جريمة تبييض الأموال

المقدمــة

*الفصل التمهيدي : ماهية جريمة تبييض الأموال

      المبحث الأول: مفهوم جريمة تبييض الأموال

      المطلب الأول: تعريف جريمة تبييض الأموال

      المطلب الثاني: مصادر الأموال المبيضة

      المبحث الثاني: آلية تبييض الأموال

      المطلب الأول: أساليب تبييض الأموال

      المطلب الثاني: مراحل تبييض الأموال

* الفصل الأول : الإطار القانوني لجريمة تبييض الأموال

      المبحث الأول: التكييف القانوني لجريمة تبييض الأموال

      المطلب الأول: إشكالية التكييف الجزائي لجريمة تبييض الأموال

المطلب الثاني: تمييز جريمة تبييض الأموال عن بعض الجرائم المتشابهة

      المبحث الثاني: أركان جريمة تبييض الأموال

      المطلب الأول: الركن الشرعي

      المطلب الثاني: الركن المادي

       المطلب الثالث: الركن المعنوي

* الفصل الثاني: مخاطر جريمة تبييض الأموال و مكافحتها

 المبحث الأول: مخاطر جريمة تبييض الأموال

 المطلب الأول: المخاطر الاقتصادية

 المطلب الثاني : المخاطر الاجتماعية

 المطلب الثالث : المخاطر السياسية

  المبحث الثاني : مكافحة جريمة تبييض الأموال

 المطلب الأول : مكافحة الجريمة على الصعيد الوطني

 المطلب الثاني : مكافحة الجريمة على الصعيد العالمي

        المطلب الثالث : عقبات المكافحة .

الخاتمــة

    المقدمــــة

منذ بدء الخليقة كان الإنسان و كانت الجريمة، وبموازاة تطور الفكر البشري نحو رفاهية و خير البشرية جمعاء تطور الفكر الإجرامي، لتأخذ الجريمة أشكالا مختلفة و مظاهر متعددة مع ظهور العولمة و التقدم التقني و الجريمة في شتى أرجاء العالم .

فقد تسارع إيقاع هذه الظواهر الثلاث في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ وربما غير مسبوق وقد بات تدخل هذه الظواهر أمرا مثيرا للقلق لاسيما و أن الجريمة المنظمة أصبحت تمثل حصان طروادة الجديد الذي يستغل لأقصى حد ممكن ما يوفره التقدم التقني الهائل الذي بلغته البشرية من ناحية ويستفيد في الوقت ذاته مما تتيحه ظاهرة العولمة من إمكانيات شتى اقتصادية و اجتماعية و مصرفية من ناحية أخرى.

فتعتبر الجريمة المنظمة من الجرائم الخطرة على مستوى جميع الأصعدة والتي بات مسرحها الكرة الأرضية قاطبة متخطية الدول و عابرة للحدود وبرهانا على استفحال ظاهرة الجريمة المنظمة يكفي إلقاء نظرة على التصاعد البياني اللافت للنظر لمعدلات الجرائم في الكثير من مناطق العالم. فقد زاد معدل الجرائم في الفترة من سنة 1990الى غاية سنة1997في أوروبا الشرقية بنسبة66% وفي منطقة أسيا و المحيط الهندي تزايد معدل الجرائم عن الفترة نفسها بنسبة 58% وفي بعض بلدان الأخرى بنسبة80% تقريبا. ولا يستثنى من ذلك سواء منطقة الاتحاد الأوروبي التي انخفض فيها معدل الجرائم عن ذات الفترة بشكل ملحوظ.[1]

ولم يقتصر الأمر على مجرد زيادة كم معدلات الجرائم بل تطورت هذه الأخيرة تطورا كيفيا و نوعيا على أكثر من صعيد:

صعيد طبيعة الظاهرة الإجرامية ذاتها بظهور أنشطة إجرامية جديدة كغسيل الأموال و الجرائم الالكترونية و الاعتداء على البيئة في صورة بالغة الجسامة كدفن النفايات النووية و غيرها من المواد الضارة.

صعيد التخطيط و الإعداد لتنفيذ هذه الجرائم باستغلال سهولة الانتقال من دولة أو قارة لأخرى و صيرورة الجريمة ذاتها مشروعا منظما بأكثر من كونها سلوكا فرديا مستغلة في  ذلك الثغرات القانونية و الفراغ القانوني الموجود في الكثير من الدول خاصة الحديثة.

تقليديا غير قادر على استيعاب هذه الظاهرة الجديدة سواء على صعيد الملاحقة الجنائية في إطار القوانين الوطنية أو على صعيد الملاحقة الجنائية الدولية.

فنتيجة لاستغلال التقدم التقني الهائل و عولمة النظم الاقتصادية و المالية لاسيما في شقها المصرفي إذ لم يعد المصرف على سبيل المثال أداة لتجميع رؤوس الأموال و حفظها من السرقات و وسيلة ادخار…الخ، وما إلى ذلك بل استخدمه المجرمون غطاء لجرائمهم و عملياتهم المشبوهة، كذا ظهور الفضاء الالكتروني بما يمثله من إمكانية مستقبلية لتزايد الأنشطة الإجرامية قد تتجاوز خيال الحالي للكثير من القانونيين.

و تتجسد هذه الأنشطة حاليا في غسيل الأموال ذات المصدر الغير مشروع إذ هي “إسباغ صفة الشرعية على الأموال المتحصلة من مصادر غير مشروعة كتجارة المخدرات و الأسلحة و الرقيق و الدعارة و غيرها من خلال غسلها بوسائل و تقنيات متعددة لا تثير الغبار حول مصادرها لتبدو كأنها متأتية من مصادر مشروعة”.

ولم تقتصر هذه الجرائم على غسيل الأموال فحسب بل امتدت إلى جرائم الحاسوب من قرصنة و اختراق غير مشروع لأنظمة الغير وبرامجهم وتدميرهم وتقليد و نسخ البرامج و النصب و التزوير و تسهيل الدعارة ونشر المواد الإباحية للأطفال و انتهاك حرمة الحياة الخاصة و الأسرار الشخصية.

كما تتمثل هذه الأنشطة الإجرامية الحديثة في الاعتداء على البيئة ودفن النفايات النووية وغيرها من المواد الضارة و الاتجار بالأشخاص و الاتجار بالأسلحة المحظورة و الإرهاب و الفساد الإداري و المخدرات و الاتجار في الأثريات و الثروات الثقافية…..

ونظرا لصعوبة وعدم إمكانية دراسة كل هذه الأنواع من الجرائم بالشكل الجيد و الشامل، فقد ارتأينا تسليط الضوء على جريمة تبييض الأموال كعينة من أنواع الجرائم المنظمة وذلك لما لها من أهمية على جميع الأصعدة الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية إضافة لخطورتها و اشتراكها مع باقي العناصر الإجرامية الأخرى السالفة الذكر كما تعتبر اللمسة الأخيرة لبقية الجرائم الأخرى.

ولتعريف هذه الجريمة و دراستها من مختلف ومعظم النواحي و الجوانب بالقدر المستطاع فقد تناولنا البحث من خلال:

فصل تمهيدي: يتناول مفهوم جريمة تبييض الأموال و آليات ووسائل التبييض.

فصل الأول: الإطار القانوني لجريمة تبييض الأموال بالتعرض إلى التكييف القانوني.

         الفصل التمهيدي: ماهية جريمة تبييض الأموال

      تعتبر تبييض الأموال أو غسيل الأموال أو الجريمة البيضاء من التعبيرات التي تداولت مؤخرا في كافة المحافل المحلية و الإقليمية و الدولية لذلك و حتى تتضح معالم هذا الموضوع رأينا أن نتناول في هـذا الفصل التمهيدي تعريف جريمة تبييض الأموال و تبيان مصدر الأموال المبيضة في مبحث أول، ثم التطرق إلى آلية تبييض الأموال في مبحث ثان .

المبحث الأول: مفهوم جريمة تبييض الأموال

 سنتطرق في هذا المبحث بداية إلى تعريف جريمة تبييض الأموال و هذا في المطلب الأول ، ثم ننتقل لتبيان أهم مصادر الأموال المبيضة لما لها من ارتباط وثيق بالتعاريف المختلفة لهذه الجريمة و ذلك في المطلب الثاني .

المطلب الأول : تعريف جريمة تبييض الأموال

 تنوعت التعاريف التي قيلت في جريمة تبييض الأموال منها التعاريف الفقهية و التشريعية و الدولية بحيث لم يتوصل فقهاء القانون الجنائي إلى تعريف جامع مانع لهذه الجريمة نظرا لحداثتها و سرعة تطورها ذلك لكثرة الأساليب المستعملة في ارتكابها فقد يتمايز تعريف جريمة تبييض الأموال من حيث موضعـها و غايتها و طبيعة هذه الظاهرة الجريمة .

الفرع الأول: من حيث موضعها

تبييض الأموال هو فن توظيف الوسائل المشروعة في ذاتها من مصرفية خصوصا و اقتصادية على وجـه العموم لتأمين حصاد وإخفاء المحصلات غير المشروعة لإحدى الجرائم .

الفرع الثاني: من حيث غايتها

   تستهدف ضخ الأموال غير النظيفة ( كأموال التجارة بالمخذرات و السرقات الكبرى و سرقة الأعمال الفنية و الإتجار غير المشروع في الأسلحة و التجارة في الرقيق عبر مختلف شبكاته …إلخ ). (1)

و ذلك داخل حيز الأنشطة الاقتصادية و الاستثمارية المشروعة سواء على المستوى الوطني أو العالمي على نحو يكسبها صفة المشروعية في نهاية المطاف و هكذا تتخلص الأموال من مصدرها الأصلي غير النظيف و تنحدر بذلك من جديد وسط اقتصاد طبيعي مشروع.

الفرع الثالث: من حيث طبيعتها

 لعل أهم ما يميز هذه الجريمة أنها جريمة تبعية من ناحية و قابلة للتداول من ناحية أخرى.

1- فمن ناحية أنها جريمة تبعية: تفترض وقوع جريمة أصلية سابقة و ينصب نشـاط تبييض الأموال بالتالي على الأموال أو المحصلات الناتجة عن هذه الجريمة الأصلـية.

2- أما من ناحية قابليتها للتدويل : هو وقوع الجريمة الأم على إقليم دولة ما، بينـما يتوزع نشاط تبييض الأموال على إقليم دولة أخرى و هكذا تتبعثر الأركان المكونة للجريمة عبر الحدود(1) و هو الأمر الذي يصعب من الملاحقة الجنائية لا سيما مع ما يثيره ذلك من مشاكل جمة في مجالي الاختصاص و مدى الاعتراف بحجية الأحكام الجنائية الصادرة في موطن الجريمة الأم.

و في الواقع أن كلمة تبييض الأموال و غسيل الأموال حسب فقهاء القانـون يلتقيان في دلالة مفهومها و يختلفان في المصطلح فقط إذ كلاهما يعني استخدام حيل و وسائل و أساليب للتصرف في أموال مكتسبة بطريقة غير مشروعة و غير قانونية  لإضفـاء الشرعية و القانونية عليها و هـذا يشمل الأموال المكتسبة مـن الرشوة و الاختلاسات و الغش التجاري و تزوير النقود.

فاصطلاح غسيل الأموال و تبييض الأموال اصطلاح عصري و هـو بديـل للاقتصاد الخفي أو الاقتصاديات السوداء أو اقتصاديات الظل و هو كسب الأموال مـن مصادر غيـر شرعية وإعادة استثمارها في أنشطة مشروعة قانونا لإخفاء مصدرها والخروج مـن المساءلة القانونية بعد تضليل الجهات الأمنية و الرقابية.

المطلب الثاني: موقف المشرع الجزائري

   يمكن القول أن نشاط تبييض الأموال واستخدام عائدات الجرائم أضحى شـكل جريمة مستقلة لا تختلط بغيرها من الأوصاف الجنائية الأخرى أو على الأقل لا تلتبس معها، وقد استجابت معظم الدول إلى تجريم هذا الفعل في تشريعاتها الداخلية وفقا لما تنص عليه اتفاقية الأمم المتحدة فينا عام 1988، وكذا اتفاقية مجلس أوربا في ستراسبورغ عام 1990، لأنهما حجر الزاوية في هذا الخصوص، وصارت العديد من التشريعات تتضمن نصوصا خـاصة تعرف هـذه الجريمة وتعاقب فاعليها وكانت من بين الدول السباقة إلى تعريف هـذه الجريمة في قوانينها الداخلية فرنسا، الولايات المتحدة الأمريكية و ألمانيا.

   ولقد ساير المشرع الجزائري باقية التشريعات حيث عرفها في المادة 389 مكرر و الذي جاء بها القانون رقم 04 –15 المؤرخ في 27 رمضان 1425 هـ الموافق 10 نوفمبر 2004 المعدل و المتمم للأمر 66/156  المتضمن قانون العقوبات  بما يلي

الفرع الأول: تبييض الأموال حسب المشرع الجزائري:

يعتبر تبييضا للأموال :

أ- تحويل الممتلكات أو نقلها مع علم الفاعل بأنها عائدات إجرامية بغرض إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع لتلك الممتلكات أو مساعدة أي شخص متورط فـي ارتكاب الجريمة الأصلية التي تأتت منها هـذه الممتلكات على الإفلات مـن الآثـار القانونية لفعلته.

ب- إخـفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية للممتلكات أو مصدرها أو مكـانها أو كيفيـة التصرف فيها أو حركتها أو الحقوق المتعلقة بها مع العلم بأنها من عائدات إجراميـة.

ج- اكتساب الممتلكات أو حيازتها أو استخدامها مع عـلم الشخص القائم بذلك وقت تلقيها بأنها تشكل عائدات إجرامية .

د- المشاركة في ارتكاب أي من الجرائم المقررة وفقا لهذه المادة أو التواطؤ أو التآمر على ارتكابها و محاولة ارتكابها و المساعدة و التحريض على ذلك و تسهيله و إسداء المشورة بشأنه .

الفرع الثاني: مصادر الأموال المبيضة

للأموال المبيضة عدة مصادر يصعب حصرها في إطار أو عدد معين، وقـد جاء في تقرير غافي  GAFI الثامن أن أهم مصادر المداخيل غير المشروعة هي:

– تهريب المخدرات – الجرائم المالية ( الغش المصرفي الاستعمال الإحتيالي لبطاقات الائتمان أو الدفع ، الإفلاس الإحتيالي ، الاختلاس ، تهريب الكحول والتبغ  المرابـاة الميسر ، الدعارة) .

– تهريب السلاح – الخطف – سرقة السيارات

و ذهب المشرع اللبناني إلى تحديد مصادر الأموال المبيضة و اعتبر أن القصـد بالأموال غير المشروعة  المعنية بجريمة تبييض الأموال هي كافة الأموال الناتجة عن ارتكاب إحدى الجرائم الآتية :

زراعة المخدرات أو تصنيعها أو الاتجار بها.

الأفعال التي تقدم عليها جمعيات الأشرار و المعتبرة دوليا جرائم منظمة.

الجرائم الإرهابية.

الاتجار غير المشروع بالأسلحة .

جرائم السرقة أو اختلاس الأموال العامة أو الخاصة أو الإستلاء عليها بوسائل احتيالية و المعاقب عليها بعقوبة جنائية .

تزوير العملة.

و إذا كانت اتفاقية فيينا قد حصرت مصدر الأموال المبيضة في عائدات المخدرات فقط، فإن المشرع الجزائري و على غرار معظم التشريعات الداخلية للدول لم يحصر مصادر الأموال المبيضة، و اكتفى باعتبار كل العائدات الناتجة عن نشاط إجرامـي مصدرا لهذه الجريمة.

خلاصة :

من خلال ما تقدم نستنج أن تبييض الأموال  تشمل جميع الأموال القذرة الناتجة عن جميع الجرائم والأعمال غير المشروعة ليس فقط تلك الناتجة عن تجارة المخدرات، و هو التعريف الأرجح والذي يجب أن يكون لتبيض الأموال إذ أنه يعني بتبييض الأموال “(1) كل فعل يقصد به تمويه أو إخفاء مصدر الأموال الناتجة بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن ارتكاب إحدى الجرائم المذكورة سلفا”.

 المبحث الثاني : آلية و مراحل تبييض الأموال

 سنتطرق في هـذا المبحث بداية إلى التقنيات المتعددة المستعملة في تبييـض الأموال و هذا في المطلب الأول، ثم ننتقل لدراسة المراحل المتخلفة التي تمر بها الأموال المبيضة في مطلب ثاني.

المطلب الأول: آليات “تقنيات” تبييض الأموال

تتحدث التقديرات المختلفة عـن المبالغ المهولة التي يتـم تبييضها سنويـا، إذ يقدرها فريق العمل المالي (GAFI ) التابع للأمم المتحدة بأكثر من 120 مليار دولار من مال المخدرات تخصص سنويا للتبييض، (1) دون الأخذ بعين الاعتبار الأموال ذات المصادر غير المشروعة الأخرى.

و يعتمد مبيضو الأموال للقيام بعملياتهم الإجرامية على العديد من التقنيات أو الأساليب بعضها تقليدي و الآخر حديث ولعدم إمكانية حصرها جميعها يمكن ذكر مايلي:

الفرع الأول:الشراء بسيولة

 يعمل المبيضون على شراء سيارات فاخرة أو معادن ثمينة أو تحف أو مقتنيات ثمينة بأسعار متفاوتة، ثم يقومون بإعادة بيعها، الأمر الذي يسمح بتبرير موارد ضخمة بأسباب شرعية، و ذلك بفضـل فائض القيمة، (2) و في هـذا المجال يقترب التبييض من صورته الواقعة على عقد البيع بثمن متدن، بإخفاء للثمن الحقيقي لتوفير الرسوم.

الفرع الثاني: الاستثمارات السياحية

 يتم إنشاء أو شراء الفنادق أو المطاعم أو الكازينوهات أو المنتجعات السياحية  ليقوم المبيضون بإدارتها بطريقة تجعل و كأن الأموال غير المشروعة هي أربـاح و عوائد محققة من تلك المؤسسات السياحية.

الفرع الثالث: الشيكات القابلة للتظهير

 إن التظهير المتكرر و المتسلسل للشيكات بمروره على أكثر من مظهر يسمح بإخفاء مصدر الأموال غير الشرعية، لذا فعملية التظهير تستعمل بكثرة في عمليات التبييض.

الفرع الرابع: شراء تذاكر السفر

 يعمل المبيضون على شراء تذاكر سفر غالية الثمن، ثم يقومون ببيعها في وقت لاحق أو حتى ردها في بلد آخر، بعد خصم جزء بسيط من ثمنها، فيشكل المبلغ المرتجع مبررا لوجود المال.

الفرع الخامس: استعمال بطاقات الائتمان

 تسمح بطاقة الائتمان بدفع المال دون الحاجة إلى حيازته نقدا، فيتم إيداع أموال كبيرة قي حساب البطاقة، ليستطيع المبيض من سحب للأموال النقدية في أي مكان من العالم.

و قد ظهرت في السنوات الأخيرة مسـألة جديدة تمثلت في تزوير بطاقات الائتمان و الاحتيال لسحب الأموال من نوافذ الصرف الآلي(A.T.M)، مما يؤدي إلى حدوث أخطار تهدد العمل المصرفي ، تنتهي إلى فقدان الأموال بالكامل، خاصة فـي حالة ضياع بطاقة الائتمان، و تعرف المحتالين على الرقم الشخصي لصاحب الحساب. (1)

 الفرع السادس: التجارة البحرية

 يقوم المبيضون بالتواطؤ مع السفن البحرية التي ترفع علم دولته، حيث تقوم هذه السفن بإخفاء أموال غير مشروعة، فتقوم بإدخالها إلى إحدى الدول باعتبارها أموال منقولة من دولة أخرى بصفة تجارة مشروعة.

 الفرع السابع: تأسيس الشركات

 يعمل المبيضون على تأسيس أو شراء شركات قانونية توحي بصورة طبيعية بعمليات نقدية ضخمة، ليتمكنوا من مزج أموالهم ذات المصدر غير المشروع مع أموال الشركات القانونية.

وظاهرة تبييض الأموال عن طريق الشركات موجودة في أغلب دول العالم وتسمى هذه الشركات” بشركات الدمى” وهي شركات أجنبية تمارس نشـاط تجاري أو غـير تجاري. ودورها كوسيط بين أصحاب رؤوس الأموال غير المشروعة لأجل شرعنتها وإدخالها مرة أخرى مقابل الحصول على عمولات كبيرة.

كما تقوم هذه الشركات بصورة أخرى من صور التبييض حيث تقوم بإنشاء فرع داخل دولة مركزها الرئيسي بها أو خارجها، ثم تقوم باستيراد سلع من الخارج وتحدد أسعار هذه

السلع بأكثر من قيمتها الحقيقية، ثم تفرض على فروعها على إيداع هذا الفرع في حسابات سرية لها في دولة أجنبية.(1)

وتعتبر فضيحة موج MOGE أشهر الأمثلة على التبييض عبر الشركات، فشـركـة

GAS Entreprise ( MOGE)      Myammar Oil  هي شركة بترولية وطنيـة في بورمانيا تقـوم منذ سنة 1988 بعمليات تبييض الأموال الناتجة عن الاتجـار بالهرويين، حيث يصنع ويصدر تحت رعاية عمداء الجيش البورماني، وكشفت هذه الفضيحة عام 1992  وبين حساب هذه الشركة في مصرف بسنغافورة عمليات مالية ضخمة، مع العلم أن مداخيل الشركة محصورة جدا ببعض المدفوعات الضئيلة من قبل شركات البترول العالمية، وهكذا أصبحت ” موج” من أغنى الشركات في العالم(2)

الفرع الثامن: التبييض عبر المصارف

 يقوم المبيضون بإيداع المـال نقدا، أو سحب القـروض، أو الاكتتاب نقـدا بأذونات على الصندوق، أو أوامر التحويل الجارية باسم شركات وهمية، ثـم يتـم تحويل الأموال إلى حسابات أخـرى باسم شركات وهمية بمصارف مالـية في جنـان ضريبية كسويسرا واللوكسمبورغ. ثم بعد ذلك يتمكن المبيضون من الحصول على قروض مصرفية في بلدان أخرى ليقوموا باستثمار أموالهم المبيضة بعد أن يقدمـوا ودائعهم من الأموال غيـر الشرعية كضمانة، وعن طريق هذه القروض يتمكـن المبيضون من شراء مـا يريدون كاستثمارات ومشاريع، انطلاقا من رساميل قادمة عبر مؤسسات قانونية ونظيفة.

ونشير إلى أنه في العقد الأخير مـن القرن الماضي بدأت تنتشر ظـاهرة المصارف الصورية في بعض الدول “Les banques bidon ” ولهذه المصارف دور مشبوه في عملية تبييض الأموال، إذا يوجـد في بعض الدول 500 مصرف لكل 2500 مـن السكان مما يدل على شبهة إنشاء هذه المصارف. (3)

الفرع التاسع: تقنيات أخرى:

المضاربة في البورصة: تتم العملية ببيع وهمي بسندات في البورصة من البائـع لنفسه، عن طريق مشتري مزيف، ليتمكن من تحقيق أرباح وهمية لإخفاء المصدر الحقيقي للمال.

الاعتماد المستندي: تتمثل هذه التقنية في شحن وهمي للبضائع، تنتج عنها أموال مقابل تلك البضائع، ليتم التصريح عن الأموال المبيضة وكأنها ناتجة عن عملية الشحن الوهمية.

مكاتب السمسرة والوساطة: يقوم المبيضون على تحويل الأموال النقدية المراد تبييضها إلى سندات واسهم، ثم تتنقل بعد ذلك إلى عدة أشخاص عبر سلسلة محكمة فيصعب بعد ذلك معرفة مصدر تلك الأموال.

شركات التأمين: تتم العملية بأن يقوم المبيضون بشراء وثائق تأمين على الحيـاة بمبالغ ضخمة من شركات التأمين المتواطئة، وبعد ذلك يقومون بإعادة تلك الوثائق واسترداد قيمتها عن طريق شيكات. (1)

التحويل البرقي للنقود: يستعين المبيضون لهذا الأسلوب لما يعتري هذا النظام من ثغرات، كون أن الكثير من البنوك ليست أعضاء في نظام  fedwire ولا في نظام شيبس  Chips وهو عبـارة عن عملية غرفة مقاصة تسويـة في نهاية اليـوم، ويترتب على ذلك أنه على معظم البنوك استخدام ما يعرف بنظام swift للتصريح بإجراء المعاملات المالية برقيا، فحسب هذا النظام فإن البنك لا يعلم غرض تحويل المال، فالبنك المصرح وحده هو الذي يقع عليه واجب التحري عن غرض العميل من هذا الاستخدام، وعليه فإن التحويلات الصادرة من بنوك أجنبية غالبا ما تكون خالية مـن اسم العميل المنشئ(2) وهو ما دفع بمبيضوا الأموال إلى استخـدام نظام التحويل البرقي لإيداع النقود لـدى البنوك في الخارج.

المطلب الثاني : مراحل تبييض الأموال

يمكن أن تتم مراحل تبييض الأموال بشكل منفصل، كمـا يمكن أن تتم أيضا قي وقت واحد. ويمكن إجمال المراحل التي تتم بها عملية تبييض الأموال في ثلاث مراحل كبرى وهي: التوظيف، التجميع، الدمج.

الفرع الاول: التوظيف أو الإيداع    placement

وهي العملية الأولى حين يبدأ مبيضو الأموال القذرة بالتخلص من النقود المتحصل عليها من النشاط غير المشروع، ليتم تحويل ذلك المال إلى ودائع مصرفية وإلى أرباح وهمية،

ومن ثم توظيف الأموال في حسابات تخص مصرف واحد أو أكثر، كائنة في البلد نفسه أو في الخارج، وهكذا تعتبر سلسلة العمليات هـذه عنـد انتهائها بدء عملية التبييض. (1)

و بهذه طريقة لا تجلب الشكوك لتبدو شرعية، ليقوم في وقت لاحـق بنقل تلك الأموال خارج البلد أين يوجد المصرف الذي تم فيه الإيداع وتعتبر مرحلة التوظيف أضعف حلقات مراحل تبييض الأموال لما يحيق بها من مخاطر الانكشاف، نظرا لما تقوم به الأجهزة المكلفة بمكافحة تبييض الأموال من تركيز محاولة الكشف عن هذه الأموال وإيقافها قبل أن تدخل في دوران عجلة النظام المصرفي العالمي(2) .

لذا فمرحلة التوظيف أو الإيداع باعتبارها أضعف المراحل فهي أكثر عرضة للكشف عنها فمتى نجحت بسلام ودخلت للمصرف دون إيقافها فيكون من الصعب لاحقا أن يكشف أمرها.

 وتجدر الملاحظة إلى أن مبيضو الأمـوال لا يقومون بإيداع مبالغ كبيرة في المصارف دفعة واحدة فيعمدون لتجنيد العديد من الأشخاص بتجزئة المال إلى مبالغ لا يزيد عن حد معين بقدر ما يسمح به المصرف دون أن يتحرى عـن مصدر المال، ليتم الإيداع في مصارف مختلفة وبحسابات متعددة من عدة أشخاص محترفين وليست لديهم أية سوابق أو شبهات.

الفرع الثاني: التجميع ( التغطية) empilage , layering

تهدف هذه المرحلة إلى إخفاء الأموال المراد تبييضها عن مصدرها غير المشروع بإتباع سلسلة من العمليات المصرفية المتشابكة المشابهة لحد مـا إلى التعاملات المالية المشروعة. فالمبيض يقوم بإعادة المال غير المشروع إلى حسابات مصرفية مفتوحة باسم شركات مشروعة، وهو ما يسمى بشركات الواجهة التي قام بتأسيسها مبيضو الأموال  التي ليست لها أية أغراض تجارية بل القصد منها إخفاء وتمويه الملكية الفعلية والحقيقية للحسابات والأموال التي تملكتها التنظيمات الإجرامية،(3) لذا فالهدف من وراء هـذه الشركات هو التغطية أو التمويه عن مصدر الأموال الغير شرعية، لتعدو هذه شبيهة بالشركات الوهمية. فعن طريق هذه الأخيرة يقوم المبيض بخلق صفقات مالية معقدة ومتشابكة بغية التغطية أو التمويه عن مصدر المال غير المشروع.

الفرع الثالث: الدمج  Intégration

 تعتبر مرحلة الدمج أو الإدماج آخر مرحلة من مراحل التبييض، ففيها يقوم المبيض بدمج الأموال غير المشروعة في الاقتصاد وجعلها تظهر بمظهر مشروع وهذا لتغطية مصدرها تغطية نهائية.

فهذه المرحلة تؤمن الغطاء النهائي للمظهر الشرعي للثروة ذات المصدر غير المشروع لتوضع  الأموال المبيضة مرة أخرى في عجلة الاقتصاد بطريقة يبدو معها أنه تشغيل عادي وقانوني لما له من مصدر نظيف(1) فمن شـأن هذه المرحلة شرعنة الأموال المبيضة أي جعلها شرعية.

 ليصبح التمييز بين الأموال المشروعة والأموال غير المشروعة أمرا بعيد المـنال، لتصل هذه الأموال إلى بر الأمـان، ليصبح مـن المستطاع والسهل إعادة استثمـار هذه الأموال في أية أنشطة أخـرى بغض النظر إن كانت مشروعة أو ممنوعة ، فكما ذكرنا فمرحلة الدمج تعتمد على إعادة إدخال المبالغ المبيضة في بيئة الاقتصاد الشرعي عـبر القيام بتوظيفات مالية واستثمارات في الاقتصاد الحقيقي. وعادة مـا يكـون البنك طرفا أصليا مشاركا في عمليات غـسيل الأموال(2) .

إن مرحلة الدمج هي المرحلة الأصعب اكتشافا، باعتبار أن الأموال تكون قد خضعت مسبقا لعدة مستويات من التدوير، والواقع أن هذه العمليات بمجملها قد تمتد إلى عـدة سنوات.

ونشير إلى أنه من أكثر الاستثمارات المشروعة سهولة في وقتها الحاضر هـو اللجوء إلى المضاربات في الأسواق المالية التي انتشرت في العديد مـن بلدان العالـم مستفيدة من سهولة وسائل الاتصال الحديثة عـبر شبكات الإنترنات، وصارت هذه الأمـوال تتنقل من بلد إلى آخر عبر هذه الأسواق في دقائق.

الفصل الأول: الإطار القانوني لجريمة تبييض الأموال

   إذا كانت هـذه الظاهرة تنطلق بارتكاب جريمة أولية معاقب عليهـا قانونـا و تنتهي بشرعنة المال الناتج عنها بتوظيفه في مشاريع لا تتعارض و القوانين المنظمة لها، فإنها تقتضي في أغلب الأحيان مجموعة من الجناة يضطلع كل واحد منهم بدور معين لتحقيق النتيجة الإجرامية، و هنا نتساءل عن الوصف الجزائي الـذي يتابع بـه مقترفوها ، خاصة و أنها تتداخل مع عدة جرائم أخرى، و من ثمة فهل تكيف هذه الظاهرة على أنها فعل من أفعال المساهمة الجنائية؟ أو أنها فعل من أفعال جنحة إخفاء الأشياء الناتجة عن جناية أو جنحة؟ أو أنها تقتضي تدخل تشريعي لتجريم الظاهـرة بنص خاص مبينا لأركانها و مميزا لها عن باقي الجرائم المشابهة لها.

و إلماما بذلك قسمنا هذا الفصل إلى مبحثين، نتطـرق في الأول إلى التكييف القانوني لجريمة تبييض الأموال ثـم نتطرق في المبحث الثـاني إلى تحديـد أركانها.

المبحث الأول :  التكييف القانوني لجريمة تبييض الأموال

و سنتناول في هذا المبحث إشكالية التكييف الجزائي لجريمة تبييض الأموال في المطلب الأول، و تميزها عن بعض الجرائم المشابهة في المطلب الثاني.

المطلب الأول: إشكالية التكييف الجزائي لجريمة تبييض الأموال

تمثل ظاهرة تبييض الأموال صنفا جديدا مـن أصناف الأنشطة الإجراميـة المنظمة و كأي ظاهرة جديدة استعصى في البداية تكييفها جزائيا و قد اختلف الفقـه بشأنها بين إخضاعها لأوصاف تقليدية و بين ضرورة إفرادها بوصف خاص يحدد إطارها القانوني و قـد توصل إلـى وصفين لهـذه الظاهرة، (1) و يقصـد بالتكييف القانـوني تلك العملـية الذهنية التي تهدف إلى إعطاء الفعل الواقع الوصف القانوني الذي ينطبق علـيه من بيـن الأوصاف التي يتضمنها قانـون العقوبات، و التكييف فكرة قانونية تنطوي على مضمون ويفصح عنها بوصف، فأما المضمون هو المطابقة و التي يراد بهـا حكم على فعـل واقعي صدر على الجاني بأنـه يطابق ذلك الفعل النموذجي التي تصفه القاعدة الجنائية المجرمـة وصفا مجرما. (2)

أما الوصف فهو مجرد شرط لخضوع الفعل لنص معين من نصوص التجريم و بذلك يمكننا القول أن التكييف القانوني للفعـل هـو وسيلة أعمال مبدأ الشرعية الـذي يقتضي البحث عن الوصف الجرمي الذي ينطبق على الفعل الواقع حقيقة .

و إعمالا لمفهوم التكييف الوارد أعلاه توصل الفقهاء إلى وصفين ينطبقان على جريمة تبييض الأموال أما الوصف الأول فهـو وصف تقليدي يكيف الظاهـرة على أساس أنها فعل من أفعال المساهمة الجنائية أو صورة من صور جريمة إخفاء الأشياء ذات المصدر غير الشرعي، أما المحاولة الثانية فتهدف إلى خلق تكييف قانوني جديد من خلال تدخل تشريعي بنص يجرم الظاهرة في حد ذاتها.

و لتسليط المزيد مـن  التفصيل على هذين التكييفين لظاهرة تبييض الأموال يجدر بنا تناول تكييف الظاهرة وفقا للمحاولة التقليدية مبرزين قصورها في تحديد و شمولية الجريمة و كذا تكييف الجريمة من خلال نص تشريعي خاص بالظاهرة.

الفرع الأول: تكييف ظاهرة تبييض الأموال وفقا للمحاولة التقليدية:

حسب الاتجاه الفقهي التقليدي لتكييف ظاهرة تبييض الأموال فإن هذه الظاهرة لا تخرج في أوصافها الجزائية عن الأفعال المساهمة الجنائية أو جرائم إخفاء الأشياء ذات المصدر غير الشرعي.

أولا: تبييض الأموال كفعل من أفعال المساهمة الجنائية :

إذا سلمنا اعتباطا بأن جريمة تبييض الأموال تشكل فعلا مـن أفعـال المساهمة الجنائية فإن المساهمة تفترض تعدد الجناة و وحدة الجريمة، حيث تكون هذه الأخيـرة ثمرة تضافر نشاط و جهود عدة أشخاص و التقاء إرادتهم لتحقيق النتيجة الإجرامية، وعليه تقوم المساهمة الجنائية على ركنين الأول يقتضي وجود فعل أصلي موصوف بوصف الجريمة طبقا لنص في قانون العقوبات و الثاني أن تتجسد المساهمة في فعـل إيجابي فلا تقوم المساهمة على مجرد الامتناع (1) و لا بالإهمال(2) و لا يعتد بالمساهمة على فعل غير منصوص عليه في قانون العقوبات. و إسقاطا لذلك على جريمة تبييض الأموال بوجه عام فإن إشكالية مساءلة الفاعلين لا تقوم إذا كانوا أشخاصا طبيعيين فقد يأخذ أحدهم حكم المحرض و الآخر حكم الفاعـل الأصلي و الثالث حكم المساعد مثلا، إلا أن الإشكالية تقوم في الحالة التي تودع فيها الأموال المبيضة

في البنوك و المصارف فهل أن البنك بقبوله إيداع الأمـوال أو تحويلـها أو استثمارها يعد شريكا مساعدا في تنفيذ الجريمة أو تسيير وقوعها؟

يظهر ذلك ممكنا من خلال الأعمال التي يقدمها البنك للجناة الرئيسين فهو يمدهم بالوسيلة القانونية التي تمكنهم من تنفيذ الجريمة أو على الأقل تسيير وقوعها، و يعد بذلك شريكا لهم في حالة قبوله إيداع الأموال أو تحويلها و التي مصدرها غير مشروع مع علمه بذلك.

   و ما يمكن ملاحظته أن وصف المساهمة الجنائية على ظاهرة تبييض الأموال أو استخدام عائدات الجرائم وصف يشوبه القصور في التكييف و ذلك للاعتبارات التالية :

أن وصف المساهمة الجنائية لكي يصـح وصفه و توجب معاقبته ينبغي أن يكـون سابقا أو على الأقل معاصرا لوقوع الجريمة الأصلية، و لا عقاب على المساعدة التي تقع لاحقا على ارتكاب الجريمة الأصلية، فالبنوك و المصارف إنما تدخل بعد وقوع الجريمة الأصلية و بالتالي لا يصدق على نشاط البنوك وصف المساهمة الجنائية.

إن اعتبار البنك مساهما مساهمة تبعية لا يضمن العقاب في حالة تدويل نشاط تبييض      الأموال، و دولة البنك لا تجرم و لا تعاقب على جريمة تبييض الأموال، أولا يعطى    الاختصاص لمحاكمها بنظر الجريمة كونها واقعة خارج حدودها الإقليمية.

يصعب على الصعيد الفني اعتبـار المصرف مرتكبا لجريمة المساهمة إذا اقتصـر دوره على مجرد التقاعس على واجب الرقابة لمصدر الأمـوال أو جهة تحويلـها، لكون المساهمة تقتضي سلوك إيجابي و لا تقوم على مجرد الامتناع.

و مـن خلال ذلك كله يمكن أن نظهر قصور هذا التكييف مـن الناحية الإجرائـية و كذا من الناحية الموضوعية.

أ – أوجه القصور الإجرائية :

نظرا للحنكة التي يتمتع الفاعلين الأصليين للجريمة و الحيل التي يستعملونها تجعل إفلاتهم من العقاب و المتابعة أمرا واردا و يستفيد بذلك المساهم التبعي مـن عدم العقاب.

كما أن عدم معاقبة فاعل الجريمة لسبب من الأسباب الإباحة يؤدي كما تقضي به القواعد القانونية العامة إلى إفلات الشريك من العقاب ذلك اعتبارا من أن أسبـاب الإباحة هي أسباب موضوعية يستفيد منها كافة القائمين على المشروع الإجرامي.

كما أن انقضاء الدعوى العمومية بالتقادم لاختفاء الفاعلين الأصليين طيلة تلك المدة يؤدي

إلى إفلات القائم بنشاط تبييض الأموال من الملاحقة بوصفه شريكا.

ب- أوجه القصور الموضوعية :

إن عملية التمويه عن مصدر الأموال غـير المشروعة تتم بإيداعـها في البنوك و نشاط البنك تقتصر على قبول إيداع تلك الأموال أو تحويلها أو استثمارها، و هـو ملزم باحترام القواعد المصرفية التي تخضع لها وينتهج آليات فنية تنظم نشاطه، وهذا النشاط دون أدنى شك لا يكيف على أنه السبب في ارتكاب الجريمة التي تحصلت عنها الأموال فالسبب لا يكون لاحقا على النتيجة، والعلاقة السببية المشروطة للعقاب هي تلك التي تكون بين نشاط الشريك والجريمة الأصلية (1)  وقـد حرصت محكمة النقض المصرية على ضرورة استخلاص العلاقة السببية بين نشاط الشريك والجريمة الأصلية

ثانيا– تبييض الأموال كصورة من صور إخفاء الأشياء :

اعتبار من أوجه القصور الإجرائية والموضوعية لتكييف ظاهرة تبييض الأموال على أساس أنها فعل من أفعال المساهمة الجنائية، وجب البحث على وصف آخـر يشمل هذه الظاهرة ويعاقب عليه القانون، ـذا ذهب اتجاه فقهي إلى اعتبار الجريمة صورة من صور لجريمة الإخفاء أو حيازة الأشياء المتحصل إليها من جناية أو جنحة  وهي الجريمة المنصوص عليها في المادتين 387 و 388 من قانون العقوبات الجزائري واللتان تنصان على أنه” كل مـن أخفـى عمدا أشياء مختلسة أو مبددة أو متحصلة في جناية أو جنحة يعاقب بالحبس مـن سنة إلى 5 سنوات وبغرامة من 500 إلى 20.000 دج وإذا كـانت العقوبة المطبقة على الفعل الذي تحصلت منه الأشياء المخفاة هي عقوبة الجناية، يعاقب المخفي بنفس العقوبة المقررة للجناية مـع تطبيق القيود والإعفاءات الخاصة بالدعوى العمومية المقررة بالمادتين 368 و369 من ق ع ج(2) ورغم استخدام المشرع مصطلح الإخفاء للدلالة على الفعل المكون للركن المادي للجريمة ، فالفقه والقضاء في كل من مصر وفرنسـا مستقران على أن التقيد بهذا المصطلح من شأنه أن يضيق من دائرة العقاب على نحو لا يحقق المصلحة العامة. (3)

وحاولا توسيع هذا المفهوم وعرفاه بأنه:” حيازة  الشيء بأي شكل كان ويستوي فـي ذلك أن تكون الحيازة مستترة أو لا تكون كذلك، فلا عبرة إذا يكون الإخفاء تم سرا أو كان علنا وعلى مرأى من الكافة، كما لا يهم سبب الحيازة حتى ولو بطريق مشروع ، كشراء الشيء المتحصل عن السرقة أو اكتسب حيازته عن طريق الهبة”

والحيازة هي الصورة التقليدية لفعل الإخفاء، وقد توسع القضاء الفرنسي في فهم فعل الإخفاء وأصبح يشمل التوسط في بيع وتداول المتحصل من الجريمة، حتى ولو لم يكن هذا التوسط مصحوبا بالحيازة المادية للشيء وكذلك قبول الشخص حيازة الشيء حتى ولو لم يكن قد تسلمه فعليا الحيازة المستقبلية للشيء وهذا الفهم فـي رأي الدكتور سليمان عبد المنعم يعد ذلك انتهاكا لمبدأ الشرعية. ومن صور التوسع أيضا اعتبار الشخص الذي يقطن سكنا تودع فيه الأشياء المسروقة مرتكبا للجريمة وحتى ولم تثبت حيازته الفعليـة للأشياء أو الشخصية أي حيازة غير شخصية ، وخلافا لذلك ذهب القضاء المصري إلى أن جريمة الإخفاء لا يتحقق ركنها المادي إلا إذا أتى الجاني فعلا إيجابيا يدخل به الجاني الشيء المسروق في حيازته فبمجرد علم الجاني بأن شيئا مسروقا موجود في منزله لا يكفي لاعتباره مخفيا له ما لم يثبت أنه كان في حيازته. (1)

ومن صور التطور في القضاء الفرنسي أخيرا اعتباره جريمة إخفاء الأشياء شاملة لصور جد مستحدثة ومثال ذلك: مجرد الانتفاع بالشيء المسروق، استعمال الشيء الناتج عن جريمة، (2) وهكذا حلت فكرة المنفعة محل فكرة الحيازة أو الإخفاء.

وإذ كان ليس هناك ما يمنع من استيعاب جريمة الإخفاء لنشاط تبييض الأموال ذات المصدر غير المشروع ، وهذه الأخيرة قد تأخذ وصفين وصف عام ووصف خاص.

تبييض الأموال كوصف خاص بجريمة الإخفاء :

   إذا كان التكييف العام لجريمة الإخفاء يشمل كل العائدات الناتجة عن جناية أو جنحة فإن هناك بعض الصور نص عليها المشرع وحدد لها عقوبة خاصة بها ومثال ذلك ما تضمنه القانون المصري على عقاب كل من أخفى بأي طريقة كانت شيئا متحصلا من كسب غير مشروع أو محكوم برده متى كان يعلم حقيقة أمره أو لديه ما يحمله على الاعتقاد بذلك، وما هو منصوص عليه في التشريع الجمركي الجزائري والخاص بمصادرة وسائل النقل والبضائع المهربة وغيرها من النصوص.

إلا إن هذه النصوص غير كافية لاستيعاب نشاط غسيل الأموال لاعتبارات موضوعية كانتهاك مبدأ الشرعية واعتبارات إجرائية تحول دون ملاحقة جنائية فعالة خاصة إذا تم عبور الجناة لأكثر من دولة.

2- تبييض الأموال كوصف عام لجريمة الإخفاء

استنادا لنص المواد 387 و388 من قانون العقوبات الجزائري والتي تعاقب كل من أخفى أشياء مختلسة أو متحصلة مـن جناية أو جنحة عمدا بالعقوبة المقررة لجنحة الإخفاء، وتبعا لذلك يعد مرتكبا لجنحة الإخفاء كل من حاز عائد ناتج عن جريمة تكيف على أنها جناية أو جنحة، وإذا كانت الإشكالية لا تثور إذا كان المخفي شخصا طبيعي فيتابع ويدان بالجنحة المنصوص عليها بالمادة 387 ق ع، إلا أنها تثور إذا أودعت الأموال المتحصلة من جناية أو جنحة في بنك من البنوك، فهل يعد البنك مرتبكا لجريمة الإخفاء طبقا لأحكام المادتين السابقين؟ ، وإذا أعتبـر شريكا. (1) فمـا هي اللحظة التي تكون معيارا لتحديد عنصر علـم البنك بالمصدر غـير المشروع للأموال والمتحصلات المودعة لديه؟.

فانطلاقا من عمومية النص الجزائي فإن كل من أخفى أموالا متحصلة من جنايـة أو جنحة يعد مرتبكا لجريمة الإخفاء، و وفقا لذلك يمكن أن يكون البنك مرتبكا لجريمة الإخفاء بقبوله إيداع الأموال أو تحويلها أو استثمارها لديه وهو يعلم بمصدرها الغير مشروع هذا من الناحية النظرية. ووفقا لما أقرته العديد من التشريعات خلافا للمشرع الجزائري الذي لم يورد أي عقوبة أصلية للأشخاص المعنوية في قانون العقوبات إلى غاية صدور القانون رقم   04-15 المؤرخ في 10/11/2004 و المتضمن تعديل قانون العقوبات أين أقر المشرع صراحة و في المادة الرابعة منه على العقوبات المقررة للأشخاص المعنوية باستثناء الدولة و الجماعات المحليـة و الأشخاص المعنويـة الخاضعة للقانون العام، كما أن المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي لا تمنع مـن مساءلة الشخص الطبيعي الممثل له كفاعل أصلي أو كشريك.

والانحياز لتكييف ظاهرة تبييض الأموال كجريمة إخفاء يمكن تبريره من خلال النقاط التالية:

عمومية النص التشريعي الوارد في قانون العقوبات سواء في القانون الجزائري أوفي القانون الفرنسي والمصري، فالمشرع لم يحدد على وجه الدقة الجريمة الأولية التي يمكن إخفاء متحصلاتها وبالتالي يصبح معاقبة كل من أخفى بشرط أن لا يكون المتحصل ناتج عن مخالفة.

إن المشرع استعمل مصطلح الإخفاء، وهذا المصطلح حسب الفقه يأخذ صورا مختلفة فهي الحيازة والاستعمال والانتفاع والوساطة في بيع الشيء أو تداوله، ولا ينحصر فقط في الاحتباس المادي للشيء الناتج عن الجريمة، وبذاك فالدور الذي يقوم به البنك في قبول

إيداع أو تحويل أو استثمار العائدات المتحصلة من جناية أو جنحة يندرج دون أدنى شك ضمن الركن المادي المكون لجريمة الإخفاء.

– ظهور فكرة الحلول العيني(1) الناتجة عن ظهور توجه جديد داخل القضاء بمقتضاه فإنه يوسع من دائرة العقاب ويلاحق حيازة الأموال الغير مشروعة أيا كانت الصورة التي تتحول إليها هذه الأموال.

وفكرة الحلول تؤثر على الركن المعنوي لاسيما إذا كان المخفي شخصيا معنويا فالركن المعنوي يتطلب العلم بمصدر الأموال الغير مشروع، ومسألة العلم تطرح إشكالية تقدير لحظة العلم. هل يشترط العلم لحظة قبول الإيداع أو حتى بعد تحويل تلك الأموال؟ فحسب اتفاقية فينا لسنة 1988 تحدد لحظة العلم  بوقت تسلم هـذه الأموال و قد ساير المشرع الجزائري ذلك في نص المادة 389 مكرر من القانون 04-15 المعدل لقانون العقوبات و بالتالي تنتفي مسؤولة البنك إذا كان علمه لاحقا على وقت تسلم هذه الأموال.

وإذا كان البنك من حيث المبدأ يعد مرتكبا لجريمة الإخفاء، إلا أن بعض الفقه قد أنكروا اعتبار البنك مخفيا للأموال ذات المصدر غير المشروع وحجتهم في ذلك أن قبول المصرف الأموال المودعة في حساب أحد عملائه لا يعني أنه قد أصبح حائزا بالفعل لهذه الأموال، وإنما يبقى حق التصرف في المال مقصورا على صاحب الحساب المصرفي وحده دون غيره، ودور البنك لا يتجـاوز تسجيل العملية المصرفية في الدائن أو المدين فقط، أنكروا بذلك على البنك المتابعة على أساس جنحة الإخفاء. وكأي تكييف لظاهرة جديدة فإن وصف تبييض الأموال كجريمة إخفاء وصف يشوبـه القصور سواءا على مستوى الركن المادي أو على مستوى محل جريمـة الإخفـاء أو على مستوى الجريمة الأولية التي تقوم عليها جريمة تبييض الأموال .

على مستوى الركن المادي :

تتطلب جريمة الإخفاء القيام بفعل إيجابي(2) يتمثل في الحيازة للشيء الذي مصدره غير مشروع ولا يعاقب القانون على مجرد الامتناع كقاعدة عامة مما يجعل طائفة كبيرة من الفاعلين تفلت من العقاب كما أن متابعة البنك بجريمة الإخفاء تكييف مردود عليه انطلاقا من أن البنك يربطه عقد وديعة مع العميل وإذا لم يسجل البنك العمليات في الحساب البنكي يعد مرتبكا لجريمة خيانة الأمانة(3) كما أنه لا يوجد أي نص يعاقب على الامتناع، فإن امتناع

البنك على فحص مصدر الأموال أو التثبت في حقيقة الأموال لا يرقى إلى أن يكون السلوك الإيجابي الذي تتطلبه جريمة الإخفاء.

ب- قصور وصف الإخفاء على مستوى محل جريمة الإخفاء :

 في ظل التطور القضائي والفقهي لمحل جريمة الإخفاء والتي أصبحت تتجاوز الأشياء المادية إلى تلك الأشياء المعنوية التي يرد عليها سلوك الحيازة وتتبع الشيء المتحصل من الجريمة الأولية، ظهرت فكرة الحلول العيني، هذه الفكرة تتعارض مع مبدأ قار في عمل البنوك مؤداه عدم قابلية الحساب الجاري للتجزئة(1) وبالتالي تختلط داخل نفس الحساب الأموال ذات المصدر المشروع مـع تلك ذات المصدر غـير المشروع، مما يصعب من الناحية العملية التمييز بينهما.

وما يجدر التنبيه إليه أن المشرع الجزائري أقر صراحة أنه في حالة دمج العائدات الإجرامية مع الممتلكات المكتسبة بطريقة قانونية فإن عقوبة المصادرة لا يمكن أن تكون إلا بمقدار هذه العائدات ( أنظر المادة 389 مكرر 4 فقرة 3 ) وبذلك يكون قد رتب أثر قانوني على جزء من رصيد مالي دون باقي المال.

ج- قصور الوصف على المستوى الجريمة الأولية :

أغلب التشريعات ومنها التشريع الجزائري لا تحدد على وجه الدقة نوع الجريمة السابقة على سلوك الإخفاء وإنما تكتفي بوصفها بالجناية أو الجنحة، وعمومية هذا النص يشكل اعتداء على مبدأ الشرعية الذي بمقتضاه تحدد كافة الأركـان والعناصـر اللازمة لقيام الجريمة.كما أن جريمة الإخفاء تتطلب سلـوك إيجابي عمدي ولا تقوم على مجرد الإهمـال والتقاعس وذلك ما أجمعت عليه جل التشريعات العقابية.

وإعتبارا لأوجه القصور المذكورة أعلاه يظهران تكييف جريمة إخفـاء الأشياء المسروقة ليس هو الأكثر ملائمة لاستقطاب نشاط تبييض الأموال لذا بات من الضرورة وأعمالا لمبدأ الشرعية الذي بمقتضاه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ، سـن تشريع عقابي خاص لملاحقة ومعاقبة مثل هـذه الأصناف مـن الجرائم الاقتصاديـة والمصرفية وهو ما نتناوله في الأتي :

الفرع الثاني: إيجاد وصف جزائي خاص بملاحقة نشاط تبييض الأموال

رغم أن التكييفات التقليدية تستوعب إلى حد كبير نشاط تبييض الأموال إلا أنه من الناحية العملية ظهرت العديد من أوجه القصور لاسيما عدم المساس مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات

وضرورة التفسير الضيق للنص الجزائي، وجب إعادة النظر في تحديد وصف خاص يشمل نشاط تبييض الأموال وذلك من خلال تدخل المشرع بسـن نص تشريعي يعاقب على هذا الفعل محددا أركانه وشروط تطبيقه بدقـة حتى يكـون محلا لتوقيع الجزاء المقرر قانونا.

وتدخل المشرع بنص خاص يجرم الفعل له العديد من المزايا فهو أولا يحسم كل خلاف قد ينشأ بمناسبة تفسير النصوص التقليدية لا سيما وأن ظاهرة تبييض الأمـوال ظاهرة مستحدثة ، وهي اقتصادية مصرفية(1) في مضمونها لذا وجب إلمام المشرع من خلال النص بكل جوانبها الفنية والتقنية.

وتحقيقا لذلك شهدت أواخر الثمانينات اهتماما ملحوظا لدى معظم المشرعين في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية لمكافحة هذه الظاهرة، وتجلى ذلك جليا من خلال القانون الفرنسي وكذا الاتفاقية  فيينا  للأمم المتحدة لسـنة 1988 وقـد سايرت معظم التشريعات الالتزامات الدولية الواقعة على عاتقهـا بمناسبة التوقيـع على هـذه الاتفاقية ، بسن نصوص تجرم الظاهرة وتضع حـدا لتوسعهـا.

وفي الجزائر صدر قانون تبييض الأموال بتاريخ 10/11/2004 بموجب القانون رقم 04-15 المعدل والمتمم للأمر 66 / 156 المتعلق بقانون العقوبات وقـد كان هـذا القانون ثمرة مزج بين الأحكام الواردة في الاتفاقية وبين ما توصل إليه الاجتهاد الفرنسي. فبالرجوع إلى القانون الفرنسي فإنه ساير تطور مظاهر هذه الظاهرة و اهتم في بداية الأمر بنشاط الاتجار في المواد المخدرة منطلقا مـن النصوص التي سبق و أن أعدها و يتعلق الأمر بالقانون 24/12/1953 و 31/12/1970 المتعلقين بمكافحة إنتاج المخدرات و الإدمان عليها و الاتجار فيها، و قد شدد القانون الصادر بتاريخ 88 من الجزاءات المقررة لهذه الجرائم، كما قيد مبدأ سرية المعاملات المصرفية رغم ما يفرضه هذا المبدأ على المؤسسات المصرفية من قيود، و ألزمهم بواجب الإخطار(2) عن الأموال و العمليات التي تبدو متحصلة من إحدى جرائم المخدرات للجنة التابعة لوزارة المالية و تحققت بذلك رقابة المؤسسة المصرفية على حركة الأموال المودعة ذات المصدر المشبوه، كـما عدد المشرع الفرنسي الأشخاص و الجهات الخاضعة لأحكام القانون  ثم تلى هذه النصوص بالقانون الصادر بتاريخ 13 /05/1996 و الذي تضمن مكافحة غسيل الأموال و التعاون الدولي في مجال ضبط و مصادرة عائدات الجرائم في بابه الأول و تناول في بابه الثاني النصوص الهادفة إلى تعزيز مكافحة الاتجار في المـواد المخـدرة، و عرف لأول مرة جريمة تبييض الأموال على أنها تسهيل التبرير الكاذب بأي طريقة كانت لمصدر أموال أو دخول، فاعـل جنائية أو جنحة تحصل منها على فائدة مباشرة أو غير مباشرة .

و يعتبر كذلك فعل من أفعال جريمة تبييض الأموال تقديم المساعدة في عمليات الإيداع أو الإخفاء أو تحويل العائد المباشر أو الغير مباشر لجناية أو جنحة  و قد رصد المشرع لهذه الجرائم في صورها البسيطة عقوبة السجن. (1)

و عاقب على مجرد الشروع في الجريمـة، كما قرر مسؤولية الشخص المعنوي على جرائم غسيل الأموال و عدد الجزاءات التي يجوز الحكم بها في مواجهته،(2) مع إمكان مسائلة المشرفين عليه جزائيا باعتباره مساعدا أو فاعلا أصليا للجريمة حسب الأحوال و الظروف.

تجريم الظاهرة وفقا لاتفاقية فينا لسنة 1988 :

في إطار مكافحة المخدرات و المؤثرات العقلية، توجت المجهودات التي قامت بها الأمم المتحدة باتفاقية فيينا 88 و التـي تضمن تجريم كافة الصور و النشاطات المرتبطة بالمواد المخدرة و المؤثرات العقلية و قد توسعت الاتفاقية في تجريم تبييض الأموال و لهذا توسع مظهران :

1- المظهر الأول: تجريم تحريض الغير و تحرضهم علانية بأي وسـيلة كـانت على ارتكاب جريمة تبييض الأموال كجريمة مستقلة.

2- المظهر الثاني : تجريم الاشتراك في ارتكاب جريمة تبييض الأمـوال أو التواطؤ

على ذلك أو المساعدة أو تسهيل أو إبداء المشورة بصدد ارتكابها.

و قد ألزمت الاتفاقية الدول على اتخاذ الإجراءات العقابية اللازمة لمكافحة الظاهـرة  وأعطت لركنها المادي مفهوما أوسعا لا سيما لاستعمالها لمصطلحي “متحصلات الجرائم”(3) و الأموال محل الغسيل”(4) و أولت لعقوبة المصادرة أهمية بالغة باعتبارها أنجع وسيلة و أمثلها لمكافحة نشاط غسيل الأموال، و عززت من تنازع الاختصاص القضائي بين الدول في مكافحة الجرائم المنظمة و يتضح ذلك جليا من خلال الجوانب الإجرائية لملاحقة نشاط غسيل الأموال، و قد أولت أهمية بالغة لمسألة التعاون القضائي بين الدول بهدف ملاحقة الجريمة عبر الحدود، فضلا على أنها طوعت كثيرا مبدأ السرية المصرفية للحسابات و كذا أقرت مبدأ إحالة الدعاوى بيـن مختلف الدول في إطار المساعدة القضائية و كذا تسليم مرتكبي الجرائم .

ففي مجال فض تنازع الاختصاص أقـرت الاتفاقية تكاملا في معايير الاختصاص و أقرت مبدأ العالمية إذا خولت انعقاد الاختصاص للدولة التي يقع في إقليمها موطن أو محل إقامة مرتكب الجريمة(1) دون الإخلال بالمتابعة التي تجريها الدولة التي وقعت فيها الجريمة و ذلك لتفادي الإفلات من العقاب للفاعل و هذا مـن باب الموازنة بين السيادات التشريعية و القضائية للدول.

أما في مجال تسليم المجرمين و المساعدة القانونية فقد أدرجت الاتفاقـية في مادتها السادسة على أن كل جريمة من الجرائم المنصوص عليها يجـوز فيهـا تسليم المجرمين فيما بين الدول و تعتبر الاتفاقية نفسها المرجع القانوني في ذلك.

و في حالة عدم التسليم تلزم الدول الممتنعة عن التسليم بتنفيذ العقوبة المسلطة على الفاعل أو الفاعلين من طرف الدولة طالبة التسليم. و يكون التنفيذ بالشروط التالية:

1- أن يتم ذلك بناءا على طلب الدولة التي تطلب التسليم.

2- أن يسمح بذلك قانون الدولة المطلوب منها التسليم .

3- أن يتعلق الأمر بتنفيذ عقوبة محكوم بها بموجب قانون الدولة الطالبة التسلـيم.

 و في مجال المساعدة القانونية حرصت الاتفاقية في مادتها السابعة على حث كافة الدول الأطراف أن تقدم لبعضها البعض أكبر قـدر مـن المساعدة مـن تحقيقات  وملاحقات و إجراءات و تشمل عموما المساعدة القضائية ما يلي:

اخذ شهادات الأشخاص و إقراراتهم.

تبليغ الأوراق القضائية.

إجراءات التفتيش و الضبط، فحص الأشياء، الإمداد بالمعلومات و الأدلة.

توفير النسخ الأصلية للسجلات المالية و المصرفية وسجلات الشركات.

و أهم عنصر أوردته الاتفاقية في مجال التعاون القضائي هو إمكانية إحالـة الدعاوى للملاحقة الجنائية من دولة إلى أخرى بشأنه الجرائم المنصوص عليها مثلما هو وارد في المادة الثامنة منها للكشف عن عائدات هذه الجرائم.

تجريم الظاهرة وفقا للتشريع الجزائري:

مواكبة للتشريعات المقارنة التي تجرم ظاهرة تبييض الأموال، واحتراما للالتزام الوارد في اتفاقية فينا والتي صادقت عليها الجزائر، أصدر المشرع الجزائري القانون رقم 04/15 المؤرخ في 10/11/2004 المعدل والمتمم للأمر 66/156 المتضمن قانون العقوبات ونص في مواده من 389 مكرر وما يليها على الأحكام المقررة لجريمة تبييض الأموال.

وقد تأثر كثيرا في هذا النص بما ورد في المادة الثالثة مـن اتفاقية فينا لسنة 1988 في تحديد الركن المادي والمعنوي للجريمـة، بحيث جرم كل فعـل يراد به تحويل الممتلكات أو نقلها، إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع سواءا للممتلكات أو لطبيعتها الحقيقية أو لمصدرها أو مكانها وكذا حيازتها أو إكتسابها فضلا على مجرد إستخدامها بشرط علم قائم بذلك وقت تلقيها بأنها عائدات إجرامية.

وقد تجاوز المشرع الجزائري ما توصل إليه القضاء الفرنسي من أحكام سواءا بتوسيعه لمفهوم الحيازة ليشمل مجرد الإستخدام بشرط علم المستخدم بأنها عائدات إجراميـة أو بتوسيعه لمفهوم الجريمة الأولية ليشمل كل العائدات الناتجة عن جريمة بما في ذلك المخالفات.

كما جرم المساعدة اللاحقة عن الجريمة الأولية باعتبار القائم بها فاعلا أصليا لجريمة تبييض الأموال مثلما هو واضح من الفقرة الأولى من المادة 389 مكرر، فضلا عن تجريمه للأعمال التحضيرية لإرتكاب جريمة تبييض الأموال وذلك باستعمال المشرع لعبارة (إسداء المشورة بشأنه)، كما جرم التحريض وكذا الشروع في الجريمة.

وقد أولى أهمية بالغة بعقوبة المصادرة التي تشمل الممتلكات والعائدات التي تم تبييضها والمعدات والوسائل التي استعملت في ارتكاب الجريمة.

و كخلاصة عامة فإن التصدي لجريمة تبييض الأموال بنـص خاص ضرورة أملتـها التطورات العلمية و التكنولوجية. لذلك فإن أغلب الدول قد دأبت على سن تشريعات تجرم الظاهرة و توفي بالتزامها الدولي المحدد في اتفاقية فيينا و تضع بذلك حدا فاصلا بين جريمة تبييض الأموال و غيرها من الجرائم المشابهة لها لا سيما جريمة تحويل المال العام و كذا جريمة الرشوة و هو ما نتناوله في المطلب الثاني .

المطلب الثاني: تمييز جريمة تبييض الأموال عن بعض الجرائم المشابهة لها:

هناك بعض الجرائم التي تتداخل مع جريمة تبييض الأموال سـواء مـن حيث الطبيعة أو من حيث الأركان أو من حيث الغاية و سنتعرض من خلال هذا المطلب إلى التمييز و ذلك

باستعراض التعاريف و الأركان لنخلص على أوجه الاختلاف و الشبـه مقتصرين في ذلك على بعض الجرائم نذكرها ضمن الفروع الآتية :

الفرع الأول: جريمة تبييض الأموال و جريمة الرشوة:

لم يعرف المشرع الجزائري جريمة الرشوة لكنه اكتفى بالنص علي صورها مبينا صفة الجاني و الأفعال التي تتم بها الجريمة و من التعاريف الفقهية للرشوة بوجه عام بأنها ” الاتجار بأعمال الوظيفة أو الخدمة أو استغلالها بأن يطلب الجاني أو يقبل أو يحصل على عطية أو وعد بها أو أية منفعة أخرى لأداء عمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه”. (1)

كما تعرف على أنها “اتفاق بين شخصين يعرض أحدهم على الآخر عطية أو وعد بعطية أو فائدة فيقبل بها لأداء عمل أو الامتناع عن عمل يدخل في أعمال وظيفته أو مأموريته.(2) أما عن جريمة تبييض الأموال فقد عرفها المشرع الفرنسي بموجب المادة 324/1 من قانون العقوبات الفرنسي الجديد على أن:

“تبييض الأموال هو تسهيل التبرير الكاذب بأي طريقة كانت لمصدر أموال أو دخول فاعل جناية أو جنحة تحصل عنها فائدة مباشرة أو غير مباشرة.

و يعتبر أيضا من قبيل التبييض مجرد القيام بمساعدة في عمليات إيداع أو إخفاء أو تحويل العائد المباشر أو غير المباشر لجناية أو جنحة “.

 كما نص  قانون العقوبات الجزائري المعدل بالقانون رقم 04 /15 على هـذه الجريمة و ساير إلى حد بعيد نص المادة الثالثة من معاهدة فيينا المتعلقة بمكافحة الاتجار الغير مشروع في المخذرات و المؤثرات العقلية التي سبق عرضها بحيث اعتمد في تعريفه للجريمة على ذكر صورها و ذلك حسب ما جاء في نص المادة 389 مكرر من قانون العقوبات التي نصت على ما يلي:

” يعتبر تبييضا للأموال :

تحويل الممتلكات أو نقلها مع علم الفاعل بأنها عائدات إجرامية بغرض إخفـاء أو تمويه المصدر الغير مشروع لتلك الممتلكات أو مساعدة أي شخص متورط في ارتكاب الجريمة الأصلية التي تأتت منها هذه الممتلكات، على الإفلات من الآثار القانونية لفعلته.

ب-إخفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية للممتلكات أو مصدرها أو مكانها أو كيفيـة التصرف فيها أو حركتها أو الحقوق المتعلقة بها، مع العلم بأنها عائدات إجرامية.

ج- اكتساب الممتلكات أو حيازتها أو استخدامها مع علم الشخص القائم بذلك وقت تلقيها، بأنها عائدات إجرامية.

د- المشاركة في ارتكاب أي من الجرائم المقررة وفقا لهذه المـادة، أو التواطؤ أو التآمر على ارتكابها و محاولة ارتكابها و المساعدة و التحريض على ذلك و تسهيله و إسداء المشورة بشأنه”. (1)

أوجه الاختلاف بين الجريمتين :

على عكس جريمة تبييض الأموال التي هي جريمة تبعية تفترض وجود جريمة سابقة لها تسمى بالجريمة الأصلية فإن جريمة الرشوة لا تفترض وجود جريمة سابقة و إنما تشمل هذه الجريمة جريمتين متميزتين الأولى سلبية من جانب الموظف العام و من في حكمه، و قد اصطلح على تسميتها ” الرشوة السلبية” و الثانية إيجابية من جانب صاحب المصلحة، و قد اصطلح على تسميتها ” الرشوة الإيجابية ” و الجريمتان مستقلتان عن بعضهما في التجريم و العقاب .

جريمة الرشوة هي اتجار الموظف بأعمال وظيفته و بالتالي فصفة الجاني هي عنصر مفترض في أركانها، إذ يشترط المشرع صفة خاصة في المرتشي و هي أن يكون إما موظفا عموميا أو من في حكمه أو خبيرا أو محكما أو طبيبا أو من شابهه و إما عاملا أو مستخدما و هذا حسب نص المادتين 126 و127 من ( ق.ع ) ، في حين أن جريمة تبييض الأموال يمكن أن تقترف من أي شخص طبيعي أو معنوي فالمشرع لا يشتـرط صفة خاصة في الجاني .

جريمة الرشوة هي اتجار الموظف بأعمال وظيفته و يكون الغرض إما أداء المرتشي عمل إيجابي أو الامتناع عنه تتحقق به مصلحة صاحب الحاجة، بينما غرض جريمـة تبييض الأموال هو تسهيل التبرير الكاذب بأي طريقة كانت لمصدر أموال أو مداخيل فاعل جناية أو جنحة تحصل منها فائدة مباشرة أو غير مباشرة أو المساعدة على تحويل العائدات المباشرة أو غير المباشرة لجناية أو جنحة .

جريمة الرشوة جريمة وقتية أي محكومة بوقت وقوعها فتقوم بمجرد ارتكابها في حين أن جريمة تبييض الأموال فهي جريمة مستمرة مثلها مثل جريمة التزوير .

– من حيث العقوبة:

في جريمة الرشوة تختلف العقوبة و الوصف بحسب صفة المرتشي، بحيث قد تكون جنحة عقوبتها الحبس من سنة إلى 5 سنوات أو جنحة مشددة عقوبتها من سنتين (02 ) إلى 10 سنوات أو جناية تتراوح عقوبتها بين 5 إلى 20 سنة. (1)

أما عقوبة جريمة تبييض الأموال وفقا للتشريع الجزائري فقد جاء قانون العقوبات المجرم لنشاط تبييض الأموال مسايرا للنص الفرنسي من حيث العقاب حيث قرر عقوبة الحبس من 05 إلى 10 سنوات فـي الصورة البسيطة، و شددها لتصل من 10 إلى 15 سنة في الحالة التي ترتكب على سبيل الاعتياد أو باستعمال التسهيلات التي يمنحها نشاط مهني أو في إطار جماعـة إجرامية. (2)

أوجه التشابه بين الجريمتين :

كلا الجريمتين قصديتين يقتضي قيامهما توافر القـد الجنائي الذي يتكون من عنصري العلم و الإرادة.

لكلا الجريمتين عواقب وخيمة تهدد أساس استقرار المجتمع و الدولة و هو ما دفع المشرع الداخلي إلى التصدي لها، بالإضافة إلى ما تلقاه كلا الجريمتين من اهتمام عالمي على صعيد المؤتمرات الدولية و التوصيات و الاتفاقيات الصادرة عنها.

الفرع ثاني:  جريمة تبييض الأموال و جريمة تحويل المال العام:

يقصد بجريمة تحويل المال العام الفعل المنصوص و المعاقب عليه في المادة 119(ق.ع) و تتمثل في اختلاس أو تبديد أو حجز بدون وجه حق أو سرقة أموال عامة أو خاصة أو أوراق سلمت للجاني بمقتضى وظيفته أو بسببها.

و يأخذ السلوك المجرم الذي هو أحد عناصر الركن المادي لهـذه الجريمة أربعـة  صور هي:(3)

الاختلاس: و هو تحويل الأمين حيازة المال المؤتمن عليه من حيازة وقتية على سبيل الأمانة إلى حيازة نهائية على سبيل التمليك.

التبديد: هو تصرف لاحق على الاختلاس و فيه يقوم المختلس بإخراج المال المؤتمن عليه من حيازته بالتصرف فيه إما بالبيع أو الرهن أو الهبة، فهو التصرف في المال على نحو كلي أو جزئي بإنفاقه أو إفنائه.

الاحتجاز بدون وجه حق: هو التصرف الذي من شأنه أن يعطل المصلحة التي أعد المال لخدمتها، وقد يكون الاحتجاز تصرفا سابقا على الاختلاس.

السرقة: و يقصد بها الاستيلاء على مال الغير بنية تملكه.

فيمكن القول أن المشرع الجزائري عرف هذه الجريمة من خلال النص على صورها في حين أنه سبق لنا التعرض لتعريف جريمة التبييض عند تمييزنا لها عن جريمة الرشوة.

أوجه الاختلاف بين الجريمتين :

جريمة تبييض الأموال يمكن أن تقترف من أي شخص طبيعي كان أو معنوي فالمشرع لا يشترط صفة خاصة في الجاني، في حين أن جريمة تحويل المال العام تقوم على ركن مفترض يتمثل في صفة الجاني الذي يجب أن يكون قاضيا أو موظفا أو ضابطا عموميا أو في حكم الموظف، بمعنى من يتولى وظيفة أو وكالة في خدمة الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات أو الهيئات الخاضعة للقانون العام .

جريمة تبييض الأموال تعد جريمة تبعية لكونها تفترض وجود جريمة سابقة تسمى بالجريمة الأصلية، في حين أن جريمة تحويل المال العام لا تشترط وجود جريـمة سابقة فيما عدا صورة التبديد الذي هو تصرف لاحق على الاختلاس، غير أنه رغم ذلك يبقى وصف الاستقلالية هو الغالب على هذه الجريمة في صورة التبديد لأن تلاحقها مع الاختلاس ما هو إلا تداخل مكون لمختلف مراحل الجريمة.

في جريمة تبييض الأموال المحل الذي يـرد عليه السلوك المجرم هو أموال أو عائدات أية جريمة أخرى، بمعنى كونه غير مشروع ابتداء، في حين أن محل جريمة تحويل المال العام حسب ما جاء به نص المادة 119 (ق.ع ) عـام و واسع، بحيث يشكل كل مال سلم إلى الأمين بسبب وظيفته أو بمقتضاها سواء كان للمال قيمة ماليـة واقتصادية، أو كانت قيمته اعتبارية فقط بل وقد يكون شيئا يقوم مقامه أو وثيقة أو سند أو عـقد أو مال منقول بمعنى أن المال محل الجريمة مشروع .

جريمة تبييض الأموال غرضها هـو تسهيل التبرير الكاذب بأي طريقة كانت لمصدر أموال أو مداخيل غير شرعية فيكفي فقط أن يتحقق هذا الغرض عند تسـلم المال أو

تواجده بيد الفاعل ، في حين أن غرض تحويل المال العام هو الإستيلاء على أموال عامة أو خاصة سلمت للجاني بشرط أن يكون تسلم المال أو تواجده بمقتضى الوظيفة أو بسببها فلا يكفي معرفة صفة الجاني لتطبيق المادة 119 ( ق ع ) بـل يجب أن يكون المـال محل الجريمة موضوع تحت يـد الموظف بمقتضى وظيفتـه أو بسببها(1).

بالنسبة لجريمة تحويل المال العام فقد تدرج المشرع في تحديد العقوبة والوصف الجزائي حسب قيمة المال محل الجريمة بحيث تكون الجريمة جنحة أو جناية و تبعا لذلك تكـون العقوبات جنحية إذا كانت قيمة المال محل الجريمة أقل من خمسة ملاين (5.000.000) دج وتكون جناية إذا ما عادلت هذا المبلغ أو تجاوزته، في حين أنه وكما سبق لنا عرضه فإن تعديل قانون العقوبات الجزائري الرامي إلى تجريم نشاط تبييض الأموال قد رصد لهذا الفعل عقوبات جنحية فقط وهذا وفقـا للصـورة البسيطة والمشددة.

لا يتصور الشروع في جريمة تحويل المال العام، فأما أن تقع كاملة وإما أن لا تقع، في حين أن الشروع وارد في جريمة تبييض الأموال، و هو ما نصت عليه المادة 389 مكرر3 من قانون العقوبات المعدل بالقانون 04 / 15.

أوجه التشابه :

كلا الجريمتين قصديتين يقتضي قيامها توافر القصد الجنائي الذي يتكون من عنصري العلم والإرادة.

لكلا الجريمتين طابع اقتصادي بحيث يضران بالمصلحة الاقتصادية للدولة.

المبحث الثاني: أركان جريمة تبييض الأموال

من المتفق عليه فقها أن لكل جريمة وجهان مادي يتمثل في السلوك الإجرامي الصادر عن الفاعل وهو ما يعبر عنه بالركن المادي للجريمة ونفسي يتمثل فيـا يدور في ذهن الفاعل وما تتجه إليه إرادته وهو ما يعرف بالركن المعنوي للجريمة .

ويضيف أغلب الفقهاء ركن ثالث وهو الركن الشرعي وهو ما يخرج السلوك الإجرامي من دائرة الأفعال المباحة ويجعله فعلا مجرما و معاقبا عليه بصفة مجردة وبنص خاص  وإذا كان هناك خلاف فقهي حـول هذا الركن فإن الراجح هـو قيـام الجريمة على ثلاثة أركان حسب التقسيم التقليدي السالف الذكر وهو ما سنعتمده لدراسة أركان جريمة تبييض

الأموال لذلك سنتناول هذا المبحث الركن الشرعي(1) للجريمة في المطلب الأول، و الركن المادي لها في المطلب الثاني، و الركن المعنوي في المطلب الثالث.

المطلب الأول: الركن الشرعي لجريمة تبييض الأموال

الركن الشرعي هو النص الجنائي الخاص(2) الذي يلبس الصفة غير المشروعة على السلوك المادي للجريمة فيخرجه من ضمن الأفعال المباحة التي تعتبر القاعدة العامة للسلوك البشري، ويدخله ضمن الأفعال المجرمة والمعاقب عليها، لذلك لا يتصور وجود جريمة بدون وجود نص خاص يجرم ويعاقب عليها وهو ما يعرف بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات المنصوص عليه بالمادة الأولى من قانون العقوبات، ولعل هذا ما جعل البعض من الفقهاء ينفون وجود الركن الشرعي للجريمة ويكتفون بركنيها المادي والمعنوي لكون الركن الشرعي(3) حسبهم هو الذي يخلق الجريمة فلا يتصور أن يكون بعد ذلك ركنا فيها ودون الدخول في الجدل حول هذا الموضوع فإن الركن الشرعي للجريمة حسب المشرع الجزائري قد جـاء حين استفحلت ظاهرة تبييض الأموال في العقدين الأخيرين من القرن العشرين و تماشيا مع مستجدات العصر فقد بادرت للمصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار بالمخدرات و المؤثرات العقلية الموافق عليها بفيينا بتاريخ 20/12/1988 و التي دخلت حيز التنفيذ في 11 نوفمبر1990، و ذلك بموجب المرسوم رقم 95/41 المؤرخ في 28 يناير 1995 المتضمن المصادقـة بتحفظ على الاتفاقية السالفة الذكر.

و رغم المصادقة المبكرة على هذه الاتفاقية إلا أن المشرع الوطني الجزائري لم يأخذ أي موقف إيجابي بشأن المادة الثالثة من اتفاقية فيينا و التي تلزم الدول الأطراف باتخاذ تدابير تشريعية لتجريم أعمال تبييض عائدات الاتجار بالمخدرات كما سبـق شرحه في السابق إلى غاية 10/11/2004 تاريخ صدور القانون 04/15 المعدل و المتمم للأمر 66/156 المتضمن قانون العقوبات و الذي استحدث قسما خاصا لتجريم تبييض الأموال و ذلك في المواد من 389 مكرر إلى 389 مكرر 7، حيث قام بتجريم الفعل ليس فقط فيما يخص تبييض الأموال العائدة من الاتجار بالمخدرات بل و تجريم كل تبييض الأموال غـير مشروعة المصدر كما فعلت باقي التشريعات الأجنبية و ذلك بواسطة التعديل المذكور أعلاه و الذي جرم كل عملية تبييض للعائدات الإجرامية سواء أكان الفعل تاما أو مجرد الشروع كما جرم الاشتراك و المساعدة في الفعل الأصلي و باختصار كل من يدخل ضمن دائرة

تبييض المال غير المشروع مع علمه بذلك، و قد استعمل المشرع الجزائري في المادة 389 مكرر من قانون العقوبات مصطلح العائدات الإجرامية بدل من الأموال غير المشروعة المستعملة في الفقه و التشريع المقارن.

و عموما فقد غطى القانون 04/15 المذكور سابقا هذا الفراغ و أصبحت هذه الأفعال تشكل جريمة حسب قانون العقوبات الجزائري في قسمه السادس مكرر من الفصل الثالث من الباب الثاني للكتاب الثالث و الذي تضمن ثمان مواد

المادة 389 مكرر، المادة 389 مكرر 1 …إلى المادة 389مكر7

المطلب الثاني: الركن المادي لجريمة تبييض الأموال

تتفق معظم تشريعات العالم حول عدم المعاقبة على مجرد النية الإجرامية إذ يجب أن تتجسد هذه النية مهما كانت خطورتها ودرجة عقد العزم على ارتكابها في سلوك مادي يمثل جسم الجريمة وهو ما يعبر عنه بالركن المادي للجريمة.

ونقصد بالسلوك نشاط الإنسان في محيطه الخارجي لذلك غالبا ما يفهم بالمعنى الإيجابي أين يتدخل الشخص بعمل مادي يكون معاقبا عليه بنص خاص وبذلك يكون العقاب على السلوكات الإيجابية للإنسان كمبدأ عام و لا يتم تجريم السلوك السلبي إلا في حالات استثنائية

وهي ما تعرف بجرائم الامتناع(1) وعموما فـإن جريمة تبييض الأموال تتطلب سلوكا إيجابيا من الجاني ولا يمكن تصورها في حالة امتناع إلا إذا تعلق الأمر بعدم التبليغ عن الجريمة.

الفرع الأول: عناصر الركن المادي للجريمة

تبييض الأموال هي جريمة كما يدل عليها اسمها تهدف إلى إضفاء طابع الشرعية على أموال مـن مصدر إجرامي وهي بذلك تقوم على جريمة أولية هي الجريمة مصدر الأموال المراد تبييضها مثل جريمة المتاجرة بالمخدرات أو الرقيق البيض أو الأسلحة…الخ كما سبق بيانه لذلك يمكن القول أن الركن المادي لجريمة تبييض الأمـوال يتكون من عنصرين هما:

1- أموال مـن مصدر إجرامي (غير مشروعة ): وهو ما يعرف أيضا بالركن المفترض للجريمة حيث تستلزم الجريمة وجود أمـوال غير نظيفـة أصلا، غالبا ما تكون من عائدات بعض الجرائم المنظمة مثل: الرشوة والاختلاس والاتجار بالمخدرات أو الأسلحة…

2- الشروع أو إتمام عملية التبييض: ويقصد بها القيام بالسلوك المادي الذي بمقتضاه تكتسي العائدات الإجرامية صفة أو مصـدر وهمي مشروع يبيح لحائزها التصرف فيها بكل حرية لاحقا.

الفرع ثاني: صور الركن المادي للجريمة

لقد حددت المادة 389 مكرر و ما يليها صور السلوك الإجرامي المكون للركن المادي للجريمة و هي لا تخرج عموما عن أربع حالات و هي:

1) حيازة الأموال المتحصلة من عائدات الإجرام أو اكتسابها أو استخدامها(1)

2/ تحويل الأموال و يتمثل التحويل في النقل المادي لعائدات إحدى الجرائم المنوه عنها سابقا و ذلك بقصد إخفاء مصدرها غير المشروع و إضفاء صفة المشروعية عنها و ذلك بإبعادها عن مكان ارتكاب الجريمة مصدر الأموال أو لمساعدة مرتكبي هذه الجرائم من الإفلات مـن المتابعة و العقاب سواء أكـان شخص طبيعي أو معنـوي.

3/ إخفاء أو تمويه مصدر الأموال العائدة من الجريمة باستعمال كل المناورات الاحتيالية  لإخفاء أو تمويه مصدر الأموال غير المشروعة فيجعل من الصعوبة مما كان أن نميز بين رأس المال المشروع و غير المشروع لذلك أطلق بعض الفقه على هذه العمليات اسم مرحلة التعتيم في عملية تبييض الأموال حيث لا يمكن بعدها التمييز بين ما هو مال مشروع و ما ليس كذلك.

4/ المساهمة فـي الجريمة أو تقديم المشورة أو التحريض عليـها وتكون بالمساعدة في أنشطة تبييض الأموال أو بالمؤامرة و التواطؤ.

المطلب الثالث: الركن المعنوي لجريمة تبييض الأموال

كما هو معلوم لا يكفي لقيام جريمة ما ارتكاب عمل مادي يعاقب عليه قانون جزائي بل لابد أن يصدر هذا العمل المادي عن إرادة الجاني، هذه العلاقة تشكل ما يسمى بالركن المعنوي.

و للركن المعنوي أهمية كبيرة تتمثل في اشتراط العلم المصدر غير المشروع للعائدات و المتحصلات التي يتم تحويلها أو إخفاءها أو تمويلها أو حيازتها.

و بهذا المنظور فإن جريمة تبييض الأموال هي جريمة عمدية تقوم على إرادة السلوك و العلم بكافة العناصر المكونة له، و لا يتوفر بنيانها القانوني دون انصراف إرادة الشخص إلى ارتكابها،(1) و هذا وفقا لما هو مقرر في القواعد العامة بالنسبة للركن المعنوي.

و بالرغم من أن جريمة تبييض الأموال من الجرائم المستمرة التي يترتب عليها تحقق الركن المعنوي و قيام الجريمة قانونا متى علم الشخص المصدر غير المشروع للأموال حتى و لو كان حسن النية لحظة اكتسابها أو استخدامها.

 وبالرجوع إلى المواد 389 مكرر7 من قانون العقوبات نجد أن المشرع الجزائري قد سلك(2) نفس النهج الذي سلكته اتفاقية فينا، والقانون الفرنسي وهو المعاقبة على نشاط تبييض الأموال أو الاشتراك فيه بوصفه جريمة عمدية ومنه لا يمكن تصور قيام هذه الجريمة قانونا إلا بإرادة النشاط المكون لركنها المادي من ناحية والعلم بالعناصر الواقعية التي تضفي على الجريمة خصوصيتها القانونية ومن جهة أخرى يتبلور ذلك في ضرورة العلم بالمصدر الإجرامي للأموال محل الجريمة دون التفصيل في هذا المصدر سواءا أكان جناية أو جنحة أو حتى مخالفة.

وفي الأخير نخلص إلى انه لا بد من توافر الركنين المادي والمعنوي في هذه الصورة الجرمية، وبالتالي تكون العبرة في توافر عنصر العلم أو انتفائه هي لحظة بدء النشاط  إذ بتوافره في هذا الوقت بالذات تكتمل بنية الجريمة، وبتخلفه تنتفي الجريمة حتى ولو وقع هذا العلم فيما بعد غير أن هذا لا يمنع من المتابعة و العقاب إذا لم تبادر من علم بالمصدر الغير مشروع للأموال بعد بدأ النشاط بالتبليغ عن الجريمة لدى السلطات المختصة و هو الموقف الذي تبناه تعديل قانون العقوبات الجزائري السالف الذكر.

الفصل الثاني : مخاطر جريمة تبييض الأموال و سبل مكافحتها

 رغم الاهتمام البالغ الذي توليه الأسرة الدولية لخطورة تفاقم مشكلة تبييض الأموال بغية الحد منها بشتى الوسائل العلمية و العملية و القانونية، إلا أنها ما تزال في تفاقم مستمر، لأنه كلما تم التضييق على هذه العصابات لجأت إلى أماكن أخرى وميكانيزمات أخرى كملاذ آمن من التضييق المضروب عليها.

و يتزايد النفوذ السياسي و الاقتصادي و الإعلامي لعصابات المخذرات و الرشوة و الفساد السياسي و عصابات الجريمة المنظمة في الدول التي تشهد تناميا لجريمة تبييض الأموال، و التي تعاني من الفساد و الضعف في أنظمة الحكم، فقد وجدت هذه العصابات الجو الملائم لتطوير وسائلها الإجرامية و تبييض الأمـوال الناتجة عن نشاطاتها الجرمية.

و بمـا أن بؤر الاضطرابات السياسية و الحروب الأهلية، قد غطت أجزاء شاسعة من الدول العالم، و خاصة الدول النامية، فقد نتج عن ذلك حدوث المجاعات و ما يصاحبها من حالات اللجوء و الهجرة من تلك الدول إلى غير ذلك من مظاهر التعفن السياسي و الانهيار الاقتصادي، و هي الأجواء التي تنشط فيها عصابات الجريمة المنظمة، لتكثيف نشاطاتها الإجرامية، و هناك تسهل عليها عملية تبييض الأموال، لأن الدول التي تشهد بؤر التوتر، و كذا الدول المحيطة بها يكون جل تركيزها منصبا على توزيع الإغاثة و الجانب الإنسانـي بصفة عامة، و لا يكون بوسعها تكثيف الجهود لمحاربة تبييض الأموال، و الجزائر التي عانت خلال العشرية الأخيرة من القرن الماضي من الضائقات الاقتصادية و التوتر الأمنـي تأثرت بكل هذه المعطيات و نتج عن ذلك تنامي ظاهرة تبييض الأموال الذي انعكس سلبا على جميع القطاعات الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية، و تداركا للفراغ الذي استفاد منه مبيضو الأموال صدر قانون رقم 04-15 الذي جرم تبييض الأمـوال في المواد 389 مكرر و ما يليها من قانون العقوبات و هو سداد آمان للوقاية و مكافحة الجريمة.

ثم أن العديد من دول العالم الثالث ذات البنية الاقتصادية الهشة و بسبب حاجتها إلى استقطاب رؤوس الأموال لدعم برامجها التنموية، لجأت إلى اتباع أسلوب أكثر انفتاحا لضمان تدفق رؤوس الأموال إلى الداخل، و هنا يستغل  مبيضو الأموال هذا الظرف بغية تحويل أموالهم إلى هذه الدول بوصفها نقاط عبور لتبييض الأموال ذات المصدر غير المشروع، دون أن تستفيد منها اقتصاديات تلك الدول، و سوف نرى كيف أن لهذه العملية أثارا سلبية على اقتصاديات هذه الدول و كذا على الجانب الاجتماعي و السياسي، و حتى الإعلامي كل هذا في المبحث الأول تحت عنوان : مخاطر جريمة تبييض الأموال.

ثم أن الجهود المبذولة لمكافحة الجريمة عرفت تطورا هاما من خـلال الميكانيزمات المتوافرة على الصعيدين الوطني و الدولي، إلا أن تلك الجهود تكتنفها و تعترضها بعض العقبات التي سوف ندرسها في هذا السياق، وهو ما سوف نتطرق إليه في المبحث الثاني تحت عنوان : مكافحة جريمة تبييض الأموال.

المبحث الأول : مخاطر جريمة  تبييض الأموال

قد يظهر للبعض بأن لعملية تبييض الأموال آثار إيجابية، خاصة في حالة اتخاذ عمليات التبييض الصور العينية، مثل إقامة شركات استثمار و توفير العديد من فرص العمل والمساهمة في علاج مشكلة البطالة، و توفير قدر إضافي من السلع يسمح باستقرار الأسعار المحلية، إلا أن ذلك يمكن الرد عليه ببساطة، بأن عدم مشروعية الدخل الذي تجري عمليات تبييض الأموال عليه، يمثل قوة شرائية غير ناتجة عن نشاط اقتصادي حقيقي، مما يؤدي إلى آثار سلبية على الأسعار المحلية، و يساهم في حدوث ضغوط تضخمية، تهدد مستقبل التنمية الاقتصادية و الاجتماعية.

 إن بعض الإيجابيات التي تتحقق من استخدام الأموال المبيضة، لا يمكـن أن تبرر أو تتعادل مع فداحة الآثار السلبية الناتجة عنها.

ويتبين لنا بأن هناك مخاطر اقتصادية و اجتماعية وسياسية لتبييض الأمـوال و سوف نقوم بعرض هذه المخاطر حسب المخطط الآتي:

المطلب الأول : المخاطر الاقتصادية

تعرضت اتفاقية فيينا لعام 1988 في مقدمتها للأضرار التي يمكـن أن تلحـق بالأسس الاقتصادية و المؤسسات التجارية و المالية،  نتيجة الأرباح و الثروات الطائلة التي يدرها الاتجار غير المشروع للمخدرات، و قياسا علـى ذلك النتائج الوخيمة المترتبة عن باقي مصادر الأموال المبيضة .

و من أهم المخاطر الاقتصادية لتبييض الأموال :

الفرع الاول: انخفاض الدخل القومي

تعريف(1) : الدخل القومي لبلد ما هو مجموع العوائد التي يحصل عليها أصحاب عناصر الإنتاج من المواطنين، مقابل استخدام هذه العناصر في إنتاج السلع و الخدمات سواء داخل البلد أو خارجه، خلال فترة معينة من الزمن، وتكون عادة خلال سنة .

أما الناتج القومي(2) فهو مجموع السلع و الخدمات النهائية التي أنتجت باستخدام عناصر الإنتاج الوطنية خلال فترة معينة من الزمن، و تكون عادة خلال سنة.

و تؤدي عملية التبييض إلى هروب الأموال إلى خارج الدولة و خسارة الإنتاج لأحد أهم عناصره، و هو الرأسمال، مما يعيق إنتاج السلع و الخدمات، فينعكس بشكل سلبي على الدخل القومي بالانخفاض.

و نظرا لأن القطاع الاقتصادي غير الرسمي ينمو عادة بمعدل أسرع من معدل نمـو اقتصاديات القطاع الرسمي، فإن تقديرات الناتج القومي تكون غالبا منخفضة كثيرا عن حقيقتها، و هذا يعني مسؤوليـة المداخيل غير المشروعة و المداخيل المرتبطة بعمليات تبييض الأموال عن هذا الانخفاض.

الفرع الثاني: انخفاض معدل الادخار المحلي(3)

يعتبر تبييض الأموال دربا من دروب الفساد المالي و الاقتصادي، لذلك فإن تأثيره على انخفاض معدل الادخار، يظهر بدرجة ملموسة في كثير من الدول النامية، التي يمكن وصفها بالدول الرخوة  Soft state  كما أسماها الأستـاذ ميردال( Myrdal)،التي تشيـع فيـها الرشاوى و التهرب الضريبي و انخفاض كفاءة الأجهزة الإدارية و فسادها، و قد أوضح هذا الخبير الاقتصادي بصفة عامة أن الفساد يؤثر سلبيا على معدلات الادخار بشكل ملحوظ، و أعرب عن أسفه لتجاهل كتب و مقالات التنمية و التخلف الاقتصادي لهذا العنصر الهام.

ثم إن انخفاض معدل الادخار ينتج عن عمليات تبييض الأموال، بسبب هروب الرأسمال إلى الخارج، عندما تقترن به التحويلات النقدية المصرفية بيـن البنوك، المحلية منها و الخارجية، و في مثل هذه الحالة تعجز المدخرات المحلية عن الوفاء باحتياجات الاستثمار، ويتسع نطاق الفجوة التمويلية، حيث يتم إيداع المدخرات في البنوك الخارجية دون أن توجه نحو قنوات الاستثمار داخل البلاد.

و في حالة اللجوء إلى تبييض الأموال عن طريق شراء الذهب و التحف الفنية و بعض السلع، تتجه الأموال إلى طريق الاستهلاك، و من ثم يقل القدر الموجه إلى الادخار المحلي،

و يعني هذا أن هناك علاقة عكسية بين تبييض الأموال و الادخار المحلي، و في الغالب تلجأ الدول في هذه الحالة إلى تعويض النقص عن احتياجات الاستثمار الإجمالي، من خلال تدفق الموارد الأجنبية حتى تغدوا مشكلة المديونية الخارجية عبئا ثقيلا على كاهل الاقتصاد القومي.

الفرع الثالث: ارتفاع معدل التضخم

لا تخلو عمليات تبييض الأموال من تدفق نقدي إلى تيار الاستهلاك، سواء فـي حالة التبييض عبر البنوك أو القنوات المصرفية أو عن طريق السلع و الذهب و غيرها و هذا يعني الضغط على المعروض السلعي من خلال القوة الشرائية لفئات يرتفع لديها الميل الحدي للاستهلاك، و ذات نمط استهلاكي يوصف بعدم الرشد أو العشوائية، و لا تقيم وزنا للمنفعة الحدية للنقود.

و بذلك تساعد عملية تبييض الأموال في زيادة المستوى العام للأسعار أو حدوث تضخم من جانب الطلب الكلي في المجتمع، مصحوبا بتدهور القوة الشرائية للنقود.

 و نظرا لان عملية تبييض الأموال و ما يرتبط بها من حركة الأموال عـبر البنوك المتعددة، و هي على مستوى العالم، فإنها تساهم بشكل ملحوظ في التوسع في السيولة الدولية، و من ثم يمكن أن تؤدي إلى حدوث ضغوط تضخمية.

الفرع الرابع: تدهور قيمة العملة الوطنية(1)

  تؤثر عملية تبييض الأموال تأثيرا سلبيا على قيمة العملة الوطنية، نظرا للارتباط الوثيق بين هذه العملية و تهريب الأموال إلى الخارج، و ما يعنيه ذلك من زيادة الطلب على العملات الأجنبية، التي يتم تحويل الأموال المهربة إليها، بقصد الإيداع في الخارج  بالبنوك، أو بغرض الاستثمار في الخارج، ولاشك بأن النتيجة الحتمية لذلك هي انخفاض قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، أي أن عملية تبييض الأموال تساهم في تدهور قيمة العملة الوطنية، مما يوجب التصدي لها حماية لهذه العملة، و لعل التعديل الأخير لقانون العقوبات الذي جرم تبييض الأموال بموجب القانون 04-15 كفيل بضمان الحد الأدنى لاجتناب تدهور قيمة العملة الوطنية. (2)

الفرع الخامس: إفساد مناخ الاستثمار(1)

لا يهتم مبيضو الأموال بالجدوى الاقتصادية لأي استثمار يقدمون عليه، باعتبار أن اهتمامهم ينصب على إيجاد الغطاء عبر عمليات التوظيف، التي تسمـح بشرعنة هذه الأموال، الأمر الذي يفسد مناخ الاستثمار، ذلك أن إدخال المال غير المشروع في الدورة المالية، يؤدي حكما إلى إخفاء مصدر هذه الأموال و شرعنتها، كما يضخ كميات كبيرة من النقود في الدورة النقدية و المالية، بصورة عشوائية و غيـر مدروسة.

الفرع السادس: تشويه صورة الأسواق المالية

   إن الأموال غير المشروعة التي يجري تبييضها من خلال المصارف و غيرها من المؤسسات المالية، تمثل عائقا أمام تنفيذ السياسات الرامية إلى تحرير الأسواق المالية، من أجل اجتذاب الاستثمارات المشروعة، و بالتالي تشوه صورة تلك الأسواق.(2)

الفرع السابع: أثر غسيل الأموال على نمط الاستهلاك

  إن هذه الأموال لا تنتج عن جهد إنتاجي أي أن مكتسبي الدخل لم يتعبوا في الحصول عليها، و بالتالي لا يحرصوا عليها و ينعدم ترشيد الاستهلاك و يتم الإنفاق بالتبذير.(3)

المطلب الثاني: المخاطر الاجتماعية

إن تبييض الأموال يساعد على زيادة معدل الجريمة المنظمة و غير المنظمة،  و يرى البعض أن تضخم الثروات و المداخيل غير المشروعة و النجاح في إخفائها  وإضفاء المشروعية عليها، يجعل أصحاب هذه الثروات مصدر قـوة و سطـوة و سيطرة على النظام السياسي و الإعلامي و القضائي، و إلى احتمالات فرض قوتهم على المجتمع كله (مقطع من مقال بجريدة الأهرام بتاريخ 18/12/1995 )(4)

و تؤثر عملية تبييض الأموال على المجتمع، من ناحية ارتباطها بالجرائم السياسية، فهي تمثل نوعا من الآمان بالنسبة للحاصلين على أموال غير مشروعة  مثل الدخول الناتجة عن تجارة المخدرات، و الناتجة عن تهريب الأموال و التهرب الضريبي و تقاضي الرشوة و السرقات و الاختلاسات و النصب و الاحتيال و تزييف العملات الوطنية و الأجنبية، و كذلك المداخيل الناتجة عن الفساد الإداري  الفساد السياسي و تجارة الرقيق الأبيض …الخ

ثم إن تبييض الأموال يؤدي على حدوث اضطرابات اجتماعية خطيرة و منـها :

الفرع الأول: اتساع الهوة بين العرض و الطلب في سوق العمل

إن هروب الأموال من داخل البلاد إلى خارجها عبر القنوات المصرفية و غيرها يؤدي على نقل جزء كبير من الدخل القومي إلى الدول الأخرى، و من ثم تعجز الدول التي هرب منها الرأسمال، عن الإنفاق على الاستثمارات اللازمة لتوفير فرص العمل للمواطنين، و من ثم تواجه خطر البطالة في ظل الزيادة السنوية في أعداد الخريجين من المدارس و الجامعات  فضلا على الباحثين عن العمل من غير المتعلمين، مما يؤدي إلى تفاقم مشكلة البطالة.

و لما كانت عمليات تبييض الأموال تؤثر سلبا على الادخار المحلي المتاح لتمويل الاستثمارات و من ثم زيادة الفجوة التمويلية فإنها تؤثر بشكل سلبي على الموارد اللازمة لتوفير فرص العمل الجديدة لاستيعاب الزيادة السنوية من الباحثين و الراغبين في العمل، ومن ثم علاج مشكلة البطالة.

و تجدر الإشارة أن جانبا هاما من الأموال التي يجري تبييضها في الخارج ،إنما هي مداخيل غير مشروعة ناتجة عن الفساد الإداري أو الفساد السياسي، و ما يرتبط بذلك من تسرب قدر كبير من أموال القروض الخارجية و المنح و التبرعات و التسهيلات الأجنبية، تتحملها خزانة الدولة و يتحملها الشعب كله، في صورة ضرائب إضافية مباشرة و غير مباشرة، و يعني ذلك عدم اتجاه الأموال المنهوبة إلى القنوات الطبيعية لإنفاقها بشكل مباشر، فلا يتيح للحكومة التغلب عن مشكلة البطالة.

و حتى في حالة عودة الأموال بعد إجراء عمليات التبييض إلى الوطن الأصلي بشكل مشروع لا يمكن تساهم في علاج مشكلة البطالة، ذلك أن نمط الإنفاق للأموال غير المشروعة لا يمكن أن يتساوى مع نمط الأموال المشروعة، حيث يتصف النمط الأول بكونه في الغالب نمطا شيطانيا يتجه إلى المضاربة في العقارات و المضاربة في الأموال و الأوراق المالية  من أجل تحقيق الربح السريع، بعكس الاستثمارات المشروعة و المنتجة التي تساهم بشكل فعال في خلق فرص جديدة للمواطنين، و تخفف من حدة البطالة،كما أنه حتى في حالة اتجاه النمط الأول إلى الاستثمار، فهو سرعان ما يتوقف عند تحقق الغاية المرجوة منه في إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع للأموال.

و توضح الدراسات أن معدلات البطالة مرتفعة في نفس الدول التي يرتفع فيها حجم عمليات تبييض الأموال باستثناء اليابان، و تتراوح المعدلات بين 12.6% في فرنسا و

6.1%0 في أمريكا، أما الدول التي ينخفض فيها حجم تبييض الأموال فتتراوح معدلات البطالة فيها بين 9.6 % في الدنمارك و4.8% في النرويج(1)، أما عندنا في الجزائر فإن نسبة البطالة تفوق 30% من اليد العاملة حسب تقرير المجلس الوطني الاقتصادي و الاجتماعي، و المؤكد أن تجريم تبييض الأموال من خلال التعديـل الأخير لقانون العقوبات كفيل بالحد من تنامي نسبة البطالة في الجزائر.

الفرع الثاني: انتشار الأزمات

تؤدي عمليات تبييض الأموال و خاصة الناتجة عن الفساد الإداري إلى نتائـج سيئة على إنجاز مشروعات البنية التحتية للدولة، و ذلك من خلال عدم التنفيذ الصحيح و الدقيق لتلك المشاريع، رغبة في زيادة الأرباح الناتجة عنها فتصبح هذه الأعمال عند فشلها كارثة على المجتمع بدلا من أن تكون بمثابة المناعة للأزمة، مما ينعكس بشكل سلبي و خطير على انتشار الآفات الاجتماعية الخطيرة على نطاق واسع كالاتجار بالمخدرات و الدعارة.

الفرع الثالث: الحيلولة دون تبوء أصحاب الكفاءات مجالات العمل) (2)

إن تبييض الأموال و ما ينتج عنه من وجود أشخاص يمتلكون رؤوس أموال ضخمة غير مشروعة، يؤدي إلى سيطرة هذه الأقلية على المراكز الاقتصادية و السياسية ، و يمنعون بالتالي أصحاب الكفاءات من الوصول إلى المراكز العليا، إما خوفا من اكتشاف حقيقة مصدر أموالهم غير المشروعة، و إما خوفا من تهديـد مركزهم الذي وصلوا إليه، بفضل تلك الأموال غير المشروعة.

الفرع الرابع: استغلال اليد العاملة المتدنية الأجر(3)

لقد توصلت بعض الشركات الرأسمالية العالمية إلى طرق لاستثمار الأموال القذرة، و ذلك بالقيام تحت ستار إنشاء المشاريع الجديدة في دول العالم الثالث باستغلال اليد العاملة المتدنية الأجر، لتصنيع المعدات و الأدوات و البضائع، لكي تعيد بيعها فيما بعد بأسعار تنافسية للطبقات الغنية و المتوسطة، و بذلك تحقق أرباحا طائلة مضيفة إليها الأموال المبيضة من أجل تمويه مصدرها.

المطلب الثالث: المخاطر السياسية) (4)

تؤدي عمليات تبييض الأموال إلى العديد من المخاطر السياسية التي تؤثر بشكل سلبي على كيان الدولة و استقرارها، و من هذه المخاطر:

الفرع الأول: السيطرة على النظام السياسي

إن الثروات و المداخيل غير المشروعة و النجاح في إخفاءها و تمويه مصدرها و إضفاء المشروعية عليها، في إطار عمليات تبييض الأموال، تؤدي إلى جعل أصحاب هذه الثروات و المداخيل مصدر قوة و سطوة و سيطرة على النظام السياسي، وإلى احتمالات فرض قوانينهم و إرادتهم على المجتمع كله.

الفرع الثاني: اختراق و إفساد هياكل بعض الحكومات

إن ما يجنيه مبيضو الأموال من أرباح طائلة و ثروات هائلة، مادية و غـير مادية، منقولة و غير منقولة، مكنتهم من اختراق و إفساد هياكل بعض الحكومات، و قد توسعت ظاهرة تبييض الأموال على الصعيد الدولي لتصبح خطرا عالميـا يهـدد سلامة و استقرار النظم السياسية و هياكل الحكومات، مما يتطلب اتخاذ تدابير مضادة من جانب المجتمع الدولي ككل، و من أجل حرمان المجرمين و إيراداتهم غير المشروعة من أية ملاذات أمنية.

الفرع الثالث: تمويل النزاعات الدينية و العرقية (1)

أشارت الجمعية العمة للأمم المتحدة في دورتها العادية لسنة 1998 إلى أن الأرباح الناتجة عن تبييض الأموال، تمول بعض أعنف النزاعات الدينية و العرقية.

حيث يقوم المبيضون ببث الخلافات الداخلية و إشعال الفتن الدينية و العرقية، يعمدون إلى تمويلها بالسلاح و المساعدات و غيرها بواسطة الأموال القذرة.

و في هذا الصدد نرى اليوم كيف أنه تم الكشف عن ضلوع بعض الشخصيات و المسؤولين السياسيين الأوربيين وبعض رؤساء أعظم المؤسسات المالية العالمية في تبييض الأموال في أضخم المصارف، و في بعض الدول الإفريقية التي تشهد بؤر التوتر السياسي و العسكري، أين اكتشف مؤخرا نجل رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغاريت تاتشر، الذي ثبت أنه يتاجر في الأسلحة بصفة غير مشروعة لتغذية الصراعات المسلحة بالقارة السمراء، كما أن بعض تقارير المخابرات الأمريكية و بعض التقارير التي أوردها بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي تؤكد ضلوع نجـل الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان في عمليات مصرفية مشبوهة هي بمثابة قرينة على ضلوعه في عمليات تبييض الأموال عبر

عدة مصارف في دول إفريقية، هذا ما يدل على أن الظاهرة الإجرامية واسعة الانتشار حتى في أوساط السياسييـن و الشخصيات العامة في العالم.

ضف إلى ذلك كله، نلاحظ كيف أن بعض الانقلابات العسكرية التي تجري في القارة السمراء لها علاقة بصفة أو بأخرى بعمليات تبييض الأموال كما هو الحال في موريطانيا و الزايير و الكونغو و ساحل العاج و سيراليون.

و من أجل إلقاء الضوء على خطورة الأموال الناتجة عن عمليات تبييض الأموال و قدرتها في السيطرة على القطاعات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية نعرض الجدول الآتي:

تقدير حجم عمليات تبييض الأموال في بعض الدول عام 1991 بالمليون دولار(2)

اسم الدولة

حجم عمليات تبييض الأموال

اسم الدولة

حجم عمليات تبييض الأموال

أستراليا

6195.2

اليابان

24208.5

النمسا

2558.2

إيطاليا

51773.2

بلجيكا

6614.9

النرويج

1710.1

كندا

23294.1

إسبانيا

6325.5

الدانمارك

2959.0

السويد

6316.1

فنلندا

1584.5

سويسرا

2227.2

فرنسا

21587.1

بريطانيا

14203.5

ألمانيا

24559.3

أمريكا

282784.3

الهند

2213.7

روسيا

8369.5

ايرلندا

538.5

المبحث الثاني : مكافحة جريمة تبييض الأموال

سنتطرق بداية إلى أساليب أو طرق مكافحة جريمة تبييض الأموال على مستوى التشريعات الوطنية (مطلب أول)، ثم ندرس ذلك على المستوى العالمي (مطلب ثان)، و هذا قبل التطرق إلى عقبات مكافحته التبييض (مطلب ثالث).

المطلب الأول : مكافحة جريمة التبييض على مستوى التشريعات الوطنية

سنحاول أن ندرس بعض التشريعات الوطنية و كيفية معالجتها لمكافحة تبييض الأموال، وهذا من خلال النقاط التالية :

الفرع الأول: الولايات المتحدة الأمريكية

تعد الولايات المتحدة الأمريكية من أكبر الدولة اهتماما بمكافحة عمليات تبييض الأموال غير المشروعة، و خاصة تلك الناتجة عن الاتجار بالمخدرات، فقد أشار تقرـر صادر عن مجلس الشيوخ  الأمريكي عام 1997 م إلى أن حجم عمليات تبييض الأموال بلغ مائة مليار دولار يتم تحويلها إلى أموال نظيفة، و هي تمثل ما مقداره 2%0 من الدخل العالمي(1)، لذا فقد اهتمت الولايات المتحدة الأمريكية مبكرا بهذه الظاهرة فقامت بإصدار قانون متعلق بسرية الحسابات المصرفية، بغية تعقب العمليات النقدية لمنع عمليات تبييض الأموال المتحصلة عن المخدرات أو التهريب أو القمار أو الاختلاس أو التهرب الضريبي، ثم تلا هذا إصدار أول قانون خاص بمنع تبييض الأموال سنة 1986، حيث تم بموجبه اعتبار فعل تبييض الأموال جريمة مستقلة يعاقب عليها بالحبس والغرامة والمصادرة، و صدر قانون آخر سنة 1988 يعاقب على استعمال الأموال الناتجة عن الاتجار غير المشروع بالمخدرات، بصورة مستقلة عن جريمة الاتجار بالمخدرات.

وقد ألزمت هذه القوانين على المؤسسات المالية بما فيها شركات السمسرة والتأمين والمطاعم ومكاتب المحاسبة، بإرسال تقارير عن المعاملات النقدية إلى إدارة خدمة الدخول الداخلية IRS  Internal Revenue Service. عن كل معاملة تزيد قيمتها عن عشرة آلاف دولار، يقوم بها فرد واحد أو مودع فـي يوم واحد،(2) وهذا لتقوم إدارة خدمة الدخول الداخلية(IRS) بتحليـل تلك البيانـات ومطابقتها مع البيانات الموجودة لدى المباحث الفدرالية(FBI).

وسنة 1997 أصدر المشرع الأمريكي قاعدة أو مبدأ يسمى Trapel rule of funds ومفاد هذه القاعدة أنه يجب على جميع هذه المؤسسات المالية الالتزام بما تتضمنه هذه القاعدة من تعليمات وإرشادات صادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية لدائرة متابعة وملاحقة الجرائم المالية، وهذه القاعدة تسري على انتقال الأموال إذا تمت بين أكثر من مؤسسة مالية واحدة، فعلى المؤسسة أخذ بعض البيانات الجوهرية والإبلاغ للسلطات الجنائية المختصة عن كل تحويل مشبوه. والمقصود بالمؤسسات المالية طبقا لقاعدة   trapel rule البنوك وسماسـرة الأوراق المالية، والكازينوهات الخاضعة لقانون سرية البنوك، وأجهزة إرسال الأموال.

كما أن قاعدة trapel rule  أو قاعدة حركة أو سفر الأموال يعمل بها بالنسبة للتحويلات التي تزيد قيمتها عن ثلاثة آلاف دولار.

الفرع الثالث: سويسرا

تعد سويسرا من أكثر الدول زخما من حيث كميات المبالغ المبيضة، فهي تدير ما يقارب 30% من ثروات العالم، وتحتوي مصارفها على ألف وخمسمائة مليار دولار، وقدرت المبالغ المبيضة كل عام ما يساوي 500 مليار دولار في كل أنحاء العالم، وجزء من هذه المبالغ تجد مرتعا لها بالمصارف السويسرية،(1) لذا كان اهتمام سويسرا جاد لمحاربة هذه الآفة، ففي عام 1968 اتفقت المصارف السويسرية فيما بينها وتحت رعاية البنك الوطني السويسري على قواعد تخص الحيطة عند فتح الحسابات المصرفية وعند إجراء أية عمليات مالية.

 وقد فرضت الاتفاقية المسماة La convention relative à l’obligation de diligence

غرامة مقدارها 10 ملايين فرنك سويسري على المصرف المخالف، ثم أدخل في قانون العقوبات السويسري نص المادة 305 التي مضمونها أن كل عمل من شأنه عرقلة تحديد مصدر أموال مبيضة، يعاقب بالحبس من سنتين إلى 5 سنوات. كما اعتبر ذات القانون أن الموظف الذي يعلم السلطات المختصة عن ريبة عن مصدر الأموال المودعة لا يلاحق بتهمة السر المصرفي حتى وإن كانت شكوكه خاطئة، هذا رغم معارضة الكثيرون في سويسرا المتمسكين بقاعدة سر المهنة المصرفية المقدسة في بلاد المصارف.

ونشير إلى أنه صدر سنة 1998 قانون جديد في سويسرا يتعلق بتبييض الأموال بموجبه يلزم البنوك على التبليغ عن الحسابات المشكوك فيها، كما يشمل هذا الالتزام المؤسسات غير المصرفية كالمحامين وشركات التأمين.

الفرع الثالث: ألمانيا(1)

يعاقب قانون العقوبات الألماني في مادته 216 على جريمة تبييض الأموال وهذا بالسجن لمدة خمس سنوات على كل من يخفي أو يمنع أو يعرقل الكشف عن أصل أو موقع أو المصادرة أو وضع اليد أو القبض على ممتلكات ناتجة عن جريمة خطيرة،  قام بها شخص عضو في عصابة منظمة، كما تطبق نفس العقوبة على الشريك.

أما من قام بعملية تجارية مع عضو في عصابة لأجل الحصول على عمولة فالعقوبـة تصبح من ستة أشهر إلى عشر سنوات.

كما أن القانون يوجب مصادرة الأموال أو الممتلكات ّذات الصلة بعمل إجرامي يتعلق بتبييض الأموال، بغض النظر إن كانت هذه الأموال غير المشروعة قد تحصل عليها داخل ألمانيا أم خارجها.

الفرع الرابع: فرنسا

في تعديل المشرع الفرنسي الذي تم بتاريخ 13/05/1996 عاقب على جريمة تبييض الأموال و استخدام عائدات الجرائم في نص المادة 324 فقرة 1 إلى 6، و نصها كما يلي: المادة 324 –1 ” التبييض هو عملية تسهيل بكل الوسائل التبرير الكاذب لمـدر الأموال أو الدخول، لمرتكب جناية، أو جنحة عادت عليه بفائدة مباشرة أو غير مباشرة.

يعتبر من قبل التبييض أيضا مجرد القيام بتقديم مساعدة في عملية وضع أو إخفاء أو تحويل الناتج المباشر أو غير المباشر لجناية أو جنحة، يعاقب على التبييض بخمسة سنوات حبس و بغرامة 375000 أورو.”

المادة 324 –2 ” يعاقب على التبييض بعشر سنوات حبس و بغرامة 750.000 أورو:

عندما يرتكب بطريقة اعتيادية، أو باستعمال التسهيلات التي يتيحها ممارسة نشاط مهني.

عندما يرتكب بواسطة عصابة منظمة”.

المادة 324 –3 ” عقوبة الغرامة المشار إليها في المواد 324 –1 و 324 –2 يمكن رفع قيمتها إلى نصف قيمة الأموال و المبالغ التي وقعت عليها عمليات التبييض.

المادة 324 – 4 ” عندما تكون الجناية أو الجنحة المتحصلة من خلال ارتكابها على الأموال و المبالغ محل التبييض معاقبا عليها بعقوبة سالبة للحرية تفوق مدة الحبس المنصوص عليها بالمواد 324 –1 و 324 – 2، يعاقب على التبييض بالعقوبات المرتبطة بالجريمة التي علم المبيض بها، و إذا كانت هذه الجريمة مرتبطة بظروف مشددة المتعلقة بالعقوبات التي علم بها فقط.

المادة 324 – 5 ” في حالة العود، يعتبر التبييض كالجريمة التي وقعت بمناسبتها عمليات التبييض”.

المادة 324 – 6 ” يعاقب على الشروع في الجرائم المنصوص عليها في هذا القسم بالعقوبات نفسها”.

أما عن العقوبات المكملة، المطبقة عن الأشخاص الطبيعية و المسؤولية الجزائية للأشخاص الاعتبارية، فقد ورد في القسم الثاني من نفس المادة فقـرة 7 على 9 .

الفرع الخامس: لبنان

قد صدر بتاريخ 20 أفريل 2001 القانون رقم 318 الخاص بتبييض الأموال و الذي ألغي بعض أحكام قانون المخدرات673/98الصادر بتاريخ16/03/1946، و قد حددت المادة الأولى منه المقصود بالأموال غير المشروعة، و هي تلك الناتجة عن إحدى الجرائم :

زراعة المخدرات أو تصنيعها أو الاتجار بها، الأفعال التي تقوم بها جمعيات الأشرار، جرائم الإرهاب ، التجارة غير المشروعة بالأسلحة ، السرقة ، اختلاس الأموال العامة أو الخاصة ، التزوير.

أما المادة الثانية فقد نصت على أنه يعتبر تبييض أموال كل فعل يقصد منه:

إخفاء المصدر الحقيقي للأموال غير المشروعة

تحويل الأموال مع العلم أنها أموال غير مشروعة .

تملك الأموال غير المشروعة أو توظيفها لشراء أموال مع العلم أنها غير مشروعة.

وقد نصت المادة الثالثة على معاقبة كل من أقدم أو تدخل أو إشترك لعمليات تبييض أموال بالحبس من ثلاث إلى سبع سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرين مليون ليرة لبنانية.

الفرع السادس: الجزائر

بعد مصادقة الجزائر وبتحفظ بموجب المرسوم رقم 95/41 المؤرخ في 28يناير 1995 على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية، المنعقدة  بفيينا بتاريخ 20 ديسمبر 1988 والتي دخلت حيز التنفيذ في 11 نوفمبر 1990، وتنفيذا لالتزاماتها الدولية ونظرا لما عاشته من أهوال ومآسي في العشرية الأخيرة من القرن العشرين وما أفرزته آثار سلبية على كل المستويات ممـا سهل تنامي الفساد الإداري والرشوة وتجارة المخدرات إضافة إلى التهرب الضريبي أصبح لزاما على المشرع الجزائري تجريم ظاهرة تبييض الأموال، ورغم أنه لـم يتفطن لتجريم هذه الظاهرة مبكرا إلا أنه وبموجب القانون رقم 04 –15 المؤرخ في 27 رمضان 1425 هـ الموافق 10 نوفمبر سنة 2004 الذي يعـدل ويتـمم الأمـر66-156 المتضمن قانون العقوبات الجزائري جرم تبييض الأموال بموجب المادة 389 مكرر وما يليها وعمـلا بأحكام المادة 37 المعدلة ، أصبح يجوز تمديد الاختصاص المحلي لوكيل الجمهورية بشأن متابعة الأشخاص الطبيعية لارتكابهم جريمة تبييض الأموال إلى دائرة اختصاص محاكم أخرى وذلك عن طريق التنظيم.

كما نصت المادة 40 المعدلة مـن نفس القانون على جواز تمديد الاختصاص المحلي لقاضي التحقيق الذي يباشر التحقيق ضد مرتكبي الجريمة لدى دائرة اختصاص أخرى وذلك عن طريق التنظيم أيضا.

ومن خلال استقراء المادتين السالفتي الذكر يتبين جليا أن نية المشرع تتجه إلى مكافحة الجريمة بكل الطرق الناجعة لتحقيق الغرض وذلك من خلال توسيع دائرة المتابعة عكس بعض الجرائم الأخرى. أما بخصوص المتابعة الجزائية للشخص المعنوي، وهو الشيء الجديد الـذي جاء به التعديل الأخير السالف الذكر، الذي جعل الاختصاص المحلي يعـود للجهة القضائية بمكان ارتكاب الجريمة أو مكان وجود المقر الاجتماعي للشخص المعنوي غير أنه إذا تمت متابعة أشخاص طبيعية في الوقت ذاته مع الشخص المعنـوي، فإن الاختصاص في هاته الحالة يعود إلى الجهة القضائية المرفوع أمامها دعوى الأشخاص الطبيعية بمتابعة الشخص المعنوي.

أما فيما يتعلق بالتمثيل القانوني للشخص المعنوي في إجراءات الدعـوى أمـام القضاء، فيكون من طرف ممثله القانوني الذي كانت له الصفة عند المتابعة. ونعني بالممثل القانوني

للشخص المعنوي الشخص الطبيعي الذي يخوله القانون أو القانون الأساسي للشخص المعنوي تفويضا لذلك، وفي حالة ما إذا تغير الممثل القانوني أثناء سير الإجراءات فإن من يخلفه ملزم بإبلاغ الجهة القضائية المرفوعة إليها الدعوى بهذا التغيير.

وفي حالة ما إذا تمت متابعة الشخص المعنوي وممثله القانوني في الوقت نفسه أو لم يوجد أي شخص مؤهل قانونا لتمثيله، فإن رئيس المحكمة وبناءا علـى طلب النيابة العامة يعين ممثلا عنه من ضمن مستخدميه. (1)

وبخصوص الجزاء فإن المشرع الجزائري قد نص على عقوبات للأشخاص الطبيعيين وعقوبات للأشخاص المعنوية كتالي:

 بالنسبة للأشخاص الطبيعية:

يعاقب كل من قام بتبييض الأموال بالحبس من خمس إلى عشر سنـوات وبغرامة من 1000000 دج إلى 3000000 دج (2).

يعاقب كل من يرتكب جريمة تبييض الأموال علـى سبيل الاعتياد أو باستعمال التسهيلات التي يمنحها نشاط مهني أو في إطار جماعة إجرامية بالحبس من عشر إلى خمسة عشر سنة وبغرامة من 4000000 دج إلى 8000000 دج (3).

يعاقب على المحاولة في ارتكاب جريمة الأموال بالعقوبات المقـررة للجريمـة

التامة(4).

تحكم الجهة القضائية المختصة بمصادرة الأملاك موضوع جريمة تبييض الأموال بما فيها العائدات والفوائد الأخرى الناتجة عنها، في أي يد كانت إلا أنه إذا أثبت مالكها أنه يحوزها بموجب سند شرعي وأنه لم يكن يعلم بمصدرها غير المشروع و يمكن الحكم بمصادرة الأموال محـل الجريمة عندما يبقى مرتكبو التبييض مجهولين.

إذا اندمجت عائدات جناية أو جنحة مع الأموال المتحصل عليها بطريقة شرعية فإن مصادرة الأموال لا يمكن أن تكون إلا بمقدار هذه العائدات، كما يتم مصادرة الوسائل والمعدات المستعملة في ارتكاب جريمة تبييض الأموال، وإذا تعذر تقديم أو حجز الممتلكات محل المصادرة فإنه يتم القضاء بعقوبة مالية تساوي قيمة هذه الممتلكات.

كما أنه يطبق على الشخص الطبيعي المحكوم عليه لارتكابه جريمة تبييض الأموال   طبقـا للمادتين 389 مكرر 1 و 389 مكرر 2 عقوبة واحدة أو أكثر من العقوبات التكميلية المنصوص عليها في المادة 9 من نفس القانون، كما يجوز الحكم بالمنع من الإقامة على الإقليم الوطني بصفة نهائية أو لمدة عشر سنوات على الأكثر، على كل أجنبي مدان بإحدى الجرائم المنصوص عليها في المادتين 389 مكرر1 و 389 مكرر2 من قانون العقوبات.

ويجوز لقاضي التحقيق حسب المادة 40 مكرر5 من قانون الإجراءات الجزائية بصفة تلقائية أو بناءا على طلب من النيابة ، الأمر باتخاذ إجراءات تحفظية أو تدابيـر أمن زيادة على حجز الأموال المتحصل عليها من الجريمة أو التـي استعمـلت فـي ارتكابها .

بالنسبة للأشخاص المعنوية:

يعاقب الشخص المعنوي الذي يرتكب جريمة تبييض الأموال طبقا لنص المادتين 389 مكرر1 و389 مكرر2 بالعقوبات الآتية :

غرامة لا يمكن أن تقل عن 04 مرات الحد الأقصى للغرامة المنصوص عليها في المادتين السالفتي الذكر.

مصادرة الممتلكات و العائدات التي تم تبييضها .

مصادرة الوسائل و المعدات التي استعملت في ارتكاب الجريمة.

و إذا تعذر تقديم أو حجز الممتلكات محل المصادرة، فإن الجهة القضائية المختصة تحكم بعقوبة مالية تساوي قيمة هذه الممتلكات، كما يمكن لها أن تقضي بالإضافة إلى ذلك بإحدى العقوبتين: 1. المنع من مزاولة نشاط مهني أو اجتماعي لمدة لا تتجاوز خمس سنوات .

حل الشخص المعنوي. (1)

و عملا بأحكام المادة 65 مكرر 4 من قانون الإجراءات الجزائية ، فإنه يجوز لقاضي التحقيق أن يخضع الشخص المعنوي لتدبير أو أكثر من التدابير الآتية:

إيداع كفالة.

تقديم تأمينات عينية لضمان حقوق الضحي .

المنع من إصدار شيكات أو استعمال بطاقات الدفع مع مراعاة حقوق الغير.

المنع من ممارسة بعض النشاطات المهنية أو الاجتماعية المرتبطة بالجريمة.

و يعاقب الشخص المعنوي الذي يخالف التدبير المتخذ ضده بغرامة من 100.000 دج إلى 500.000 دج بأمر من قاضي التحقيق بعد أخذ رأي وكيل الجمهورية.

المطلب الثاني: مكافحة التبييض على المستوى الدولي :

نظرا لما تمثله جريمة تبييض الأموال من خطر على الاقتصاد العالمي كان لزاما على المجتمع الدولي أن يتصدى لهذه الظاهرة من خلال الاتفاقيات أو المؤتمرات

الفرع الأول: اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات            والمؤثرات العقلية لعام 1988

 تم اعتماد هذه الاتفاقية في19-20 ديسمبر1988 بفيينا، وأدخلت حيز التنفيذ في13 نوفمبر1990، وقد كان من ضمن أهداف هذه الاتفاقية شن حملة على الحافز الاقتصادي التي تختبئ وراءه الأنشطة الإجرامية وهذا بمصادرة وحجز الأموال الناتجة عن المخدرات . (1)

ونصت المادة الثالثة على ضرورة اتخاذ كل طرف في قانونه الداخلي، ما يجب من التدابير لمعاقبة كل من شأنه إخفاء الأموال أو مصدرها أو مكانها أو طريقة التصرف بها مع العلم أنها مستمدة من جرائم المخدرات، (2) مع الإشارة إلى أن الاتفاقية تشترط وجود القصد الجنائي ضمن أركان جريمة تبييض الأموال إذ أن نقل أو تحويل الأموال هو بطبيعته شيء مشروع، لأجل هذا فعلى المخالف أن يكون على علم ودراية بأن هذا التحويل للأموال هي ناتجة من جريمة الاتجار غير المشروع في المخدرات، زيادة على أن يكون هدف الجاني هو إخفاء مصدر تلك الأموال أو مساعدة أي شخص متورط في ارتكاب جريمة الاتجار غير المشروع بالمـخدرات من الإفلات من العقوبات القانونية المترتبة عن أفعاله.

و من أهم الموضوعات التي تناولتها اتفاقية فيينا لعام1988 ما يلي :

تنظيم الإجراءات الخاصة بالحجز والمصادرة للأموال الناتجة عن المخدرات بالتبرع بها للجهات القائمة على مكافحة المخدرات أو اقتسامها مع أطراف أخرى بحسب الاتفاقيات المبرمة لهذا الغرض.

تنظيم الاختصاص القضائي وإجراءات تبادل تسليم المجرمين.

تبادل المعلومات.

تنظيم عمليات تدريب العاملين والمختصين(1).

الفرع الثاني: إعلان بازل Basle للمبادئ لعام 1988

تعمل لجنة بازل على الإشراف على البنوك في مختلف أرجاء المعمورة. وقد صدر عن هذه اللجنة مجموعة من المبادئ والأسس لحل الجزء المتبقي الذي عجزت عنه اتفاقية 1988 والمتعلق بضرورة التدقيق في مصدر الأموال المودعة والنشاط التجاري للعميل استنادا على  على قاعدة ” إعرف عميلك “. ومن بعض هذه المبادئ التأكد من شخصية العملاء، الحيطة من التحويلات المشبوهة والتعاون المصرفي. (2)

الفرع الثالث: مؤتمر ستارسبورغ لعام 1990

ضم هذا المؤتمر دول المجلس الأوربي، ملتزمة باتخاذ الإجراءات التشريعية والتدقيق في كل عملية ترتبط بهذه الأموال المعدة للتبييض، مع إعطاء هذه الأفعال الوصف الجرمي المناسب إذا كان ارتكابها قد حصل عن قصد.

الفرع الرابع: المؤتمر الدولي التاسع لمنع الجريمة لعام  1995

انعقد هذا المؤتمر بالقاهرة، وتطرق ضمن جدول أعماله إلى موضوع المخدرات بما فيه موضوع تبييض الأموال وخاصة الأموال الناتجة عن المخدرات. وقد طالب المؤتمر بضرورة تعاون دولي قوي وفعال لأجل مكافحة تبييض الأموال، كما طالب المصارف في الدول الأعضاء بمزيد من التنسيق تسهيلا للكشف عن الحسابات السرية، وما قد تحويه هذه الأخيرة من أموال ذات مصدر غـير مشروع.

الفرع الخامس: مؤتمر المخدرات وتبييض الأموال لعام 1997

انعقـد المؤتمر بالولايات المتحدة الأمريكية، وكانت من بين الموضوعات التي نوقشت موضوع تبييض الأموال، وقد خرج المؤتمر بعدة مبادئ أو أسس نجملها في ما يلي:

مبدأ اعرف زبونك Know your customer ، فعلى المصارف أن تمحص عملائها وتتقصى عن مصدر أموالهم.

مبدأ الإخطار عن العمليات المشبوهة.

مبدأ التعاون الوثيق بين الدول، عن طريق اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف أو إصدار قوانين داخلية تمكن من الكشف عن هذه الجرائم.

المطلب الثالث : عقبات مكافحة الجريمة

بالرغم من الجهود الدولية المبذولة لمكافحة عمليات تبييض الأموال ، إلا أنه لا تزال هناك عقبات كبرى تحول دون القضاء على النشاطات التي تهدف إلى إخفاء وتمويه مصادر الأموال غير المشروعة الناتجة عن هذه الجريمة، ولعل السرية المصرفية أهم هذه العقبات، باعتبارها عقبة قانونية، بالإضافة إلى عقبات واقعية و عملية أخرى تتنوع وتختلف من دولة إلى أخرى لذلك سنتطرق إلى هذه العقبات في ما يلي :

الفرع الأول: عقبة السرية المصرفية

يدخل السر المصرفي بمعناه الواسع تحت لواء سر المهنة وتحديدا بالواجب الملقى على عاتق المصرف بعدم إفشاء الأسرار المصرفية التي آلت إليه بحكم وظيفته أو بموجب القيام بهذه الوظيفة.

أما السرية المصرفية بمعناها الضيق فهي الواجب الملقى على عاتق المصرف بعدم إفشاء الأسرار التي حاز عليها بفعل وظيفته ولكن بموجب نصوص قانونية تفترض التكتم وتعاقب الإفشاء. (1)

وتعتبر السرية المصرفية من أكثر العقبات التي تقف عائقا أمام مكافحة عمليات تبييض الأموال، حيث أنها تشكل حاجزا دون الإطلاع على الودائع المصرفية وبالتالي ملجأ للأموال المشبوهة وفي ذلك يقول “زيغلر” أحد النواب السويسريين والذي يسعى إلى إبطال نظام السرية المصرفية ” تختفي الأموال القذرة في المغاور داخل مصارفنا لتخرج ثانية في مظهر محترم جاهز للتوظيف”(2)، وتختلف السرية المصرفية المفروضة على العمل المصرفي من دولة لأخرى تبعا للإمكانيات المتاحة للكشف عليها، هذا بالإضافة إلى حرص البنوك على عدم تقديم المعلومات اللازمة عن العملاء إلا لمن تحددهم القوانين وذلك انطلاقا من حرص البنوك على حماية الحق الشخصي للعميل، هذا بالإضافة إلى مصلحة المصرف نفسه بالاحتفاظ على سرية أعماله، كما أن السرية المصرفية تساهم في جذب رؤوس الأموال

المحلية والأجنبية وتدعم الثقة بالاقتصاد الوطني وبالجهاز المصرفي وتشجع الاستثمار وتوفـر الثقة بالائتمان المصرفي، وعلى الرغم من مجموعة الإيجابيات التي تتسم بها هذه العملية من توفير مناخ الاستقرار الاقتصادي إلا أن هنـاك أراء معارضة لنظـام السريـة المصرفية لأسباب عديدة وكثيرة كالتستر على الأموال القذرة لذلك نعرض بعض الأمثلة لأنظمة السرية المصرفية في بعض الدول.

السرية المصرفية في الولايات المتحدة الأمريكية:

اتبعت الولايات المتحدة الأمريكية نظام السرية المصرفية بموجب قانون السرية المصرفية Bank secrecy Act الصادر سنة1970 حيث أن هذا القانون يسمح بكشف سرية الحسابات المصرفية في الحالات الاستثنائية المتعلقة بالمصلحة العامة أو بمصلحة البنك أو في حالة وجود نزاع بين البنك والعميل أو بالموافقة الصريحة أو الضمنية للعميل، كما يعطي هذا القانون للحكومة الفيدرالية الأمريكية بمراقبة الصفقات النقدية الكبيرة وحركة العملة الصادرة والواردة من خلال متطلبات الإقرار المفروضة على كل البنوك والعملاء تحت طائلة عقوبة الحبس سنة أو الغرامة ألف دولار1000 أو كلتا العقوبتين.

وتقوم السلطات الأمريكية بالحصول على المعلومات والبيانات اللازمة عن حسابات العملاء من خلال ملاحقتها للمتهربين مـن تسديد الضرائب، أو بمناسبة مكافحتها لعمليات تبييض الأموال القذرة عبر البنوك.

السرية المصرفية في فرنسا:

كانت تتم حماية السرية المصرفية في فرنسا بموجب المادة 378 ق ع ، (1) باعتبار أن العاملين في البنوك مؤتمنون ضروريين على أسرار من يتعاملون أو يتعاقدون معهم خصوصا أن التعامل مع البنك في الوقت الحالي لا يمكن الاستغناء عنه من جانب الأفراد، لكن السر المصرفي لم يكن ممنوعا على القضاء والدوائر المالية والإدارات العامة التي كان يحق لها الإطلاع على مجمل العمليات الجارية مع المصرف(2) ثم صدر القانون المصرفي بتاريخ 24/01/1984، ونصت المادة 57 منه على أن كل عضو من أعضاء مجلس الإدارة أو من أعضاء مجلس الإشراف والمراقبة وكل شخص يشارك في إدارة أو تسيير مؤسسة ائتمان أو كان مستخدما لديها ملزم بحماية أسرار العملاء وفقا للشروط والعقوبات المنصوص عليها في المادة378 من ق ع التي اعتبرت أن:”الأطباء والجراحين وسائر المكلفين بالوظائف الصحية وكذا الصيادلة والقابلات القانونيات وسائر المؤتمنين بحسب وضعهم أو مهنتهم علـى أسرار تسلم لهم يعاقبون بالحبس من(1) شهر إلى(6) أشهر وبالغرامة من 100 ف إلى 500 فرنك فرنسي إذا أفشوا هذه الأسرار خارج الحالات التي يفرض عليهم فيها القانون إفشاءها ” .

3- السرية المصرفية في مصر: (1)

طبقت مصر نظام سرية الحسابات المصرفية عام 1990 بموجب القانون رقم 205 وذلك عقب حرب الخليج بين العراق والكويت، ثم عدل هذا القانون بالقانون رقم 97 لعام 1992، بشأن سرية الحسابات في البنوك، وقد أضفى القانون السرية بشكل صريح على أعمال البنوك والأموال التي تودع فيها، وحظر على الجهات الرقابية أو أية جهات أخرى الإطلاع على أية بيانات خاصة بالعملاء ، وذلك بهدف جذب المدخرات المصرية ومدخرات أبناء الخليج التي اتجهت إلى هجرة بلادها عقب الغزو العراقي للكويت وتشمل السرية، حسابات العملاء وودائعهم وأماناتهم وخزائنهم بالإضافة إلى جواز فتح حسابات رقمية بالنقد الأجنبي ولا يجوز الإطلاع عليها إلا في حالات خاصة بناءا على حكم قضائي أو حكم محكمين أو بناءا على طلب وزارة الاقتصاد والتجارة و مراقب البنك المركزي و مراقب وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية أو في حالة صدور حكم قضائي بالاطلاع على حسابات العملاء، إذا كان ذلك ضروريا لبيان الحقيقة في قضايا الجنح و الجنايات مع وجود دلائل جدية على وقوعها، أو للتقرير بما في الذمة المالية بمناسبة حجز موقع لدى أحد المصارف الخاضعة لأحكام القانون.

ثم جاء تعديل سنة 1992 في القانون رقم 97 يسمح للنائب العام أو من يفوضه بالاطلاع علـى حسابات أو ودائـع أو أمانات أو خزائن العملاء، و تؤدي كثرة الاستثناءات الموجودة في القانون إلى الكشف على حسابات العملاء السرية بسهولة، مما يوضح التردد في منح الحصانة للأموال المودعة في البنوك المصرية.

و بالرغم من ذلك، لا تزال هناك اعتراضات من البعض على السرية المصرفية الموجودة حاليا في مصر، و يطالبون بإلغائها كليا لمنع أصحاب المداخيل غير المشروعة من غسيل أموالهم، بينما يرى فريق آخر، ضرورة الإبقاء على سريـة الحسابات الموجودة مع إصدار قانون خاص لمنع عمليات غسيل الأموال و ملاحقـة الأموال المشبوهة.

الفرع الثاني: ضعف أجهزة المراقبة

لقد نصت الفقرة 9 من المادة 12 من اتفاقية فيينا 1988 على ضرورة إنشاء نظام لمراقبة التجارة الدولية تسهيلا لكشف الصفقات المشبوهة و إبلاغ السلطات المختصة عنها للقيام بالملاحقة و التحقق، و قد قامت الدول المهتمة بمكافحة عمليات تبييض الأموال بإنشاء أجهزة

متخصصة في هذا المجال و من هذه الأجهزة ، إدارة خدمة الدخول الداخليةInternal Revenue Services (IRS) في الولايات المتحدة الأمريكية وهيئة تراكفين (Tracfin ) في فرنسا، والوكـالة المركزية الأستراليـة ( Hustrac ) في أستراليا و لجنة المراقبة لمنع تبييض الأموال في لبنان.

و مع ذلك لا تزال أجهزة المراقبة تعاني بعض النقائص التي تحد من فعاليتها و تتعلق هذه النقائص خصوصا بتنوع القانون المطبق و الغموض في المهمات الملقاة على عاتق هذه الأجهزة إضافة إلى أنه ما تزال إنتاجية المراقبة و الملاحقة محدودة إذ أنه من أصل 2800 تصريح بالشبهات مقدمة مـن المصارف الفرنسية  أحيل علـى القضاء 90 ملفا فقط، و لذلك من الضروري المضي قدوما في تعزيز نظام المراقبة و تفعيل أجهزة الرقابة الذي ما يزال غير متناسب من المخاطر القائمة، بالإضافة إلى ضرورة إنشاء وحدة مركزية لتأمين التنسيق في مكافحة التبييض، تحول دون الفصل بين مختلف حلقات المكافحة.

هذا إضافة إلى عقبات أخرى كعدم وجود نظم معلوماتية متطور و عدم التزام المصارف بالمراقبة و التحقيق و كذلك التكوين و تأهيل الجيد لأعوان مكافحة تبيض الأموال.

الخاتمــة

من خلال ما سبق ذكره نخلص إلى الإشارة إلى أن الربط بين المخدرات وغسيل الأموال أوقع العديد من الدراسات القانونية في منزلق أدى إلى تصور أنشطـة تبييض الأموال جزءا من أنشطة المخدرات فقط، لكن لم تلبث الجهود العلمية والبحثية أن تبينت التمييز بينهما، بل تتجه الآن إلى القول بظهور مصادر جديدة للأموال غير المشروعة أكثر أهمية من المخدرات مثل أنشطة المقامرة وتحديدا عبر الأنترنت والأنشطة الإباحية وأنشطة الفساد الإداري والمالي المتفشي بالخصوص في الدول النامية .

ورغم تجاوب الجزائر على غرار العديد من الدول لما دعت إليه اتفاقيـة فيينا المتعلقة بمكافحة المخدرات المبرمة خلال سنة1988، وذلك بإصدارها لقوانين تتصدى لهذه الظاهرة و مخاطرها، إلا أن هذه التجاوبات تبقى قاصرة بالنظر إلى الخطر المحدق الذي تشكله هذه الجريمة بالمجتمع الدولي بصفة عامة جراء سرعة انتشارها وتعدد وتعقد التقنيات التي تستعمل فيها، وهو ما يحتم ضرورة تظافر الجهود على المستوى العالمي للحد منها، وقد انتهينا من خلال هذا البحث إلى جملة من الاقتراحات نرى ضرورة الأخذ بها للقضاء على هذه الآفة :

فيما يتعلق بالإطار القانوني :

إن البناء القانوني القائم بما يحتويه من ثغرات يمكن غاسلي الأموال النفاذ من خلالها لتحقيق أنشطتهم غير المشروع، وهو ما يحتم على الدول ضرورة الإحاطة بالمحتوى الفني لعمليات التبييض، والواقع القانوني الذي يتيح النفاذ بالإضافة .

ضرورة تجريم نشاط تبييض الأموال بمقتضى نص جنائي خاص يعكس كافة جوانب هذا النشاط .

ضرورة تعميق أواصر التعاون الدولي فيما يتعلق بمكافحة هذه الآفة، وذلك بتنسيق الجهود والإجراءات والقوانين التي تحقق لمختلف الدول مزايا تعقب الجريمة والمجرمين ومصادرة أموالهم داخل البلاد وخارجها ، مع مراعـاة احترام السيادة التشريعية والقضائية لكل دولة .

فيما يتعلق بالإطار المصرفي:

باعتبار أن البنوك تعد المستهدف الرئيسي في عمليات التبييض نظرا لدورها المتعاظم في تقديم مختلف الخدمات المصرفية، وتحديدا عمليات الصرف والتحويل النقدي، فإن البنوك ذاتها تعد رأس الحربة في مكافحة أنشطة التبييض وهذا لحماية نفسها أولا من المخاطر

المالية والمسؤوليات القانونية المترتبة على خوضها أو مشاركتها في هكذا أنشطة ولتقوم البنوك بدور فعال في هذا المجال فإنه يتعين الأخذ بإستراتيجية تقوم على الأسس الآتية :

محاربة ظاهرة البنوك الوهمية التي تقوم بدورخفي في عمليات التبييض، و ضرورة قيام البنك المركزي بإلغاء ترخيص أي بنك يثبت تورطه في القيام بعمليات التبييض.

ضرورة إيجاد إدارات متخصصة في البنوك على شكل خلايا استعلام وهذا لأجل مكافحة استخدام الحسابات والخدمات البنكية في عمليات التبييض وعلى البنك عدم التهاون في التوثق من هوية العميل، وتحديدا لدى بدء التعامل سواء كان الشخص طبيعيا أو معنويـا، وكذلك التوثق من مصدر الأموال ووجهتها.

اعتماد سياسة التقارير الدورية حول النشاط البنكي وتحليل معطياتها مع إحالتها للجهات المختصة بالرقابة .

قائمة المراجع المعتمدة

أولا : بالغة العربية

– المراجع العامة :

د/ أحسن بوسقيعة – الوجيز في القانون الجنائي العام ، الديوان الوطني للأشغال التربوية ، الطبعة 2002 .

د/ أحسن بوسقيعة – الوجيز في القانون الجنائي الخاص ، الجزء الثاني دار النخلة 2003.

  د/ رمزي زكي ، التاريخ النقدي للتخلف ، عالم المعرفة الكويت 1987.

د/ حسن المرصفاوي – قانون العقوبات الخاص ، منشأة المعارف ، الإسكندرية 1993.

د/ عبد الفتاح الصيفي – المطابقة في مجال التجريم ومحاولة فقهية لوضع نظرية عامة للمطابقة ، دار النهضة العربية طبعة 1991 .

 د/ صبحي تادرس قريصة والدكتور عبد الرحمان سيري أحمد –مقدمة في الإقتصاد دار الجامعات المصرية 1971 .

د/ محمد نجيب حسني – شرح قانون العقوبات القسم العام ، دار النهضة العربية ، الطبعة السادسة .

المراجع الخاصة :

د/ أحمد بن محمد العمري – جريمة غسيل الأموال ، مكتبة العبيكات 2000 .

د/ سليمان عبد المنعم – ظاهرة غسيل الأموال غير النظيفة- مجلة الدراسات القانونية الصادرة عن كلية الحقوق بيروت ، العدد الأول ، المجلد الأول سنة 1998

د/ صلاح الدين السيسي – القطاع المصرفي وغسيل الأموال – عالم الكتب 2003 .

د/ رياض فتح الله بصيلة – جرائم بطاقات الإئتمان – دار الشروق

القاهرة 1995 .

د/ جلال وفاء محمدين – دور البنوك العربية في مكافحة غسيل الأموال دار الجامعة الجديدة للنشر 2004 .

الأستاذ نادر عبد العزيز – دراسة مقارنة – رسالة الماجستير في قانون

الأعمال ، تقديم القاضي الدكتور غسان رباح ، منشورات الحلبي بيروت.

حمدي عبد العظيم – غسيل الأموال في مصر والعالم – دار الفكر

10- العربي 1997 .

11- سليمان عبد المنعم – مسؤولية المصرف الجنائية عن الأموال غير

– النظيفة – دار الجامعة الجديدة للنشر ، الإسكندرية الطبعة 1999 .

13- د/ غادة عماد الشربيني – المسؤولية الجنائية عن الأعمال البنكية

– ( دراسة مقارنة ) دار أبو المجد للطباعة بالهرم 1999 .

– د/ عبد الرؤوف فطيش – النقود والتشريع المصرفي في لبنان 1994.

– القاضي الدكتور روكس رزق – السر المصرفي المؤسسة الحديثة

– للكتاب طرابلس  .

–  د/ بيار صفا – السر المصرفي، محاضرات مطبوعة ، الجامعة اللبنانية

 كلية الحقوق للسنة الجامعية 1971 –1972 .

 د/ عبد القادر العظيم سر المهنة المصرفية في التشريع الأردني ( دراسة مقارنة ) مكتبة دار الثقافة عمان .

 د/ غسان رباح – قانون العقوبات الإقتصادي– منشورات حسون الثقافية بيروت 1990.

 د/ غسان رباح – قانون المخدرات والمؤثرات العقلية الجديد .

    جـ) النصوص القانونية :

القانون 04-15 المؤرخ في 10 نوفمبر 2004 المعدل والمتمم للأمر66 –156المتضمن قانون العقوبات الجزائري .

إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الإتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات

العقلية المبرمة بفيينا في ديسمبر 1988 .

قانون العقوبات الفرنسي الجديد – دالوز طبعة 2000 .

القانون الفرنسي رقم 96/392 المؤرخ في 13-05-1996 المتضمن مكافحة

        التبييض واستخدام عائدات الجرائم .

د) الدوريات والمنشورات والمقالات :

تقرير المجلس الإقتصادي والإجتماعي للأمم المتحدة بفيينا بتاريخ 16-03-1998.

مجموعة أحكام محكمة النقض المصرية .

مجلة الكويت العدد الأول الصادرة بتاريخ 01-01-1998 .

نشرة الأمم المتحدة سنة 1998.

(1) – تم استخلاص هذه المعدلات استنادا للرسوم البيانية المنشورة في وثائق الأمم المتحدة رقم 18715

(1)  إذا تبييض الأموال تفترض عموما مزاولة نشاط ظاهري مشروع في ذاته ( كالمطاعم الفاخرة و محلات بيع الملابس و المجوهرات و كازينوهات القمار ) و يعتبر ذلك غطاء نشاط آخر غير مشروع كالاتجار في المخذرات أو أي نشاط إجرامي آخر و يتم إيداع الأموال غير النظيفة المتحصلة على نشاط إجرامي كما لو كانت عن النشاط الظاهري المشروع .

(1) راجع الدكتور سليمان عبد المنعم: ظاهرة غسيل الأموال غير النظيفة / عن مجلة الدراسات القانونية الصادرة عن كلية الحقوق بيروت العدد الأول المجلد الأول سنة 1998 ص 80

(1)  راجع نادر عبد العزيز الشافي ماجستير في قانون الأعمال – تبييض الاموال (دراسة مقارنة ) تقديم القاضي الدكتور غسان رباح منشورات الحلبي ( بيروت ) ص79.

(1)  نادر عبد العزيز الشافي – تبييض الأموال – مرجع سابق  ض160.

(2)  صلاح الدين السيسي – القطاع المصرفي و غسيل الأموال – عالم الكتب 2003 ص153 .

(1)  رياض فتح الله بصيلة – جرائم بطاقات الائتمان – دار الشروق – القاهرة 1995م .

(1) أنظر – مجلة الحقوق الكويتية – مجلس النشر العلمي الكويت 1998 م .

(2) عبد العزيز الشافي ، مرجع سابق  – ص168 .

(3) ٍ  V. Ander Bossard , la criminalité international . P.N.E. paris . 1988 .PM° 41.

(1)   جلال وفاء محمدين – دور البنوك في مكافحة غسيل الأموال – دار الجامعة الجديدة للنشر 2004 – ص25 .

(2) ٍ  جلال وفاء محمدين – نفس المرجع ..

(1)    voir cass-crim 9-7-70 dalloz  p03

(2)   أحمد بن محمد العمري – جريمة غسيل الأموال – ص 254 – مكتبة العبيكات – 2000 .

(3)   أحمد بن محمد العمري – مرجع سابق ص 256 .

 (1) صلاح الدين  السيسي–  مرجع سابق ص 152 .

(2)  حمدي عبد العظيم – غسيل الأموال في مصر و العالم ، دار الفكر العربي 1997 ص 34 .

(1)  سليمان عبد المنعم مسؤولية المصرف الجنائية عن الأموال غير النظيفة دار الجامعة الجديدة للنشر الإسكندرية طبعة 99 ص13 .

(2)  عبد الفتاح الصيفي . المطابقة في مجال التجريم محاولة فقهية لوضع نظرية عامة للمطابقة دار النهضة العربية طبعة 91 ص 5 .

(1)   القضاء الفرنسي أكد أن المساهمة لا تقوم إلا بسلوك إيجابي و لا يكفي فيها مجرد الامتناع voir .cass.crim 22/7/97 dalloz p 92

 (2)   voir cass crim 6 /12 /89 dalloz péridique 90 p 117

(1)   نفض جنائي 12/12/77 مجموعة أحكام محكمة النقض المصرية ص19 .

(2)  المادة 389 من قانون العقوبات الجزائري .

 (3) حسن المرصفاوي قانون العقوبات الخاص منشأة المعارف الإسكندرية 1991 ص 383 .

(1)  نقض جنائي مصري 22/6/42 مجموعة القواعد القانونية ج5 ص 691 .

(2)  voir cass-crim 9-7-70 dalloz  p03

(1)   وفقا للقواعد العامة لا يعاقب الشريك إلا إذا كان عالما بالفعل الأصلي المعاقب عليه.

 (1)   سليمان عبد المنعم المرجع السابق ص 16 .

  (2)  سليمان عبد المنعم المرجع السابق ص 72 .

 (3)  حسب الدكتور مصطفى كمال طه فإن الوديعة في القانون المدني تختلف عن الوديعة في البنك فهذه الأخيرة تؤدي إلى امتلاك البنك لتلك الأموال على أن يلتزم برد مبلغ مماثل خلافا لها في القانون المدني فتعني حفظ الشيء و رده عينا .

 (1)   و مؤدى ذلك أن كل بنود الحساب الجاري مدمجة و لا يجوز استخراج بند على انفراد لترتب عليه آثار قانونية بصورة مستقلة عن جملة الحساب .

(1)  الدكتور سليمان عبد المنعم المرجع السابق ص 81 .

 (2) المادة الثالثة من القانون 12/7/90 الفرنسي المتعلق بمكافحة غسيل الأموال المتحصلة عن الاتجار في المواد المخدرة .

(1)  المادة 428 –1 الفقرة الأخيرة من القانون 13 /5/96 الفرنسي

(2)  المادة 324 –9 من القانون 13/5 96 المذكور .

 (3)  يقصد بالمتحصلات الأموال التي تم الحصول عليها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من جرائم المخذرات .

 (4)  يقصد بالأموال محل الغسيل الأصول أيا كان نوعها سواء كانت مادية أو معنوية منقولة أو غير منقولة و كذا كل المستندات القانونية التي تثبت تملك تلك الأموال و الصكوك .

 (1)   المادة 4 الفقرة الأولى من اتفاقية فيينا من سنة 88 .

(1)  أنظر الوجيز في القانون الجنائي الخاص الجزء الثاني الدكتور أحسن بوسقيعة ص 35 .

 (2) شرح قانون العقوبات الجزائري للدكتور عبد الله سليمان القسم الخاص ص 50.

 (1)  أنظر القانون 04/15 المؤرخ في10/11/2004  المعدل و المتمم للأمر 66/156 المتضمن قانون العقوبات .

(1)  أنظر المادة 126 – 126 مكرر1 . 126 مكرر2 . 127 – 129 من قانون العقوبات الجزائري .

 (2) أنظر نص المادتين389  مكرر1 . 389 مكرر2 من قانون العقوبات الجزائري .

 (3) الوجيز في قانون الجنائي الخاص الدكتور أحسن بوسقيعة ص 19-20 .

 (1)  أنظر قرار المجلس الأعلى للقضاء الصادر في 3/4/84 المجلة القضائية 89 جزء 1 ص 277

(1)  محمد نجيب حسني شرح قانون العقوبات القسم العام ، دار النهضة العربية ، الطبعة السادسة ص 578 .

(2)  المادة الأولى من قانون العقوبات الجزائري .

(3)  أحسن بوسقيعة الوجيز في القانون الجنائي العام . المرجع السابق ض 48 .

(1)  أنظر المادة 182 قانون العقوبات و المتعلقة بجريمة عدم تقديم المساعدة للشخص في حالة خطر .

(1)  الدكتور سليمان عبد المنعم .مرجع سابق ص 115 – 116 .

(1)  راجع المادة الثالثة من الفقرة ج ( 1 ) من الاتفاقية الدولية المبرمة بفيينا لسنة 1988 .

 (2) انظر المواد 389 مكرر و ما يليها المستحدثة في قانون العقوبات الجزائري بموجب القانون رقم 04-15 .

(1)   صبحي تادرس قريصة و الدكتور عبد الرحمان يسري أحمد : مقدمة في الاقتصاد ، دار الجامعات المصرية 1971 ، ص 331 .

(2)   عبد الرؤوف فطيش : النقود و التشريع المصرفي في لبنان 1994 ، ص 205 .

(3)   الأستاذ نادر عبد العزيز المرجع السابق ص 193 .

(1)   رمزي زكي ، التاريخ النقدي للتخلف ، عالم المعرفة ، الكويت ، 1987 ، ص 257 – 299 .

(2)   غادة عماد الشربيني ، المرجع السابق ص 533 .

(1)    نادر عبد العزيز شافي ، المرجع السابق ص 195 .

(2)   من تقرير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي للأمم المتحدة بفيينا بتاريخ 16/3/1998 .

(3)   غادة عماد الشربيني ، المرجع السابق ص 534 .

 (4)  غادة عماد الشربيني ، المرجع السابق ص 534 .

(1)  نادر عبد العزيز شافي ، المرجع السابق ص 202 .

(2)  نادر عبد العزيز شافي ، المرجع السابق ص 204 .

(3)  نادر عبد العزيز شافي ، المرجع السابق ص 205 .

 (4)  نعيم مغبغب ، تهريب الأموال المصرفية أمام القضاء الجزائي ، دار الفكر العربي 1986 ، ص 142 .

(1)  نادر عبد العزيز شافي ، المرجع السابق ص 206 .

(2)  الأستاذ نادر عبد العزيز شافي ، المرجع السابق ص 207 .

(1)  الموقع الإلكتروني :W W W ESSAHAB . NET / VB / SHOW THRED . PHP ? T = 942.

 (2) نادر عبد العزيز شافي ، المرجع السابق ص 243 .

(1)  غسان رباح ، قانون المخدرات و المؤثرات العقلية الجديد ص 151 .

(1)  موقع الأنترنيت السابق .

(1)  انظر المادة 65 مكرر 2 و المادة 65 مكرر 3  من قانون الإجراءات الجزائية .

(2)  المادة 389 مكرر 1 من قانون العقوبات .

(3)  المادة 389 مكرر 2 من قانون العقوبات .

(4)  المادة 389 مكرر 3 من قانون العقوبات .

(1)  ارجع إلى المادة 389 مكرر 7 من قانون العقوبات .

(1)  المادة 5 من الاتفاقية .

(2)  يلاحظ أن هذه الاتفاقية تقتصر على تجريم تبييض الأموال الناتجة عن المخدرات دون الأعمال غير المشروعة الأخرى ، كالرشوة و الفساد الإداري و السياسي ،و التهرب الضريبي و المتاجرة غير المشروعة في الأسلحة ….

(1)  أحمد بن محمد العمري ، المرجع السابق ص 125 إلى 127 .

(2)  أحمد بن محمد العمري ، المرجع السابق ص 127 .

(1)   روكس رزق ، السر المصرفي ، المؤسسة الحديثة للكتاب ، طرابلس لبنان ص 10 .

(2)   غسان رباح ، المرجع السابق ص 45 .

(1)  بيار صفا ، السر المصرفي ، محاضرات مطبوعة على الآلة الناسخة ، الجامعة اللبنانية ، كلية الحقوق 1971 / 1972 .

(2)  عبد القادر العطيم ، سر المهنة المصرفية في التشريع الأردني ( دراسة مقارنة ) مكتبة دار الثقافة ، عمان 1991 ص 168 .

  (1)  حمدي عبد العظيم ، المرجع السابق ص 248 .

error: