تنظيم وسائل تحقيق الدعوى

لائحة اعتراضية

لقد نظم المشرع الجزائري إجراءات تحقيق الدعاوي في الفصل الثاني من الباب الرابع من الكتاب الأول منه والمتعلق بالأحكام المشتركة لجميع الجهات القضائية

ولقد كرس المبدأ المعروف في إجراءات التحقيق والمتمثل في سلطة القاضي في الأمر بإجراء من إجراءات التحقيق من عدمه، بناء على طلب الخصوم أو من تلقاء نفسه، وذلك من خلال نص المادة 75 التي جاء فيها: ” يجوز للقاضي بناء على طلب الخصوم، أو من تلقاء نفسه أن يأمر شفاهة أو كتابة بأي إجراء من إجراءات التحقيق التي يسمح بها القانون”.

كما كرس المبدأ القائل بسلطة القاضي في الأخذ بنتيجة التحقيق أو طرحها، متى كان مسلكه مبررا، وهذا من خلال نص المادة 80 من نفس القانون والتي نصت على أنه: “لا يترتب على الأمر بأي إجراء من إجراءات التحقيق، تخلي القاضي عن الفصل في القضية”.

وتجدر الإشارة إلى أن المادة 334 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية نصت على أن الأحكام التي تأمر بإجراء من إجراءات التحقيق لا تقبل الاستئناف إلا مع الحكم الفاصل في أصل الدعوى برمتها.

وقبل التطرق إلى كيفية مساهمة المشرع الجزائري في التخفيف من عبء الإثبات على المدعي في دعوى الإلغاء من خلال تنظيمه لإجراءات التحقيق يجدر بنا تسجيل الملاحظات التالية حول تناوله لهذه الإجراءات:

الملاحظة الأولى: نظم قانون الإجراءات المدنية والإدارية معظم إجراءات التحقيق ضمن أحكام مشتركة لجميع الجهات القضائية، وهو ما يعكس التقارب بين الإجراءات المدنية والإجراءات الإدارية، ويظهر ذلك خاصة من خلال اتجاه الإجراءات المدنية أكثر نحو الاتسام بالطابع التحقيق تأسيا بالإجراءات الإدارية.

الملاحظة الثانية: أحالت المواد الواردة ضمن الكتاب الرابع والمتعلقة بالتحقيق في معظمها إلى المواد الواردة ضمن الكتاب الأول، رغم أن مواد الكتاب الأول تطبق مباشرة على دعاوى القضاء الإداري دون الحاجة إلى الإحالة إليها، لأنها واردة ضمن الأحكام المشتركة لجميع الجهات القضائية.

الملاحظة الثالثة: لم يعنون الكتاب الرابع بشأن وسائل التحقيق في الدعوى الإدارية للاستجواب كوسيلة من وسائل التحقيق، رغم أنه وارد ضمن الكتاب الأول المتعلق بالأحكام المشتركة لجميع الجهات القضائية.

الملاحظة الرابعة: فتح الكتاب الرابع المجال أمام القاضي الإداري لاتخاذ أي تدابير تحقيق أخرى لم ينص عليها القانون، وذلك تحت عنوان التدابير الأخرى التحقيق، وهو ما يعزز مكانة نظام الإثبات الحر أمام القاضي الإداري الجزائري.

ومن خلال العودة لإجراءات التحقيق سواء تلك المنصوص عليها في الكتاب الرابع أو الكتاب الأول من قانون الإجراءات المدنية والإدارية يمكن التعرف إلى أي مدى ساهم المشرع في التخفيف من عبء الإثبات الملقى على عاتق المدعي في دعوى الإلغاء من خلال تنظيمه لإجراءات التحقيق.

أولا: دور المشرع في التخفيف من عبء الإثبات

من خلال تنظيمه لإجراء الخبرة.

الأصل أن القاضي يقوم باستجلاء وقائع الدعوى بنفسه لاستكمال قناعته في الوصول إلى الحقيقة القضائية لتكون أقرب ما يكون إلى الحقيقة الواقعية، لكن قد يتعذر عليه الوصول إلى حقيقة بعض الوقائع التي تتعلق ببعض المسائل الفنية التي ليس له إلمام بها، فيلجأ إلى المتخصصين فيها من أجل استجلاء الحقيقة.

وتعرف الخبرة بأنها: “الاستشارة الفنية التي يستعين بها القاضي في مجال الإثبات لمساعدته في تقدير المسائل الفنية التي يحتاج تقديرها إلى معرفة فنية أو دراية علمية لا تتوافر لدى عضو الهيئة القضائية المختص بحكم عمله وثقافته.”

وتعد الخبرة الوسيلة الأكثر استعمالا من بين وسائل الإثبات لما لها من الأثر الحاسم في الدعوى الإدارية، ولقد نصت عليها المادة 858 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية والتي أحالت بشأنها إلى الأحكام المشتركة لجميع الجهات القضائية والمنصوص عليها في المواد من 125 إلى 145 من نفس القانون.

وفيما يلي نحاول تبين مظاهر تخفيف المشرع على المدعي في دعوى الإلغاء من خلال تنظيمه لإجراء الخبرة:

1) للقاضي حرية الأمر بالخبرة من عدمه، وهو غير ملزم بطلب الخصوم تعيين خبير، كما له الحرية في تحديد عدد الخبراء، إذ نصت المادة 126 على أنه: “يجوز للقاضي من تلقاء نفسه أو بطلب أحد الخصوم تعيين خبير أو عدة خبراء من نفس التخصص أو من تخصصات مختلفة”.

وحتى تكون الخبرة مجدية في التوصل إلى الأدلة اللازمة للفصل في القضية فإنه يقع على القاضي التزام بتحديد مهمة الخبير بدقة لأن الخبرة تتميز بطابع تقني؛ ولأن الخبير لا يعين إلا لتنوير المحكمة حول نقاط تتعلق بالوقائع، وبخصوص نتائج تقنية تتضمنها، ولهذا فإنه من الضروري أن يحدد القاضي إطار الخبرة تحديدا جيدا، لتلافي خروج الخبير عن هذا الإطار، ومن أجل ذلك فإنه يحدد الوقائع المطلوب إبداء الرأي الفنّي بشأنها، مع احترام حدود الطلب الوارد في الدعوى المتنازع بشأنها، كما يعين له ميعادا لإيداع التقرير.

وهذا ما نصت عليه المادة 128 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية بقولها: “يجب أن يتضمن الحكم الأمر بإجراء الخبرة ما يأتي:

  • عرض الأسباب التي بررت اللجوء إلى الخبرة، وعند الاقتضاء تبرير تعيين عدة خبراء.

  • بیان اسم ولقب وعنوان الخبير أو الخبراء المعينين مع تحديد التخصص.

  • تحديد مهمة الخبير تحديدا دقيقا.

  • تحديد اجل إيداع تقرير الخبرة بأمانة الضبط.

وللقاضي الحرية أيضا في الأخذ برأي الخبير أو طرحه، على أن يبين في حكمه أسباب استبعاد رأي الخبير وهو ما نصت عليه المادة 144 بقولها: “يمكن للقاضي أن يؤسس حكمه على نتائج الخبرة، القاضي غير ملزم برأي الخبير، غير أن عليه تسبيب استبعاد نتائج الخبرة”.

2) يساهم الخبير في مساعدة المدعي في دعوى الإلغاء للوصول إلى الدليل ذي الطبيعة العلمية أو التقنية، كما يساعده في الحصول على المستندات التي بحوزة الإدارة، تحت طائلة توقيع الغرامة التهديدية، وتحت طائلة ترتيب ما يقتضيه العدل والمنطق على نكولها عن تقديم المستندات، وذلك من خلال السلطات المخولة للخبير والقاضي بموجب مواد قانون الإجراءات المدنية والإدارية، إذ تنص المادة 137 على أنه: “يجوز للخبير أن يطلب من الخصوم تقديم المستندات التي يراها ضرورية لإنجاز مهمته دون تأخير.

يطلع الخبير القاضي على أي إشكال يعترضه، ويمكن للقاضي أن يأمر الخصوم تحت طائلة غرامة تهديدية، بتقديم المستندات.

يجوز للجهة القضائية أن تستخلص الآثار القانونية المترتبة على امتناع الخصوم عن تقديم المستندات”.

كما نصت المادة 138 على أن: “يسجل الخبير في تقريره على الخصوص:

  • أقوال وملاحظات الخصوم ومستنداتهم.

  • عرض تحليلي عما قام به وعاينه في حدود المهمة المسندة

  • نتائج الخبرة.

ويترتب على ذلك اعتبار تقرير الخبير بعد إيداعه ضمن مستندات الملف من أدلة الإثبات التي يمكن الاعتماد عليها كعنصر فعال أثناء الفصل في النزاع، وتعتبر البيانات التي تضمنها بشأن الوقائع التي باشرها ونفذها الخبير صحيحة لحين الطعن فيها بالتزوير، أما غير ذلك من البيانات كالرأي التي تكون قابلة لإثبات العكس.

3) و يوفر الخبير القاضي كل المعلومات التقنية والعلمية التي يحتاجها للتحقق من مدى صحة ادعاءات المدعي وفي سبيل ذلك نصت المادة 141 على أنه:” إذا تبين للقاضي أن العناصر التي بني عليها الخبير تقريره غير وافية، له أن يتخذ جميع الاجراءات اللازمة، كما يجوز له على الخصوص أن يأمر باستكمال التحقيق، أو بحضور الخبير أمامه ليتلقى منه الإيضاحات والمعلومات الضرورية”.

فسخ عقد الزواج

error: