عمل قوم لوط الأضرار والأسباب وسبل الوقاية والعلاج

لائحة اعتراضية

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:

فإن عمل قوم لوط جريمة منكرة، وفعلة قبيحة، يمجها الذوق السليم، وتأباها الفطرة السوية، وتمقتها الشرائع السماوية، وذلك لما لها من عظيم الأضرار، ولما يترتبت على فعلها من جسيم الأخطار.

ولقد يسر الله لي أن كتبت في هذا الشأن كتابًا بعنوان:

 الفاحـشـة (عمل قوم لوط) الأضرار_الأسباب_سبل الوقاية والعلاج

ولما كان ذلك الكتاب مطوَّلاً تشق قراءته على كثير من الشباب_رأى بعض الأخوة الفضلاء أن يُختصرَ هذا الكتاب، ويُلخَّصَ منه نبذة خاصة بالشباب؛ ليسهل اقتناؤه، وقراءته، وتداوله بينهم.

فوافق ذلك رغبة في نفسي، فاستعنت بالله _عز وجل_ واختصرت ذلك الكتاب في هذا الكتيِّب الذي أسميته =الجريمة الخلقية_عمل قوم لوط_الأضرار_سبل الوقاية والعلاج+.

 وقد حرصت_قدر المستطاع_على الاختـصار، وحذفت أكثر الحواشـي إلا مـا لا بدّ منـه؛ فمن أراد التفصيل فليراجع الأصل.

والله المستعان وعليه التكلان، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

عرف هذا العمل بعدة تعريفات منها:

1_أنه إتيان الذكور في الدبر.

2_وعرف_أيضًا_بأنه: اكتفاء الرجال بالرجال.

3_وعرف بأنه: وطء الذكرِ الذكرَ.

أسماؤه الأخرى:

لهذا العمل القبيح أسماء أخرى يعرف بها، منها ما يلي:

1_عمل قوم لوط؛ لأنهم أول من ابتدعه.

2_الفاحشة: وقد سماها الله_عز وجل_بذلك؛ لأنها فعلة متناهية في القبح، قال_عز وجل_في شأن قوم لوط_عليه السلام_: [أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ ].

3_اللواط: كذلك نسبة إلى قوم لوط_عليه السلام_.

4_الشذوذ الجنسي: لأنه شذوذ منحرف، وانتكاس في الفطرة.

 5_الجنسية المثلية: فقد سماه بعض الباحثين بذلك؛ لأنه يمثل الميل نحو نفس الجنس.

6_المدابرة: لأنه عبارة عن إتيان الرجال في أدبارهم.

ولهذا فلا غضاضة في استعمال أيٍّ من هذه الأسماء في ثنايا هذا البحث.

تحريم اللواط معلوم بالكتاب والسنة والإجماع، قال_تعالى_: [ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ ] (الأعراف: 80) ، وسماهم معتدين ومسرفين، ولعن رسول الله”الفاعل والمفعول به+ ([1]).

وأجمع الصحابة_رضي الله عنهم_على قتل مرتكب هذه الكبيرة، وقد نقل هذا الإجماعَ غيرُ واحدٍ من أهل العلم، كابن قدامة، وابن القيم _رحمهما الله تعالى_.

ولم يختلف الصحابة في القتل، وإنما اختلفوا في كيفيته، فقال بعضهم: يقتل بالسيف، وقال بعضهم: يرمى بالحجارة، وقال بعضهم: يحرق بالنار، وقال بعضهم: يرفع على أعلى بناءٍ في القرية فيرمى منه مُنكَّساً، ثم يتبعه بالحجارة.

قال الشيخ العلامة بكر أبو زيد_حفظه الله_: =وأما صفة القتل فإن الذي يظهر لي_أيضاً والله أعلم_هو أن هذا عائد إلى رأي الإمام من القتل بالسيف، أو رجماً بالحجارة، أو نحو ذلك، حسب مصلحة الردع والزجر والله أعلم+ ([2]).

وهذا الحكم يشمل الفاعل والمفعول به سواء سواء كانا بكرين أو ثيبيين أو أحدهما إذا كانا عاقلين بالغين عند جمهور العلماء.

ودليل هذا القول قوله”: =من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به+ ([3]).

قال الشيخ بكر أبو زيد تعليقاً على هذا الحديث: =ووجه الدلالة من هذا الحديث نَصِّيَّةٌ على قتل الفاعل والمفعول به، وليس فيه تفصيل لمن أُحْصِن أو لم يُحْصَن؛ فدل بعمومه على قتله مطلقاً+ ([4]).

              ورد في ذم عمل قوم لوط آثار عديدة من الكتاب والسنة، كما ورد ذلك_أيضًا_في أقوال السلف الصالح.

فلقد قص الله_عز وجل_علينا شأنهم في سور عديدة من القرآن الكريـم كمـا في: سـورة الأعـراف (80_84) ، وهــود (77_83) ، والحــجــر (57_77) ، والأنبـيـاء (74_75) ، والشعراء (160_175) ، والنمل (54_58) ، والعنكبوت (28_35) ، والصافات (133_138) ، والقمر (33_39).

ومما ورد في ذم هذا العمل من السنة_قول النبي صلى الله عليه وسلم: =لعن الله من عَمِلَ عَمَلَ قوم لوط+ ([5]).

وقوله: =إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط+ ([6]).

ومما ورد عـن السلف الصالح في ذمه_قول الفضيل بن عياض_رحمه الله تعالى_: =لو أن لوطيَّـاً اغتسل بكل قطرة من السماء_ لقي الله غير طاهر+ ([7]).

ولعل هذا يحمل على أنه إذا لم يتب.

ومما قيل في ذمه:

فيا ناكحي الذكران تهنيكم البشرى

فيوم معاد الله إن لكم أجرا

كلوا واشربوا وازنوا ولوطوا وأكثروا

فإن لكم زفا إلى ناره الكبرى

فإخوانكم قد مهدو الدار قبلكم

وقالو إلينا عجلوا لكم البشرى

وهنا نحن أسلاف لكم في انتظاركم

سيجمعنا الجبار في ناره الكبرى

ولا تحسبن الذين نكحتموا

يغيبون عنكم بل ترونهمُ جهرا

ويلعن كل منكم لخليله

ويشقى به المحزون في الكرةَّ الأخرى

يعذب كل منهم بشريكه

كما اشتركا في لذة توجب الوزرا

لعمل قوم لوط أضرار كثيرة جدًا، يقصر دونها العد والإحصاء، والبحث والاستقصاء، وذلك على الأفراد والجماعات في الدنيا والآخرة.

وهذه الأضرار متشعبة ومتنوعة، فله أضرار دينية، وخلقية، ونفسية، وصحية، وإليك بعض التفصيل في ذلك:

 أولاً: أضراره الدينية:

أما أضراره الدينية فلكونه كبيرة من كبائر الذنوب، ولأنه يصد عن كثير من الطاعات، بل ولخطره على توحيد الإنسان؛ ذلك لأنه ذريعة للعشق والتعلقِ بالصور المحرمة، وهذا ذريعة للشرك بالله؛ ولأن الاستمرار على فعله قد يقود الفاعل إلى محبة الفحشاء وبغض التعفف، فيقع في محبة ما كرهه الله_عز وجل_وبغض ما أحبه الله.

وقد يتمادى الأمر بمرتكب هذه الجريمة، فيستمرؤها، وقد يقوده ذلك إلى استحلالها_عياذًا بالله_.

وهذا كله خطر على أصل التوحيد، وذريعة للكفر والشرك، والخروج من الإسلام_عياذًا بالله_.

قال الإمام ابن القيم_رحمه الله تعالى_بعد أن تحدث عن الذنوب والمعاصي، وأن التوحيد يمحوها، ويزيل نجاستها_: =ولكن نجاسة الزنا واللواطة أغلظ من غيرها من النجاسات؛ من جهة أنها تفسد القلب، وتضعف توحيده جداً؛ ولهذا كان أحظى الناس بهذه النجاسة أكثرهم شركاً، فكلما كان الشرك في العبد أغلب_كانت هذه النجاسة والخبائث فيه أكثر، وكلما كان أعظم إخلاصاً_كان منها أبعـد، كما قـال_تعالى_عن يوسف الصديق_عليه السلام_: [ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ] (يوسف: 24) ، فإن عشق الصور المحرمة نوعُ تَعَبُّدٍ لها، بل هو من أعلى أنواع التعبد، ولا سيما إذا استولى على القلب، وتمكن منه صار تَتَيُّماً، والتتيم: التعبد، فيصير العاشق عابدًا لمعشوقه، وكثيرًا ما يغلِّب حبَّه وذكره، والشوق إليه، والسعي في مرضاته، وإيثار محابِّه على حبِّ الله، وذكره، والسعي في مرضاته.

بل كثيرًا ما يذهب ذلك من قلب العاشق بالكلية، ويصير متعلقاً بمعشوقه من الصور، فيصير المعشوق هو إلهَه من دون الله_عز وجل_يقدم رضاه وحبه على رضا الله وحبه، ويتقرب إليه ما لا يتقرب إلى الله_تعالى_وينفق في مرضاته ما لا ينفقه في مرضاة الله، ويتجنب من سخطه ما لا يتجنب من سخط الله_تعالى_فيصير آثرَ عنده من ربه حبَّـاً، وخضوعاً، وذلاً، وسمعاً، وطاعةً.

ولهذا كان العشق والشرك متلازمين، وإنما حكى الله_سبحانه_العشق عن المشركين من قوم لوط، وعن امرأة العزيز_وكانت إذ ذاك مشركة_.

فكلما قوي شرك العبد بلي بعشق الصور، وكلما قوي توحيده صرف ذلك عنه.

والزنا واللواطة كمال لذتهما إنما يكون مع العشق، ولا يخلو صاحبهما منه، وإنما لتنقله من محل إلى محل_لا يبقى عشقه مقصورًا على محل واحد، بل ينقسم على سهامٍ كثيرة، لكل محبوب نصيب من تألهه وتعبده.

فليس في الذنوب أفسد للقلب والدين من هاتين الفاحشتين، ولهما خاصية في تبعيد القلب من الله؛ فإنهما من أعظم الخبائث، فإذا انصبغ القلب بهما بَعُدَ ممـن هـو طيِّب لا يصعد إليه إلا طيباً، وكلما ازداد خبثًا ازداد من الله بعداً+ ([8]).

ثانيًا: أضراره الخُلقية:

أما أضراره الخُلقية فكثيرة جدًا، فاللواط لوثة خلقية، وانحراف عن الفطرة السوية، وهو سبب لقلة الحياء، وسوء الخلق، وبذاءة اللسان، وقسوة القلب، وانعدام الرحمة، وقتل المروءة والرجولة، وذهاب الشهامة والشجاعة والنخوة والعزة والكرامة، وهو سبب للاتصاف بالشِّرَّة والعدوانية، وحبِّ الجريمة، والجرأة عليها.

وهو سبب لسفول الهمة، وضعف الإرادة والحمق، والنزق والخرق.

وهوموجب للذلة والحقارة، وسقوط الجاه والمنزلة، ونزع الثقة من مرتكبه، والنظر إليه بعين الخيانة.

وهو سبب لذهاب الغيرة من القلب، وحلول الدياثة محلها.

ومن أضراره الخلقية_أيضًا_حرمان العلم والترقي في مدارج الكمال ومراتب الفضيلة.

ثالثًا: أضراره النفسية:

فهذا العمل يورث صاحبه أضرارًا نفسية كثيرة منها:

1_الخوف الشديد والوحشة والاضطراب: فالذي يمارس هذا العمل لا تراه إلا خائفًا مذعورًا، يحسب كل صيحة عليه، وكل مكروه قاصدًا إليه، فلا تجده إلا وقلبه كأنه في جناحي طائر؛ ذلك لأن الطاعة حصن الله الأعظم الذي مَنْ دخله كان من الآمنين، ومن خرج عنه أحاطت به المخاوف من كل جانب.

فمن أطاع الله انقلبت المخاوف في حقه أماناً، ومن عصاه انقلبت مآمنه خوفاً، ومن خاف الله آمنه من كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء؛ فالجزاء من جنس العمل؛ فمن بحث عن الأمن والأنس في معصية الله_انقلب الأمر عليه رأساً على عقب، فأصبح أمنه خوفاً، وأنسه هماً وغماً.

2_الحزن والعذاب والقلق: وهذا جزاء عاجل لمن أحب لغير الله، أو تعلق بغير الله، فبقدر تلك المحبة أو التعلق بغير الله_يصيب الإنسان ما يصيبه من العذاب، والحزن، والألم، والقلق.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية_رحمه الله تعالى_: =واعلم أن كل من أحب شيئًا لغير الله فلا بدّ أن يضره محبوبه، ويكون ذلك سببًا لعذابه+ ([9]).

وقال العلامة ابن القيم_رحمه الله تعالى_: =والمقصود أن من أحب شيئًا سوى الله_عز وجل_فالضرر حاصل له بمحبوبه، إن وجد وإن فقد؛ فإن فَقَدَه عُذِّب بفواته، وتألم على قدر تعلق قلبه به، وإن وَجَده كان ما يحصل له من الألم قبل حصوله، ومن النكد في حال حصوله ومن الحسرة عليه بعد فوته_أضعافَ أضعافِ ما في حصوله من اللذة+ ([10]) ولهذا قيل:

وما في الأرض أشقا من محب

وإن وجد الهوى حلو المذاق

تراه باكيا في كل حين

مخافة فرقة أو لا اشتياق

فيبكي إن نأوا شوقا إليهم

ويبكي إن دنوا خوف الفراق

فتسخن عينه عند التنائي

وتسخن عينه عند التلاق

3_هذه الفاحشة تجعل صاحبها عرضة للإصابة بأمراض عصبية شاذة، وعلل نفسية شائنة تفقده لذة الحياة، وتسلبه الأمن والطمأنينة.

4_الرغبة في العزلة والانطواء: فالذي يمارس هذا العمل تجده مؤْثِراً للعزلة والانطواء، لا يأنس إلا بمن يلائمه ويشاكله.

5_تقلب المزاج، وضعف الشخصية، وعدم استقلالها.

6_الانهزامية، وانعدام الثقة بالنفس.

7_الشعور بالذنب: فمن يمارس هذا العمل يشعر بالذنب، وأن الناس يعلمون بقبيح فعله، فلسوء فعله ساء ظنه كما قال المتنبي:

إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه

وصدق ما يعتاده من توهم

وعادى محبيه بقول عداته

وأصبح في ليلٍ من الشك مظلمِ

8_كثرة الوساوس والأوهام: فهذا الداء العضال إذا تمكن من القلب واستحكم وقوي سلطانه_أفسد الذهن، وأحدث الوساوس، وربما التحق صاحبه بالمجانين الذين فسدت عقولهم فلا ينتفعون بها.

9_الإصابة بمرض الهوس الجنسي: ذلك المرض الذي يجعل صاحبه الشهواني المندفع مشغولاً في جميع أوقاته بتخيُّلات شهوانية غريزية.

10_التوتر النفسي، والتردد، والتخاذل، وعدم المبالاة.

11_الارتباك، واليأس، والتشاؤم، والملل، والتبلد العاطفي.

12_التأثير على الأعصاب: فهذه الفعلة تغزو النفس، وتؤثر على الأعصاب تأثيرًا خاصاً، أحد نتائجه الإصابة بالانعكاس النفسي في خلق الفرد، فيشعر داخليًا بأنه لم يخلق ليكون رجلاً، وينقلب ذلك الشعور إلى شذوذ جنسي، فيميل إلى بني جنسه، وتتجه أفكاره إلى أعضائه التناسلية.

ومن هنا يتبين لنا العلة الحقيقية من إسراف بعض الشباب الساقطين في التزين وتقليد النساء.

رابعًا: أضراره الصحية:

أما أضراره الصحية فحدث ولا حرج؛ فها هو الطب الحديث يكتشف لنا_بين الفينة والأخرى_كارثة من كوارث الشذوذ الجنسي، وها هي وسائل الإعلام تطل علينا_من وقت لآخر_بقارعة تحل بساحة الشذاذ.

وما إن يجد الأطباء علاجًا نافـعًا لمـرض مـن الأمـراض_إلا ويستجد مرض جديد يشغلهم عن المرض السابق، مما جعلهم يقفون واجمين متحيرين أمام هذا الخِضمِّ الموَّار من تلك الشرور والأخطار.

وهذا مصـداق لقــول الرسول”: =لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها_إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا+ ([11]).

ومن الأمراض الصحية الناجمة عن اللواط ما يلي:

1_الرغبة عن المرأة: فمن شأن اللواط أن يصرف الرجل عن المرأة، وقد يبلغ به الأمر إلى حد العجز عن مباشرتها.

2_ارتخاء عضلات المستقيم وتمزقه: فاللواط سبب في تمزق المستقيم، وهتك أنسجته، وارتخاء عضلاته، وسقوط بعض أجزائه، وفقد السيطرة على المواد البرازية، وعدم استطاعة القبض عليها؛ ولذلك تجد بعض الوالغين في هذا العمل دائمي التلوث بهذه المواد المتعفنة، بحيث تخرج منهم بدون شعور.

3_التيفوئيد والدوسنتاريا: فهو يسبب العدوى بالحمى التيفودية والدوسنتارية وغيرها من الأرض الخبيثة التي تنتقل عن طريق التلوث بالمواد البرازية المزودة بمختلف الجراثيم والعلل والأمراض.

4_الزهري: وهو أحد ثمار الشذوذ الجنسي، وقد عرف مع نهاية القرن الخامس عشر الميلادي، وهو عادة لا يصيب إلا الإنسان دون سائر المخلوقات، وتسببه جرثومة اسمها =تريبوينما باليديم+ وهي جرثومة صغيرة ودقيقة جدًا، بحيث لا ترى بالعين المجردة.

أما عن أسباب هذا المرض، فإنه لا يوجد لهذا المرض الخطير سبب غير العلاقة الجنسية المحرمة، والوطء في نكاح محرم غير صحيح، ولا يمكن أن يحدث مطلقاً نتيجة وطء حلال.

أما أعراضه فمنها ما يظهر على شكل تقرحات على الأعضاء التناسلية، ومنها ما يكون داخليَّـاً، فيظهر على كبد المريض، وأمعائه، ومعدته، وبلعومه، ورئتيه، وخصيتيه.

وأما الآثار التي يتركها على قلب المريض، وشرايينه، وأعصابه_فكبيرة ورهيبة؛ فهو يسبب الشـلل، وتصلب الشـرايين، والعمى، والذبحة الصدرية، والتشوهات الجسمية، وسرطان اللسان، والسلّ في بعض الأحيان.

وهذا المرض سريع العدوى، وانتشاره في العالم_عامة_وفي أوربا وأمريكا_خاصة_يزداد ويتضاعف يوماً بعد يوم.

5_السيلان: ويعد السيلان أكثر الأمراض الجنسية شيوعًا في العالم، إذ يبلغ عدد المصابين به سنوياً حسب تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 1975م_250 مليون شخص.

وأكثر الناس عرضة لهذا المرض هم الشاذون جنسياً، ولقد أوضحت الدراسات الميدانية أن الشاذين جنسياً_وعددهم في الولايات المتحدة حالياً قد جاوز الثمانية عشر مليوناً_هم أكثر الناس إصابة بالأمراض الجنسية.

ويعد السيلان من أكثر الأمراض المعدية انتشاراً في الوقت الحاضر، وقد يصاب به 200_500 مليون شخص كل عام معظمهم في ريعان الشباب.

وهذا المرض يعرف بـ =السيلان+، ويسمى في بعض البلاد العربية =التعقيبة+، وفي بعضها الآخر =الرَّدَّة+.

وهذا المرض ينتقل نتيجة اتصال جنسي مباشر، ونكاح في فرج محرم، ولا يمكن أن ينتقل_مطلقاً_إلى عفيف أو عفيفة.

وهذا المرض يحدث التهابات شديدةً في الأعضاء التناسلية، ويصحبه قيحٌ وصديدٌ كريهُ الرائحة، ويعد هذا المرض من أهم الأسباب التي تؤدي بالمصاب إلى العقم، ويسبب_أيضاً_ضيق مجرى البول، والتهاب القناة الشرجية، والتهاب الفم، كما أن المريض يشعر بضيق وحرقان عند التبول، وتحمر المنطقة المحيطة بفتحة القضيب نتيجة الالتهاب، ويتقدم الالتهاب في الإحليل صعودًا، حيث يصل بعد 10_14 يومًا إلى نهايته المتاخمة للمثانة، فتلتهب هي الأخرى، فيزداد الحرقان، وألم التبول، ويصاحب ذلك صداع، وحمى، وإنهاك عام.

ويمكن لجرثومة هذا المرض أن تصل إلى أي مكان في الجسم عندما تدخل الدورة الدموية، وحينئذٍ تسبب التهاب الكبد، والسحايا، والتهابات أخرى في القلب وصماماته.

6_الهربس: ومن تلك الأمراض الجنسية المخيفة_مرض الهربس الذي فرض نفسه شبحاً مرعباً في نفوس أولئك الذين انغمسوا في العلاقات الجنسية المحرمة، فلقد أوضح تقرير لوزارة الصحة الأمريكية أن الهربس لا علاج له حتى الآن، وأنه يفوق في خطورته مرض السرطان.

ولقد واصل مرض الهربس زحفه إلى الأمام، حتى تصدر قائمة الأمراض الجنسية.

وبلغ عدد المصابين به في الولايات المتحدة عشرين مليون شخص، وتقدر عدد الإصابة في بريطانيا بمائة ألف شخص سنوياً.

فما الهربس؟ وما حقيقته؟

إنه مرضٌ حادٌ جدًا يتميز بتقرحات شديدة حمراء اللون، تكبر، وتتكاثر بسرعة، ويسببه فيروس =هربس هومنس+ وينتقل هذا المرض بالاتصال الجنسي إلى الأعضاء التناسلية، أو الفم عند الشاذين، وتبدأ أعراضه عند الرجال بالشعور بالحكة، فتتهيج المنطقة، وتظهر البثور، والتقرحات على مقدمة القضيب، والقضيب نفسه، وعلى منطقة الشرج عند الذين يلاط بهم.

وهذه البثور الصغيرة الحجم الكثيرة العدد_يكبر حجمها، ويزداد ألمها، وتتآكل، فتلتهب من البكتيريا المحيطة، فيزداد المرض تعقيدًا، ويخرج منه صديد، وربما يمتد الالتهاب إلى الفخذ، ومنطقة العانة، فتتضخَّم الغدد اللمفاوية، وتصبح مؤلمة جدًا.

وأضرار الهربس لا تقف عند حد الأعضاء التناسلية فحسب، بل إنها تتعدى ذلك إلى سائر أعضاء الجسم، وله مضاعفات شديدة، فقد ينتقل إلى الدماغ، وإصابة الدماغ مميتة في أغلب الحالات بنسبة أكثر من 90%.

ومما يؤكد خطورته_أيضًا_أنه لا يقتصر على الأعراض الجسدية البحتة؛ إذ أن المرض يحدث أعراضاً نفسيةً وعصبيةً ربما تكون أخطر بكثير من الأعراض الأولى، فقد أجمع الأطباء على أن الآثار النفسية المدمرة لمرض الهربس_أخطر بكثير من آثار المرض التي تتمثل في القروح والآلام الجسدية.

وهذا المرض ينتشر لدى الشاذين جنسياً =ويذكر الدكتور_مورس_أخصائي أمراض الهربس أن نتيجة الدراسة التي قام بها في بريطانيا تشير إلى أن انتشار هذا المرض يزداد يومًا بعد يوم، وأن أكثر الإصابات تقع بين الشباب والشابات الذين تتراوح أعمارهم بين 15_30 سنة، وأن هذا المرض يتناسب طردياً مع الجنس، وطرق ممارسته، وازدياده في المجتمع بطرق غير صحيحة، فيما يقل بالمقابل عند الذين يحبون العفاف ويسعون إليه+.

ولا يوجد علاج فعال لهذا المرض، ولكن يجب أن يحمى المريض من الالتهابات البكتيرية الثانوية، مع استمرار فحص المصاب مدة ثلاثة أشهر بحثاً عن أمراض جنسية أخرى.

هذه نبذة يسيرة عن هذا المرض الفتاك.

7_الإيدز: وما أدراك ما الإيدز؟ ذلك المرض الخطير الذي أصاب العالم_عمومًا_والعالم الغربي_خصوصًا_بسببه موجةٌ من الذعر والخوف.

فلقد عُرف هذا المرض حديثاً، فأصبح يهدد إنسان الغرب وحضارة الغرب بالفناء.

وخطورة هذا المرض ترجع لأسباب عديدة منها:

أ_أن نسبة المصابين به، ونسبة الوفيات به عالية جدًا.

ب_الغموض المريع الذي يكتنفه، لدرجة أن الأسئلة حوله كثيرة ومحيرة، وإجابات المختصين عليها قليلة.

ج_قلة العلاج أو انعدامه بالكلية.

د_سرعة انتشار هذا المرض.

وكلمة =إيدز+ هي عبارة عن الأحرف الأولى للكلمات التي يتكون منها اسم هذا المرض باللغة الإنجليزية، ومعناه في العربية =نقص المناعة المكتسبة+ أو =انهيار المناعة المكتسبة+؛ ذلك أن الله_عز وجل_أودع جسم الإنسان مناعة تضاد وتكافح مختلف الأمراض التي تغزو الجسم، فإذا ما أصيب الإنسان بمرض الإيدز_فإنه لا يكاد يحتمل مكافحة أدنى الأمراض، وربما قضى عليه أقلها ضررًا؛ إذ تنهار لدى المصاب بالإيدز وسائل الدفاع، فيصبح نهبة سهلة لشتى الأمراض.

أما أكثرية المصابين بهذا المرض_فقد ذكر المختصون أن نسبة 95% منهم هم ممن يمارسون اللواط، وأن نسبة قليلة منهم هم من مرضى المخدرات.

كما ذكر المختصون_أيضاً_أن تسعة أعشار المصابين بالإيدز يموتون خلال ثلاث سنوات من بداية المرض.

أما عدد المصابين به فإنه يزداد بشكل مستمر.

8_فيروس الحب: وقبل أن يفيق العالم من هول الصدمة التي أحدثها الإيدز_إذا بمرض جديد يحل بساحة الشذاذ، وهذا المرض أشد افتراسًا وأعظم وطأة من الإيدز، بل إن الإيدز_كما يؤكد الدكتور =كينيث مور+ مكتشف هذا المرض_يعد لعبة أطفال مقارنة بهذا المرض الجديد.

هذا وقد سماه مكتشفه الدكتور =مور+_فيروس الحُبِّ، أو مرض الحُبِّ.

أما أعراض هذا المرض فإنه بعد ستة أشهر من استلام الجسيم لهذا الفيروس العجيب_يمتلئ جسم المريض بأكمله بالبثور، والقروح، والتقيحات، ويستمر نزيف المريض إلى أن يموت.

ويقول الدكتور =مور+: إن الفيروس الجديد قد لا يستلمه الجسم بسهولة، ولكن متى ما تغلغل في جسم الإنسان فإن العلوم الطبية المعاصرة تقف عاجزة بإزائه.

وإن مما يجعل هذا الفيروس غير عادي أبدًا_هو أنه يستمر ساكناً، ويبقى في حالة كمون تام، وذلك إلى لحظة معينة هي لحظة جيشان الهرمونات التي تتوافق مع تهيج الجسم عند ممارسة الجنس.

وعند ذلك تدِبُّ الحياة في الفيروس، وذلك بعد قضائه لفترة حضانة استمرت ستة أشهر.

أما انتقال هذا المرض فإنه ليس كغيره من الأمراض الجنسية التي لا تنتقل إلا عن طريق الدم أو السوائل، أو الممارسات الجنسية، وإنما ينتقل بشتى الطرق، حتى أنه يصيب الذين لا يمارسون الجنس أبدًا، وتبدو طريقة انتشاره خفية نوعاً ما، ولكن الدكتور مور يقول: إن انتشاره ربما يتم عن طريق انتقاله عبر الهواء، وتنفسه بواسطة البشر، حيث يستقر أولاً داخل الرئتين.

وفي ختام الحديث عن فيروس الحب نصل إلى نهاية الحديث عن أضرار اللواط.

فهذا شيء من أضراره، وهذا جزء من آثاره، أَوَ بعد هذا يليق بعاقل أن يسلم قياده لنزوةٍ خاطئةٍ، أو لذة عابرة ثم يدفع بعدها الثمن غاليًا؟ !

ولكن:

إذا لم يكن للمرء عينٌ صحيــحةٌ

فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفر

سبل الوقاية والعلاج ([12])

وبعد نهاية الحديث عن أضرار اللواط_نصل إلى مربط الفرس وبيت القصيد، ألا وهو الحديث عن سبل الوقاية والعلاج؛ وذلك أن أكثر من يقع في تلك الجريمة لا ينقصه معرفة حكم الإسلام فيها، ولا معرفة الأضرار الناتجة عنها، وإنما ينقصه معرفة كيفية العلاج من هذا الداء العضال، وسبل الفكاك من تلك الشهوة الجامحة.

وفيما يلي من صفحات سيتم الحديث عن بعض السبل المعينة على التخلص والوقاية من هذا البلاء، والتي يجدر بمن ابتلي به أن يسلكها، ويأخذ بها؛ علَّ الله أن ينفعه بها، فمن ذلك ما يلي:

1_التوبة النصوح: فيا أيها المبتلى بهذا الداء_الله الله بالتوبة النصوح؛ فإن باب التوبة مفتوح، وبوارق الأمل لك تلوح.

قال ابن القيم ×: =فإياك أيها المتمرد أن يأخذك على غرة فإنه غيور، وإذا أقمت على معصيته وهو يمدك بنعمته_فاحذره فإنه لم يهملك ولكنه صبور، وبشراك أيها التائب بمغـفرته ورحمـته إنـه غـفـور شكور+ ([13]).

فأقدم غير هياب ولا متردد، وإيّاك والتأجيلَ والتسويفَ، واعلم أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيرًا منه، فإنك إن صدقت في توبتك، وأنبت إلى ربك، وتركت ما تهواه رغبة في رضاه، وخشيةً من سخطه وأليم عقابه_فإنه سيقبلك ولن يخذلك، واعلم بأن العبرة بكمال النهاية لا بنقص البداية.

2_الإخلاص لله_عز وجل_: فالإخلاص لله_عز وجل_أنفع الأدوية، فما أحرى بمن وقع في هذا البلاء أن يلجأ إلى ربه بإخلاص وصدق؛ فإنه إذا أخلص لله وفقه الله وأعانه وصرف عنه السوء والفحشاء، قال_سبحانه_عن يوسف_عليه السلام_: [ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ] (يوسف: 24).=فأخبر سبحانه أنه صرف عن يوسفَ السوءَ من العشق، والفحشاء من الفعل بإخلاصـه؛ فإن القلب إذا أُخِلَـصَ وأخلَص عمله لله_لم يتمكنْ منه عشقُ الصور؛ فإنه إنما يتمكن من القلب الفارغ+ ([14]).

3_الصبر: فالصبر خصلة محمودة، وسجية مرغوبة، عواقبه جميلة، وآثاره حميدة، وهو علاج ناجع، ودواء نافع، فما أجدر بمن ابتلي بهذا الداء أن يتذرع بالصبر ويتدرع به، وأن يتكلفه، ويوطن نفسه عليه، ويتجرع مرارته ليذوق حلاوته، ومن ثم يصبح سجية وعادة له، قال النبي_عليه الصلاة والسلام_: =ومن يتصبَّرْ يصبره الله+ ([15]).

وما أجمل قول من قال:

والصبر مثل اسمه مرٌّ مذاقتُه

لكن عواقُبه أحلى من العسل

ثم إن الصبر عن الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة؛ فإنها تورث ألماً وعقوبة، وذلا، وحسرة، وندامـة، وتجلب همَّـاً وغمَّـاً وحزناً وخوفاً.

4_مجاهدة النفس ومخالفة الهوى: فمجاهدة النفس ومخالفة الهوى من أعظم الأسباب المعينة على ترك الفواحش والشرور، والذي يجاهد نفسه في ذات الله_عز وجل_فليبشر بالخير والهداية قال_تعالى [وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ] (العنكبوت: 69).

فعلى من وقع بتلك الفعلة أن يقدع نفسه، ويكفها عن شهواتها، وإلا نزعت به إلى الغواية، وقادته إلى شر غاية.

فالنفس طُلَعة، ومطالبها كثيرة، ورغباتها لا تقف عند حد، وصدق من قال:

والنفس إن أعطيتها مناها

فاغرة نحو هواها فاها

ومن قال:

إذا المرءُ أعطى نفسّه كلَّ ما اشتهت

ولم ينهها تاقت إلى كل مطلب

ويقولون: إن سليمان بن عبد الملك لم يقل بيت شعر قط إلا هذا البيت:

إذا أنت لم تعصِ الهوى قادك
هوى

إلى بعض ما فيه عليك مقال

ولو لم يأتِ الإنسان من مجاهدة نفسه ومخالفة هواه_إلا أنه ينعتق من رقِّ الهوى وسلطان الشهوة، وما أجمل ما قيل:

رُبَّ مستورٍ سَبَتْهُ شهوةٌ

فتعرَّى ستْرُهُ فانهتكا

صاحبُ الشهوةِ عبدٌ فإذا

غلبَ الشهوةَ أضحى ملكا

5_استشعار اطلاع الله_عز وجل_: فالذي يمارس هذه الفعلة_تجده يتوارى عن أعين الناس، فعليه والحالة هذه أن يستشعر إطلاع الرب_جل وعلا_عليه.

فإن اعتقد هذا أن الله لا يراه فهو كافر بالله_عز وجل_.

وإن كان يعتقد بأن الله يراه، وهو مع ذلك مستمر على فعل تلك الجريمة_فلا شك أنه ممن قل حياؤه من الله، وممن قلّ وقار الله في قلبه:

وإذا خلوت بريبة في ظلمة

والنفس داعية إلى الطغيان

فاستحيي من نظر الإله وقل لها

إن الذي خلق الظلام يراني

6_امتلاء القلب من محبة الله_عز وجل_: وهذا من أعظم الأسباب التي تقي من الفساد والانحراف، فالذي يتعلق بالشهوات ويتيه في أودية الضلال_لا شك أن قلبه خاوٍ من محبة الله.

فمن المتقرر أن في القلب فقرًا ذاتيًا، وجوعة وشعثاً وتفرقَّـاً، ولا يغني هذا القلب، ولا يشبع جوعته، ولا يلم شعثه ولا يسد خلته_إلا محبة الله_عز وجل_وإخلاص العبادة له.

فإذا خلا القلب من محبة الله تناوشته الأخطار، وتسلطت عليه سائر المحبوبات، وذهبت به كل مذهب.

فما أجدر بمن تعلق قلبه في الفاحـشة، وغـدا بِلُبِّه حـبُّ الصور المحرمة_أن يُفْرِغ قلبه من تلك المحبة المذمومة الفاسدة، وأن يملأه بالمحبة الصالحة المحمودة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية_رحمه الله تعالى_: =فالقلب لا يصلح، ولا يفلح، ولا يتلذذ، ولا يُسر، ولا يطيب، ولا يسكن، ولا يطمئن_إلا بعبادة ربه، وحبِّه، والإنابة إليه، ولو حصل له كلُّ ما يتلذذ به من المخلوقات_لم يطمئنَّ ولم يسكنْ؛ إذ فيه فقر ذاتي إلى ربه، ومن حيث هو معبودُه ومحبوبه، ومطلوبه.وبذلك يحصل له الفرح والسرور، واللذة والنعمة، والسكون، والطمأنينة+ ([16]).

وخلاصة القول أن المؤمن إذا وضع نصْبَ عينيه حبَّ الله_عز وجل_ورضاه، واستحضر مراقبته في السـر والعلـن_فإنه يستطيع_بإذن الله_أن ينتصر على جميع الوساوس والهواجس التي تعتلج في جوانحه، والأشواق الغريزية التي تتأجَّج في أعماقه.

إذا تبين هذا فالعاقل اللبيب لا يؤثر محبة ما يضره على محبة ما ينفعه.

7_المحافظة على الصلاة مـع جماعة المسلمين:

قال_تعالى_: [ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ] (العنكبوت: 45).

قال شيخ الإسلام_رحمه الله تعالى_: =فإن الصلاة فيها دفع مكروه وهو الفحشاء والمنكر، وفيها تحصيل محبوب وهو ذكر الله+ ([17]).

فكم في ترداد المسلم إلى المسجد من تزكية لنفسه، وصلاح لقلبه، وإصلاح لحاله، وصده عن الفحشاء والمنكر.

8_الصوم: فالصـوم_زيـادة عـلى ما له من الفضل وما فيه مـن الأجـر_هو علاج نبوي، يعين على محاربة الهوى، وقمع النفس، وكبح جماح الشهوة.

فالصوم يقوي الإرادة ويشـحذ العزيمة، ويعين على العفة، وحصانة الفرج.

قال_عليه الصلاة والسلام_: =يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء+ ([18]).

9_الإكثار من قراءة القرآن: فالقرآن مأدبة الله في أرضه، وهو الشفاء من كل داء، وفيه الهدى والنور، والأنس والسرور؛ فما أحرى بمن ابتلي بهذه الفاحشة أن يتداوى بالقرآن، فيكثر من تلاوته، وحفظه، وتدبره، وعقله، حتى يَصِحَّ بذلك قلبُه، وتزكو نفسُه.

10_الإكثار من ذكر الله: فبذكر الله تطمئن القلوب، وتسكن النفوس، وبه يحصل الأنس، وتُطرد الخواطر السيئة، والإردات الفاسدة، فلا تنفذ إلى القلب، ولا تجد إليه طريقًا.

فما أحرى بمن يريد السلامة لنفسه_أن يداوم على ذكر الله، وأن يجعل له وردًا يحافظ عليه، عسى الله أن يحفظه به، ويحصنه من الوساوس والخطرات الرديئة.

ومن أعظم الأذكار: =سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر+.

وكذلك: =لا حول ولا قوة إلا بالله+ فهذه الكلمة كنز من كنوز الجنة كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ولها تأثير عجيب في معاناة الأثقال، ومكابدة الأهوال، ونيل رفيع الأحوال_كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية×.

11_احفظ الله يحفظك: وبالجملة فمن حفظ الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه_حفظه الله من شر شياطين الإنس والجن، ومن نفسه الأمارة بالسوء، وحفظ عليه دينه وعفته ومروءته وشرفه؛ فالجزاء من جنس العمل.

12_المبادرة للزواج: فما أجدر بالشاب وبمن ابتلي بهذا الأمر_أن يسعى للزواج، وأن يبذل مستطاعه في هذا السبيل، حتى يحصن فرجه، ويغض بصره، وسيعينه الله إذا سعى في ذلك.

13_تذكر الحـور العين: الـلاتي هـن كاللؤلؤ المكنون، واللاتي أعدهن الله لعباده الصالحين، الذين آثروا الباقي على الفاني، واشتروا الآخرة بالدنيا.

14_غض البصر: فمن غض بصره أطاع ربه، وأراح قلبه، وسلم من تبعات إطلاق البصر، ونجا من التعلق بحب الصور، وقد قيل: =إن حبس اللحظات أيسر من دوام الحسرات+.

ثم إن غض البصر يورث أنسًا بالله، وقوةً في القلب، وفرحًا في النفس، كما أن إطلاقه يضعف القلب، ويحزنه.

وغض البصر_أيضًا_يكسب القلب نورًا وشجاعة وثباتًا وفراسة صادقة، كما أنه يسد على الشيطان مدخله من القلب.

15_البعد عن المعشوق المحبوب: فمن أنجع السبل، وأنفع الأدوية للتخلص من هذا الداء العضال_أن يبتعد المبتلى عن معشوقه، ومن يحرك كوامن الشهوة فيه، بحيث لا يراه، ولا يسمع كلامه؛ فالابتعاد عنه وصرمه وتجرع غصص الهجر_أهون بكثير من الاسترسال معه والزلفى منه؛ فالبعد جفاء، والقرب بلاء وشقاء؛ فالقرب يضرم نار الوجد بين الجوانح، قال المجنون:

تزودت من ليلى بتكليم ساعةٍ

فما زاد إلا ضعفَ ما بي كلامُها

فالبعد والتسلي واليأس وقطع الأمل_يفيد في علاج هذا الأمر؛ فكل بعيد عن البدن يؤثِّر بُعده في القلب؛ فليصبر على مضض الشوق في بداية الأمر صبرَ المصاب في بداية مصيبته، ثم إن مرَّ الأيام يهون الأمر، قال زهير بن الحباب الكلبي:

إذا ما شئت أن تسلو حبيباً

فأكثر دونه عددَ الليالي

فما سلَّى حبيبَك غيرُ نأيٍ

ولا أبلى جديدَك كابتذال

16_البعد عن المثيرات عمومًا: فما أجدرك أيها المبتلى ويا من تريد السلامة من هذا البلاء_أن تبتعد عن جميع المثيرات التي تحرك كوامن الشهوة، وتدعوك إلى فعل الفاحشة، فتبتعدَ عن الاختلاط بالنساء، والمردان، وعن مشاهدة الأفلام الخليعة، وسماع الأغاني الماجنة، وتقطعَ الصلة بما يذكرك بالفاحشة، فتتلف ما عندك من أشرطة، وأفلام، وصور، ورسائل، حتى لا تضْعُفَ نفْسُك برؤيتها.

ومن ذلك تجنب الأماكن التي تذكر بهذا العمل؛ فالشيء إذا قطعت أسبابه التي تمده زال واضمحل.

ومن المثيرات التي يجدر بالإنسان تَجَنُّبُها فضول الطعام، وفضول المنام، وفضول مخالطة الأنام؛ فإن قوة المعاصي إنما تنشأ من هذه الفضلات؛ فإنها تطلب مصرفاً، فيضيق عليها المباح، فتتعداه إلى الحرام.

وبالجملة فإن مَثَلَ النفوس_بما جُبِلت عليه من ميل للشهوات، وما أودع فيها من غرائز تميل مع الهوى حيث مال_كمثل البارود والوقود، وسائر المواد القابلة للاشتعال؛ فإن هذه المواد، وما جرى مجراها متى كانت بعيدة عمّا يشعل فتيلها، ويذكي نارها بقيت ساكنة لا يخشى خطرها، والعكس بالعكس.

وكذلك النفوس؛ فإنها تظل ساكنة وادعة، هادئة.

فإذا اقتربت مما يثيرها ويحرك نوازعها إلى الشرور، من مسموع، أو مشموم، أو منظور_ثارت كوامنها، وهاجت شرورها، وتحرك داؤها، وطغت أهواؤها.

17_الاشتغال بما ينفع وتجنب الوحدة والفراغ: لأن العشق شغل الفارغ، وما كان العشق إلا لأرعنَ بطالٍ، فإذا تشاغل بما يوجب اشتغال القلب بغير المحبوب_درس الحب، ودثر العشق، وحصل التناسي.

فبدلاً من أن يجلس المرء وحيدًا مسترسلاً مع أوهامه وجنوحاته_عليه أن يشغل نفسه بما يعود عليه بالنفع، أو بما يشغله_على الأقل_عمّا يضره، فيشتغل بطلب العلم، ومذاكرة الدروس، وزيارة الأقارب، وقضاء حوائج المنزل، أو أن يلتحق بحلق تحفيظ القرآن الكريم، أو المراكز الصيفية.

أو أن يشتغل بالأمور المباحة كالبيع والشراء وغير ذلك.

18_دفع الوساوس الشيطانية والخواطر السيئة: فعلى المرء المبتلى أن يدفع تلك الوساوس والخواطر التي يلقيها الشيطان في رُوعه، وألا يسترسل معها وإلا قادته إلى الهلكات.

قال ابن القيم ×: =وإياك أن تُمكِّن الشيطان من بيت أفكارك وإرادتك؛ فإنه يفسدها عليك فسادًا يصعب تداركه، ويلقي إليك أنواع الوساس، والأفكار المضرِّة، ويحول بينك وبين الفكر فيما ينفعك، وأنت الذي أعَنْتَهُ على نفسك بتمكينه من قلبك، وخواطرك؛ فَمَلَكَها عليك+ ([19]).

19_تقوية الإرادة، وترك اليأس والقنوط: فعلى من ابتلي بهذا البلاء ألا يستسلم لليأس والقنوط بل عليه أن يقوي إرادته، ويشحذ عزيمته، ويصحو من رقدته، ويدرك أن هذا العمل ليس ضربة لازب لا تزول، ولا وصمة عار لا تنمحي، بل عليه أن يدرك أن الإصلاح ممكن، والتغيير وارد، فما عليه إلا أن يأخذ بالأسباب، ويغير ما بنفسه، ويحسن ظنه بربه.

20_علو الهمة: فعلو الهمة يستلزم الجد والإباء، ونشدان المعالي وتطلاب الكمال، والترفع عن الصغائر والدنايا ومحقرات الأمور، والهمة العالية لا تزال بصاحبها تضربه بسياط اللوم والتأنيب، وتزجره عن مواقف الذل واكتساب الرذائل وحرمان الفضائل_حتى ترفعه من أدنى الحضيض إلى أعلى مقامات المجد والسؤدد.

فمن لم تكن له همةٌ أبيةٌ لم يكد يتخلص من هذه البلية؛ فإن ذا الهمة يأنف أن يملك رقَّه شيءٌ، وما زال الهوى يذل أهل العز.

فأين هذا الذي يطلق العنان لشهواته، ويرسف في أغلال رغباته من الإمام الشافعي × الذي يقول: =لو علمت أن الماء البارد يثلم مروءتي لما شربته+.

فعلو الهمة مما يفتخر به، وسفول الهمة مما يعاب ويذم به، قال منصور الهروي:

خلقت أبيَّ النفس لا أتبعُ الهوى

ولا أستَقِي إلا من المشرب الأصفى

ولا أحمل الأثقالَ في طلب العلا

ولا أبتغي معروفَ من سامني خسفا

ولا أتحرَّى العزَّ فيما يُذِلُّني

ولا أخْطِب الأعمال كي لا أرى صرفا

ولست على طبع الذباب متى يُذَدْ

عن الشيء يَسْقُطْ فيه وهو يرى الحتفا

إذا كان الأمر كذلك_فما أحرى بمن ابتلي بهذا الداء أن يعلي همته، وأن يأنف هذا الذل الذي لا يحتمله ذو مروءة، أما من لا يأنف الذل، وينقادَ لموافقة هواه_فذاك خارج عن نطاق المتميزين، وصدق من قال:

إذا ما علا المرء رام العلا

ويقنع بالدون من كان دونا

21_الحذر من العلاجات الغريبة: فهناك من إذا وقع في البلاء وأراد التخلص منه_يعمد إلى استخدام علاجات غريبة، ومن ذلك استخدام النذر، والأيمان المغلظة بألا يعود، فتجد بعضهم_مثلاً_ينذر صيام خمسة أشهر أو إنفـاقَ آلاف الريـالات، وقد ينفع ذلك في بدايـة الأمـر؛ لما في النفس من تعظيم اليمين، أو الخشية من لزوم النذر.

ولكن لا تلبث الشهوة أن تلقي بثقلها عليه، فتنهزم نفْسُه، وتُنقضُ نذورُه، وأيمانُه، فيقع في مستنقع الرذيلة الآسن.

وهناك من يلجأ إلى تناول الأدوية المسكنة للشهوة دون استشارة الطبيب، مما يجعله يتعرض لمخاطر طبية وجسدية.

ألا فليحذر العاقل هذه العلاجات؛ فله في غيرها سعة ومندوحة.

22_الحياء: فالحياء كله خير، والحياء لا يأتي إلا بخير، والحياء خلق الإسلام، والحياء شعبة من شعب الإيمان.

والحياء خلق يبعث على فعل الجميل وترك القبيح، فإذا تحلى المرء به انبعث إلى فعل الفضائل وترك الرذائل.

فما أجدر بمن وقع في هذا البلاء أن يتحلى بالحياء، وأن يسعى في اكتسابه، ومن الأمور المعينة على اكتساب الحياء ما يلي:

أ_قراءة سيرة النبي”.

ب_قراءة سير الصحابة_رضي الله عنهم_وسير أهل الحياء عمومًا.

جـ_تذكر الثمرات الجميلة المترتبة على الحياء، وتذكر العواقب الوخيمة المترتبة على قلة الحياء.

د_الإمساك عمّا تقتضيه قلة الحياء من قول أو عمل.

هـ_مجالسة أهل الحياء، ومجانبة أهل الوقاحة.

و_تكلف الحياء مرة بعد أخرى حتى يصبح سجية في الإنسان.

وإذا كان الحياء مطلوبًا من كل أحد_فهو من الصبيان الأحداث أولى وأحرى، قال وهب بن مُنبِّهٍِ ×: =إذا كان في الصبي خصلتان: الحياء والرهبة رجي خيره =.

وقال الأصمعي×: سمعت أعربيًا يقول: =من كساه الحياء ثوبَه لم يرَ الناس عيبَه+.

فالله الله_أخا الإسلام_بالحياء، الزمه وتدثّر به، وليكن حليتَك وزينتَك، واعلم أن معيار رجولتك ليس بكثرة الاختلاط بالكبار، ولا بإطلاق اللسان بسيئ العبارات، وإنما معيارها حياؤك وأدبك وسمتك ووقارك.

23_الحرص على الستر والعفاف والبعد عن التكشف والتعري: خصوصًا للأحداث؛ لأن ذلك مدعاة لفتنة الآخرين، وتسلط الساقطين، فما أجدر بك أخي الشاب أن تحرص على الستر والعفاف، سواء في الرياضة أو غيرها؛ فالعورة عورة في الرياضة أو غيرها.

24_الاعتدال في التجمل وترك المبالغة فيه_خصوصًا من الأحداث_: فينبغي للأحداث أن يعتدلوا في التجمل، ويتركوا المبالغة فيه، فلا يليق بهم أن يبالغوا في التطيب، ولا أن يلبسوا الملابس الفارهة أو الضيقة، كما يجدر بهم أن يترفعوا عن تقليد الكفار، والتشبه بالنساء، وألا يكون همهم الأول الاعتناء بتسريح الشعر وتصفيف الطُّرَر، وصرف الهمة للتأنق في الملبس؛ حتى لا يتسببوا في فتنة الآخرين؛ وليسلموا من شر المجرمين الذين يكيدون لهم، ويتربصون بهم الدوائر.

25_الإقلال من المزاح: فيجدر بالأحداث ألا يكثروا من المزاح، وألا يمازحوا كل من هب ودب؛ لأن كثرة المزاح تذهب بالمروءة، وتسقط الهيبة وتجرىء السفهاء، وما أجمل ما قيل:

فإياك إياك المزاحَ فإنه

يُجَرِّي عليك الطفلَ والدَّنِسَ النَذْلا

ويُذهبُ ماء الوجه بعد بهائه

ويورثه من بعد عِزَّتِهِ ذُلاَّ

وإن أراد الإنسان المزاح فليكن مع الأصحاب الطيبيين، وليكن_أيضًا_بأدب واعتدال.

لا تمْزَحَنْ وإذا مَزَحْتَ فلا يكن

مزحاً تضاف به إلى سوء الأدبْ

26_محاسبة النفس: فمن العلاجات النافعة أن يقف المبتلى بهذه الفاحشة مع نفسه سواء كان صغيرًا أو كبيرًا، فاعلاً أو مفعولاً به.

فإن كان كبيرًا فليسأل نفسه: ماذا أنتظر؟ وإلى متى سأستمر؟ أأنتظر عقوبة الله تحل بساحتي بعدما بلغت من الكبر عتيَّـاً؟ أم أنتظر الموت يهجم عليَّ بكرة أو عشيَّـاً؟

وإن كان صغيرًا فليفكر في حاله ومآله فهل سيعمر طويلاً؟ أو هل سيأتيه الموت وهو في عز شبابه مصراً على هذه الجريمة؟ وإن قُدِّرَ له العيش فهل سيستمر على هذا العمل؟ وهل سيضيع زهرة شبابه في هذه الرذائل؟

وكيف سيواجه الحياة بتلك النفسية المريضة؟ وهل سيتزوج؟ ومن الذي سيرضى به زوجاً؟ وما مصير هذه الزوجة إن قُدِّر له زواج؟ وما مصير الأولاد إن قُدِّرَ له أولاد؟

وليسأل كل واحدٍ منهم نفسه: أهو في مأمن من الفضيحة؟

أم هو في مأمن من الأمراض المستعصية التي تَقْلِبُ عليه الحياة جحيمًا ملهبًا؟ وهل سيكون معولَ هدمٍ لمجتمعه؟ وسببًا لحلول اللعنة ونزول العقوبة؟

ثم ما موقفه يوم العرض الأكبر على الله؟ يوم تبلى السـرائـر لا تخفى منهم خافية؟ فلعل هذه التساؤلاتِ تقصرهم عن الاسترسال في الشهوات.

27_النظر في العوا قب: وذلك بأن يدرك أن هذه الشهوة الخاطئة، والنزوة العابرة سيعقبها حسرة وندامة وخزي وعار، وذلة وشنار، وأن عذْبها سيصير عذابًا، فتذهب اللذات وتبقى التبعات، وتذهب الشهوة وتبقى الشقوة.

تفنى اللذاذات ممن نال صفوتها

من الحرام ويبقى الإثم والعارُ

تبقى عواقبُ سوءٍ في مَغَبَّتِها

لا خيرَ في لذةٍ من بعدها النارُ

28_أن يدرك المبتلى أن هذه الشهوة لن تقف عند حد: فهي كمرض الجرب، كلما زاد الإنسان في حكه ازداد عليه الداء، والعكس بالعكس، أضف إلى ذلك أن هذا المبتلى لن يقر له قرار، ولن يهدأ له بال، ولن تقضى له لبانة؛ لأنه كلما ظفر بمأرب تاقت نفسه إلى غيره، فيقضي العمر في تعب وعناء، ونصب وشقاء.

وصدق من قال:

وإنك مهما تعطِ بطنك سؤله

وفرجك نالا منتهى الذل أجمعا

29_مجالسة الأخيار ومجانبة الأشرار: فمجالسة الأخيار من أهل العلم والفضل والزهد والعبادة_تحيي القلب، وتشرح الصدر، وتنير الفكر، ومجانبة الأشرار سلامة للدين والعرض.

30_عيادة المرضى، وتشييع الجنائز، وزيارة القبور والنظر إلى الموتى، والتفكر في الموت وما بعده؛ فإن ذلك يطفئ نيران الشهوة.

31_عدم الاستسلام للتهديد، والإبلاغ عمن هُدِّدَ: فينبغي لمن هدد في عرضه، وأُريد منه أن يمكِّن من نفسه_ألا يستسلم للتهديد، وألا يصيخ السمع للوعيد، بل عليه أن يتشجع، ويدرك أن هؤلاء الخفافيش الأنذال جبناء أذلاء؛ فبمجرد شعورهم بقوة ذلك الشخص ورجولته_فإنهم سرعان ما يتوارون.

كما ينبغي لمن هُدِّدَ وأعيته الحيلة_أن يُعْلِم أباه أو أخاه الأكبر، أو من يثق به من المدرسين أو الأخيار أو غيرهم؛ حتى يعينوه على هؤلاء الأشرار.

وليحذر كل الحذر من أن يستسلم لهم، وينقاد لتهديدهم، وإلا فسيجعلونه كالنعل يلبسونه كيف شاءوا متى شاءوا.

32_قراة القصص في العفة، وقصص التائبين: ففيها العبرة والترغيب في الفضيلة، وفيها التنفير والترهيب من الرذيلة.

33_سماع الأشرطة الإسلامية النافعة: ففيها العلم النافع، والموعظة الموقظة، والقصة المؤثرة، بدلاً من سماع الأغاني الماجنة التي تهيج الغرائز وتحرك الكوامن.

34_عرض الحال على من يعين: فمن الأدوية النافعة_أن يعرض المبتلى حاله على من يتوسم فيه الخير والصلاح والعلم، ممن لديهم اهتمامات بالشباب وأوضاعهم؛ لعله يجد عندهم حلاً يخرجه من مأزقه، ويعيده إلى رشده.

ومن ذلك أيضًا أن يعرض حاله على طبيب مختص، فقد يَدُلُّه على علاج نافع، أو على طريقة معينة تعينه على كبح جماحه.

35_الدعاء: فمن أكبر الأدوية المعينة على التخلص من هذا البلاء_الدعاء والتضرع إلى الله_عز وجل_لا سيما في الأوقات والأحوال والأوضاع التي هي مظنة إجابة الدعاء، كالدعاء بين الأذان والإقامة، وفي ثلث الليل الآخير، وفي السجود، وفي آخر ساعة من الجمعة إلى غير ذلك من مظان إجابة الدعاء.

وأخيرًا نسأل الله بمنّه وكرمه أن يهدي شبابنا، وأن يعيدهم إلى رشدهم، وأن يجعلهم شجىً في حلوق الكافرين، وقرة عين لوالديهم وللمسلمين، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

 ([1] )حاشية الروض المربع لابن قاسم، 7/318.

 ([2] )الحدود والتعزيرات عند ابن القيم للشيخ بكر أبو زيد ص 189.

 ([3] )أخرجه أبو داود (4297 )، والحاكم 4/355، وصححه ووافقه الذهبي.

 ([4] )أخرجه الإمام أحمد في المسند 1/309، والحاكم 4/356، وصححه ووافقه الذهبي.

 ([5] )أخرجه الإمام احمد في المسند 1/309، والحاكم 4/356، وصححه ووافقه الذهبي.

 ([6] )أخرجه احمد في المسند 2/382، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1552 ).

 ([7] )ذم اللواط للدوري، ص142.وقال المحقق : إسناده حسن.

 ([8] )انظر إغاثة اللهفان، ص 70_71.

 ([9] )انظر مجموع الفتاوى 1/24_29.

 ([10] )انظر : إغاثة اللهفان، ص 45.

 ([11] )رواه ابن ماجه (4019 )، وصححه الألباني في الصحيحة( 106 ).

 ([12] )انظر العشق للكاتب، ص57_85، والتوبة وظيفة العمر للكاتب ص173_184.

 ([13] )عدة الصابرين لابن القيم، ص 340.

 ([14] )الجواب الكافي لابن القيم، ص 298، وانظر : العبودية لابن تيمية، ص 100.

 ([15] )البخاري 7/183، ومسلم برقم (1053 ).

 ([16] )الفتاوى الكبرى 5/188_189.

 ([17] )العبودية، ص100.

 ([18] )البخاري 6/117، ومسلم برقم (1400 ).

 ([19] )الفوائد لابن القيم ص 251.

فسخ عقد الزواج

error: