تنظيم شهادة الشهود

سادسا: دور المشرع في التخفيف من عبء الإثبات

منذ خلال تنظيمه لإجراء شهادة الشهود.

الشهادة هي إخبار الشخص أمام القضاء بواقعة حدثت من غيره ويترتب عليها حق لغيره. ويعرفها فقهاء الإسلام بأنها إخبار قاطع، وعرفها المالكية بأنها: “إعلام الشاهد الحاكم بشهادته بما يحصل له العلم بما شهد به”.

وتكتسي هذه الوسيلة طابعا استثنائيا نتيجة لسيادة الصفة الكتابية على الإجراءات القضائية الإدارية، ويسبب تفضيل القاضي الإداري اللجوء إلى وسائل التحقيق الأخرى لكونها أقل تعقيدا وتتلاءم أكثر مع مقتضيات السرعة في التحقيق، كما أن الدور الكبير الذي يلعبه إجراء الخبرة في الإثبات جعل البعض يرى أن الخبرة ألغت وسيلة الشهادة عمليا.

إن أهم ميزة لشهادة الشهود أنها تخفف عبء الإثبات على المدعي؛ من حيث دخول أشخاص آخرين يساهمون في الإثبات، ويزودون القاضي من خلال سماعهم بالأقوال المؤيدة لادعاءات المدعي، مما يعني في الأخير مساهمة في تحسن وضعيته.

لقد فصل قانون الإجراءات المدنية والإدارية في الإجراءات المتبعة بشأن وسيلة شهادة الشهود فبين في المادة 150 شروط الوقائع التي يجوز إثباتها بشهادة الشهود وهي أن تكون:

  • بطبيعتها قابلة للإثبات بشهادة الشهود.

  • وأن يكون التحقيق فيها جائزا.

  • منتجة في النزاع.

وتطبيقا للمبادئ العامة المتعلقة بعبء الإثبات يجب أن تكون الواقعة المراد إثباتها متعلقة بالدعوى المتنازع فيها.

فإذا رأى القاضي أن الواقعة محل طلب الإثبات بشهادة الشهود تتوافر فيها جميع الشروط السابقة، تعين عليه أن يحدد في حكمه الصادر بالتحقيق بشهادة الشهود الوقائع المراد إثباتها بهذه الطريقة تحديدا دقيقا، حتى يعلم كل طرف ما هو مكلف بإثباته أو نفيه. (المادة 151) من قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجزائري.

وحسب نص المادة 158 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية فإن للقاضي أن يسمع الشهود في جميع الوقائع الواردة في الدعوى والجائز إثباتها بشهادة الشهود، حتى ولو لم تكن واردة في الحكم الآمر بالتحقيق بشهادة الشهود وهذا ما يستفاد من صياغة وألفاظ المادة التي تنص على أنه: “يجوز للقاضي من تلقاء نفسه… أن يطرح على الشاهد الأسئلة التي يراها مقيدة”.

ويملك القاضي الحرية في ترتيب سماع الشهود، فهو يملك أن يسمع شهود المدعى عليه قبل شهود المدعي، كما له أن يعيد سماع الشهود عدة مرات ويواجه بعضهم ببعض، وهذا ما نصت عليه المادة 152/3 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، فمواجهة الشهود بعضهم ببعض يمكنه من الوصول إلى الحقيقة من خلال إجراء مقابلة بينهم ومواجهتهم بأقوالهم التي سبق وأن أدلوا بها على انفراد، فيتمكن من التأكد من مدى مصداقية وتلقائية تلك الأقوال.

إن الخصم لا يستطيع أن يوجه أسئلة مباشرة إلى الشاهد، بل يكون ذلك بواسطة القاضي الذي يرجع له تقدير مدى صلة هذه الأسئلة بالواقعة محل الشهادة لقد نصت على ذلك المادة 159 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية بقولها: “لا يمكن لأي كان ما عدا القاضي أن يقاطع الشاهد أثناء الإدلاء بشهادته أو يساله مباشرة”، لقد ذهبت المادة 152 من نفس القانون إلى أبعد من ذلك، فللقاضي إذا استشعر أن وجود الخصم أثناء الإدلاء بالشهادة يؤثر على مصداقية وتلقائية الشهادة أن يطلب من الخصم الخروج أثناء سماعها، فنصت على أنه:” يسمع كل شاهد على انفراد في حضور أو غياب الخصوم”.

ويتوجب على القاضي بمقتضى المادة 160 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية تدوين أقوال الشاهد في محضر يتضمن البيانات الآتية:

  • مكان ويوم وساعة سماع الشاهد.

  • حضور أو غياب الخصوم.

  • أسم ولقب ومهنة وموطن الشاهد.

  • أداء اليمين من طرف الشاهد، ودرجة قرابته أو مصاهرته مع الخصوم أو تبعيته لهم.

  • أوجه التجريح المقدمة ضد الشاهد عند الاقتضاء

  • أقوال الشاهد والتنويه بتلاوتها عليه.

ويتحقق القاضي من صدق الشاهد عند الإدلاء بأقواله، ويأخذ في اعتباره سن الشاهد ووظيفته ومركزه الاجتماعي، وكذا علاقته بطرفي الخصومة، وهكذا أوجبت المادة 152 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية على الشاهد أن يعرف باسمه، لقبه ومهنته وسنه وموطنه وعلاقته ودرجة قرابته ومصاهرته أو تبعيته للخصوم. وإن كانت هذه العلاقة أو التبعية ليست سببا لرد الشاهد، إلا أن لها تأثير على قيمة الشهادة.

ولا يمكن للشاهد الإدلاء بشهادته حسب نص المادة 159 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية قبل حلفه اليمين بأن يقول الحقيقة وإلا كانت شهادته قابلة للإبطال. ويؤدي الشاهد شهادته شفاهة ودون الاستعانة بأي نص مكتوب.

error: