوج فلا يلتفت لدعواه بنفي النسب وإن لاعن أو طلب اللعان، وأن نسب الطفل يثبت للزوج ويجري عليه أحكام الولد وإن جاءت موافقة لقول الزوج، فله أن يلاعن وذلك للأمور التالية:

   1- أن الشريعة أعظم من أن تبني أحكامها على مخالفة الحس والواقع، فإن الشرع أرفع قدراً من ذلك، والميزان الذي أنزله الله للحكم بين الناس بالحق يأبى ذلك كل الإباء.

   فلو استحق رجلاً من يساويه في السن، وادعى أنه أبوه فإننا نرفض ذلك؛ لمخالفته للعقل والحس، فلا يمكن أن يتساوى أب وابن في السن مع أن الاستلحاق في الأصل مشروع.

   وقد رد جماهير العلماء دعوى امرأة مشرقية تزوجها مغربي فلم يلتقيا، ثم أتت بولد، وادعته للمغربي، فالحس والعقل يجمعان على أن الولد لا يكون لزوجها المغربي. وهذا النفي ليس تقدماً على قوله r: «الولد للفراش»، إنما لمخالفة ذلك لصريح العقل والحس. قال ابن تيمية: «فلا تتناقش الأدلة الصحيحة العقلية والشرعية، ولا تتناقض دلالة القياس إذا كانت صحيحة، ودلالة الخطاب إذا كانت صحيحة، فإن القياس الصحيح حقيقته التسوية بين المتماثلين، وهذا هو العدل الذي أنزل الله به الكتب وأرسل به الرسل، والرسول لا يأمر بخلاف العدل»([54]).

   2- أن آية اللعان قيدت إجراءه بما إذا لم يكن ثمة شاهد إلا الزوج، ومفهومه أنه لو كان هناك بينة من شهود فإنه لا يجري اللعان، بل يثبت ما رمى به الزوج زوجته.

   ومن البدهي أنه لو كانت هناك نتيجة بينة أخرى غير الشهادة لم يكن هناك وجه لإجراء اللعان، كما لو أقرت الزوجة زوجها فيما رماها به من الزنا. فإذا منعنا وقوع اللعان لوجود سبب مانع له، فما وجه إجرائه مع وجود بينة قطعية (البصمة الوراثية) تخالف دعوى الزوج؟ فإننا إذا قمنا بذلك كان ضرباً من المكابرة ومخالفة للحس والعقل، واللعان معقول المعنى معروف السبب، وليس تعبدياً محضاً.

   قال ابن القيم: «والشاهدان من البينة، ولا ريب أن غيرها من أنواع البينة قد يكون أقوى منها كدلالة الحال على صدق المدعي، فإنها أقوى من دلالة إخبار الشاهد …» ([55]).

   فإذا علمنا أن الشهادة أقوى من قول الزوج في اللعان؛ لأن الشهادة مبنية على غلبة الظن، أما قول الزوج في اللعان فهو متساوي الطرفين في الصدق أو الكذب أو بنسبة (50%)؛ لأنه إما أن يكون صادقاً أو تكون الزوجة صادقة – فهل من الفقه أن ندع بينة قطعية تصل لـ9.99% تؤكد كذب الزوج ونأخذ ما هو محتمل للصدق بنسبة 50% وننسب ذلك للشريعة؟؟!!

   قال ابن القيم: «والله أعلم وأحكم وأعدل أن يخص طرق العدل وأماراته وأعلامه بشيء، ثم ينفي ما هو أظهر وأقوى دلالة وأبين أمارة، فلا يجعله منها، ولا يحكم عند وجودها وقيامها بموجبها، بل بين سبحانه بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة العدل بين عباده وقيام الناس بالقسط، فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين ليست مخالفة له» ([56]).

   3- قوله تعالى: (( ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ )) ([57]).

   فإلحاق نسب الطفل بأبيه مقصد عظيم من مقاصد الشريعة، فإذا أثبتت البصمة الوراثية نسب الطفل وأراد الأب لأوهام وشكوك او للتهرب من النفقة أو لأي غرض آخر – مع ضعف الذمم في هذا الزمان – فإن العدل يقتضي أن نلحق الطفل بأبيه، ولا نمكن الأب من اللعان؛ لئلا يكون سبباً في ضياع الطفل.

   4- أن الاحتجاج بقصة اختصام عبد بن زمعة مع سعد بن أبي وقاص وإلحاق الرسول r الولد بالفراش وأمره سودة بالاحتجاب منه مع أنه أخوها، فقد قال ابن القيم فيه: «وأما أمره سودة بالاحتجاب منه، فإما أنك يكون عن طريق الاحتياط والورع لمكان الشبهة التي أورثها الشَّبَهُ البيِّن بعُتبة، وإما أن يكون مراعاة للشبهين وإعمالاً للدليلين، فإن الفراش دليل لحوق النسب، والشبه بغير صاحبه دليل نفيه، فأعمل أمر الفراش بالنسبة إلى المدّعي لقوته، وأعمل الشَّبه بعتبة بالنسبة إلى ثبوت المحرمية بينه وبين سودة، وهذا من أحسن الأحكام وأبينها، وأوضحها، ولا يمنع ثبوت النسب من وجه دون وجه …» وقال: وقد يتخلف بعض أحكام النسب مع ثبوته لمانع، وهذا كثير في الشريعة، فلا ينكر من تخلُّف المحرمية بين سودة وبين هذا الغلام لمانع الشبه بعتبة، وهل هذا إلا محض الفقه»([58]).

   فدعوى أن الرسول r لم يلتفت لأمر الشبه (البصمة الوراثية) واستدلالهم بالحديث هذا هو استدلال بعيد، بل الحديث حجة عليهم فقد اعتبر الرسول r أمر الشبه، لذا أمر بالاحتجاب.

   ففي حال التنازع على طفل ولد على فراش صحيح، ما المانع أن نعمل دليل الشبه ونثبت مقتضاه نفياً وإثباتاً، ويكون درء الحد عن الزوج لوجود شبهة اللعان، وبهذا نعمل بالأدلة كلها ولاسيما أن الطفل ولد على الفراش، فيتقوى إثبات النسب للطفل من جهة «الولد للفراش»، ومن جهة البصمة الوراثية، هذا في حال نفس النسب وثبوت خلاف ذلك من جهة البصمة، أما إذا جاءت البصمة تؤكد قول الزوج فيجتمع دليل اللعان مع البصمة فينتفي النسب وندرأ الحد عن الزوجة لوجود شبهة اللعان.

   أما في حال الملاعنة فالأصل أن الطفل منسوب للزوج؛ لأن الزوجة فراش له، وجاء أمر الشبه (البصمة الوراثية) تركد ذلك الأصل، فإننا نعمل بالأصل ونلحق الطفل بأبيه لدلالة الفراش والشبه، ونكون أعملنا الشطر الأول من الحديث «الولد للفراش» وندرأ الحد عن الزوج إذا لاعن؛ لوجود شبهة الملاعنة، والحدود تدرأ بالشبهات، ونكون أعملنا الشطر الثاني من الحديث «واحتجبي عنه يا سودة».

   ويجاب عن حديث الملاعنة بنحو ما تقدم، فقد جاء في الحديث «إن جاءت به أصيهب أريضخ أثيبج حمش الساقين فهو لهلال، وإن جاءت به أروق جعداً جمالياً خدلج الساقين سابغ الأليتين فهو للذي رميت به – وهو شريك بن سحماء كما في رواية البخاري – فجاءت به أروق جعداً الساقين سابغ الأليتين، أي شبيهاً لشريك بن سحماء الذي رميت به – فقال النبي r: «لولا الأيمان لكان لي ولها شأن»، فقد أفاد الحديث أنه حتى لو تمت الملاعنة بين الزوجين، وولد الطفل شبيهاً بالزوج صاحب الفراش فإنه ينسب له ولا ينفى عنه – ؛ لأن النص جاء بنسبته إليه؛ لأنه أقوى بكثير من مجرد التشابه الظاهري الذي أخذ به رسول الله r في إثبات النسب، ويدرأ الحد عن الزوج؛ لوقوع الأيمان، وبهذا عملنا بالأدلة كلها، وهذا من دقائق المسائل التي يحظى بها من رزقه الله حظاً وافراً من الفقه([59]).

   5- أن اعتراضهم على عدم إقامة الحد على الزوجة اعتماداً على البصمة الوراثية واكتفاءً بها دليل على أنها ليست حجة بذاتها – يجاب عنها من ثلاثة أوجه:

   1- أن هناك فرقاً بين إثبات النسب أو نفيه، وبين إقامة الحد القائم على المبالغة في الاحتياط، فالحدود تدرأ بالشبهات بخلاف النسب، فهو يثبت مع وجود الشبهة، كما في قصة عبد بن زمعة، فلو ادعت المرأة أنها كانت مكروهة أو أنها سقيت شراباً به مادة منومة وزنى بها آخر فحملت منه، كان ذلك كافياً في إسقاط الحد عنها، وكذا الرجل لو ادعى أنه أودع منية في (بنك المني)، وأن امرأة أخذت منيه بطريقة أو بأخرى واستدخلته وحملت طفلاً وجاءت البصمة الوراثية تؤكد لحوق الطفل وراثياً بذلك الرجل لم يحد؛ لوجود شبهة، لا لأن البصمة ليست حجة.

   2- أن من العلماء المعاصرين من يقول بإقامة الحد إذا ثبت ذلك بالبصمة الوراثية ولم يدع المتهم شبهة اعتماداً على هذه البينة وأخذاً بما أخذ به بعض الفقهاء المتقدمين كما قال ابن القيم: «والرجوع إلى القرائن في الأحكام متفق عليه بين الفقهاء، بل بين المسلمين كلهم، وقد اعتمد الصحابة على القرائن فرجموا بالحبل وجلدوا في الخمر بالقيء والرائحة وأمر النبي r باستنكاه المقر بالسكر، وهو اعتماد على الرائحة … فالعمل بالقرائن ضروري في الشرع والعقل والعرف»([60]).

   3- أن الفقهاء نصوا على أن الملاعن لو بدا له أن يعود في قوله ويلحق ابنه الذي نفاه باللعان جاز ذلك لزوال الشبهة التي لاعن من أجلها، فهل من الحكمة ومن العدل أن يتجاسر الناس للتعرض للعنة الله أو غضبة وندع البينة (البصمة الوراثية) ولا نحكمها بينهم، ثم بعد اللعان يعود ويلحق ما نفاه!! فإن هذا من الفقه البارد.

الخلاصة:

   أن البصمة الوراثية يجوز الاعتماد عليها في نفي النسب ما دامت نتيجتها قطعية، كما يرد دعوى الزوج في نفي النسب إذا أثبتت نتائج البصمة الوراثية القطعية لحوق الطفل به؛ لأن قول الزوج حينئذ مخالف للحس والعقل وليس ذلك تقديماً للعان، وينبغي للقضاة أن يحيلوا الزوجين قبل إجراء اللعان لفحوص البصمة الوراثية؛ لأن إيقاع اللعان مشروط بعدم وجود الشهود، فإذا كان لأحد الزوجين بينة تشهد له فلا وجه لإجراء اللعان.

   والأخذ بهذه التقنية يحقق مقصود الشرع في حفظ الأنساب من الضياع، ويصد ضعفاء الضمائر من التجاسر على الحلف بالله كاذبين، والله أعلم.

 

([1])* حصل على درجة الماجستير من كلية الشريعة بجامعة أم القرى والدكتوراه من كلية الشريعة بجامعة بيروت الإسلامية. يعمل حالياً أميناً عاماً لمصادر التعليم بإدارة التعليم بمكة المكرمة.

([2]) انظر: مادة (بصم) لسان العرب لابن منظور 12/50، القاموس المحيط للفيروزآبادي 974، المعجم الوسيط ص60.

([3]) انظر: البصمة الوراثية وتأثيرها على النسب لنجم عبد الله عبد الواحد ص5.

([4]) انظر: قرارات مجمع الفقهي الإسلامي بالرابطة.

([5]) انظر: البصمة الوراثية وتأثيرها على النسب لنجم عبد الله ص5، البصمة الوراثية وعلائقها الشرعية لسعد الدين هلالي ص27.

([6]) سورة البقرة: 254.

([7]) انظر: (ثبت علمياً حقائق طبية جديدة) لموسى المعطي ص105، مذكرة البصمة الوراثية في ضوء الإسلام لعبد الستار فتح الله سعيد ص9، البصمة الوراثية وتأثيرها على النسب لنجم الدين عبد الله عبد الواحد ص81.

([8]) انظر: بدائع الصنائع للكاساني 4/125، بداية المجتهد لابن رشد 2/87، مغني المحتاج 2/261، كشاف القناع للبهوتي 4/235، زاد المعاد لابن القيم 5/410، فتح الباري لابن حجر 12/38 والحديث رواه الشيخان.

([9]) انظر: المبسوط للسرخسي 17/102، حاشية الدسوقي 3/412، إعانة الطالبين للبكري 3/283، المغني لابن قدامة 8/61.

([10]) انظر: سبل السلام للصنعاني 4/137، زاد المعاد لابن القيم 5/417، بداية المجتهد لابن رشد 2/348، المغني مع الشرح الكبير لابن قدامة 12/123.

([11]) انظر مادة (قوف) لسان العرب لابن منظور 9/293، زاد المسير لابن الجوزي 5/34، تفسير الطبري 15/87.

([12]) انظر: التعريفات للجرجاني ص171.

([13]) رواه البخاري.

([14]) انظر: مواهب الجليل للحطاب 5/247، الشرح الكبير للدردير 3/416، حاشية البجيرمي 4/411، روضة الطالبين للنووي 12/107، الفروع لابن مفلح 5/27، منار السبيل لابن ضويان 1/434، المحلى لابن حزم 10/149.

([15]) انظر: التاج والإكليل للعبدري 6/340، شرح الزرقاني 5/109، المحلى 10/150، المبدع لابن مفلح 5/307، الفروع لابن مفلح 5/409، إعلام الموقعين لابن القيم 2/63، نيل الأوطار للشوكاني 7/78.

([16]) انظر: قرارات مجمع الفقهي الإسلامي بالرابطة.

([17]) انظر: ملخص أعمال الحلقة النقاشية حول حجية البصمة الوراثية في إثبات النسب ص46، موقع المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية islamest.com والقرينة: كل أمارة تقارن شيئاً خفيا فتدل عليه.

([18]) انظر: كشاف القناع للبهوتي 5/426/ المبدع لابن مفلح 5/309.

([19]) سورة الأعراف: 105-108.

([20]) انظر: الطرق الحكمية ص16، أيضاً: إعلام الموقعين 10/34.

([21]) سورة يوسف: 26-28.

([22]) انظر: تبصرة الحكام لابن فرحون 2/95، معين الحكام للطرابلسي ص166.

([23]) أخرجه أبو داود (14) كتاب الخراج والإمارة والفيء (24) باب ما جاء في حكم أرض خيبر برقم 3006 وإسناده صحيح كما قاله بشير محمد عيون في تحقيقه للسياسة الشرعية ص51.

([24]) انظر: البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها لوهبة الزحيلي ص6.

([25]) انظر: الرق الحكمية لابن القيم ص19، وقد ذكر ابن القيم صوراً كثيرة دلت القرينة فيها على الحكم الشرعي بل كانت أقوى من الشهادة والإقرار.

([26]) انظر: بحث البصمة الوراثية وأثرها في إثبات النسب لحسن الشاذلي ص478 ضمن مطبوعات المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية – الوراثة والهندسة الوراثية -.

([27]) انظر: توصيات الحلقة النقاشية بموقع المنظمة islamest.com، جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 27/10/1422هـ 11 يناير 2002م توصية مجمع الفقه الإسلامي السادس عشر.

([28]) قياس البصمة الوراثية على الشهادة قياس مع الفارق، لأن درجة صدق المخبر به مختلفة، والشهادة تجرى بموجبها الحدود، بخلاص البصمة، والأولى أن يرجع فيه لأهل الاختصاص، فهم أعرف بالمفارقات والاختلافات وربما قرروا تكرار البصمة مرات، ولو كان إجراؤها في مختبرين، احتياطاً لا على سبيل الإلزام فهو حسن.

([29]) انظر: البصمة الوراثية وتأثيرها على النسب لنجم عبد الواحد ص22، ويظهر لي أن هذا الشرط غير لازم، يل يرجع فيه إلى أهل الاختصاص، فمتى احتاج الأمر للتكرار وجب ذلك وإلا فلا.

([30]) انظر: إثبات النسب بالبصمة الوراثية لمحمد الأشقر ص441-460 ضمن مطبوعات المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية – الوراثة والهندسة الوراثية – ويرى الشافعية والحنابلة والظاهرية أن القائف مخبر وليس شاهداً وبناء على ذلك لا يشترط العدد بل يكفي قول خبير واحد، وهذا ما اختاره وهبة الزحيلي في بحثه (البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها) ص10 وهو الظاهر.

([31]) انظر: البصمة الوراثية من منظور الفقه الإسلامي ص25، البصمة الوراثية في ضوء الإسلام ص18- بحث مصور مقدم للمجمع الفقهي بالرابطة 1422هـ.

([32]) انظر: إثبات النسب بالبصمة الوراثية لمحمد الأشقر ص441-460، ضمن مطبوعات المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية – الوراثة والهندسة الوراثية – .

([33]) انظر: ملاحق البحث، جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 27/10/1422هـ الموافق 11 يناير 2002م. وجاء هذا القرار بالأغلبية.

([34]) انظر: إثبات النسب بالبصمة الوراثية لمحمد المختار السلامي ص405 – ضمن البحوث المقدمة للندوة الفقهية الحادية عشرة من أعمال المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية 1413هـ .

([35]) من خلال سماعي لرأيه ضمن مناقشات موضوع البصمة الوراثية بالمحمع الفقهي السادس عشر بمكة في 25/ شوال هـ الموافق 9/يناير 2002م .

([36]) انظر: الوراثة والهندسة الوراثية والجينيوم البشري 1/510.506 ضمن المناقشات الفقهية للبصمة الوراثية في الندوة الحادية عشرة من أعمال المنظمة الطبية الإسلامية للعلوم الطبية.

([37]) انظر: بحثه (البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها) ص30 – بحث مقدم للمجمع الفقهي الحادي عشر بالرابطة 1422هـ .

([38]) انظر: البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها لسعد الدين مسعد الهلالي ص21 – بحث مقدم للمجمع الفقهي الحادي عشر بالرابطة 1422هـ -.

([39]) سورة النور: 6-9.

([40]) انظر: مناقشات البصمة الوراثية بالمجمع الفقهي بالرابطة في الدورة السادسة عشرة 1422هـ – 2001م والاستدلال لصالح الفوزان.

([41]) أخرجه البخاري (85) كتاب الفرائض (18) باب الولد للفراش برقم 6749، ومسلم (17) كتاب الرضاع (10) باب الولد للفراش وتوقي الشبهات برقم 1457 وفيه لفظ «فرأى شبهاً بيناً بعتبة».

([42]) انظر: البصمة الوراثية في ضوء الإسلام لعبد الستار فتح الله ص19، البصمة الوراثية ومدى مشروعية استخدامها لعمر السبيل ص43 -44.

([43]) رواه البخاري ومسلم.

([44]) انظر: بحثه البصمة الوراثية في ضوء الإسلام ص18.

([45]) انظر زاد المعاد لابن القيم 5/362.

([46]) انظر: البصمة الوراثية ومدى مشروعية استخدامها لعمر السبيل ص 29-30 وقوله: «إنها مظنونة» فيه نظر فالذي عليه قول أهل الاختصاص أنها قطعية، والمتعين الرجوع إلى أقوالهم في المسائل التي تخصهم. انظر بحث دور البصمة الوراثية في اختبارات الأبوة للطبيبة صديقة العوضي ص350، بحث البصمة الوراثية ومدى حجيتها في إثبات البنوة للطبيب سفيان العسولي ص387، البصمة الوراثية ومدى حجيتها لسعد العنزي ص432، إثبات النسب بالبصمة الوراثية لمحمد الأشقر ص455 ضمن البحوث المقدمة للندوة الفقهية الحادية عشرة من أعمال المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية 1419هـ.

([47]) سورة النور: 4.

([48]) من خلال سماعي لمناقشات البصمة الوراثية بالمجمع الفقهي بالرابطة في الدورة السادسة عشرة بمكة شوال 1422هــ، وهذا التوجيه للصديق الضرير.

([49]) سورة يوسف 26-28.

([50]) اختلف المفسرون في معنى ((وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا))، فقال مجاهد: «قميص مشقوق من دبر فتلك الشهادة، وقال سعيد بن جبير: كان صبياً في مهدَه، وقال عكرمة: رجل حكيم، ورجح ابن جرير أنه صبي في المهد لورود الخبر عن رسول الله r في ذلك، انظر تفسير الطبري 7/194، تفسير القرطبي 9/172، تفسير ابن كثير 2/476».

([51]) انظر: البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها لنصر فريد ص30.

([52]) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية 15/351، القواعد والضوابط الفقهية عند شيخ الإسلام ابن تيمية في الجنايات والعقوبات لعبد الرشيد قاسم – رسالة ماجستير – ص212، 218.

([53]) وقد حكى عمر السبيل – رحمه الله – عن عبد العزيز القاسم القاضي بالمحكمة الكبرى بالرياض أنه تقدم إليه شخص بطلب اللعان من زوجته للانتفاء من بنت ولدت على فراشه، فأحال القاضي الزوجين مع البنت إلى الجهة المختصة بإجراء اختبارات الفحص الوراثي، فجاءت نتائج الفحص بإثبات أبوة الرجل للبنت إثباتاً قطعياً، فكان ذلك مدعاة لعدول الزوج عن اللعان وزال ما كان في نفسه من شكوك في زوجته، كما زال أيضاً بهذا الفحص الحرجُ الذي أصاب الزوجة وأهلها جراء سوء ظن الزوج، فتحقق بهذا الفحص مصلحة عظمة يتشوف إليها الشرع ويدعو إليها. انظر بحثه: (البصمة الوراثية ومدى مشروعية استخدامها) ص31.

([54]) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية 22/332، جامع المسائل لابن تيمية المجموعة الثانية ص239.

([55]) انظر: الطرق الحكمية لابن القيم ص19.

([56]) انظر: الطرق الحكمية لابن القيم ص19، وقد ذكر ابن القيم صوراً كثيرة دلت القرينة فيها على الحكم الشرعي، بل كانت أقوى من الشهادة والإقرار.

([57]) سورة الأحزاب: 5.

([58]) انظر: زاد المعاد لابن القيم 5/371 أيضاً حاشية ابن القيم 6/262، مجموع الفتاوى لابن تيمية 7/420.

([59]) انظر: مذكرة البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها لنصر فريد ص40.

([60]) انظر: بدائع الفوائد لابن القيم 4/819.