دور المشرع على مستوى الإجراءات الإدارية القضائية

ساهم المشرع في التخفيف من صعوبات الاثبات التي يعاني منها المدعي في دعوى الإلغاء عن طريق النص على القرائن القانونية التي تعفي المدعي من الإثبات، أو عن طريق تدخل المشرع لتنظيم سير عملية الإثبات وتحديد طرقها وتوزيع عبء الإثبات وبيان دور كل من القاضي والخصوم في الإثبات وفي سير التحقيق في الدعوى.

وما يلاحظ على قانون الإجراءات المدنية والإدارية لسنة 2008، هو تخصيصه الكتاب الرابع منه للإجراءات المتبعة أمام الجهات القضائية، كما خصص الكتاب الأول للإجراءات المتبعة أمام جميع الجهات القضائية، وبهذا يكون قد أشبع موضوع الإجراءات أمام القاضي الإداري تنظيما، عكس ما كان عليه الحال في قانون الإجراءات المدنية السابق.

وتظهر مساهمة المشرع في التخفيف من صعوبة الإثبات في دعوى الإلغاء من خلال قانون الإجراءات المدنية والإدارية عن طريق تنظيمه لعملية تحضير الدعوى، وعملية تحقيقها، وتنظيمه أيضا لدور محافظ الدولة.

نحاول في هذا المبحث التطرق إلى ما أقره المشرع من قرائن قانونية تعفي المدعي في دعوى الإلغاء من الإثبات في المطلب الأول، وإلى دور المشرع في التخفيف على المدعي من خلال تنظيمه الإجراءات الإثبات أمام القضاء الإداري في المطلب الثاني.

المطلب الأول: القرائن القانونية التي تعفي المدعي من الإثبات.

تؤدي القرائن القانونية إلى إعفاء من يتمسك بها من عبء الإثبات بصفة مؤقتة إذا كانت قابلة لإثبات العكس أو بصفة دائمة إذا كانت غير قابلة لإثبات العكس، وتعد القرائن القانونية من أهم الضمانات التي وردت في بعض النصوص الخاصة للتخفيف من حدة الصعوبات التي تعترض المدعي في إثبات عدم مشروعية القرار الإداري.

ولقد عرفت القرينة بأنها: ” دلالة تستخلص من واقعة معينة ويكون من شأنها أن تشير إلى واقعة أخرى هي التي يراد إثباتها” أو هي: ” شواهد وإمارات نص عليها المشرع أو استنبطها القاضي من الواقعة المعروضة عليه تؤيد المدعي في دعواه أو تخذله”.

وتصنف القرائن إلى قانونية وقضائية، والقرينة القانونية لا عمل فيها للقاضي، فركنها هو نص القانون وحده فهو الذي يختار الواقعة الثابتة وهو الذي يجري عملية الاستنباط، ويقوم القاضي بإنزال إرادة المشرع دون أدنى سلطة له في التقدير ومتى وجدت الواقعة الثابتة قامت القرينة القانونية.

وتعرف القرينة القانونية بأنها: “افتراض قانوني يقوم على استنباط مجرد يحدده القانون إعمالا للواقع العملي الغالب”. ولا يعتبرها العلامة السنهوري وسيلة من وسائل الإثبات بل هي طريق يعفي من الإثبات في رأيه.

ولقد بينت المادة 337 من القانون المدني الأثر القانوني للقرينة القانونية يقولها:” القرينة القانونية تغني من تقررت لمصلحته عن أية طريقة أخرى من طرق الإثبات على أنه يجوز نقض هذه القرينة بالدليل العكسي ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك”.

والأصل في القرائن القانونية أنها بسيطة تقبل إثبات العكس بكافة الطرق، ولكن المشرع وعلى سبيل الاستثناء جعل بعضها قاطعا لا يجوز إثبات عكسه.

والقرائن البسيطة هي التي يجوز نقضها بالدليل العكسي، فيحق لأطراف الخصومة إثبات عكس ما افترضه المشرع، أما القرائن القاطعة فيعرفها الفقه بأنها هي ” التي لا تقبل نقض دلالتها”

إن تدخل المشرع في هذه الحالة ينصب على محل الإثبات حيث يستبعد المشرع بعض الشروط التي يصعب إثباتها ويخشى إخفاق المدعي في إقناع القاضي بقيامها من مجال قيام الحق أو المركز القانوني، ولا يحتاج الأمر من المدعي بعد ذلك إلى أي مجهود بالنسبة لهذه الشروط المستبعدة من مجال الإثبات، ويقتصر دوره على إثبات غيرها، ومن أمثلة ذلك ما يلي:

الفرع الأول: السكوت قرينة على القرار الضمني.

إنه وإن كان “لا ينسب إلى ساکت قول” فإن “السكوت في معرض الحاجة بيان” كما يقول فقهاء الإسلام، ونجد نظير هاتين القاعدتين في القانون الإداري، يرتب المشرع على سكوت الإدارة قرارا ضمنيا قد يكون مؤداه الرفض في بعض الأحيان وقد يفسر قبولا في أحيان أخرى.

أولا: السكوت قرينة على قرار ضمني بالرفض.

ومثاله قرينة عدم الرد على التظلم فلقد نصت المادة 830 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجزائري على جوازية التظلم، ولكن التظلم ما زال وجوبيا في بعض المنازعات الخاصة كمنازعات الضرائب والضمان الاجتماعي، كما أن الممارسة الحق في التظلم الجوابي أثر على المواعيد المقررة لرفع الدعوى.

إن مرور شهرين على تبليغ التظلم للإدارة، دون رد منها يعد رفضا ضمنيا للتظلم، وبالتالي قرينة قاطعة على قيام قرار ضمني برفض التظلم.

error: