صرف المعاش لولي القاصر بعد بلوغه

رقم القضية ٩٩٧/ ١/ ق لعام ١٤٢٣ هـ

لائحة اعتراضية 600 ريال

رقم الحكم الابتدائي ٤٣/د/ف/٩ لعام ١٤٢٥ هـ

رقم حكم هيئة التدقيق ٣٢١/ت/٥ لعام ١٤٢٥هـ

تاريخ الجلسة 25/10/١٤٢٥هـ

الموضوعات

تقاعد , معاش تقاعدي , معاش المتوفى, صرف المعاش لولي القاصر بعد بلوغه, انتهاء الولاية على القاصر ببلوغه سن الرشد , المفرط أولى بالخسارة , أنواع الحجر وما يحتاج منها لحكم قضائي و ما لا يحتاج , حد سن البلوغ , علة الحجر , فقدان الوكالة لحجيتها , قبول العذر مع فوات مدد التظلم

مطالبة المدعية بإلزام المدعى عليها بصرف استحقاقها من معاش والدها عن الفترة محل المطالبة – قبول عذر تأخر المدعية في رفع دعواها لصغر سنها وكونها امرأة، والعذر في تأخير رفع الدعوى لا يعني استحالة أو امتناع رفع الدعوى بل يكفي وجود صعوبة أو مشقة أو حرج في رفعها – قامت المدعى عليها بصرف استحقاق المدعية قبل بلوغها و كذلك بعد بلوغها وهي فترة المطالبة لأخيها بحجة أنه وليها بموجب صك ولاية – الولاية على القاصر تنتهي ببلوغه سن الرشد وهو خمسة عشر عاما – قيام المدعى عليها بصرف استحقاق المدعية لأخيها بعد بلوغها سن الرشد لا يعتبر وفاء بما تستحقه المدعية بل يعتبر تفريطا من المدعى عليها، والمفرط أولى بالخسارة – الواجب تحري الدقة في صرف الحقوق وإيصالها إلى أهلها وعدم قبول أي مستند فقد قيمته الشرعية والنظامية – أثر ذلك: إلزام المدعى عليها بأن تدفع للمدعية ما تستحقه من معاش والدها عن الفترة محل المطالبة.

الوقائع

تتلخص حسبما يتضح من أوراق القضية في تقدم (…) وكيل (…) بلائحة دعوى ذكر بها: أن والد موكلته توفي عام 14٠٢هـ وله معاش تقاعدي ولما كانت موكلته صغيرة السن كان أحد أخوانها يستلم استحقاقها بحكم ولايته عليها واستمرت المصلحة في صرف استحقاقها لأخيها ووكيله على الرغم من بلوغها سن الرشد (١٥) عاما، وانتهى إلى طلبه إلزام المصلحة بصرف استحقاق موكلته من تاريخ بلوغها سن الرشد حتى تاريخ 30/3/١٤٢١هـ. وقد أجاب ممثل المدعى عليها على دعوى المدعية بأنه سبق وأن خصص معاش تقاعدي للمستفيدين من ورثة (…) وهم زوجته (…) وابنته (…) وقدره (٩٩/ ٧٠٨٣) ريالا موزعا بالتساوي اعتبارا من 1/6/١٤٠٢هـ. وقد تم الصرف للزوجة (…) والابنة (…) عن طريق وكيلهما (…) بموجب الوكالة رقم (…) في 3/8/١٤٠٣هـ وصك الولاية رقم (…) في 3/8/١٤٠٣هـ واستمر الوكيل في استلام المعاش المخصص للمستفيدين من الورثة وذلك خلال الفترة من رجب ١٤٠٧هـ حتى نهاية شوال ١٤٠٩هـ ثم قام الوكيل (…) بتوكيل المدعو (…) بموجب صك الوكالة رقم (…) وتاريخ 1/12/١٤٠٩هـ باستلام المعاش وذلك خلال الفترة من شهر ذي الحجة ١٤٠٩ هـ وحتى نهاية ربيع الأول ٤٢١ ١هـ حتى تم اكتشاف أن الزوجة (…) متوفية اعتبارا من 29/6/14١٣هـ حيث قام الوكيل (…) بإخفاء ذلك عن المصلحة حيث كان يقوم بتوقيع الإقرارات الخاصة بإثبات حالة المستفيدين من الورثة المرفق صورة منها دون إيضاح أن الزوجة (…) قد توفيت مما ترتب عليه مبلغ وقدره (٣٢٩.641.20) ريالا ثلاثمئة وتسعة وعشرون ألفا وستمئة وواحد وأربعون ريالا وعشرون هللة بذمة الوكيل المذكور لصالح المصلحة لقاء ما استلمه بغير وجه حق، ولم يسدد حتى تاريخه على الرغم من مطالبة الوكيل، وقد تم إعادة تسوية المعاش باستحقاق البنت (…) لـ (٥٠) من كامل المعاش ليصبح نصيبها (٤٧٢٢.66) ريالا يصرف لها حاليا. أما عن مطالبتها بصرف استحقاقها منذ تاريخ بلوغها سن الثامنة عشرة فقد تم صرف نصيبها المخصص لها إلى وليها وهو أخوها (…) كما أشرنا إليه آنفا بموجب صك الولاية رقم (…) في 3/8/14٠٣هـ وللوكيلين (…)، (…) بموجب صك الوكالة المعطى لهما من وليهما الشرعي (…)، وكان من المفترض بها حالة بلوغها سن الثامنة عشرة ورغبتها استلام نصيبها أن تتقدم للمحكمة الشرعية بطلب إلغاء صك الولاية المقام عليها واستلام نصيبها بنفسها أو توكيل من تراه بالنيابة عنها وهو ما لم تقم به. ويتضح مما سبق أن مطالبتها بالمبالغ التي صرفت لوليها المدعو (…) أو لمن قام بتوكيله بالاستلام استنادا لولايته عليها يدخل ضمن الحقوق المالية الخاصة التي تختص بها المحاكم الشرعية، وعليها اللجوء إليها لمطالبة وليها بهذه المبالغ التي لم يقم بتسليمها لها، وتطلب المصلحة رفض دعواها؛ لعدم قيامها على سند من النظام. وقد أجاب وكيل المدعية على إجابة ممثل المدعى عليها بأنه حتى عام ١٤٠٧ هـ لا اعتراض على ما قامت به المصلحة من صرف الاستحقاق للولي ووكيله؛ لأن المدعية كانت قاصرة إلا أنه بعد ذلك التاريخ كان من الواجب على المصلحة التوقف عن صرف الاستحقاق؛ لأن الولاية على القاصرة تنتهي بمجرد بلوغها سن الرشد وهو ما أكده خطاب وزارة العدل الموجه للمصلحة بهذا الخصوص رقم (٢٦٣٧٨ / ٢٢) في ١٧/5/١٤٢٢هـ. وقد علق ممثل المدعى عليها على ما أجاب به وكيل المدعية بأن استحقاق المدعية صرف بموجب صكوك شرعية صحيحة ولا يوجد ما يفيد خلاف ذلك وعلى المدعية إثبات إلغاء صك الولاية فعليها مطالبة وليها الذي استلم استحقاقها من المصلحة. وقد أصدرت الدائرة حكمها رقم (٣/ د /ف /٩) لعام 1٤٢٤هـ واعترضت عليه المدعى عليها فأحيل إلى هيئة التدقيق الخامسة التي أصدرت بشأنه حكمها رقم (١٩٤/ت / ٥) لعام 1٤٢٤هـ بنقض الحكم وإعادته للدائرة.

الأسباب

يتضح من العرض السابق أن (…) وكيل (…) يهدف من رفع الدعوى الحكم لصالح موكلته بإلزام مصلحة معاشات التقاعد بصرف استحقاق موكلته من معاش والدها عن المدة من تاريخ 1/7/١٤٠٧ حتى تاريخ 30/3/١٤٢١هـ مما يتعين معه الحكم باختصاص ديوان المظالم ولائيا بنظر الدعوى استنادا إلى المادة الثامنة من نظامه الصادر عام 1٤٠٢هـ باعتبارها من دعاوى الحقوق المقررة في نظم التقاعد. وبما أن المدعية رفعت الدعوى أمام الديوان بتاريخ 22/10/1٤٢١هـ والمصلحة لا تنازعها في أصل الحق؛ فإن تاريخ نشوء الحق هو ١/ ٧/ 1٤٠٧هـ فتكون المدعية متأخرة في رفع الدعوى إلا أن هذا التأخر له ما يبرره وهو صغر سن المدعية وكونها امرأة لا حول لها ولا قوة فضلا عن أنها لم تعلم برفض المصلحة إلا بعد تاريخ14/7/1٤٢١هـ عند مراجعتها للمصلحة وإبلاغها بنتيجة دراسة تظلمها التي وردت بالمذكرة رقم ١٤/٧/1٤٢١هـ؛ لذلك يتعين على الدائرة قبول الدعوى شكلا ونظر موضوعها. أما بالنسبة لموضوع الدعوى؛ فالثابت من أوراق القضية أن المدعى عليها لم تصرف للمدعية استحقاقها قبل تاريخ 30/3/1٤٢١هـ إنما صرفته لأخيها ووكيله بحجة أنه وليها بموجب صك الولاية فله استلام الاستحقاق بنفسه أو وكيله إلا أنه لما كانت الولاية على القاصر تنتهي بمجرد بلوغه سن الرشد وهو خمسة عشر عاما فان قيام المصلحة بصرف استحقاق المدعية لأخيها بعد بلوغها سن الرشد لا يعتبر وفاء بما تستحقه المدعية ويعتبر هذا تفريطا من المصلحة، والمفرط وفقا للقاعدة الشرعية أولى بالخسارة؛ إذ كان الواجب عليها وهي الجهة التي أناط بها ولي الأمر رعاية حقوق المتقاعدين والمستفيدين والمحافظة على أموال صندوق التقاعد أن تتحرى الدقة في صرف الحقوق وإيصالها إلى أهلها وعدم قبول أي مستند فقد قيمته الشرعية والنظامية فصك الولاية وما بني عليه من وكالات تنتهي قيمته بمجرد بلوغ سن الرشد. وهو ما أكدته وزارة العدل الجهة التي أنيط بها إصدار مثل تلك الصكوك حيث ورد في خطاب الوزارة رقم (٢٦٣٧٨/52) في 17/5/١٤٢٢هـ المتضمن إجابة الوزارة على استفسار المصلحة المتضمن ما نصه: (نعيد لكم خطابكم… المشار فيه إلى خطابنا حول ما تضمنته الصكوك الشرعية التي ترد للمصلحة من الولاية على القصر من الورثة، وأنه يتم بموجبها صرف ما يستحقه القصر من استحقاق تقاعدي من مورثيهم، وأن حكم الولاية ينتهي ببلوغ القاصر سن الرشد ولا تقبل النيابة عنه إلا بوكالة. ورغبتكم الإفادة هل يفهم من ذلك أن تحديد سن الرشد ورفع الولاية يعود للقاضي، وبالتالي فإن صرف هذا الاستحقاقات للولي يستمر حتى لو تجاوز هؤلاء القصر الثامنة عشرة ما دام أنهم لم يتقدموا بطلب للقاضي برفع هذه الولاية؛ نفيد سعادتكم أنه إذا بلغ القاصر خمسة عشر عاما فيوقف الصرف لوليه من قبلكم ويفهم بمراجعة المحكمة وعند مراجعته المحكمة يتم النظر في طلب الولي أو من كان قاصرا فإذا تحقق للمحكمة رشد القاصر فيتم رفع الولاية ولا تقبل النيابة عنه (إلا بوكالة شرعية) وأما إذا لم يتحقق لديها رشده ولو كان بالغا فتفيد المحكمة باستمرار الولاية ليتم صرف ما يستحقه القاصر لوليه في هذه الحالة نأمل إفهام من يراجعكم في ذلك بهذا الإجراء). أما بالنسبة لما ذكرته الهيئة الموقرة بالنسبة للقبول الشكلي من أنه (ليس في أوراق الدعوى ما يدل على أن المدعية طالبت المدعى عليها خلال خمس سنوات من تاريخ نفاذ قواعد المرافعات في 6/1/١٤١٠هـ كما أنها لم ترفع دعواها أيضا خلال هذه السنوات فإنها بذلك لا تقبل دعواها إلا بعذر شرعي حال دون المطالبة ورفع الدعوى، وما ساقته عذرا للمدعية لا يصلح أن يكون عذرا لها لأنها بلغت سن الرشد في ١/ ٧/ ١٤٠٧ هـ فأصبح من حقها أن تطلب رفع الولاية عنها، ومن تم مطالبة المدعى عليها بصرف استحقاقها لها، وعدم صرفه لأخيها. أما قول الدائرة بأنها كانت صغيرة فليس صحيحا إذ إنها بلغت حين نفاذ قواعد المرافعات أمام الديوان ثمانية عشر عاما وبلغت ثلاثة وعشرين عاما قبل انتهاء المدة المحددة للمطالبة ورفع الدعوى. أما كونها امرأة لا حول لها ولا قوة فهو قول مرسل لا سند له وإنما المرأة مثل الرجل في إمكانها المطالبة بحقوقها كلها بنفسها أو عن طريق وكيل عنها كما فعلت المدعية الآن حيث وكلت من يقوم بمطالبة المدعى عليها ورفع الدعوى ضدها، فكونها امرأة لم يمنعها ذلك من إقامة وكيل ينوب عنها بالمطالبة بحقوقها ورفع الدعوى بها، وعلى ذلك فإن القبول الشكلي للدعوى مازال بحاجة إلى تحقيق)؛ فالدائرة ترى أن ما أورته الهيئة في عدم القبول الشكلي يناقض ما انتهت إليه في الموضوع فإذا كانت الولاية على القاصر لا تنتهي بمجرد بلوغه سن الرشد فهذا يكفي للقول بأن المدعية معذورة شرعا في تأخرها في رفع الدعوى؛ لأنها لا تستطيع القيام بأي تصرف أو عمل طالما أنها في حكم القاصر. ومما ينبغي التنبيه إليه أن العذر في التأخير في رفع الدعوى لا يعني استحالة أو امتناع رفع الدعوى بل يكفي في ذلك أن يثبت لدى الدائرة التي تنظر موضوع الدعوى وجود صعوبة أو مشقة أو حرج في رفع الدعوى. ولا شك أن الدائرة حينما قررت اعتبار كون المدعية امرأة وصغيرة في السن من الأعذار المبررة لقبول دعواها إنما نظرت إلى ذلك من خلال ما هو معروف من حال النساء في هذه البلاد من الاتصاف بالحياء والأدب الذي قد يمنعهن من كثير من حقوقهن وهذه أمور لا تخفى آثارها على أحد ويؤكد ذلك تفريق الفقهاء بين المرأة البرزة وغير البرزة في بعض الأحكام أمام القضاء، ذلك التفريق الذي يبين عظمة الفقه الإسلامي الذي لحظ أدق أشكال مراعاة التعاون النفسي بين الناس. أما بالنسبة لقول الهيئة الموقرة أن (ما ذهبت إليه الدائرة من إلزام المدعى عليها بأن تدفع للمدعية ما تستحقه من معاش والدها من 1/7/١٤٠٧هـ حتى 30/3/١٤٢١هـ استنادا إلى أن الولاية على القاصر تنتهي بمجرد بلوغه سن الرشد فإن ما ذهبت إليه الدائرة ليس على إطلاقه ولا تنتهي الولاية على القاصر بمجرد بلوغه سن الرشد؛ لأنه قد يبلغ سن الرشد ولكنه غير رشيد أي أنه سفيه أو مجنون ونحو ذلك وانفكاك الولاية يحتاج إلى قاض يحكم بها، واليتيم أو غيره ممن يخضع للولاية هو المعني بإثبات بلوغه سن الرشد، والرشد نفسه أمام القاضي المختص ليحكم برفع الولاية عمن بلغ سن الرشد إذا تحقق من رشده، وأما إذا لم يتحقق لدى القاضي رشده ولو كان بالغا فان الولاية عليه تستمر إلى حين ثبوت رشده)؛ فالدائرة ترى أن هذا القول فيه نظر لأن الحجر نوعان: حكمي وقضائي فالحجر الحكمي يشمل من كان محجورا عليه لذاته وهذا الحجر لا يحتاج إلى حكم قضائي لأنه يثبت بالشرع وممن يشملهم الحجر الحكمي صغار السن من الذكور والإناث الذين لم يدركوا سن البلوغ الذي يفترض فيه أن الصغير قد استكمل عقله وهو عند جمهور أهل العلم بلوغ سن الخامسة عشرة، ويرتفع الحجر في هذه الحالة عند البلوغ من غير حاجة إلى حكم حاكم؛ لأن هذا الحجر إنما ثبت في حقهم بنص الشارع وليس حكم الحاكم، وقد ثبت هذا الحجر لعلة معينة وهي الصغر فوجب سقوطه بمجرد انتفاء هذه العلة وذلك بثبوت البلوغ أو بلوغ خمس عشرة سنة. وأما قول من قال بأنه قد يبلغ سفيها فهذا أمر آخر وسبب جديد يحتاج إلى عرض الأمر على القاضي ليقرر ذلك؛ فالحجر على الصغير ينتهي بمجرد البلوغ وليس هناك تلازم بين الصغر والسفه، والغالب في حال الصغار عند البلوغ الصلاح وليس السفه بدليل أن الشارع الحكيم جعل البلوغ علامة على التكليف، وهذا هو الذي يتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية؛ إذ الأصل أن بلوغ الشخص دليل على اكتمال أهليته وإبقاء الحجر سلب لولايته على نفسه، وفي ذلك إهدار لأدميته وإلحاقه بالبهائم – كما يقول ابن الساعاتي في كتابه شرح مجمع النهرين- ، وفي هذا إضرار بالإنسان وسلب لحقوقه دون موجب وتتضح صورة هذا السلب في حالة تمتع الولي بنفوذ أدبي أو مادي بحكم الإنعام أو الاعتبار أو الهيمنة، وفي هذه الصورة ضرر كبير وخطر عظيم على كرامة الإنسان وآدميته فيتوجه القول بانتهاء الحجر على الصغير ببلوغه وإذا تبين للولي وجود سبب آخر للحجر رفع الأمر للقضاء يقول صاحب الروض المربع: (وإذا تم الصغير خمس عشرة سنة حكم ببلوغه (أو عقل المجنون ورشد) أي من بلغ وعقل (أو رشد سفيه زال حجرهم) لزوال علته قال تعالى فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم (بلا قضاء) حاكم لأنه ثبت بغير حكمه فزال لزوال موجبه بغير حكم) ص ٣٨٩ – ٣٩٠ ويقول: ابن قدامه في المغني: (ولا يعتبر زوال الحجر عن المجنون إذا عقل حكم حاكم بغير خلاف، ولا يعتبر ذلك في الصبي إذا رشد وبلغ، وبهذا قال الشافعي، وقال مالك لا يزول إلا بحكم وهو قول بعض أصحاب الشافعي؛ لأنه موضع اجتهاد ونظر فإنه يحتاج في معرفة البلوغ والرشد إلى اجتهاد فيوقف ذلك على حكم الحاكم كزوال الحجر عن السفيه ولنا أن الله تعالى أمر بدفع أموالهم إليهم عند البلوغ وإيناس الرشد، فاشتراط حكم الحاكم زيادة تمنع الدفع عند وجوب ذلك بدون حكم حاكم، وهذا خلاف النص ولأنه حجر بغير حكم حاكم فيزول بغير حكمه كالحجر على المجنون وبهذا فارق السفيه. وقد ذكر أبو الخطاب أن الحجر على السفيه يزول بزوال السفه، والأولى أولى، فصار الحجر منقسما إلى ثلاثة أقسام قسم يزول بغير حكم حاكم وهو حجر المجنون وقسم لا يزول إلا بحاكم وهو حجر السفيه وقسم فيه خلاف وهو حجر الصبي) (٦/ ٥٩٤ / ٥٩٥). ويقول في الكافي: (وإذا بلغ الصبي وعقل المجنون ورشد انفك عنهما) (2/١٩٣). ويقول الحجاوي في الإقناع: (ومتى عقل المجنون وبلغ الصبي ورشد ولو بلا حكم انفك الحجر عنهما بلا حكم ودفع إليهما ويستحب ان يكون الدفع بإذن قاض وببينة بالرشد وبالدفع ليأمن التبعة) (٢/ ٤٠٥). ويقول صاحب المهذب: (فصل: وإن بلغ مصلحا للدين والمال فك عنه الحجر لقوله تعالى: (إن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) وهل يفتقر فك الحجر إلى الحاكم فيه وجهان أحدهما لا يفتقر إلى الحاكم لأنه حجر ثبت من غير حكم فزال من غير حكم كالحجر على المجنون، والثاني أنه يفتقر إلى الحاكم لأنه يحتاج إلى نظر واختبار فافتقر إلى الحاكم كفك الحجر عن السفيه) (ص1/٣٣١). وأما ما ذكرته الهيئة الموقرة من أن خطاب وزارة العدل رقم (٢٦٣٧٨/52) وتاريخ 17/5/١٤٢٢هـ يؤيد القول بأن الحجر لا ينفك إلا بحكم حاكم؛ فغير صحيح بدليل أنه وجه المدعى عليها بعدم الصرف لولي الصغير إذا بلغ خمسة عشر عاما ولو أن خطاب وزارة العدل بني على القول بأن الحجر لا ينفك إلا بحكم الحاكم لما وجه المدعى عليها بعدم الصرف لأن الحجر لازال باقيا. وأما قول الهيئة الموقرة أن (قيام المؤسسة بصرف استحقاق المدعية لوكيلي وليهما – أخيها – بموجب وكالتين شرعيتين بعد بلوغ المدعية، وقد ذكر في هاتين الوكالتين أنهما مبنيتان على صك الولاية، ومقتضى ذلك أن كاتب العدل المصدر للوكالتين يفترض أنه قد تحقق من مشروعيتهما ومن سريان الولاية وهذا مما أنيط بكاتب العدل وهذا عمله وإن كان هناك تقصير فهو من كاتب العدل نفسه الذي لم يتأكد من سريان الولاية أو عدم سريانها، وبالتالي فإن تصرف المؤسسة مبني على مستند سرعي لا ينقضه إلا مثله، والمؤسسة لا تملك نقضه ولا إلغاءه، كما أنه لا يجوز الامتناع عن صرف الاستحقاق ما دام أمامها وكالة شرعية بالصرف، وعلى ذلك فإن تصرف المصلحة صحيح ونظامي وللمدعية مطالبة أخيها أمام المحكمة الشرعية إن كان لم يسلمها حقها أو إذا كان لم يصرفه عليها)؛ وهذا القول ترى الدائرة أن فيه نظرا من وجوه: الأول: أن المدعى عليها هي الجهة الملزمة بتطبيق أحكام الشرع والنظام المتعلقة بصرف الاستحقاق التقاعدي؛ فالحجر على الصغير عند جمهور أهل العلم يسقط بمجرد البلوغ فلا تستفيد المدعى عليها من جهلها أو تقصيرها في تطبيق أحكام الشرع. الثاني: إذا تقرر أن الولاية تسقط بالبلوغ دون الحاجة إلى حكم حاكم؛ فإن الوكالة الصادرة من كاتب العدل غير معتبرة لفساد أصلها فيكون تصرف المدعى عليها بالصرف لغير المدعية بعد بلوفها باطلا فتتحمل آثاره؛ لأن الفرع يسقط بسقوط الأصل. الثالث: أن القول بأنه لا يجوز للمدعى عليها الامتناع عن صرف الاستحقاق ما دام أمامها وكالة شرعية بالصرف؛ فهذا أمر التسليم به بأي وجه من الوجوه خصوصا في أمر فيه التثبت والتشديد، فضلا عن أنه على قول جمهور أهل العلم تعتبر تلك الوكالات ساقطة لسقوط أصلها وهو سقوط الحجر على المدعية بل إن ذلك يخالف ما تصرح به المدعى عليها للعامة والمستفيدين من أعمالها حيث إنها صرحت في دليل إجراءات استلام المعاش التقاعدي ومواقع الصرف بما نصه (سريان صكوك الوكالات والولايات: ١- الوكالة: تعتبر الوكالات سارية المفعول ما لم يطرأ عليها أحد الأسباب التالية: أ- فسخ الوكالة. ب- وفاة الموكل. ج- انتهاء مدة الوكالة المحددة بمدة. د- مضي خمس سنوات على تاريخ صدور الوكالة. ٢- الولاية يستمر الصرف بموجبها حتى بلوغ القصر سن الخامسة عشرة ما لم يصدر من المحكمة ما يفيد باستمرار الولاية عليه، وبالنسبة للبالغ فاقد الوعي يشترط تجديد الولاية بعد مضي خمس سنوات على تاريخ صدورها) فالمدعى عليها لا تعتبر أي وكالة أو ولاية مخالفة لهذا التصريح وتلزم المستفيدين بهذا فيكون من الأولى أن تلتزم هي به أولا. الرابع؛ أن إمكانية تصور نسبة التقصير إلى كاتب العدل محصورة في إصدار الوكالة، أما الصرف فالتقصير إلى المصلحة فهي الملزمة بأن تتأكد من شرعية أية وكالة أو ولاية تقدم لها وهذا ما تطبقه في الواقع العملي؛ حيث لا تعتبر الوكالات بمضي مدة معينة ولا تعمل بولاية على صغير بلغ سن الخامسة عشرة. وإذا تقرر صحة قول جمهور أهل العلم في أن الوكالة على الصغير تسقط بمجرد بلوغه سن الرشد وأن صرف الحقوق يبنى على التثبت، وأن المدعى عليها قد صرحت لعموم المستفيدين أن الولاية تنتهي ببلوغ الصغير سن الخامسة عشرة، وأن الاستناد إلى وكالة أصلها فاسد أمر غير معتبر وينافي مبدأ التثبت في الوفاء بالحقوق. تبين أن ما قامت به المدعى عليها من صرف استحقاق المدعية لغيرها مخالف لأحكام الشرع والنظام وتتحمل نتيجته وتلزم بصرف استحقاق المدعية بمجرد بلوغها سن الخامسة عشرة ولها الحق في مطالبة من استلم المبالغ بغير وجه حق؛ الأمر الذي تنتهي معه الدائرة إلى الإصرار على حكمها السابق.

لذلك حكمت الدائرة: بإلزام المؤسسة العامة للتقاعد بأن تدفع للمدعية (…) ما تستحقه من معاش والدها من تاريخ 1/7/١٤٠٧هـ حتى ٣٠/3/١٤٢١هـ.

والله الموفق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

هيئه التدقيق

حكمت الهيئة بتأييد الحكم فيما انتهى إليه من قضاء.

فسخ النكاح 300 ريال