موانع حق الاطلاع علي الوثائق

رغم أن أحكام قانون 17 جويلية 1978 -لدستورية المبدأ ولدوره في خلق الشفافية الإدارية – أعطت المبدأ حسب الأستاذ MICHELE Puybasset مفهوما واسعا، من خلال التقرير بأن للمواطنين وخاصة الموظفين الحق في الاطلاع ليس فقط على الوثائق الفردية ولكن كذلك الوثائق التي تمسهم أو التي يعارضونها، إلا أن ذلك لا يعني المساس بالحياة والمعلومات الشخصية للغير ولا مقتضيات السرية الإدارية المنصوص عليها قانونا، ولهذا فإنه وتحت رقابة القاضي الإداري يمكن للإدارة أن تسحب من الملف المعني بالاطلاع الوثائق التي تهم الغير.

وهكذا فإنه ضمانا للتوفيق بين مقتضى حق الأفراد في المعلومة من جهة أولى، ومقتضى السير الحسن للإدارة من جهة ثانية، ومقتضى حقوق الأفراد في الخصوصية من جهة ثالثة، فبموجب المادة 2 من قانون 17 يوليو 1978 لا ينطبق هذا الحق على الأعمال التحضيرية للقرار الإداري، وفي هذا الإطار تعتبر الأعمال السابقة على قرار التعاقد في الصفقات العمومية أعمالا تحضيرية. كما استثني المعلومات المتعلقة بالكشف عن جرائم أو الوقاية منها أو بإيقاف المتهمين ومحاكمتهم أو بحسن سير المرفق القضائي واحترام مبادئ العدل والإنصاف وبنزاهة إجراءات إسناد الصفقات العمومية أو بإجراءات المداولة وتبادل الآراء ووجهات النظر والفحص أو التجربة أو المصالح التجارية والمالية المشروعة للمرفق العمومي المعني.

كما نصت المادة السادسة من نفس القانون على أن للإدارات السابق الإشارة إليها في المادة الثانية من هذا القانون الحق في رفض مشورة لجنة الوثائق الإدارية بالسماح للأفراد بالاطلاع على المستندات والملفات الإدارية في الحالات التالية:

– لأغراض السرية المتعلقة بالمداولات الحكومية والهيئات المسؤولة التابعة للسلطة

التنفيذية.

– لأغراض السرية المتعلقة بالأمن القومي والسياسة الخارجية.

– لأغراض السرية المتعلقة ببراءة الاختراع والعلامة التجارية.

– لأغراض السرية المتعلقة بالحياة الخاصة لأفراد معينين، والسرية المهنية الطبية.

– لأغراض السرية المكفول حمايتها بالقانون.

ونكتفي في هذه المداخلة لشرح الاستثناء الأول: إذ لا تخضع المداولات الحكومية لحق الاطلاع، وانما تعد من الأمور المستثناة من هذا المبدأ والخاضعة للسرية إذا كان من شأن الاطلاع عليها الإضرار بأسرار مداولات الحكومية والسلطات المسئولة التي تتبع السلطة التنفيذية. ويتبين من صياغة المادة أن المنع ليس منعا مطلقا بل متروك للسلطة التقديرية للإدارة حيث يمكنها أن ترفض الاطلاع على الوثائق المستثناة في هذه المادة للمصلحة العامة. ويبرر هذا الاستثناء بانه يهدف إلى ضمان قيام السلطات العليا في الدولة المكلفة أساساً برسم السياسة العامة بالعمل في هدوء وصفاء دون أن يزعجها في ذلك فضول الأفراد بطلب الإطلاع على ما تحت يدها من وثائق تعينها وتساعدها على أداء ما هو منوط بها.

3) إلزام الإدارة بتسبيب قرارات رفض الاطلاع: إذ نصت المادة 7/1 من نفس القانون أن رفض طلب الاطلاع يجب أن يكون في صورة قرار مكتوب ومسبب وذلك وفقا لما يفرضه قانون 11 جويلية 1979 المتعلق بتسبيب القرارات الإدارية

4) دور القضاء الإداري الفرنسي: الكبير في إعطاء هذه الاستثناءات معناها الحقيقي من خلال فصله في المنازعات التي تعرض عليه. والحيلولة دون أن تتجاوز هذه الاستثناءات هدفها المتمثل في التوفيق بين مقتضى حق الأفراد في المعلومة من جهة أولى، ومقتضى السير الحسن للإدارة من جهة ثانية، ومقتضى حقوق الأفراد في الخصوصية من جهة ثالثة، لتصبح ذريعة للإدارة للتفلت من ضمان هذا الحق.

مقابل هذه الميزات التي تميز بها النظام القانوني للحق في الاطلاع في فرنسا نجد أن المشرع الجزائري أشار إلى بعض هذه الضوابط في استعمال الحق في المعلومة الإدارية، وتتمثل في ثلاثة ضوابط:

الأول: إيراد استثناءات على هذا الحق:

إذ نصت المادة 10 على أن الحق في الاطلاع يجب أن يراعي أحكام التنظيم المعمول به في مجال المعلومات المحفوظة والمعلومات التي يحميها السر المهني، كما أشارت المادة 11 من نفس المرسوم على أنه لا يجوز للإدارة المسيرة أن تنشر أو تسلم أية وثيقة أو أي خبر، مهما يكن سندها في ذلك، إذا كانت الوثيقة والخبر يتصلان بحياة الفرد الخاصة أو يرتبطان بوضعيته الشخصية، بصرف النظر عن أحكام المادة 10 السالفة الذكر، ما لم يرخص بذلك التنظيم المعمول به أو تكن ثمة موافقة من المعنى.”

فالاستثناءات التي أوردها المشرع الجزائري في استثناءات عامة تتعلق بــ:

1-الوثائق التي تحوي معلومات التي يحميها السر المهني

ومثال ذلك السر المهني، والسر المصرفي والسر الوظيفي، فالأول مجرم إفشاؤه بموجب نص المادة 301 من قانون العقوبات الجزائري، والثاني منصوص عليه بموجب نص المادة 158 من قانون النقد والقرض، أما الثالث فيمنع إفشاؤه بموجب نص المادة 48 من قانون الوظيف العمومي التي جاء فيها : “يجب على الموظف الالتزام بالسر المهني، ويمنع عليه أن يكشف محتوى أية وثيقة بحوزته أو أي حدث أو خبر علم به أو اطلع عليه بمناسبة ممارسة مهامه، ما عدا ما تقتضيه ضرورة المصلحة، ولا يتحرر الموظف من واجب السر المهني إلا بترخيص مكتوب من السلطة السلمية المؤهلة”، كما نصت المادة 49: “على الموظف أن يسهر على حماية الوثائق الإدارية وعلى أمنها”.

 2- الوثائق التي تتضمن معلومات تتصل بحياة الأفراد الخاصة أو ترتبط بوضعيتهم الشخصية:

ولقد نصت المادة 17 من العهد الدولي لحقوق الإنسان على حق كل شخص في عدم التعرض، على نحو تعسفي أو غير مشروع لتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته ولا لأي حملات لا قانونية تمس بشرفه أو سمعته ولهذا تعتمد الدول تدابير تشريعية وغيرها من التدابير اللازمة لإعمال الحظر المفروض على تلك التدخلات والاعتداءات فضلا عن حماية هذا الحق، وفي هذا الإطار نص الدستور الجزائري على حرمة الحياة الخاصة في المادة 39، حيث نصت:” لا يجوز انتهاك حرمة حياة المواطن الخاصة وحرمة شرفه، ويحميها القانون، سرية المراسلات والاتصالات الخاصة بكل أشكالها مضمونة”.

error: